السبت ٢٩ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧
بقلم محمد سمير عبد السلام

خوف الكتابة

مقدمة الترجمة

بقلم : جاك دريدا

تقديم و ترجمة : محمد سمير عبد السلام – مصر

أولا : مقدمة الترجمة :

الكتابة عند جاك دريدا ترتبط ارتباطا وثيقا ، بالتكرار الأول للحظة النشوء أو التكوين . هذه اللحظة الثرية المليئة بالتناقضات ، و طاقات اللاوعي الحادة ، بين ميول التجميع لاستعادة التكوين ، و ميول المحو ، و الاستبدال اللانهائي للصورة المستقرة للعمل ، فهي كتابة تنشأ و تنتهي من هذا التوتر ، و الخوف الذي يناظر تلك اللحظة ، و يليها ، و كذلك الفرح بالأرض البكر المتجددة خارج المرجع الثابت ، هذا المرجع الذي يلج مخاوف الكتابة كما يصفها دريدا في هذا المقال كعنصر لا واع يحافظ شكليا على النظام ، هذه بنيته ؛ و لكن وصف دريدا برأيي يذهب به في اتجاه مكمل للمحو الذي بدأته الكتابة بنوع من الفرح ، فهو يواصل تدمير الفاعل أو المرجع ، و يواصل حركة الاستبدال الكامنة فيه ، و كأنه يسخر من نفسه ، و من الكتابة اللعبية معا ، و يكشف عن انشطاراتها الداخلية في تخليها عن المركز ، و لهذه المخاوف التي يتحدث عنها دريدا أهمية كبيرة ؛ إذ تؤكد أن اللعب التفكيكي لا يمكن أن يكون بديلا للذات الفاعلة ، و المدلول ، و المرجع ، لكنه تحول مستمر لهذه الأشياء ، و إعادة لتناقضات لحظة النشوء ، في اختلاطها بعوامل الهدم ، في حالات متكررة يصاحبها القلق .

و مثلما يرصد دريدا حالة الذوبان ، أو التداخل بين كل من الصوت ، و الكتابة ، و الدال و المدلول ، و النص ، و القراءة ، و المركز ، و حالة اللعب الاستبدالية الكامنة فيه ، نجده هنا يتحدث عن حالة نصف النوم الحاملة لمخاوف الكتابة بوصفها حريصة على المرجع لكنها برأيي تحمل دلالة استمرار المحو حتى للكتابة الأولى نفسها . إنها طاقة تناهض لعب الدوال من خلال عملية غير واعية تسقط هي الأخرى في لعب آخر ، بتداخلها الأولي مع ميل حالة اليقظة عند دريدا إلى استعادة حضور اللاوعي مرة أخرى ، فهى تحفز اليقظة في سياق الغياب ، و تشبهها في ميل كل منهما لهذا النشوء الملتبس المصاحب لكتابة تتداخل فيها طاقات اللاوعي ، لتعيد تسمية نفسها في كتابة ، أو لعب ، أو قلق ، أو استبدال .. الخ .
يرى دريدا أن الدال يمحى تلقائيا ، في لحظة ولادته ، كما أن المدلول يعمل فيه من قبل بوصفه دالا ، و وجود المدلول في لعبة الإحالات يجسد حالة اللعب التي تمحو الحد الذي كانت تنتظم العلامات انطلاقا منه ( راجع – جاك دريدا – الكتابة و الاختلاف – ترجمة كاظم جهاد – دار توبقال ط 1 – عام 1988 ص 104 ) .

هل تتحول طاقة فقدان هذا المدلول المرجعي ، إلى طاقة مدمرة مضادة للكتابة ؟ هل يختلط حلم الإيروس اللاواعي بعدوان يناهض الاستبدال ، و إعادة لحظة النشوء ؟ هل هو حلم الاكتمال المؤجل ، و قد انقلب إلى سلطة عصابية تنشطر عن تحولاتها و تناثرها الخاص ؟
مثل هذه الأسئلة يولدها حديث دريدا الذي يكشف فيه الوجه الآخر لبهجة اللعب ، في تداخلها المعقد مع المخاوف المصاحبة لرصد التحول الكامن في بناء المركز .

إن دريدا لا يميل في حديثه لوصف ذي اتجاه ثابت لكنك تجد في حديثه عن الكتابة التفكيكية نشوءا لا ينتهي ، و تجد في مخاوف نصف النوم نزوعا نحو المرجع ، و مواصلة لحركة المقاومة في الاستبدال و اللعب .

و لا يمكن عزل هذا الوصف للكتابة و مخاوفها عند جاك دريدا بتداخل الغرائز اللاواعية عند فرويد ، و التي يمكن أن تؤول اللحظات الأولى لظهور الحياة و ما يسبقها ، و كأن فعل الكتابة عند دريدا يحاول القبض على هذه اللحظات المفقودة ، فيقرر دائما في حالة اليقظة أن يتمسك بيقين البكارة ، و لا يتخلى عنه أبدا .

و طبقا لفرويد فإن كلا من طاقة الإيروس الذي يهدف لتوحيد الذرات المفتتة ، و غريزة الموت الأكثر ميلا للحالة اللاعضوية الأسبق ، تحاول إعادة الحالة السابقة لظهور الحياة ، و يؤكد فرويد أن ظهور الحياة هو سبب استمرار الحياة ، و السعي نحو الموت ، و تصير الحياة صراعا و حلا توفيقيا بين الاتجاهين . ( راجع – فرويد – الأنا و الهو – ترجمة د محمد عثمان نجاتي – دار الشروق ص 66 و 67 ) .
هكذا يصير التجسد الأولي للمكتوب عند دريدا حاملا لطاقة الحياة ، و ظهورها المؤدي لتلك المخاوف ، و هذا التعقيد في اتجاهات المحو و النشوء الانفعالية المصاحبة للكاتب حيث تحمل إليه الفرح و الرعب و التعلق بالمنطقة الجديدة من الوجود لتجاوزها . هذا التجاوز برأيي هو المولد الأكبر للخوف .

حديث : جاك دريدا

ترجمة : محمد سمير عبد السلام .

في كل مرة أبدأ الكتابة ، ينتابني إحساس بأنني أتقدم باتجاه أرض بكر جديدة ، لم أكن فيها من قبل . هذا النوع من التقدم يحتاج إلى إيماءات يقينية ، و قد يفهم بأنه عدائي ، مع احترامي للمفكرين الآخرين ، و زملائي .

و بعيدا عن الجدل الطبيعي ، فإن الإيماءات التفكيكية قد تبدو حقا كنوع من الزعزعة ، أو التخريب ، أو حالة من القلق ، أو تحتمل جرحا للآخرين ، و من ثم ففي كل مرة أحقق فيها هذا النوع من الإيماء ، تتولد لحظات من الخوف ، و لا يحدث هذا الأمر أثناء انخراطي في فعل الكتابة .
عندما أكتب أشعر بأن هناك رغبة ملحة أقوى مني تتطلب وجوب الكتابة بالطريقة التي أكتب بها .

و لا أنكر شيئا كنت قد كتبته ، بسبب الخوف من بعض العواقب المحققة ، و أقول عندما أكتب : لا شيء يرعبني . و هذا ما يجب أن يقال أيضا عندما لا أكتب .

و لكن ثمة لحظة غريبة جدا تصاحبني عندما أذهب للنوم ، و بالتحديد بين بدايات النوم ، و النوم الكامل ؛ في تلك اللحظة التي هي نصف النوم تحدث المفاجأة ، فأعيش حالة من الرهبة تتولد عن الذي قمت بكتابته ، و أخبر نفسي : أنت مجنون لأنك كتبت هذا ، أنت مجنون لأنك تهاجم ذلك الشيء ، أنت مجنون لأنك تناقش هذا المرجع النصي ، أو المؤسسي ، أو الشخصي .

يكمن في لا وعيي نوع من الرعب أستطيع أن أشبهه بأخيلة الطفل الذي يفعل شيئا كريها ، و قد تحدث فرويد عن أحلام الطفولة حين يرى الشخص نفسه عاريا ، مذعورا ، لأن كل من حوله يدرك هذا العراء .

على أية حال ففي حالة نصف النوم ، يتكون لدي انطباع بأنني قد ارتكبت جرما ، أو أمرا مخجلا لا يمكن الجهر به ، و لم يكن علي أن أفعله .
و يأتيني شخص ليخبرني : لكنك مجنون ؛ لأنك قمت بعمل هذا ، و أكون مصدقا لهذا الأمر بالفعل في حالة نصف النوم التي تتضمن دلالات سلطة تأمر بإيقاف كل شيء ، و إعادته من جديد ، و حرق الأوراق ، فما أقوم به غير مقبول .

و لكن عندما أستيقظ و أكون في حالة وعي ، و عمل بشكل يقيني ، أقترب بدرجة أكبر من اللا وعي عن حالة نصف النوم ، ففي الأخيرة هناك حذر ، و يقظة باتجاه الحقيقة ، فضلا عن إيحائها بأن ما أقوم به جاد بدرجة كبيرة .
و لكن في في حالة اليقظة و العمل ، يصير ذلك الاحتراس نائما حقا ، و لكل من الحالتين قوة كبيرة ، و لهذا أفعل ما يجب أن أفعله .
* حديث جاك دريدا منشور بعنوان :

Fear Of Writing

على الرابط :

http://www.youtube.com/watch?v=qoKnzsiR6Ss


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى