دوقة البلاد
يفتح الباب هكذا..
فجوة في سقف الحجرة ، ضوء لمبة فلورسنت ومروحة تعطي الهواء للقدمين فقط، سجادة رخيصة - لم تغسل منذ عامين - وهاتف بلون القرنفل الداكن ،هاتف ساكن .
وامرأة .
من يتفرج عليها ؟
من علمها كل هذا الصمت ؟
هو السكون القديم ، هو الإنصات الكامل لرنه صوت ذكوريه تخدش الروح كلما استعادتها، نظره أبيها وصوته،الدنيا بدأت بصوته والضوء كان دخوله للبيت ، روائح الفاكهة المختبئة في أكياسه الورقية ، روائح تسبقه إلى الممر المظلم المؤدي إلى البيت ، روائح تحل بالبيت وتعلن عن مجيئه فلا تتحرك المرأة الطفلة الجالسة تنتظره ، دائما لا تتحرك تفضل الجلوس هكذا مثل ملكه صغيره تزهو برؤية دخوله عليها وسماع صوت احتكاك حذاءه بالبلاطات أمام باب الشقة.
من علمها أن تبص.
من يقدر علي فتح كوه في سقف حجرتها ورؤية جسدها الطالع من فوق الأرض ، رؤية ذراعيها الملفوفتين حول نصف جذعها العلوي ،وبصتها لهاتف لا يرن ..
انتبهوا ..
هناك صوره روائية وسينمائية كتبت اكثر من خمسه عشر ألف مره ،تعرفونها بالطبع ،حجره وسقف ومروحة كسيحة ومنضده خشبية وهاتف اخرس وامرأة تلف ذراعيها حول جذعها العلوي .
انتبهوا ..
الأشياء هي هي ، النساء يكن مثل دجاجات مريضه حين يدور الصمت ببيوتهن ، الصمت وصهد يونيو ، ذلك الشهر الذي يقف مثل نخله وحيده وسط شهور السنة وتقف هي في منتصفه تماما حيث يختار لها أن تأتى للحياه ،
حقيقة أشفق عليكم
السيدة شهيه ووحيدة ،تستحلب الهاتف ، تكاد تمتص البلاستيك الملون فيه ،تنتظر الرعشة ، الضوء الأزرق الخارج من اهتزاز الرنين فيه ، تنتظر الرجفة الخفيفة في صدرها وتنتظر الصوت أي صوت ..
الكوة أعلي السقف لا تدخل الضوء للسيده، بل يخرج منها صهدها ، حتى أن الجيران اشتكوا من شقه بالطابق الثالث تسكنها أمرأة وحيده وصامته ، شقه مغلقه الأبواب والشبابيك يخرج منها صهد يضايقهم ويجعل المرور بشارعها أمرا حارا وصعبا ، أحيانا تخرج الشرارات الصغيرة ، تخرج من الكوة اعلي سقف شقتها ،شرارات تطير في السماء فوقها وتزركش لهم غسيلهم الأبيض بشيء مثل الرماد .
السيدة تمر أمام المرايا ، تبص ، تشد قميصها من الخلف تارة ومن الأمام تارة تقرب وجهها من المرايا فجاه وتنظر لصوره عينيها ثم تهرب بسرعة ، هي تعلم أنها لو واجهت صوره عينيها أكثر من ذلك ستكلمها المرآة، تعلم أن ذلك سيحدث لا محالة ، ليست خائفة لكنها فقط تريد للأمور ألا تأتى بغتة، والهاتف صار منديلها الأبيض الذي تلوح به للعالم ، تخبره أنها موجودة وان النيران انتهت من طوب الحوائط وتزحف بتمهل للأثاث ، قطعه ، قطعه، وهي لا تتحرك ، تجلس هكذا كملكة شابه تعلم أن حراسها سيفعلون شيئا من اجلها في اللحظة الأخيرة وأنه من غير اللائق أن ترفع صوتها بالكلام ، فقط تشير بمنديلها الأبيض من وقت لآخر .
– سيكون لطيفا منكم أن تنقذونني .
هذه الحوارات المهذبة في الترجمات السيئة للأدب الغربي ، يشتمون بعضهم البعض بأدب جم ويطلبون الغوث برقه ودون استعجال للأمر .
– سيكون لطيفا منكم أن تنقذونني .
اضربوا رقم هاتفي ، قولوا ، سنأتي أيتها العزيزة زوجه مليكنا المفدى .
– أوه كلا لم يعد لي أحد ..
– عفوا سيدتي لم نشأ إزعاجك.
– كلا .. في الحقيقة انتم ظرفاء جدا.
انتبهوا فهذه لعبه يملؤها المكر ، سأرمى بالورقات الثلاث ، سأريكم السنيوره في البداية وسأخفيها فيما بعد.
اللعبة تلعب منذ عدة قرون (امرأة وحيده وسقف وحجره وسجاده رخيصة وهاتف صوره باهته تملؤها الثقوب ، صوره ممضوغة مثل قطعه من اللآدن ،فقدت مطاطيتها وفقدت مرارتها أيضا .
فقط هي الكوة في اعلي السقف ، أية عيون تراقب السيدة وأي شيء يمكن أن يسلي في رؤية امرأة تعيش علي قضم الخيار الأخضر و رص علب التونة في أدراج ملابسها.
هيا مصمصوا شفاهكم وقولوا مسكينه أيتها الدوقة .
– كلا لست كذلك .
– عفوا سيدتي لم نشا إزعاجك .
– كلا … في الحقيقة انتم ظرفاء جدا .
قولوها واضحكوا ملء أفواهكم ، تذكروا كل الترجمات الرديئة للأدب الغربي ثم أغلقوا الكوة التي تضايق الجيران ، أغلقوها واخرجوا ، ابتعدوا ، فانتم لستم جديرين برؤية السيدة ..هذه.