دعوةٌ للاحتفاء بمهرجانات السينما العربية
في احتفاليته الثلاثين الماضية، لم يخفِ مهرجان القاهرة السينمائيّ الدوليّ أهدافه السينمائية، السياحية الاقتصادية، والترويجية، وكان مخلصاً في التعبير عنها من خلال العروض المُكثفة، الندوات، اللقاءات، المؤتمرات، الكتيّبات، النشرات، الجولات السياحية، السهرات، والأجواء الاحتفالية.
إنها قواسم مشتركة لكلّ مهرجان كبير يطمح بأن يكون علامةً فارقة في خريطة المهرجانات السينمائية، وواجهةً رسميةً يُطلّ من خلالها على السينمات الأخرى، ويحتفي بإنتاجه المحليّ.
هي فرصةٌ سنويةٌ ينهل منها العاشق للسينما ما يشاء من الأفلام، ويجد المتفرج الفضوليّ ما يبحث عنه، ويحفزّ الآخرين على المُشاهدة، والفرجة في صالات العروض السينمائية التي هجرها لحساب شاشات التلفزيون.
وفي أنحاء العالم، فإنّ لكل بلد مهرجانها الأكبر، تعتزّ به، وتفتخر : برلين، كان، فينيسيا، لوكارنو، ،لندن،... ولم تشذَّ الدول العربية عن القاعدة : دمشق، دبيّ، مراكش، تونس، القاهرة،...
وهكذا، فإنه من الطبيعي بأن تتوجه الأنظار نحو تلك المهرجانات بالذات، بينما تدور الأخرى الأقل حجماً (وليس أهميةً) في فلكها، بدون أن تصبح هامشيةً (بالمعنى السلبي)، وكلها تتقاطع في أهداف مشتركة :
– تقديم أفضل الإنتاج السينمائيّ للمتفرج المحلي.
– التعريف بسينمات مجهولة.
– الكشف عن مواهب سينمائية واعدة.
– نشر الثقافة السينمائية.
– جذب الجمهور إلى الصالات السينمائية.
– الدفاع عن السينمات الوطنية(المحلية).
– التعريف بالأفلام القصيرة، والتسجيلية،....
وفي مصر بالذات، فقد تخيّرت السلطات السينمائية بأن تستقطب القاهرة مهرجانها الدوليّ¸ ومهرجان أفلام الطفل، والمهرجان القومي للسينما المصرية، بينما احتضنت الإسماعيلية مهرجان الأفلام التسجيلية، والقصيرة، وبسبب موقعها الجغرافي، ومكانتها المتوسطية، فقد كان مهرجان أفلام دول البحر المتوسط من نصيب الإسكندرية.. وبشهرة أقلّ، توزعت مهرجانات صغيرة في السويس، الفيوم، والعريش،....
بينما تحتفي فرنسا (وحدها) بحوالي 500 مهرجان صغير، ومتوسط، وكبير، عامّ، ومتخصص، وكل واحد منها يختلف عن الآخر في طبيعته، وتوجهاته، ومصر بريادتها، وإنتاجها السينمائي الحافل، وتأثيرها على سينمات الدول العربية الأخرى، ينعقد على أرضها عدد قليل من المهرجانات السينمائية لا تسلم من الانتقادات الصارمة، واللاذعة.
صحفيّ مصري يعيش في باريس كتب مرةً في موقع إلكتروني خطاباً مأساوياً تحت عنوان (دعوةٌ إلى عقلنة مهرجاناتنا السينمائية) يُطالبها بأن تتوقف، وتحوّل ميزانياتها إلى صندوق بناء ما دمرّه العدوان على لبنان .
وتساءل : (تُرى ما جدوى المهرجانات السينمائية العربية بعد تدمير لبنان؟).
حتى وصل إلى دعوته بأن (تحترق مهرجاناتنا السينمائية العربية بجاز)، ولم أسمع ما يشبه هذه الرغبة الجهنمية من أكثر الأنظمة ديكتاتوريةً، ولا حتى من أشدّ الجماعات التكفيرية تطرفاً، ولم يقلها حتى (هتلر) نفسه.
بينما كانت صحفيةٌ مصريةٌ مبتدئة تتحدث بحماسّ أمام مجموعة من ضيوف الدورة الأخيرة لأيام قرطاج السينمائية، وتعبّر عن رغبتها بأن يتوقف مهرجان القاهرة السينمائي عن نشاطه بسبب تدهوره المُتواصل (أيّ تدهور؟ ).
وناقدٌ سينمائيّ مصريّ (يعيش في لندن) يُكيل اتهامات بالجملة إلى المسؤولين عن المهرجانات العربية، ومنها القاهرة، ومديره السابق (شريف الشوباشي)، و(عزت أبو عوف) مرشحٌ بدوره لكثير من الانتقادات.
وفي متابعات صحفية أخرى، يعتقد البعض بأن المهرجانات في مصر كثيرة، ولا يمكن متابعتها كلها، والكتابة عنها، ولم يقتنع هؤلاء بعد بأنه ليس من الضرورة لصحفيّ بأن يتابع كلّ نشاط سينمائي(أو ثقافي) في بلده، فهل يستاء صحفيّ، أو ناقد سينمائي فرنسي من ال500 مهرجان المُنتشرة في كلّ أنحاء الأراضي الفرنسية؟
والأكثر أهميةً من هذا الرأيّ، أو ذاك، تلك التصريحات الإعلامية لبعض المسؤولين عن المهرجانات نفسها، إذّ يعتقد البعض منهم بأحقيّة بلده في الحصول على كلّ الامتيازات، وهذا ما حدث بالضبط قبل، وبعد انعقاد الدورة الأولى لمهرجان دبي السينمائيّ، عندما تقاطعت، وتجاورت أيامه مع مهرجانيّن آخرين، القاهرة، ومراكش، ونال بعض الفنانين المصريين الذين تركوا القاهرة، وتوجهوا نحو دبيّ الكثير من الأقاويل، والإشاعات، والاتهامات التي وصلت إلى حدّ (الخيانة)، وهنا يختلط المعنى، ويتحاذى، أو يتجاور، أو يمتزج ما بين خيانة المهرجان نفسه والوطن الأمّ مصر.
المهرجانات العربية الكُبرى الأربعة تتشاحن، وتتخاصم، وتتبادل الاتهامات، فكيف لو تخطى عددها في يوم ما (مُتخيّل) ال1000، كما الحال في دول (المجموعة الأوروبية) التي تحتفي، وتفرح بكل مبادرة سينمائية تُقام على أراضيها، ومن أجل ذلك، أسّست فيما بينها جمعيةً غير ربحية هي (التنسيقية الأوروبية لمهرجانات السينما)، وتصدر عنها نشرة متخصصة تهتمّ بأخبارها، ونشاطاتها.
كلّ ما توصلت إليه المهرجانات العربية هي الاتفاق على مواعيد انعقادها، بحيث لا تتقاطع أيامها، فكانت النتيجة فارق يوم، أو يومين ما بين تاريخ نهاية الأول مع بداية الثاني، وكأن السنة كلها قد تجمعت في ثلاثة شهور (أكتوبر، نوفمبر، وديسمبر)، بدون أن تفكر بعقد مهرجاناتها على فترات مُتباعدة من العام، وبدون أن تتقاطع أيضاً مع مواعيد انعقاد المهرجانات العالمية الكبرى، لأن القائمين على المهرجانات العربية يحرصون على حضورها لمُتابعة الجديد فيها، وهي مصدر اختياراتهم، فقد أصبحت مثل (سوق الهال) تقدم أفلاماً بالجملة، ويذهب إليها مهرجانات المفرق للفرجة، والمُشاهدة، والاختيار، ..
يكتفي الفريق الفني لمهرجان القاهرة السينمائي (مثلا)ُ بمتابعة مهرجانات بعينها، بينما يمكن العثور على جواهر سينمائية حقيقية في مهرجانات أخرى لم تصل أفلامها إلى المهرجانات الكبرى، وهو ما تخيرته بعض المهرجانات باعتمادها على مبرمجين(مكتشفين) في تنظيم أقسامها، واختيار أفلامها، ينتقلون من مهرجان لآخر للمُشاهدة، والاتصالات، والاتفاقات، وهو ما يفعله مهرجان دبيّ، ومنذ سنوات تخيّر (مسعود أمر الله) مدير (مسابقة أفلام من الإمارات) بأن يكون هناك تيمةُ يقدمها في كلّ دورة، بدأت مع (السينما التجريبية)2003، (سينما التحريك) 2004، (السينما الشعرية) 2005، (الفيلم القصير جداً) 2006، ومن ثم (الطريق في السينما) 2007، وربما هي الصدفة وحدها التي جعلت مهرجان الإسماعيلية يضيف مسابقةً للأفلام التجريبية، وندوةً موسعة عنها في دورته لعام 2005، وأخرى خاصة بالسينما الشعرية في دورته لعام 2006