

خوكم بوحمارة

يتمددون على الرصيف، أفرشة بالية وقطع الكارتون تقي الأجساد من برد الشتاء، السماء مليئة بالسحب الداكنة المتدافعة نحو الشمال، في لجة الصمت وقلة المارة تنعجن المخاوف، يحدقون في الفراع ينزفون الخوف من العيون الجاحظة، الرعب يسكن السحنات، يتصدع التحدي في حضرة الهدوء واللامبالاة، أربعة رجال ينشدون الإنصاف، المستشار الأمي استدرجهم للاحتجاج، اخترقت وجهه صفعة طائشة في اجتماع مسؤول،خر فوق الكرسي مرتبكا من هول الصدمة،هنيهات قليلة انصرمت من عمر الصفعة الحارة، الأذن اليمنى تدفق فيها الطنين بحدة، السائل الأحمر مالح في الفم، المعتدي لا يزال واقفا على أهبة الاستعداد لصفع الخد الأيسر، استجمع شتات الكلمات المبعثرة،اطلق رشاشا من السباب والشتائم، القاعة الواسعة المليئة بالشهود تنتظر انتفاضة المستشار، انتفاضة الديك المذبوح، يعلن القصاص من الأمرد الداعر،كلاب شرسة تتقاتل داخل الأشلاء، المعتدي طاغية يجر تاريخا ملوثا من الاستسقاء السرجي،كل شاذ جنسي امسك بقبضة المسؤولية فهو بالضرورة طاغية،الآهات تتكدس في الأبدان، ولا كلمة تأنيب تسيل من أفواه الحضور، يطلقون نظرات الإذعان من تحت الأنفاس،العيون تهش الشماتة فوق الصدر، الأمن الداخلي يلملم الحروف المندفعة خلف اللسان، ولا حركة في عري التضامن، الزوابع تلتف حول العنق، يبتلع آخر نفس من كاس الصمود، يدير عقارب الساعة نحو البوابة الكبيرة، ثمة سيارات فارهة يرفع لها الحاجز المتحرك،تقدم لها التحية العسكرية، عسس بلباس العمل يحرسون الإدارة الكبيرة، أسلحة نارية ترتاح على الأكتاف، النظرات الشزراء تخترق الأجساد المتكورة في العراء، لافتات خطت على عجل تطالب بالأنصاف علقت على السور الحديدي الطويل، طيلة حياة التشرد لم يرفع صوته فوق تلال مزدحمة بالأشواك، علموه أن يمشي في محاذاة الحائط، حذروه من المخزن والنار وتربية الحصان الحرون، يتجنب فرقعات أحدية العساكر، يخفض الرأس في مواجهة سحنات فارغة من الوداعة والمعنى، مرات عدة تلقى الصفعات من الأتراب، لكنها صفعات من ايدي بضة، لم يشعر بملوحة الدم في الفم، في الطريق إلى مسرح الاعتداء الصفعة تطفو فوق الخد الأيمن، تأوه بشدة واستند مستسلما على عكاز الهزيمة، خرج من القاعة مشتت التفكير، الصفعة على كل لسان، سحقا لشبكات التواصل الاجتماعي، استوقفه أبناء الحي نفخوا فيه الشجاعة والتمرد، ارتوى من غبار الشارع الرد الناجع،لم يجادل في طريقة شحذ مبضع الانتقام، لم يشارك في مسيرة شكل احتجاجي للمطالبة بالحقوق الفردية والجماعية، لم تمطر أبدا فوق الصدر رذاذ الشعارات، كل محتج في الوعي المخروم عدو للدولة، العصا منصوبة فوق الأعناق، والحذاء العريض يطن في الأدنين يحفر في الدماء رعبا، الخوف من نظرة رجل الأمن حين يقضي الساعات الطوال يبيع السجائر بالتقسيط أمام مقهى (الهدهد)، المخفر على بعد أمتار،يراهم يتوافدون على المقهى يدخنون بشراهة، يحتسون صحون البيصر المغمس بالزيت البلدي والكمون، يتكلمون بصوت مرتفع، يكره الكائنات القاسية،يمتحنون الرجولة على صفحات القهر.
وجه النهار يسقط في تلابيب اللامعنى، يهرب من تابوت الإهانات اليومية،خبر أوجاع الزنازين لمدة اربع سنوات،وضع الجرح النازف تحت مبضع القانون، القاضي يشرح الجريمة ويعيد على المسامع التفاصيل الدقيقة، يرفع المطرقة في الهواء ويهوي على قطعة الخشب، الجريمة ثابتة فضحها خوار البقرات وثغاء الخرفان، لم يمهله المحقق لحظة الإنكار، العيون والأقدام المتورمة تفتت التردد في الشرايين، لم يكن الله أبدا إلى جانبه، كانوا أربعة يتنفسون دقات الفجر، الجلابيب الصوفية تقيهم البرد القارس،الطريق إلى السوق شاقة ومتعبة، الحديث العابر لا يبرح الأرباح الصافية، رجالات مدججين بالهراوات والمصابيح اليدوية يسوقون قطعانا، شاحنات تفرغ حمولاتها من البهائم، ضجيج ولغط كبير أمام باب السوق، حين سمع الصرخات تتعقبه، تجمد الدم في العروق، تعالت الأصوات وتجمهر الباعة،الفضيحة تتلقفها الرؤوس،كثرت الهمهمات ودعوات الامتعاض، التفت حول القفا قبضة قوية، احس بالاختناق ورعشة حادة تسري في الأوصال، فر الثلاثة الآخرين إلى وجهات مختلفة، المطاردات لم تنفع،متلبسا يبيع قطيعا من الخرفان والبقرات، الضحية يصرخ مطالبا بالقصاص، تعقب الأثر طوال الليل،الخنجر ينغرس عميقا في الفؤاد، جمرات الجحيم تنعجن في الأضلع، العيون ترحل إلى أعشاش الدبابير، يشد الرحيل إلى الآهات والزفير،حاور في صمت مشوب بالحذر التهمة الكبيرة،امتنع عن الكلام مع المساجين، الجدران لها آذان،أدار مؤشر الساعة نحو سجادة الصلاة،افرد حاجبيه الكثين أمام ضالين اختاروا التقرب من الله ومارسوا الطقوس الدينية، تعلم الصلاة وترديد بعض الآيات،في كل ليلة يبتلع موجات الغصة،يمزق الرعونة والخشونة النابتة في الضلوع،يمطر سقف الجمجمة نوبات الندم،الخيال يركض إلى المسافات البعيدة، يلوي أعناق الحرية المشتهاة، يقيس مسافة الحياة في ردات فعل المارة، يتنفس الخوف من نظرات ترفس الشكل الاحتجاجي،يكرع آخر نصيحة من جار مجرب.
– عليك بالصمود … و لو أجبروك على فك الاعتصام
– المعارك النضالية تحتاج إلى الصبر والتضحية والثبات على المواقف
كلمات كبيرة تستعصي على الفهم، استدرج بعض أبناء الحي العاطلين عن العمل والتفكير، الاعتصام يحتاج إلى المؤازرة والمؤانسة، الليل طويل والبرد قارس، قطع البلاستيك تغطي كامل الجسم،ولا أحاجي ترتق سواد الليل،مصابيح الشارع تختلس النظرات من تحت الأضواء،السيارات الموشومة تدرع الشارع طولا وعرضا، على بعد خطوات من ركام القصف،المارة القلائل يحفرون خنادق الصمت بأحديتهم، عدسات تلتقط صورا للمعتصمين، اللافتات تطالب أعلى مسؤول في الوطن بالتدخل،إنقاذ الإقليم والمدينة المنهوبة،توقفت بعد برهة الحروف عن الهيجان،المأكولات الطازجة تصل إلى المعتصم،ولا مسؤول حلق بين ثنايا الآهات والحسرات، اللامبالاة سلاح فتاك، دعه يعتصم، دعه يرفع عقيرته بالشعارات،نحن في دولة الحريات و الحق والقانون...؟، قصص الاعتصام والاحتجاج تآكلت من ارتطام الجماجم بالواقع المر،كل شيئ ممسوخ في الوطن وفقد بريقه، مكونات المجتمع المدني سقطت في برك الاحتضار، الطرقات امتلأت بالمرتزقة و المتسولين، المدينة أشبه بصفيحة قمامة،تزدحم بالمسوخ البشرية يتحركون بأجنحة تحت اللسان،كل مرة يظهر في الساحة قزم يدعي العلم والمعرفة،تلتف حوله حفنة الواهمين والحالمين والطامعين، بالأمس ظهر شخص من العدم في احد الأرياف حيث الفقر وانتشار الجهل ادعى المقدرة على كشف جبال من الذهب، كلمات أسالت لعاب آلاف الأغبياء، عزف على لحن الثراء، استفاق الجشع في الصدور الواهمة، لباس ابيض ونعل اصفر وغطاء راسي اخضر، سبحة في اليد يطقطق الحبات دون توقف، صعد إلى قمة جبل وراح يخطب في الاتباع، وجوه محروقة منكمشة، مجعدة، تنفلق السماء من التكبيرات، في لحظة انطلاء اللعبة، في أيام متأخرة من صيام التعبد،يكبر التدافع والرفس، يحلق بهم نحو حدود الشمس، يسقي شرايين الأحلام، يدون في الفضاء الواسع شهادة وفاة القناعة وتعطل العقل، حاصرته قوة أمنية واعتقلته، الرجل خارج لتوه من مستشفى المجانين،لم يحن الأوان بعد لحمل الرفوش والمعاول لدفن الترهات، السماء تمطر بين الأحياء طلقات فارغة.
– رأيت في المنام أن القرية بها جبل من الذهب الخالص
اشتغل في مهن وضيعة لإعالة الأسرة، ليس له من متاع الدنيا سوى أسمال ممزقة وبيت طيني، لا مرافق صحية، لا كهرباء ولا ماء،يسرع الخطى إلى حيث لا يدري ليفرغ المثانة، واقف بين السؤال والسؤال، سنوات يعلق الوجه على صدر الصمت،يبحث عن كسرة خبز مغمسة بالذل والمسكنة، لم يكن العابر الأخير على حافة الجرح، ثلاثة اشهر من الاعتصام خوفا من الاعتقال تعلم فن التسول، تضامن الساكنة فجر في الدماغ طموحات اكبر،تفتقت شهيته على عالم شبكات التواصل الاجتماعي، الدروس الأولى أتت أكلها، تعلم النقرات وجمع الإعجابات، يصب جام غضبه على الأموات والأحياء،يظهر في أشرطة الفيديو متذمرا، ساخطا، ناقما على الأوضاع المزرية للمدينة المنكوبة، يدعو إلى المحاسبة،الجماجم تعوي من قلة الحيلة، المنقذ يظهر في الهواتف النقالة، يفتت السام في الخلايا يزيل الصدأ عن الأرواح، خوكم بوحمارة يلوح بسيف الاتهامات المغرضة في الهواء، لقب لازمه مند الصبا، امتلك في مضى حمارة ينقل عليها الخضر إلى المدينة، يطوف على البساتين ليبتاع الخضر الطازجة، طاردته الكلاب اكثر من مرة، يهشهم بالعصا يرميهم بالحجارة، يمشي الهوينى يستغيث هلعا ممسكا بالرسن،فقد فردة حذاء في الطريق،يمشي حافي القلب،يطوف على الدور السكنية عارضا أكياس من البطاطس والجزر والبصل،تقذفه الطرقات إلى حيث انبلاج خيوط الشمس، يتدحرج في منعرجات الزمن العجيف محترسا من شظايا القصف،ممتطيا صهوة الإنسان الورع والثقي، الله حاضر في الحوارات،بحثا عن وجوه بللها الدمع و أنهكتها الحسرة، على الوجه ترتسم تعويذات الخوف في تلاوة الأسماء، غريق ينتشل غريقا، القفف الرمضانية تطير، حظيرة الأغنام نبتت في لمح البصر،النسيب ينخرط في عمليات التوزيع، يسحب من الجيب قائمة بالعائلات المنذورة لكبش الأضحى، الكاميرا تحنط لحظات امتزاج الفرح بالسخاء، امرأة في العقد الرابع تجر ولدين، تذرف الدموع أمام باب الحظيرة، تمتزج الكلمات بالثغاء، دعوات تثلج الصدور،بكارة الحلم الشقي لا تزال عذراء، الحوالات المالية تتكدس في علبة الواتساب،انطفأت في الحوباء فوانيس التشرد، وما زال حبل النصب يشخر بين ثنايا الاستغباء،يشعر بالنشوة وقوة داخلية غريبة،كلمات الإعجاب والإطراء في شبكات التواصل،أسبغ عليه حفدة ابولهب والمنتفعين عبارة (فاعل الخير)، الكلمة لها مفعول خاص في الدماغ، التحقت الزوجة والأخوة والأعمام والأخوال والأصهار بكتيبة جياد التبشير، التسول يشفي الفقير من علة الهذيان، في الحي وخارجه جماجم ترصد الخطوات والسكنات،تحمل معاول الهدم تمسح السبورة المليئة بالترهات.
– بوحمارة يدافع عن الطبقات الكادحة
– هذا ما يدعيه في العلن
– أليس فاعلا للخير
– فعل الخير بمال الغير، دعني أتسول بحالتك المرضية وأمنحك البقشيش هذا شعاره والأيام كفيلة بكشف حقيقة النصاب
– ...
يدعي الدفاع عن المهزومين متضرعا إلى الله ليكون له عونا ونصيرا، يكبر جيش التابعين والمطبلين،يحط الرحال بالكاميرا في بيوت الطين، ثمة طفلة تعاني أمراضا جلدية، أطرافها متورمة مغطاة ببثور غائرة،يربت على الأم والأب ويضم المريضة، تتضخم الآمال وتبتلع الأحلام،يرسل رسائل استعطاف عبر الأثير إلى بلاد العرب والعجم، إلى الكفار والملاحدة، العفاريت والشياطين،دعوات مسيلة للدموع والشفقة،البيت الطيني تضرب منه رائحة النتانة والقذارة، أثاث رث وسحنات انهكها الفقر،عيون مشدودة إلى نبي سينتشلهم من الخيبات،سحب مبلغا ماليا ودسه في يد الأب، اغرورقت عيناه بالدموع، لم يتمرن أبدا على نداء التضامن،يرحل الشك عن الجمجمة وتنفرج الأسارير، رزمة الأوراق ترتاح في الجيب.
– الله ينصرك ويجعلك عونا للفقراء والمحتاجين
– أمين
الهاتف النقال لا يكف عن الرنين، الحوالات المالية ترد من وراء البحار، المغتربون اكثر سخاء وتفهما، صورة الطفلة مبتورة الأصابع اشد قسوة وعنفا،حركت الضمائر الحية وتفاعلت مع الشريط،الصور الحية ابلغ أنباء من الحكي، تقتحم الصور الأشلاء بدون خوف، العائلة لم تسال كيف وصل إليها خوكم بوحمارة، لماذا اختارهم دون الجميع،الله قادر على كل شيئ،كل المسافات في الوطن تنزف دودا،دما،صديدا، قيحا، سكان الأرياف يموتون بالتقسيط، الجفاف اجهز على الماشية والبساتين، يسافرون على الدواب لجلب مياه الشرب،يلقي على المسامع موالا يوقظ في الأبدان رحمة رب العالمين، الآلة تحفر الأرض،يغوص المثقاب في الأعماق،الفلاح الملتحي يرقص على أنغام نقع الغبار المتطاير، تمددت العيون المتحلقة على قارعة الانتظار، تطير قطع الخبز المدهون بالزبدة البلدي، تفرغ في الجوف كؤوس الشاي المنعنع، رغم الفقر الناس البسطاء كرماء، الآلة تحفر عميقا الارتدادات تصيب بالدبيب في الأرجل، يخرج التراب الندي، تهللت الأسارير وسرت همهمات،يصعد الماء عاليا يعانق السماء، ترتفع التكبيرات، نساء يزغردن فرحات، انتهت مواسم العطش والنحيب والتذمر والسفر إلى الأبار البعيدة،خوكم بوحمارة بطل دفع لصاحب الآلة المبلغ المتفق عليه،عدسات المصورين تحنط اللحظة، عناق حار ودعوات تثلج الصدور.
– خوكم بوحمارة اشترى سيارة رباعية الدفع
– من الحمارة للسيارة….؟
– التسول بالمرضى والحالات الاجتماعية والنصب يرفع النصاب درجات
– العائلة بكاملها احترفت التسول
– النصب والتسول أسهل الطرق إلى الثراء
فاعل الخير اشهر من نار على علم،يرتق الجروح والآلام، يصطاد الفرائس بعناية فائقة من الأرياف، الأيام تدخل من النوافذ برزم الأموال،صاحب وكالة سحب الأموال الأعرج ينتقل إلى بيت اشهر متسول، يفتح الهاتف في لوعة شديدة، منصة التواصل الفوري واتساب تضج بالحوالات،يدخل الأرقام في الحاسوب،النقرات قائدة الاوركسترا،يسحب حقيبة جلدية مكدسة بالأوراق الزقاء والبنية، تبدأ عمليات العد، وتجحظ العيون وترفرف طيور الفرح في الأشلاء،تنضج الحيل في الدماغ ويسبح في محيط من الهواجس، اعين كثيرة تطارده تحصي السكنات والحركات، تحفظ تاريخه عن ظهر قلب، الحساد في كل مكان، زميله الذي علمه النصب والتباكي على الحالات المرضية اعتقل وحمل إلى السجن، مروض المحتالين اسقط العديد من المقنعين،الراقصون على رصيف المؤامرة تكشفهم الأيام، لا يمكن استمرار خداع الناس بدون السقوط، الذين يلعبون بالنار مصيرهم الاحتراق،الاحتراس من الدسائس والفخاخ حاضر في المخيلة،استدعي إلى مخفر الشرطة،جلس فوق الكرسي يعتصره غضب مهيض ومر،أصوات قوية تأتي من المكاتب المجاورة، طقطقات الأحذية في الممرات لها وقع خاص، الجدران عارية إلا من بعض الرفوف المتآكلة،لم ينم ليلة البارحة مند توصله بالاستدعاء،ضجت في الرأس عشرات الأسئلة،لم يرتكب جرما ولا مخالفة سير،ما أطول ذيل النهار إذ يرفع من معدلات حرقة الانتظار،تهطل الأسئلة بغزارة كزخات موجعة،وادت الحماسة في الصدر،لأول مرة يرى حقيقته، الألاعيب السمجة لا تنطلي على احد، يمكن أن تكذب وتكذب لكن لا يمكن ابتلاع جميع الأكاذيب، حبل الكذب قصير، استوطن الخوف في الحنجرة مند ساعات الصباح الباكر،سنة حبسا موقوف التنفيذ وغرامة مالية،تنفست الرئة من دخان الأوصال،تندفع الرائحة الكريهة في الحلق من كابوس الصفعة،سقطت قذيفة على مقربة من زورق أحلامه،يطأطأ الرأس وينحني إذلالا،لا حاجة للمرافعات ودفع أتعاب المحامي،التهمة واضحة لا غبار عليها، يعترف انه تورط في لعبة اكبر منه،لعنة التشهير تلاحق كل وطني غيور،خوكم بوحمارة لا يعرف من الوطنية سوى النصب والاحتيال، فاعل الخير يختبأ وراء أقنعة مزركشة، يطلق نداء لشراء ارض لدفن أموات المسلمين، المقبرة امتلأت عن آخرها،يقف وسط شواهد القبور، أسماء كثيرة غيبها الموت، ثمة نسوة يقفن عند قبر ينثرن رماد ذكريات رسمتها مواعيد الفراق، الفقيه يتلو آيات من الذكر الحكيم، تجار كلام الله يتواجدون في كل المقابر، لا فرق بين النصاب والمتاجر بكلام الله، يرتفع الصوت يعم الهدوء القاعة الكبيرة، ثمة مساجين يمرون أمام الحاكم بأمر المساطر، نبرة القاضي أعادته إلى حجمه الطبيعي.
توسعت الأنشطة الملتبسة، كثر عدد التابعين والنابحين،مع اقتراب عيد الأضحى اطلق حملة لشراء مئات الخرفان، خوكم بوحمارة يظهر بملابس أنيقة يلقي المواعظ ويعد الخرفان الضالة بالجنة، الله غفور رحيم، ألقى بالأسمال الرثة، باع الدراجة الهوائية كما باع الحمارة من قبل، نهاية السنوات المقرفة والعجاف، البيت المتواضع يستقبل الأثاث الفاخر، أجهزة تلفاز ومبرد أواني وصحون باهظة الثمن، السيارة رابضة أمام المنزل، اصبح له سائق خاص،الأكاذيب تمطر حوالات دسمة،دخل فعل الخير بقيود الحرمان،طور أساليب استدراج الضحايا، يتعقب شفاه ملتهبة بلسعات الحرمان، وجوه تمشي كل يوم في مواكب الاستعطاء، تركل في سخط دورة العمر وتنشر غسيل قلة الحيلة، يستدر العطف والشفقة وتتقوى أوردة التراحم،يزرع الابتسامات فوق هضاب قاحلة،شيخ ملتحي يقف أمام مسجد، لوح خشبي خط عليه رقم الهاتف بخط ركيك،طلب مساعدة لاستكمال بناء بيت يذكر فيه اسم الله،يسحب من الجيب رزمة أوراق أمام الكاميرا، يبدأ العد..واحد...ثلاثة… عشرة...عشرون… ثلاثون...، يطلق العنان لكلام استهلك في مئات الأشرطة،أسطوانة تعرضت للتلف،يستعجل الضالين للتوبة من الخطايا،يلعلع الحديث النبوي (من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله عز وجل بنى الله له بيتا في الجنة) تلعثم اكثر من مرة، الإلقاء لم يكن ناجحا، ترك مقاعد الدراسة في سن مبكرة،في زمن التسكع لم يتعلم سوى سوى الاحتماء من الصفعات والركل،جرب جميع الحرف واستوى متسولا محترفا، التسول بالآخرين أخرجه من الفقر،يداعب الأجساد المنهكة بلسعات الخنوع،طاف حول البناية اكثر من مرة، سحب سجادة الصلاة، غرغر الماء وبصقه، توضأ من صفيحة معدنية،الشيخ يرتل القران ترتيلا، انضاف إلى المصلين بضعة أنفار، الإمام يطلق العنان لدعوات فارغة من آهات الخذلان،الصوت الرخيم يضرب عميقا في الشرايين، الرؤوس تنحي على قصعة الكسكس المزدهرة بالخضر والدجاج البلدي،الجوع كافر تدخل الأيدي فارغة وتخرج محملة بلقم اكبر من حجارة الرجم،احس بانه يقبض العالم في راحة الكف،في جلسة خاصة مع أبناء الحي، أوهموه أن تمثيل الساكنة شرف كبير، نفخوا في الأهمية والمقدرة، انه افضل من عشرات ممثلي الشعب، الانتخابات على الأبواب وحظوظه كبيرة، الفكرة تخمرت في الدماغ، ظل يلوك الكلمات فوق سرير التأمل،لا ضير من دخول غمار التجربة،نجح في كنس كماشة الفقر في بضعة سنين، التسول العابر للقارات اكثر إنتاجية،لم يعد يهدي على قارعة الجوع،صار يتكفل بعائلات، يشغل اكثر من نفر، استبدل الوجوه القديمة بوجوه أخرى، يخاف من انفضاح الأمر وترمي على الوجه الخطيئة الكبرى، الاحتراس الشديد لم يمنع تناسل الإشاعات، كل شيئ ظاهر للعيان، بوحمارة ترقى اجتماعيا، من الحمارة للسيارة صرخ في وجهه احد الاتباع الناقمين، الحقد يتدحرج سريعا إلى مشرحة الزمن، يتألم من شظايا القصف، يمسح بالكم اللعاب المسال على الذقن، لا مفر من عواء الزمن القاسي،المعاملات القذرة تخرج إلى الشارع، الساعة تزف موعد الهزيمة، صور المترشحين تغرق الأزقة والأحياء،الانتخابات لعبة مبتذلة في الوطن، كل شيئ متحكم فيه عن بعد من صناع الخرائط السياسية،المغضوب عليهم يهتفون تحت السنة مقطوعة،وجوه شاخت وتخشبت في مؤسسات الشعب تنشد التغيير، شيئ مقرف ومضحك،المفسدون يعزفون نفس الشعارات المفككة التعابير،خوكم بوحمارة يعد القوة الناخبة بالخير العميم، يقرا في السحنات بعضا من الاحتراس وعلامات الاستفهام، معركة الكذب والنفاق انتهت، الحملة الانتخابية وضعت أوزارها، الصمت يعم المدينة المغتصبة،،المكاتب تستقبل المصوتين، التجار لا زالوا يستميلون الساكنة يقايضون الأصوات بالأوراق الزرقاء،البؤس يندلق من الرؤوس حين جلس حراس المعبد يقسمون الغنيمة،يتحسس ملوحة في الفم،تهطل دموع الفرحة من حرقة الانتظار، سقط بالمظلة في المؤسسة الدستورية، جلس فوق الكرسي الدوار، يبحلق في السحنات المستهلكة،الرئيس يعلن بداية نقاش جدول الأعمال،تسقط في المخيلة آلاف الصور عن فيالق العهر والتعاسة، المسرحية سمجة وحقيرة، تفقس في الحوباء شعلة الامتعاض،الموالون يكرعون أنخاب الصمت والتواطؤ، وعيون هاربة من أهازيج الترافع الشقي عن المدينة، الذاكرة متخمة بضجيج الخذلان،يرفع اليد عاليا في الهواء، اطلق العنان لقاموس التبخيس والإدانة من إبريق الشهامة، نفخ الغضب و التوبيخ في أحشاء القاعة الواسعة، النفاق وزرع الاكتئاب عملات رائجة، ثورة الهيجان تصل إلى الذروة،السب والشتم يفرقع، ينهض الرئيس الضالع في النهب والاختلاس، يسرع تمتد اليد إلى الكرسي الدوار، يشعل الخد الأيمن بصفعة قوية ومركزة، اشتعلت لها عشرات النجوم في الرأس، السماء تسح دموعا،الخوف يزحف بين الضلوع، لم يكن برد الشتاء بل برد الانخراط في حركة احتجاجية تحتاج إلى المران الطويل،حين توصل بالاستدعاء تلاطمت بدواخله أمواج المد والجزر، شريط الفيديو الحجة أسقطه في المحظور، اتهم سياسيا فاسدا بالسرقة، عليه إثبات ما يدعيه، في الطريق إلى المفرمة انتعل صفارات الحذر، الجريمة تغرس الأسلاك الشائكة بين لهاثه،يغرس النظرات في الأرض ويسافر على متن التأوهات،الأحداث تمطرق الدماغ، يفتح أسطوانات القصبة الهوائية، يتمدد فوق كومة من الحسرات،يرتبك، يتعرق، يرتعد،تتشابك الأسئلة في الجمجمة وتهرب الأجوبة،المحقق يداعب لوحة المفاتيح، تخرج الورقة الأولى والثانية… من الطابعة، المحضر جاهز للتوقيع، يوقع بأصابع مقطوعة، يرتعش القلم في اليد، يقف السجان على باب الجمجمة منتصبا يهش قطيع أحلامه.
– كان عليك الرد على الصفعة بأحسن منها
– لو صفعك رجل لهان الأمر… أن يصفعك شاذ جنسي سلوك غير مقبول