دعوةٌ إلى عقلنة نقاد السينما العربية
بتاريخ (الأربعاء 16 أغسطس2006) كتبَ الصحفيّ، الكاتب، الناقد، والباحث السينمائيّ
المصريّ (صلاح هاشم) ـ هكذا يُحبُّ أن يُعرّف بنفسه دائماً ـ في موقع (إيلاف) الإلكتروني خطاباً مأساوياً(يُسمّيه مقالةً) تحت عنوان (دعوةٌ إلى عقلنة مهرجاناتنا السينمائية لإعادة إعمار لبنان) .
مشاعر، وأحاسيس، وانفعالات إنسانية نبيلة، منطقية، مفهومة، وجديرة بالاحترام، ولكن، مالا يمكن استيعابه، تلك المطالب الغريبة التي سرعان ما تحولت إلى مزايدات قميئة.
فقد بدأت المهرجانات السينمائية العربية في السبعينيّات من القرن الماضي، ومنذ ذلك التاريخ، وحتى اليوم، عانى الوطن العربي ـ وما يزال ـ من كوارث، وحروب، ومآسي، وخاصةً في فلسطين، ومع ذلك، لم تتوقف الحياة يوماً، ولن تتوقف في كافة أشكالها، وفي الوقت الذي تحولت السينما إلى جزء من حياتنا اليومية، أصبحت المهرجانات العربية ـ على قلّتها ـ جانباً هاماً من النشاط السينمائيّ، وبفضلها، حققت السينما العربية بعض الانتشار، وكسبت ملايين المتفرجين، وتوسّعت الثقافة السينمائية، ومن هنا، فإنّ زعيقاً من نوع (تُرى ما جدوى المهرجانات السينمائية العربية بعد تدمير لبنان؟) غريبٌ، ومُستفزّ.
لقد حصلنا على المُتعة، والثقافة، والمعرفة، وحتى اكتسبنا الحسّ النضالي، والثوريّ من خلال السينما، وأصبحت بالنسبة للبعض بمثابة الطعام، والشراب، والهواء، فكيف يُطالب صحفيّ، وناقدٌ سينمائي يعشق السينما، ويلاحقها من خلال مهرجاناتها في كلّ أنحاء العالم بحرماننا منها؟
فمن وجهة نظره، علينا بأن نتوقف عن الحياة عند كلّ حدث، أو مصيبة نتعرض لها، وهي لم تتوقف منذ ستين عاماً، ومرشحة للمزيد، وبينما يجزم بأن (الواجب يدعونا بأن نُطالب هذه المهرجانات، كما في دبي، والقاهرة، ومراكش، وغيرها من المهرجانات السياحية، الاحتفالية بأن توقف نشاطاتها)، وترفع رايات الحداد، فإنني أقترح عليه ـ وببساطة ـ أن يُقاطعها، ولا يستجدي دعوة أيّ واحدّ منها، طالما أنها سياحية، واحتفالية، مع أنه لم يكن يوماً لا في دبيّ، ولا في مراكش، وتطبيقاً لاحتجاجاته، كان عليه أن يتوقف، ومنذ زمن طويل، عن متابعة مهرجان القاهرة الذي لا يُرضي طموحاته السينمائية .
وهل يجدر بي هنا تقديم قائمةً طويلة جداً بالأفلام التي عرضتها تلك المهرجانات الثلاث، داخل مسابقاتها، وخارجها، كي يحكم القارئ بنفسه فيما إذا كانت كما يصفها (تافهة، عقيمةً، وعبيطة)، (وعمل مسابقات بينها، تتحكم فيها العلاقات الشخصية، والدبلوماسية)، وإذا كان مهرجان دبيّ حتى دورته الثانية بلا مسابقة، فهل الحكمة من ناقدّ بأن تصل تصفية حساباته مع هذا، أو تلك إلى نزع النزاهة، والمصداقية عن مديري تلك المهرجانات، ومنظمّيها، ولجان الاختيار، والتحكيم، فيربط مهمّات هؤلاء جميعاً بالعلاقات الشخصية، والديبلوماسية(كما حدث في مهرجان البينالي الثامن في باريس) ـ على حدّ قوله ـ والذي تشرفتُ بالمُشاركة في لجان اختياراته لدورتيّن متتاليتيّن(السابعة2004، والثامنة2006)، وأسمح لنفسي بالتأكيد على صبيانيّة ادعاءاته، وسذاجتها، لأن من يوزع اتهامات بالجملة، من نوع (وتدفع بالتالي إلى استبعاد بعض الأعمال السينمائية الجيدة المهمة)، يجب أن يكون في وسط لجنة الاختيار شاهداً على ما يحدث فيها، ولا يضع ذوقه الشخصي، واعتباراته الخاصة مقياساً، أو التشكيك في نزاهة، ومصداقية لجان التحكيم، وأيّ تلميذ في السنة الأولى من معهد سينمائيّ يعرف بأنه لو تغيّر واحدٌ من أعضاء لجنة ما بشخص آخر، يمكن للنتائج أن تتغيّر.
ومن جهة أخرى، ألم يصل إلى (بينالي السينما العربية) بفضل علاقة الصداقة التي تربطه مع (د. ماجدة واصف) ـ المُفوضة العامة ـ التي أوكلته مهمة تقديم بعض الأفلام، وتنشيط ندواتها، ومن ثمّ جاءتها شكاوى كثيرة عن مستوى لغته الفرنسية، وضعف إدارته للندوات، مما أجبرها على استبداله بناقد سينمائي آخر(يوسف شريف رزق الله) أكثر إتقاناً للفرنسية، ومعرفةً بتفاصيل إنجاز فيلم (عمارة يعقوبيان) لمخرجه (مروان حامد)، وهي أمورٌ تنظيميةٌ تحدث في أيّ مهرجان، ويمكن تجاوزها، ومن المُحزن بأن تكون مبرراً للانقلاب على البينالي، ومنظمّيه، وتوجيه الاتهامات للجميع بالجملة، ومن المُؤسف حقاً بأن يبصق المرء في الطبق الذي يأكل منه.
والمُفترض بأن صحفياً، وناقداً سينمائياً (يعيش في فرنسا) يؤمن بالتعددية، ويحترم ذوق الآخرين، واختياراتهم، لا يسمح لنفسه بالكتابة عن أفلام ـ مهما كان مستواها الفني ـ بكلمات من نوع (غثة، ورديئة، ومعظمها ينتمي إلى جنس الأفلام العائلية البحتة، ولا تصلح إلا لعرضها على أفراد عائلة كل مخرج فقط، وعيب عرضها علي الجمهور).
وهو يقصد (البوم) لمخرجه العُمانيّ (خالد الزدجالي)، و(ظلال الصمت) لمخرجه السعودي (عبد الله المحيسن)،..، أليس العيب نفسه بأن يكتب عنها بكلمات، ومفردات سوقية، وفي الوقت الذي أتمنى في يوم قادم الكتابة عن مفهوم النقد، أشير هنا، بأن الناقد السينمائي ليس الحاكم بأمر الله يُوجه المتفرج وُفق وجهات نظره، وذوقه الخاصّ، ولكن، من أولى مهماته، بأن يشجعه على الذهاب إلى صالة العرض لرؤية الفيلم، ويكشف له في كتابته(سابقاً، أو لاحقاً) عن تفاصيل صغيرة، وكبيرة تجعله يستقبله بشكل أفضل، والنقد النزيه، والموضوعي يفتح الطريق أمام المتفرج، ولا يغلقه، وإلاّ كيف نفهم محتوى عبارات من نوع (لا تستحق الدخول في منافسة إلا مع نفسها، ولا ينتظر أحد مثل هذه الأفلام في بلادنا على أحر من الجمر، لأننا شاهدناها، وقيّمناها، وخسفنا ببعضها الأرض، وقلنا أنها التفاهة بعينها، وتكريس للهراء العام، وفن السينما منها براء).
ألا تعني هذه الفقرة بوضوح الاستهجان بأفلام بذل مخرجوها جهداً كي تتحقق، أليسّ من الحكمة بأن نصفق لأول فيلم روائي عُماني، وأول (أو ثاني) فيلم روائي سعودي، ..أليسَ من الإنصاف أيضاً الكتابة عنها بطريقة مُغايرة عن تلك الأفلام المصرية التجارية التي لا تخفي أغراضها، وكيف يمكن أن تبدأ سينما، وتتطوّر بدون التجربة، والخطأ، وهل نسينا بأن صناعةً سينمائيةً راسخة قد تأسّست في مصر من خلال مبدأ التراكم، فكيف نخسف بهذه المُبادرات الأولى الأرض، وكيف بناقدٌ سينمائيٌّ عاقلٌ(يعيش في باريس)يطلب من المهرجانات العربية بأن تتعقل، وتعود إلى صوابها، يرتضي استخدام أسلوب (قمعيّ) تخجل منه أكثر المؤسّسات الرقابية العربية تزمتاً.
وبهذه المناسبة، أدعو (من كلّ قلبي) بأن يبادر كلّ قارئ لمُشاهدة تلك الأفلام، والحكم فيما إذا كانت(التفاهة بعينها، وتكريس للهراء العام، وفن السينما منها براء)، أم أنّ كتابات هذا الصحفي، هي (الهراء العامّ، والنقد السينمائي منه براء).
والغريب، بأننا لم نسمع من أكثر المُتطرفين تشدداً فتاوى من نوع (الواجب أن تبادر فوراً تلك المهرجانات إلى تخصيص ميزانياتها، وجوائزها المالية هذا العام، لإعادة إعمار لبنان، وبناء الجسور، والكباري، والمرافق المهمة التي دمرتها إسرائيل، لتعيد اخوتنا في لبنان إلى عصور الجاهلية، والانحطاط، وتدمر حياتهم، فتدمي لتلك مأساة قلوب العرب محليين، ومغتربين في كل مكان، وتروع لصور الدمار، والقتل، والمذابح، ودم أطفال العرب المُراق).
ونحمد الربّ، بأن ما حصل في لبنان لم يوصله إلى (عصور الجاهلية، والانحطاط)، وهو أقوى معنوياً مما كان عليه قبل العدوان، ولكن، بعد تلك المحنة، دعونا نتخيل وطننا العربي بلا مهرجانات سينمائية، ولا تظاهرات مسرحية، ولا نشاطات ثقافية من أيّ نوع ـ لماذا يتوّجب على السينما وحدها بأن تشارك في إعادة إعمار لبنان؟ ـ ، وتُحول ميزانياتها، وجوائزها إلى صندوق إعادة بناء ما دمرّه العدوان على لبنان، وفي الوقت الذي يمكن أن يبني اللبنانيون طريقاً، أو جسراً، سوف يعمّ (الخراب الثقافي) في كلّ بلادنا العربية، وسوف نعيش سنةً ـ على الأقل ـ في جهل، وانحطاط، وهي ذروة العقلانية(ربما).
إنّ دعوةً أحادية النظرة، فاقدةً للبصيرة، ومتحاملة، لا تستطيع أن تكون معياراً لما هو أجدى، وأنفع، وكتابات متهورّة لا يمكن أن تدعو إلى التعقل، ومهما كانت قدرات هذا الصحفي خارقة، وامتلك الكثير من الذكاء، والعبقرية، فإن أحداً لن يصدقه عندما يتهم منظمي المهرجانات العربية (بأنهم لا يفقهون في أمر تنظيمها، وإقامتها، باعتمادهم على مجموعة من المُعوقين فكرياً، وعديمي الموهبة، والمعرفة لإدارتها).
حسناً، هذا الناقد السينمائي الفذّ لم يتابع الدورتين السابقتين لمهرجان دبيّ السينمائي الذي أشرف على تنظيمهما فريقٌ كنديّ، وكنتُ بدوري شاهداً على دورته الأولى، ولم يتابع أيضاً أيّ دورة من مهرجان مراكش الذي يديره فريقٌ فرنسي/مغربي، ويبقى له مهرجان القاهرة، ولكن، هل لغة النقد تسمح له بأن ينعت منظميه بما كتبه أعلاه ؟.
أما المهرجانات الأخرى ـ التي لم يُحددها في خطابه ـ وعلى الرغم من كلّ الهنات التنظيمية التي تتخللها، فإنها تستحق الثناء، والاحترام، لأنها تعتبرـ على الأقلّ ـ النوافذ الوحيدة المُتوفرة للمتفرج العربي للإطلالة على بعض مُستجدات السينما العربية، والعالمية.
وهل من المعقول أن تكون الشخصيات السينمائية التالية من المُعوقين فكرياً، وأذكر منهم على سبيل المثال : نيل ستيفنسون(المدير السابق لمهرجان دبيّ)، عزت أبو عوف(مهرجان القاهرة)، نور الدين الصايل(مهرجان مراكش)، د.ماجدة واصف(بينالي السينما العربية في باريس)، إنتشال التميمي/خالد شوكت(مهرجان الفيلم العربي في روتردام)، محمد الأحمد(مهرجان دمشق)، حمادي كيروم(مهرجان الرباط)، حميد عيدوني(مهرجان تطوان)، مسعود أمر الله(مسابقة أفلام من الإمارات)،....
وفي الجانب الآخر، خارج مستشفى الأمراض العصبية، يتسامى(صلاح هاشم) وحده فخوراً بمعرفته بكلّ الخيوط السحرية لتنظيم مهرجان سينمائيّ على درجة عالية من الاحترافية، والإتقان،.....وهو الذي لم يُدهشنا طوال حياته المهنية المُمتدة على مدى ثلاثين عاماً ما بين لندن، وباريس، بمبادرة واحدة يثبت من خلالها إمكانياته العظيمة .
وقبل أن أنسى، ألم يكن من الأجدى، والأنفع، بأن يشمل(مهرجان الإسكندرية لأفلام دول البحر المتوسط) في لائحته، ويدعوه إلى التعقل، ليُلغي دورته التي انعقدت خلال الفترة من 5 وحتى 10 سبتمبر الماضي، وأعتقد بأنه تحاشى زجّه في الموضوع خوفاً من أن تصدقه مديرته الجديدة (إيريس نظمي)، وتفعلها، وتلغي الدورة الأخيرة (والتي كانت أصلاً على وشك الإلغاء بسبب ميزانيتها)، فيخسر الدعوة إلى المهرجان، والمُخصصات القليلة التي حصل عليها من مهمته كمندوب في فرنسا.
وقبل أن يطلب من الآخرين التخلي عن (عشرات الآلاف من الدولارات، مثل الغريب الكندي الأجنبي الذي يُُدير مهرجان دبي ـ يقصد نيل ستيفنسون ـ وتابعه المدير الفني العربي ـ يقصد مسعود أمر الله ـ)، كان عليه أن يطلب من مهرجان الإسكندرية توفير ثمن تذكرة سفره، ونفقات إقامته، ومخصصاته، وتحويلها إلى صندوق إعمار لبنان، وبذلك يقدم لنا نموذجاُ فريداً للتضحية، والنضال، ويُنفذ (عملياً) ما كتبه في خطابه (في وقت نحتاج فيه إلى كل قرش، لدعم مشروع إعادة إعمار لبنان).
وبين قوسين، ماذا حدث فجأةً مع السيد (مسعود أمر الله) الذي اختار(صلاح هاشم) من بين كلّ النقاد العرب ليكون الناقد الرسمي للدورة الرابعة لمُسابقة أفلام من الإمارات، وبالإضافة لتذكرة الطائرة، وإقامته المجانية، ومكافأة لم يكن يتوقعها، خصص له صفحةً تعريفيةً في كتالوغ المُسابقة.
ولا يفهم أحدٌ لماذا انقلب عليه فجأةً، وحوّله إلى (تابع) للمدير الأجنبي، وهو الذي رفض يوماً بأن يكون مديراً لمهرجان دبيّ نفسه، وبفضل جهوده في تنظيم (مسابقة أفلام من الإمارات)، أصبحنا نتحدث عن أفلام إماراتية بدأت تفرض نفسها، ويكفي متابعة أخبارها لمعرفة أن هذه الأفلام (الزبالة) ـ كما وصفها (هاشم) يوماً ـ تحتفي بها المهرجانات العربية، والعالمية .
في مزايداته، لا يستثني (صلاح هاشم) أحداً، من مدير المهرجان الأجنبي (نيل ستيفنسون)، إلى(مرتبات العاملين فيها)، وهكذا، يريد بأن يتحول الجميع إلى عاطلين عن العمل، بدون أن يتمتعوا بالمُميزات التي يحصل عليها هذا الناقد السينمائي في فرنسا، من تعويضات عائلية، وسكنية، وبطالة، وحتى ال RMI (الدخل الأدنى للمعيشة).
ويبدو بأنه يستقصد (مهرجان دبي) أكثر من غيره، وفي فقرته المنسوخة حرفياً من خطابه يكتب (ذلك الاحتفال التهريجي، الترويجي الذي أقامه مهرجان دبي في مدينة كان في مايو الماضي، وجلب له الجمال من آخر الدنيا، لتتبختر علي شاطئ كان الرملي، وترقص في الليل ثملة مع مجموعة من الراقصات الساقطات لهز الأرداف، والبطون).
ما علاقة هذا الاحتفال الذي حدث في شهر (مايو2006) بالعدوان على لبنان الذي بدأ في الأسبوع الثاني من شهر (يوليو2006)، هل كان يرغب بأن تُلغى كلّ المهرجانات، والاحتفالات تحسباً من عدوان متوقع ؟ .
وعن الاحتفال نفسه الذي ينعته بأنه (تهريجي، وترويجي) ـ وهو مؤتمر صحفي روتيني يتبعه بوفيه مفتوحة ـ فهو يعلم بأن مهرجان كان، كواجهة سينمائية فرنسية، وعالمية، هو بطبيعته، وتنظيمه، وفعالياته احتفاليّ، واحتفائيّ بكل تفاصيله، وخلاله، تحرص شركات الإنتاج، والتوزيع الكبيرة، والمهرجانات المهمة على ترويج نشاطاتها بكافة الوسائل، والطرق المُتاحة : مطبوعات فاخرة، إعلانات عملاقة، ملصقات براقة، سهرات خاصّة، حفلات باذخة،.... وهي التي تمنح مهرجان كان مذاقه، ونكهته، وخصوصيته، ولهذا، فإنه من حقّ مهرجان دبيّ الذي بدأ كبيراً، بأن ينفق ميزانيةً ـ دفعها مُعلنٌ ما ـ في احتفال على مقاسه، وبحجم طموحاته، وبالمُقابل، أشك كثيراً بأن (المهرجان ـ يقصد دبيّ ـ جلب له الجمال من آخر الدنيا كي تتبختر على شاطئ كان الرملي)، لأنّ هذا الجمال موجودٌ في كلّ شبر من المدينة، ومن ثم، هل هذا نقدٌ سينمائيّ، أم أخلاقي، ديني، واجتماعي، كي يستهجن رؤية (جميلات يرقصن في الليل ثملات مع مجموعة من الراقصات الساقطات..)، وهل كان يعتقد بأنه ذاهب إلى مكان سوف يؤدي فيه فروضه الدينية، وإذّ يمتلك وازعاً دينياً إلى هذه الدرجة، فإنني لا أفهم لماذا يحرص أصلاً على الذهاب إلى مهرجان كان كلّ عام، ويؤذي بصره بمظاهر احتفالية موجودة في كل مكان ـ إن افترضنا بأن ما يقوله صحيحاً ـ.
ولكن، بالله عليكم، كيف نصدق هذا الناقد السينمائي، والواعظ الديني، وهو يكمل حديثه عن ذاك الاحتفال فيقول(ولأنها أصلاً تحتقر العرب، والنقاد العرب، وبلاد العرب، لم تدعو إدارة المهرجان الأجنبي ـ يقصد دبيّ دائماًـ عربياً واحداً لحفلتها الصاخبة تحت الخيام، إلاّ من شلة المدير وتابعه، ربما خوفاً من أن يتسلل من ينتقد، ويفضح تلك "المسخرة" من النقاد، الذين لا يحملون المباخر، والطبول).
ببساطة، نفهم من كلماته بأنه لم يُدعى إلى ذاك الاحتفال، فكيف تسنى له إذاً معرفة التفاصيل التي استهجنها في فقرته السابقة؟، ووُفق معلوماتي، وهي كثيرةٌ عنه، فإنه لم يكتب قبل ذلك حرفاً واحداً عن المهرجان، إطراءً، أو ذمّاً، فلماذا (يُستبعد)، وكما قيل له عن بعض تفاصيل ذاك المؤتمر، فقد قيل لي أيضاًَ بأن معظم العرب الذين تواجدوا في كان قد حضروه، والطريف حقاً، بأنني تلقيتُ بدوري دعوةً بواسطة الانترنت، علماً بأنني كنت في باريس، وكلّ من يتذكر ما كتبتُه عن الدورة الأولى للمهرجان تحت عنوان (تشريح تظاهرة سينمائية)، يعرف بأنني لا أحمل المباخر، ولا أقرع الطبول .
كان على الناقد السينمائي العاقل أن يتابع أخبار مهرجان دبيّ قبل أن يكتب جملته (ولأن مهرجان دبي يحتقر العرب، والنقاد العرب، وبلاد العرب)، لأنه، وببساطة، وبعد دورتيّن فقط من عمر المهرجان، سوف يُخصّص(وقد فعل ذلك في دورته الثالثة 2007) مسابقةً للسينما العربية، التسجيلية، والروائية، وجوائز تفتح شهية أيّ مخرج عربيّ(أو من أصلّ عربي)، ولن تختار الأفلام شخصيات من (جزر الواق الواق)، ولكن، نقاداً من داخل الوطن العربي، وخارجه، وأكثر من ذلك، سوف تُشارك شخصيات عربية، وأجنبية في لجان تحكيمه، والخير لقدام.
ويُكمل : (إن الحقيقة التي تفقأ العين في تلك المهرجانات، وعلى رأسها مهرجان دبي السينمائي، السياحي، النموذجي، التهريجي، الذي طرد حديثاً كلّ إستشاري البرمجة من العرب، وتخلص منهم).
هذه (الحقيقة التي تفقأ العين)، هي ذروة الإصرار على الكذب المُتعمد، فمهرجان دبيّ الذي يعتبره (سياحياًّ، وتهريجيّاَ) لم تطأ قدماه أرضه يوماً كي يعرف تفاصيله، ومن المُؤسف بأن ينقل انطباعات آخرين، ويعتبرها حقائق، ومع التأكيد بأن أيّ مهرجان في الدنيا يتضمن جانباً سياحياً، وإلاّ لما ساهمت وزارات السياحة، وشركات الطيران في تمويله، دعونا نتذكر ما فعله في مهرجان (غير سياحيّ) بالمرّة، (مسابقة أفلام من الإمارات) التي تنعقد سنوياً في (أبو ظبي)، فقد سافر غاضباً بعد انتهاء حفل توزيع الجوائز، لاعناً المهرجان، وإدارته لأنها لم توافق على طلب غريب(لا يمكن أن يحصل عليه في أيّ مهرجان)، وهو تمديد إقامته لبعض الأيام كي يتمكن من زيارة (سياحية) للإمارات.
وتأتي الكذبة الثانية أكبر من سابقتها، بأن (مهرجان دبي طرد كلّ استشاري البرمجة من العرب، وتخلص منهم)، كان عليه أن يكتب على الأقل أسماء هؤلاء (الكلّ)، وهما في الحقيقة شخصان : محمد مخلوف، وزياد الخزاعي، تعاون الأول مع المهرجان لدورتين متتاليتين، والثاني في دورته الثانية وُفق عقد ينتهي مع نهاية كلّ دورة، وهناك فرقٌ كبيرٌ بين انتهاء عقد، وطردّ، ومع تغيير المنهج التنظيمي للمهرجان، لم تعدّ إدارته بحاجة إلى مبرمجين، حيث أصبح السيد مسعود أمر الله( وهو إماراتي) المدير الفني للمُسابقة العربية التي استحدثت مؤخراً، وأصبح من حقه التعاون مع من يشاء من العرب، أو العجم، أما بقية الفقرة(ومن واقع متابعاتنا لتلك المهرجانات منذ القدم، أنها لا تخدم السينما كفن، بل تأسست تلك المهرجانات الحكومية الرسمية منذ نشأتها، وهي مهرجانات بلا ذاكرة، ولا فائدة، ولا تاريخ، وأتحدى أن يذكر أحد لي ماذا حققت، بعد سنوات طويلة من نشأتها، فقد تأسست كواجهة سياحية، لخدمة الموظفين المعينين من قبل الحكومات، والأنظمة، وحضور حفلاتها، والاستمتاع بها مع أصحابهم، وأقربائهم، وأحد لا يحرك ساكناً)، فيبدو بأنني عاجزٌ فعلاً عن الردّ عليها، وأيضاً عن فهم الركض خلف تلك المهرجانات للحصول على دعوة منها، وأعتقد بأن الوسط السينمائي لا(ولن) يأخذ كلامه على محمّل الجدّ، وسوف يشفقون عليه، ويتركونه (يتحدى) كما يشاء في مُدونته (إيزيس)، إلا أنني (أتحداه) بالمُقابل بأن يمتنع عن الذهاب إلى تلك المهرجانات، ولا يسعى للحصول على دعواتها، حتى لو وصلته(بالخطأ) .
والآن، أدعوكم جميعاً بأن تنتبهوا إلى الفقرة الأخيرة، وتتمّعنوا فيها جيداً، وهي تبدأ بهذه الجملة(فلتحترق مهرجاناتنا السينمائية العربية إذن بجاز)، وبكلّ صدق، لم أسمع ما يشبه هذه الرغبة الجهنمية من أكثر الأنظمة ديكتاتورية، ولا حتى من أشدّ الجماعات التكفيرية تطرفاً، ولم يقلها حتى (هتلر) نفسه.
والأكثر إيلاماً، تحامله الشديد على مهرجان بعينه(لم يتابعه في أيّ من دوراته)، وتشكيكه في طموحه بأن يصبح (الأول) في المنطقة؟ ولكن، هذه (الفتوى السينمائية) مشروطة بشرط قاسّ(ومضحك)، وهو (إذا لم تُكرس كلّ ميزانياتها لإعادة إعمار لبنان).
ومع ذلك، فإنني أدعوه من كلّ قلبي، وعواطفي، وجوارحي،.. بأن يستثمر عبقريته، وتميّزه، وتفرّده، وخبراته، ومعارفه، وحسن تنظيمه،.. ليُنفذ حرفاً واحداً من بقية فقرته(ولتتفتح عشرات المهرجانات السينمائية الجديدة الوليدة، كي تعرض أعمالها علي الجمهور في الهواء الطلق بالمجان، والأمل معقود الآن على تلك المهرجانات، من تنظيم الجمعيات الفنية الشابة، المستقلة عن الأنظمة، والحكومات، والتي نصنعها بأيدينا، ومن دون حاجة إلى حماية، ووصاية الخبراء الأجانب، هؤلاء الذين يضحكون، ومازالوا "في عبهم"، ...).
وبنفس طريقة الناقد السينمائي اللبناني(محمد رضا) في مجلة (أفكار) اللبنانية عندما كتب رداً على هذه المزايدات : لك يا عمي لبنان قادر يغني لحالو.
فإنني أقول : لك يا عمّي، ورّينا شطارتك، شو عم تعمل من 30 سنة؟
وبلهجة (صلاح هاشم) نفسه : يا عم مين اللي حايشك، اعمل المهرجان اللي انت عايزو، وسيب(جهل، وبيروقراطية الموظفين العرب، وتخلفهم، وسياسات جل حكوماتنا، وأنظمتنا المتخاذلة) في حالها.
وانطلاقاً من العواطف الجيّاشة تجاه لبنان، وشعبه، والمحنة العصيبة التي عاشها، فإنني أقترح على الناقد بأن يرفض مستقبلاً دعوة أيّ مهرجان سينمائي عربي، ويحمل حقائبه، ويشدّ الرحال فوراً إلى لبنان، ألم يفعل أكثر من ذلك عندما كان يكتب عن رحلاته، وأسفاره في مجلة (الوطن العربي) ؟
إن لبنان، والجنوب اللبناني يحتاجه أكثر مما تحتاجه المهرجانات العربية، والصحافة السينمائية، فقد أساءَ بكتاباته إلى كثير من المخرجين، ومنظمي المهرجانات إساءةً معنويةً لن تنمحي من عقولهم، وقلوبهم، وهو بذلك أضرّ السينما العربية أكثر مما أفادها.
وأختتم، من المفيد بأن لا يقودنا الإحساس بالفشل، للاعتقاد بأن الآخرين فاشلون.
هامش : يمكن قراءة خطاب (صلاح هاشم) إلى المهرجانات العربية كاملاً من خلال الروابط التالية :
http://cinemaisis.blogspot.com/2006_08_01_cinemaisis_archive.html