الاثنين ٢٤ حزيران (يونيو) ٢٠١٣
بقلم سماح العمر

حنينُ قاتل!

«البعد عن الوطن غربة وبعض الأشخاص عيونهم وطن» هكذا قالت لي صديقتي هبة - التي تكره أن يكتب اسمها بتاء إلاّ أن الديوان رفضوا النشر ما لم تعد النقطتان - عندما رأيتها يوما ومضت الأيام وأنا أنظر في عينيها وعيني كل لاجئ على هذه البسيطة علّني أحظى بكسرة رمقٍ من وطن؛ تهوّن علي ضجيج الغربة المدوّي في أعماق صمتي. ومع ذلك تتكسر أشرعتي و يعزّ علي أن أرى الطيو تحلّق سعيدة فوق سماء الوطن، وأهيم بدندنة العنادل وهي تناديني هناك لأردد معها نشيد الفلسطيني الجريح الذي يحلم برؤية وطنه،ولو لساعة ولو لدقيقة.

تُرى ما الذي يجعل الأوطانَ غاليةً بهذا القَدْر؟ أكلُ الأوطان سواء؟ أكل الأوطان ينهبها الغرباء؟ أتحب الكندية والنرويجية وطنها كحبي؟ أتعلّقُ على نحرها خريطته واسمه وقدسه ومدنه؟

الفلسطينيات نساءٌ يجبلن على عشق الوطن ولو لم تره أعينهن يوما، وتكفيهن في ذلك ذكريات الجدات في رواياتهن عن الطابون والحقول والبيارات والعين والثوب المطرز وأغنيات الفرح وأهاويج الحصاد وموسم الزيتون لتكوّن في المخيلة أبهى الصور. جدتي وحدها تكفيني لأحب بلادي كما لا يحب بلادي أحد.

كلما اقترب تموز أحنّ إلى وطني وألملم آهات الغربة التي أحصيتها في سني حياتي وأمضي إليه قبيل الفجر كظمأى لن يرويها نبع الغرباء، يحسدني الناس على تلك الهوية الورقية التي تحدها البنادق والدبابات ونقاط التفتيش، لماذا أنت يا وطني؟ ألم يجد الأعداء سواك؟ أتتسعُ لكل هؤلاء و تضيق عن موطئ قدمٍ لي؟ للحظةٍ ما أشعر ككلً لاجئ هنا أن العدو ما احتل وطني إلا ليصنع مني أنا شخصيا لاجئة.

وأدرك أن الاحتلال جعل من وطني أرضا يحلم العالم بأسره أن يزوره، خلق في روحي رواسي من حنين ستنهار يوما وتحضنه.

وقبل أن أمضي أودع من حولي، فيهرع إليّ الأهل والأصدقاء أحدهم يريد زيتا وآخر يريد صابونا وووو. وأكثر ما يستفزني من يطلب مني أن أجلب له حفنة رمل. كيف يريدون مني أن أصنع لاجئا آخرا؟ كيف يريدون لهذه الحبات الرملية أن تصبح لاجئة غريبة مثلنا؟ أليس للتراب كما الأشجار أرواح ؟ ألم يكفنا ما نحن فيه؟ أتجاهل البعض بصمتي المعتاد وأكمل رحلتي.

فيردني الجندي عن أول نقطة تفتيش بحجة ارتفاع منسوب الحنين في روحي إلى الوطن وأعود أدراجي مكللة بخيبةٍ وأمل.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى