الخميس ٣ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٥
بقلم غالية خوجة

ذمة التاريخ الضيقة

عن دار الصدى للصحافة والنشر والطباعة، صدر العدد (127) من مجلة دبي الثقافية، متضمناً أهمّ القضايا المعاصرة فكرياً، أدبياً، وفنياً، ومنها ما تطرحه افتتاحية المدير العام، رئيس التحرير الشاعر سيف المري (أجراس) وعنوانها: (ذمة التاريخ الضيقة)، والتي يكشف فيها عن العلائق المتشابكة في البؤرة الزمنية من ذاكرة وحاضر التاريخ، مع ضرورة الالتفات الحاذق لما يجري الآن، غير منفصل عما حدث، ويحدث، مترائياً ما سيحدث، وهنا، تكمن أهمية (الفعل الاحترازي)، و(الكلمة الرؤيوية) خاصة في التساؤلات العميقة الأثر التي يطرحها، ومنها: (فكيف لنا أن نأخذ من هذا التاريخ، ذاك الكائن الخالد، ما ننتفع به ونحن نواجه الغزاة الجدد وقد غيروا بعض الشيء من أساليبهم وحيلهم، ولكنهم يحملون الأجندة ذاتها التي حملها قبلهم من كان قبلهم من آبائهم وأجدادهم وهم يخدعون ويعتدون على آبائنا وأجدادنا، لا بد لنا من العودة إلى الماضي لمعرفة الطريقة المثلى ونحن نتعامل مع كيدهم ومكرهم، وإلا فسوف لا نجد الفرصة لنكتب لأنفسنا تاريخاً يليق بأمتنا).

العدد الذي جاءت لوحة غلافه بعنوان (بجوار البئر) للأخوين (إلكسي وسيرجي تكاشيف) هي إحدى روائع الفن الروسي، هذا المعرض الذي تستضيفه أبو ظبي، وهو أحد عناوين الغلاف، التي توالت: ابن خلدون استشرف المستقبل وتنبأ بالعولمة، جاك السفاح قاتل معتوه تحول إلى أسطورة، وحشية الإرهاب تهدم الثقافة الإنسانية، أوباما يحاور الروائية مارلين روبنسون صحافياً، وحوار مع جريس سماوي المتفائل رغم هذا الخراب العربي، ثم نرحل مع الأمكنة إلى (قصر جبرين العُماني) لنتكشف معالم العمارة وتجلياتها وبنيتها الاجتماعية، ونزور قرية (تعنايل) لؤلؤة التراث اللبناني، ولمن يريد أن يعرف أسرار القمر والغيم والواقع فليقرأ أدونيس،فيما يأخذنا باب (في الصميم) إلى العناوين: لويزا ماي أكوت وظفت سيرتها الذاتية في إبداعها، أوروبيات في عقول المبدعين المصريين، ياسر عبد ربه: متحف محمود درويش صرح ثقافي، سلطان العميمي يرسخ (الغرابة الأليفة)، أما لمن يريد أن يعرف (اختراع الشعب اليهودي) فليقرأ أحمد عبد المعطي حجازي، أمّا محمد علي شمس الدين فيكتب عن تحولات الفلسطيني في رواية (عشاق نجمة)، ويطلعنا عبد السلام المسدي عن (آليات الإدراك)، وفي باب دراما الحياة نقرأ: أندريس وورد.. أفلامه تتناول قضايا مجتمعه، غزة تشهد مهرجان أفلام بعيون النساء، منصور بن محمد يكرم الفائزين في مهرجان دبي لمسرح الشباب، بينما يكتب فرحان بلبل عن دهشة التطور، ويحتفي باب أجنحة الخيال بانحناءات الظل، هاجس، إليها، إناث الأسطورة، تدمر، قصيدتان، الفتاة الجميلة التي تعبر الشارع في بغداد، إنها تختال حسناً، ويكتب النور أحمد رسالة إلى ابنته، وتكتب فاطمة المزروعي عن النص والهاجس الإبداعي، ويسأل مفيد ديوب: مناهج التفكير، أم مناهج التعليم، أم الاثنان معاً؟ وتجعلنا حزامة حبايب نسأل: ماذا لو سقط المثال؟ وفي باب ألوان وظلال: وضاح السيد يجدد العلاقة الفنية بين الشعر والتشكيل، عياد النمر يستدرج أمكنة الطفولة في أعماله الفنية، ويكتب محمد صابر عرب عن ضريبة الغلمان في التاريخ العثماني، ويكتب واسيني الأعرج (الموسيقا في مواجهة العدمية والكائن المفرغ)، ووترحل بنا فريدة النقاش إلى (تصوف حارس الذاكرة)، وتزدحم ظبية خميس بـ (عزلة الكاتب)، وينتقل بنا فوزي كريم إلى (الفضائل الموسيقية)، وفي سطور مضيئة، نقرأ: ياسمينة رضا تتكئ على سيرتها الذاتية، معرض بيروت للكتاب في دورته (59)، علي المقري: الكتابة مغامرة لا تتوقف لدى المبدع، ماتياس إينار ينتصر للواقع العربي، الربيعي: نجيب محفوظ أب الرواية العربية، نظرية القراءة والتلقي من الشكلانية إلى ما بعد البنيوية، إبراهيم المصري يمزج الواقعي بالمتخيل، الكتابة الشذرية جنس أدبي يلامس الصمت، ناجية المراني شاعرة وأديبة كتبت وصيتها شعراً، وفي باب إيقاع الروح، نستمع إلى تحفتي عبد الوعاب وعلي محمود طه: (الجندول) و(كليوبترا)، و(شارل أزنافور) يغني من أجل حقوق اللاجئين، وفي الثقافة في شهر، نطلع على (منتدى الإعلام الإماراتي بدورته الثالثة، معرض الشارقة الدولي للكتاب بدورته الرابعة والثلاثين، ودافنشي في متحف الهواء والفضاء، ويقدم لنا باب دنيا الكتب بعضاً من إصدارات معرض الشارقة للكتاب، وقراءة في رواية الطوق الأحمر، ويحتفي نادي الأقلام بمواهب جديدة.

وينتهي العدد مع رفة جناح مدير التحرير الكاتب نواف يونس (سماء زرقاء واحدة)، وفيها يتحدث عن الموروث الثقافي الاجتماعي بين المرأة والرجل، وكيف يمكن لها أن تتكامل بطريقة إنسانية غير محكومة إلى هوامش ومتون مظلمة، ومنها: (يقرران معاً، وليس كل منهما على انفراد، لأن حياتهما المشتركة تتطلب المزيد من التقارب والفهم وتبادل المراكز بينهما، وأن يسود بينهما الحب والرحمة التي ترسخ الرقة في النفس، وتدفعها إلى التسامح والحوار المتبادل).
يهديكم هذا العدد كتابيين: ملكوت عبد الله للشاعر الراحل عفيفي مطر، وأسئلة الهوية والتسامح.. ثقافة الحوار.
ملكوت عبد الله

مجموعة شعرية بخط يد محمد عفيفي مطر (170) صفحة، كتبت بين عامي ( 2006/ 2009)، تبدأ بـ (طرديات عبد الله)، وتنتهي بـ (طلليات عبد الله)، وبينهما (رعويات عبد الله)، ومن عناوينها: مفتتح المواسم، مراوغة الغراب، أنساب مختارة، مراودة الهدهد، أبو الطيور، منادمة الكروان، سلطانة ا؟لأطلال، أمومة مغدورة، الخفافيش أبداً.
تنبني القصائد على (شبْه ملحمة شخصية وعامة)، تنطلق من خلالها الذات إلى رمزيتها الأوسع، القابلة لأن تكون أيّ شخصية أخرى، في أيّ زمكانية، تفرضها دلالات الاسم (عبد الله) وتحولاته في النص الشعري، والمشهد الحياتي الممسرح، والحوارات، والأحداث اليومية المتكررة بين الحلمية والواقعية، وما ترتكبهُ المخيلة من إنجاز نسيج قصيدي نسقي، متلائم مع اللحظة المكتوبة، فنرى كيف يسري الغيم كماء ليكون هلالاً مرت عليه الأعوام لا الشهور، لأن (الأحدب) هنا تميل إلى الشخصنة أكثر ميلها إلى الدلالة الواقعية للهلال والشهر والقمر، وتحركات الإنسان بعمره المحدود في المجال الزماني المعين، المنعكس من خلال المفردات: الليل، النور) وما يتشاكل معها من طيفية للأشباح والحضور، وما تتركه هذه البنية من ارتعاد وقلق، باتجاه الرؤيا والقادم: (سرى الغيم تحت الهلال الحدب، ريح تهب على شجر يتخلله الليل والنور، والخوف يطلق أشباحه من وجيب، دمي وارتعادي)، وهذه القصيدة المتعلقة بالأمومة، كبقية القصائد، تتسم بجمالية العناصر الطبيعية وتداخُلاتها مع الإشارة والمقولة والحدثية الفنية، وما تنتجه هذه الشبكة الدلالية من عوالم حياتية على الصعيد النفسي واللغوي والصوري والاجتماعي، وما يتداعى منها يومياً وشعرياً، ولنعلم كيف يستغور الشاعر ذاته، لندخل إلى قصيدته (رعوية الكهف) التي تبدأ بـ (الوحدة): (وحيد ليس بصحبتي سوى كلبي، وظلّ عصاي أختل خلفه علّـي أراوغ، وقدة الشمس التي حبكت عمامتها على رأسي)، وتترافق الوحدة مع بقية المكونات ضمن تحايُث كلامي، بحيث تشكل كلمة (وحيد) لازمة لصور متعددة، وحالات مختلفة، بكل تأكيد، لا تظل وحيدة، لأنها تأتي بالعالم ومفرداته إلى الحيّز الجواني من (الأنا) فتصبح ممتلئة بإيقاع مونولوغي وديالوغي تكمله شخوص القصيدة، التي لا تلبث أن تطلع من أعماق الذات، لترتد خارج وحدتها، بتناغُم يعيد ترتيب الأشياء والموجودات والكهف الداخلي، بإيقاعاته الهاجسة بالضوء والتخلي عن الظلام الجواني وهو ما تعكسه هذه الصورة المتصوفة: (ورأيتني بين السماء والأرض عرياناً كعنقود)، وتسترسل القصيدة لتكشف عن البنية العميقة الثلاثية: (الأنا/ الآخر/ الطبيعة) المنجذبة بمغناطيسية الكلمة الشعرية التي تتابع مع رعوياتها لتمزج عالم الموت بالحياة، وخطوة الحلم بالمخيلة والواقع، مرشدةً الذات إلى مقامها الأعلى، كما في (رعوية العبور في الخوف)، والتي تيدو في أجمل صورها في هذه المشهدية: (لم أكن أحلم...، دبّت من ورائي خطوة الموتى، عظامٌ قعقعت وانخلعت، والتفّ حول الكاحلين، كفنٌ بالٍ، وأيدٍ دونما لحم، وغصت قدمي في جمجمة مشروخة، وانهمل الصبحُ بأصوات الرميم، لم أكن أحلم، بل كان المنام، سكة الرؤية في قلب الظلام. وإذا ما انعطفنا إلى القصيدة الأخيرة (بيت الأشباح)، فسنجد فيها رؤيا استكشافية للموت والحياة الذاتية للشاعر محمد عفيفي مطر، مستشعراً بإيقاع الفناء وهو يرحل به إلى عالم الملكوت والبقاء، تاركاً الذكريات والقصائد، بيتاً آخر للولوج ليس إلى الطلليات وإنما إلى الأثر المترسب في الضوء واللغة: (ما ثَمّ من أهل ولا بيت ولا بلد سوى، وتدين من سلط وجميز، على جدران عمري، شاهدين وشاخصين، وسوى المسافة بين رمس جنينها وترابها.

أسئلة الهوية والتسامح وثقافة الحوار

في هذا الكتاب يقدم د.يوسف الحسن، الكثير من المألوف الذي يجب أن يكون ضمن أسئلة الحوار وصياغة الثقافة الإنسانية التي ليست غريبة عن عالمنا لا سيما نحن العرب المفعمين بالتمازج الحضاري منذ الأزل، وينقسم الكتاب إلى: مقدمة، وستة أسئلة: (سؤال الحوار، سؤال التسامح، سؤال التكفير، سؤال الهوية، سؤال الثقافة، سؤال القيم والمناهج الدراسية، وهي متفرعة إلى عناوين أخرى، منها: ثقافة الحوار، رسالة إلى قداسة البابا، تجديد الحوار الإسلامي المسيحي، التسامح قيمة ثقافية، ثقافة التكفير، ثقافة التوحش، جحا وداعش والغبراء، نوف وياسمين والهوية، الهوية الوطنية، أرانب الثقافة، وانفتحت مغارة السحر، التاريخ لا يكتبه الهواة، بناء الوعي المستنير.

ومن أجواء الكتاب: (التنوع أو الاختلاف هو عامل إثراء وإبداع، على كل المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية، والمهم في هذا الأمر، هو حُسن إدارة هذا التنوع والاختلاف، والاستجابة للتطور والاغتناء بالتفاعل بين المختلفين.
ويتمحور الكتاب حول أهم نقاط تجمع الإنسانية من خلال التعامل اللائق، والحضاري، ومن ذلك، قوله: الحوار القائم والفاعل هو حوار الحياة وليس الحوار اللاهوتي، فالأول هو حوار لصالح قضايا الإنسان، ومسائل التعامل مع الآخر بالعدل والبر، وحماية حرية هذا الاخر المغاير، في عقيدته وسكنه وماله وعمله وتنقله وحُسن سمعته، أي حوار التعايش والاحترام المتبادل، وحفظ كرامة الإنسان. أما الحوار اللاهوتي، فهو حوار خاص في مكانه وشخوصه وموضوعاته، وينبغي ألا يتررك للعامة أو غير المتخصصين في شؤونه، ولكل أهل دين أو معتقد أو مذهب، خصوصياتهم الفكرية، والأصل أن يكون تصرف أهل الأديان جميعاً مراعياً هذه الخصوصيات، حريصاً على حفظ كرامة أصحابها، كافلاً لهم حقهم في التعبير المشروع عنها.
وبعد هذه الأبجديات الأسايسة لكل حوار ثقافية وأخلاقي، يناقش الكاتب العديد من الموضوعات الهامة والحساسة.
ترى، ما رأي الكاتب بالتسامح كمفهوم وتعامل؟ وما هي عوامل القهر والاستبداد التي تفرّغ طاقة التسامح؟ من المسؤول عما يقع في مدننا ودولنا وشوارعنا؟ من المسؤول عن فكر وتمويل ودعم وتسمين وتسليح "القاعدة" وتوابعها، وصولاً إلى داعش "والغبراء" وكل "بغال" أرضنا؟ جحا.. مواطن شريف تعذبه "فطنة" أهل الفطنة. أي "ضمير" ديني وإنساني، وعيناه وعشناه وخبرناه، فأضمرناه في نفوسنا، وحملناه معنا أينما توجهنا، وكأنه دليل هادٍ يرشدنا؟ كيف ننقل قيم الثقافة السياسية الإيجابية والمؤثرة، عبر الجيال، طالما نؤمن بأن للسياسة قيمة ومعنى، إذا ما استدعت المسؤولية الاجتماعية، وتجذرت في هذه الثقافة قيم الغيرية والمشاركة، فضلاً عن قيم قيم الحرية، والتي من دونها، لا تتكون وتتراكم معرفة، ولا تنجز تنمية؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى