رحيل فى الرسائل و رسائل فى الرحيل
المقدمة
"إلى الذى اتهمته بالنسيان، ووجدت نفسى أغفو فى عينيه، كما يغفو الجنين فى رحم أمه".
بهذه الكلمات أهدت الشاعرة ليلى منير اورفه لى ديوانها الأول (الرحيل فى العيون الخضر)
عام 1999، إلى عشاق الكلمة وجمهور القراء.
و "هذه همسات الدمع فى لحظات بوح مفعمة بالحزن والأمل، خبأتها زمناً ما خبأت فيه الزمن، رسائل تصل متأخرة بعدما جف الدمع، تفوح بعبق الحنين".
وبهذه الكلمات قدمت ليلى ديوانها الثانى (رسائل من أوراق الدمع) عام 2002. وأنا بدورى قرأت قصائد الديوانين أكثر من مرّة، وكنت قد فكرت أن أعدّ دراسة عن ديوانها الأول يوم صدوره، لكنى تأخرت ربما لأنى توجست من الكتابة لشاعرة عن شعرها، وأنا قبل ذلك أتوجس من الكتابة عن الشعر بعامة. هاجس آخر منعنى من الكتابة، هو إحساسى يومها بأن ديوانها الأول ما هو إلا جزء من تجربة، وبعض رموز من لوحة، ومقاطع منتزعة من سيمفونية، وبالفعل لم يطل انتظارى، حيث بقدوم ربيع 2002 أصدرت ليلى ديوانها الثانى (رسائل من أوراق الدمع)، وعندما قرأته تبين لى صدق ما ذهبت إليه قبل أربع سنوات، فالقصائد المتناثرة على صفحات الديوانين تنتمى لمرحلة زمنية واحدة وتصوّر حالة شعورية وشعرية شفّافة ونازفة لتجربة حب عاصف لدى الشاعرة.
وفى كل الأحوال فقد هزتنى القصائد كلها من جديد، وأعترف بأن ليلى قد ألغت الحاجز الذى كان يفصل بين الشعر والنثر وفق إحساسها بالتدفق اللحظى للحالة الشعورية المصحوبة بالمعاناة المرّة، وغير الخاضعة لأية عملية تجميل أو ماكياج.
ذكرتنى قصائد ليلى عموماً باللمحة الثالثة عشرة من ديوان الشاعر الكبير سليمان العيسى (الإزار الجريح أو ابن الأيهم)، تلك اللمحة النثرية التى فاقت بجمالها وتأثيرها كاللمحات الشعرية التى تقدمها، ولا أمللك إلاّ القول: بأن ليلى قد فرضت نفسها وأثبتت وجودها كشاعرة وصوت أنثوى له حضوره وخصوصيته وفى ميدان قصيدة النثر تحديداً.
لا أزعم أننى هنا أحاول أن أتمثل الحالة النفسية وأن أسبر الأعماق وصولاً إلى إعادة تكوين اللوحة الخلفية ومخزونات العقل الباطن المتناثرة فيما بين السطور، ومعذرة من الشاعرة لأننى أقحمت نفسى معها فى هذا الخندق الشعرى، ذلك لقناعتى بأننا معاً ومعنا كل الشعراء والمبدعين نحمل نحمل مشعل المعرفة ونتلمس الطريق جيداً فنحن كلنا جنود متطوعون من أجل قضية واحدة هى قضية الحرية والسلام، وترسانات العالم كلها لن تستطيع أن تحول بيننا وبين ما نصبو إليه، لأن الشعر ما كان يوماً ليرضى لأصحابه الذل أو الخضوع، كما أن العمل الإبداعى يستمد قيمته من ذاته ويفرض نفسه بثقله، ولا يمكن لأية قوة مهما عظمت أن تحجبه، أو توقف العملية الإبداعية، فالشاعر ملك البروق وسلطان الأعاصير وامبراطور أفكار الجنون.
سررت جداً لدرجة الابتهاج والتألق وأنا أواكب فراشاتها وأتشمم عطورها وأتقرّى جغرافية قاموسها الشعرى، فهى بحق كانت: "فراشة ترّف، وعطر يسفح، وشذىً يضوع، عاطفة سناها لا يخمد، وأشواق إلى الحب المثإلى لا حدود لها" حسب قول الدكتور عبد الرحمن دركزللى، وليلى تستحق بجدارة أن تعلّق كلمات الاستاذ ميشيل أديب وساماً على صدرها: "من كان بشجاعة ليلى فى حبها الصادق المقدّس فليعشق، ومن كان بمثل صبرها وتحمّل ما لاقته فى الحب فلينتظر جروحاً كجروح ليلى تنزف كتابةً لا أرقّ منها ولا أرفع".
من كل ما تقدم يمكننا القول بأن ليلى هيأت نفسها جيداً للتحليق والإبداع والتألق والإشراق. وكانت واضحة وجريئة فى طرح قناعاتها وأفكارها، توافقاً أو تعارضاً مع الآخرين، وبذلك استطاعت أن تؤكد مقدرتها على امتصاص ردود الفعل وتمثّل الإيجابى منها، وهذا ما يعزز ثقتها بنفسها وبمادتها الإبداعية، أما فيما يتعلق بالشكل والصياغة وأسلوب التعبير فقد برهنت ليلى بأنها فنانة متمكنة من أدواتها وتتقن استخدام مخزونها الثقافى الكبير والمتنوع، فهى تمتلك موهبة حقيقية، يضاف إلى كل ما تقدم غنى التجربة الحياتية وعمق المعاناة وخصوبتها لدرجة أن اللغة ضاقت – على اتساعها – عن أن تتسع لتدفقها المتألق وانسكابها المستمر، وبرغم ذلك فقد اختارت لكل شحنة ابداعية القالبالمناسب واللائق، آخذة بالحسبان أهمية وحساسية اختيار الشكل أو الأسلوب فى العملية الإبداعية بشكل عام.
رحيل نازف ورسائل موجعة:
فى أواخر خريف 1980 كان (اللقاء الأول)، وبهذا العنوان افتتحت ليلى ديوانها الأول (الرحيل فى العيون الخضر) وقالت يومها:
لا أدرى ما كان لون عينيه
لكنهما سحر تانى
لم أكن يوماً آبه للعيون
سوداء كانت أم خضراء
أم أى لون آخر
لكن عينا هذا الأسمر
أدهشتانى
وبعد عشرين يوم تحديداً كتبت قصيدتها (من أنا) والتى افتتحت بها ديوانها الثانى (رسائل من أوراق الدمع) تقول ليلى معرّفة بنفسها:
أنا العاصفة الآتية
لا من دوامات الرياح
لكن من ثورة الأعماق
أنا الرافضة لكل حلم
لا يشبع جوع الفقراء
أنا القادمة من حارات القهر التى
ملّت الحان التخدير
وكرهت أحلام المتخمين
وتودّع ليلى عام 1980 بقصيدتها (رسالة الأمنيات) وهى الثانية فى الرسائل:
كل أملى
أن يكون فى صدر كل منّا غداً
مكان للأحلى
عام 1981 هو عام الخصب والعطاء والنزيف، ففيه كتبت ليلى معظم قصائد ديوانها (الرحيل فى العيون الخضر)، ثلاثة عشرة قصيدة من أصل ثمانية عشرة.. وقصيدتان فقط من نهاية هذا العام كانتا من نصيب ديوانها الثانى (رسائل من أوراق الدمع)، وبالطبع لا يمكننا التطرق إلى هذه القصائد كلها، ولكن سنقتطف بعض المقاطع من عدد منها وبما يخدم متابعتنا لصيرورة هذا الحب وتجربة هذه الشاعرة المبدعة، تقول ليلى فى قصيدة (لست أدرى) من ديوان (الرحيل فى العيون الخضر):
بى رغبة فى البكاء
كطفل صغير
والتحليق عالياً
كعصفور يطير
أعاشقة أنا..
لست أدرى؟!
وفى قصيدة (المحطة قبل الأخيرة) تقول:
سنرحل يوماً ما
سنرحل
ويبقى لنا
عطر الذكرى
فى محطة اللقاء
فى قصيدة (مطر الحب) تخاف ليلى:
أخاف من يوم
يجفّ فيه الغمام
ويشحّ المطر
أخاف من يوم
تعبث فيه الريح
بأضواء القناديل
وتطفئ السراج المغسول بالمطر
فيجف نهر حياتي
وتبقى الطرق إليك
غارقة بالعتمة
(كلمات من زمن صمتى) تعود فيها الشاعرة إلى نفسها لتجد نفسها تذرف الدموع لأنها حاولت نسيانه، وحاولت الهرب إلى بلاد بعيدة، لا ندرى لماذا؟ ولكن يبدو أن ثمة فارق كبير بين الحبيبين، فهو يصف أحلامها فى (الرسائل) بـ "أحلام مراهقة" ويتجاهل نقاءها وبراءتها وصدقها، وكل هذا يبدو لديه شيئاً ما ليس الحب!! كيف هذا وهى التى فى (الرحيل) علمته الحياة، هى التى أدخلته مملكة عشقها ونصبته إلهاً للحب، وعلمته مرة أخرى كيف يحب الفقراء.. وبألم نازف وغصة حارقة عاشته حباً، صدقاً، وجوداً، كياناً، ولكنه رحل ببساطة، غاب ونسى.. وحارت فى أمرها وتساءلت: هل عاش حبها نزوة؟!
كم كان مرّاً ذاك الحب وصعباً، "لم يبق من الجرح إلاّ سكينه مداه، يعبق فى طرقات الخريف"، (بعد الفراق) من ديوان (الرسائل) و:
أيا بعضاً من نفسي
وكلاً مني
لن يُكتب لميلاد النور عمر جديد
فقد رأيت حبى قتيلاً
فى غابة عينيك
هذا ما قالته ليلى فى (رسالة الغربة).
وبالعودة إلى التسلسل الزمنى، وفى 1982 تستعيد الشاعرة تجربتها بل تستنهض محطاتها سيما فى قصيدة (بين عام وعام) من ديوان (الرحيل):
اليوم
أطفأتَ كل الشموع
نسيتَ كل الأغاني
وعزفتَ لى أغنية الصمت
على إيقاع الغربة
فى رصيف الحرمان...
اليوم
تاهت منك كل الحروف
وضاعت هديتى لهذا العام
فى بحر حزن الأيام
هل هذا يعنى النهاية.. نهاية الحب؟؟ لا ندرى
وهكذا تبقى ليلى مع المطر لتغسل جراحاتها وتطهر ألآمها بالدمع والحنين، ويلاحظ هنا أن الشاعرة لم تكتب سوى ثلاث قصائد فى هذا العام، واحدة فى (الرحيل) واثنتيـن فـى (الرسائل) وهذا مؤشر لحالة القلق والحيرة وربما الضياع والتشتت بين الحب واللا حب.
* * *
عام 1983 لا يختلف كثيراً عن سابقه ففيه كتبت ليلى أربع قصائد فقط، منها فى ديوان الرحيل (هذيان فى يوم ماطر، معذرة يا ذا العيون الخضر) و (رسالة حسد إلى صديق، رسالة الحلم) فى ديوان الرسائل. وفى محاولة للدخول إلى أجواء هذه القصائد نكتشف أن ذاك الصديق يحسدها على رؤية الأشياء حولها، وهى تجد نفسها تحسده لرؤية الأحبة، وتتابع حيث تصف المطر وكيف أن قطراته تنخر عظامها بينما الحب ينخر قلبها، وتستمر فى التعمد والهذيان وتثاقل خطواتها وتسكرها القطرات..
وعلى مشارف الحلم، بينما هى تودع عام 1983 تقول ليلى فى "رسالة الحلم" وبعد أن تطلب المعذرة من صاحب العيون الخضر:
بقلب أوهنه الضياع
نطرق نوافذ الفرح
لكن عبثاً
فالأبواب نوصدها
بهمسة عاصفة
ونلوّن عمرنا
بلون الرحيل
* *
عام 1984 كان بخيلاً كسابقيه، لم تجُد مواسمه سوى بثلاث قصائد "الرحيل فى عينيك" فى (الرحيل).. و "زمن الحب، رسالة الحب" فى (رسائل) وكانت ولادة القصيدة الأولى فى مشفى لايبزغ فى ألمانيا، وفى ليلة رحيلها فى عينيه، كان الشوق الأخضر يحيها، وبكل الحب شربت نخب عينيه وغنّت لعينيه ميلادها، ولعينيه انتحارها.. أواسط هذا العام كان "زمن الحب" ويمكن اعتباره نقطة تحول وصحوة فى العلاقة بين العاشقين.. فقد:
ولدَ السؤال
.....
ولدتْ زهرة حمراء بلون الموت
صفراء بلون الدم
بيضاء بلون الخريف
فى زمن الحب
يُفرَش الجرح على شمس الفصول...
حينها يصبح شتاء القتل وردة خضراء
ربيع الاغتيال حلماً أخضر
وخريف الموت ربيعاً أخضر...
وتختتم ليلى عام 1984 برسالة الحب ولكن أى حب.. فى:
لحظة توهّج
كان البصيص
تولّد الأمل
المفقود فى زمن الماضي
التائه فى زمن المستقبل
الآن ابتدأت الحياة
فلتتوقف كل الأشياء المبتدئة..
الآن تكونت الروح
فلتتوقف كل الأشياء الأخرى
عن التكوين
ربما كانت لحظة انحسار غشاوة الحب الراحل، وتجدد الانتماء للوطن، وتحليق الشاعرة مع وطن الانتماء..
برسالتها من رصيف المحطة (رسائل) تبدأ ليلى عام 1985 وهى ربما على مشارف الجرح حيث أنها فى ذلك الصباح:
لملمت وجعها عن رصيف محطة "أوست بانهوف"
وشدت معه الرحال
لتوزع ورداتها التى كبرت على العاشقين
ولتعود فى الليل معه
هو إلى محطته... دون حبيبته الصغيرة
وهى إلى كتبها وسجائرها... دون رسالة أو وردة
كم كانت الطعنة قاسية، وكم كان الجرح كبيراً والنزف أخضراً أخضر.. ترى من هو القاتل؟! وتجيب ليلى على الفور: القاتل أنت..! وهى تقصد برلين.
نعم.. هذه هى الحقيقة التى توصلت إليها الشاعرة.
* * *
عودة إلى معجمها الطبقى والانتماء إلى الفقراء... حيث اللا حب فى برلين فى ربيع عام 1986 حيث الهروب إلى الوطن بعيداً عن برلين التى لا عواطف فيها ولا حب ولا أمل بل جمود.. وجمود فقط:
برلين..
أنا غريبة
وأهلك غرباء..
ليلك أصفر..
أبحث فيه عن قمر الفقراء..
وبرلين - كما يبدو فى كلمات ليلى – هى مدينة العلاقات الصفراء والتبلّد فكل أبوابها موصدة فى وجه أحلامها وآمالها، وبرلين هذه، هى المدينة التى بين قرميدها، وفوق شوارعها تدخل ليلى زمن التذكار وتطير حلماً مع ليل البسطاء وتخلق حلم الفقراء.. لأن برلين اغتالت قمر العشاق ولا يمكن سماع أنين العشاق فيها، فهى ليست سوى كومة أحجار..
ترى هل كانت ليلى على مشارف النهاية عندما قالت مثل هذا الكلام؟
حيرتنا لا تطول فى انتظار الجواب.. وليلى نفسها تزف إلينا رسالة الحيرة.. لتقول:
إنها الحيرة
تزف إلى القلب
دوامات السؤال
وليس أقدر من ليلى.. على ليلى.. وفهم وتصوير معانيها..
كدنا نتجاوز عام 1987 لولا "رسالة الأمل" هذه فى نهايته، ومنها تبدو الخيبة بعد رحيل الحب ويخيم اليأس حيث:
يرهقنى هذا الزمن
الموغل فى الإشقاء
الموغل فى قتل الأعياد
وابتذال الإحساس....
ولكن ليلى وبرغم كل شيء تقاوم وتكابر فى زمن البرد والقحط كيلا تسقط ذاكرتها.. فقد صار الحلم كشفتى جرح السكين..
و 1988 عام كامل يمضى.. ولا شعر.. فقط صمت مغلف بالحزن والتذكر والحنين وربما العتاب المرّ.. والألم النازف..
* *
ويقبل ربيع 1989 لتقف ليلى أمام "صورة" وتناجيها.. لن نسألها: لمن كانت الصورة؟ فهى لا تريد أن يسألها أحد:
لا تسلنى شيئاً
يا رجلاً يتنفس
فى زهور رمادي
إن أجمل كلماتي
أقولها بالصمت
والصمت سيد اللغات ورائد الأبجديات.. فقط لابد من الإشارة إلى أن قصيدة "الرحيل فى عينيك" كانت خاتمة ديوان (الرحيل فى العيون الخضر)، وفى بداية عام 1984 تحديداً، ولكننا نظل نرحل مع ليلى فى رسائلها منذ ذاك الوقت.. وربما محطتنا الأخيرة فى (رسائل من أوراق الدمع) هى مع "النزف الأخضر" حيث لم يبق سوى اللون الأخضر.. ولكنه الأمل والقلب يظل يكابر.. ورغم أنها اختارت الفراق، ورحلت مع الأبعاد المنسية، وارتشفت صوت قطارات الليل الأبدية الرحيل، بعدما مرت مائة عام وعبراتها الحيرى حفرت وجه الأيام، سافرت فوق الأشواك، بين سراديب الظلمة، فقد كان حاداً نصل الفراق، وكان النزف أخضر.. أخضر.. وهاهى الأمطار تغسلها، فتتنفس زهرة فى الروح، كان الصوت الحبيس قيّدها، ومنها تسلّل الضياء ليغمر المدى ويضيء القلب المتعب من رحلته المضنية الشاقة..
وكم كان متعباً وشاقاً هذا الرحيل – فى الرحيل – ومع ليلى، وكم كان النزف أخضراً أخضر فى رسائلها النازفة؟!!!
هل كانت ليلى فى كل ما كتبته تمتحن قدراتها على الحب الصعب، وتدرّب عواطفها ومشاعرها على العشق المستحيل المكابر؟! فهى منذ البدء كانت تتمنى أن يستمر هذا الحب، وكأنها كانت عارفة حق المعرفة بأنه لن يستمر!! لذلك وضعت نصب عينيها حتمية الفراق، ومنذ أول لحظة عندما أدهشتها عينا ذاك الأسمر الخضراوان وعرفت هى وعرفنا نحن بأن
هذا الحب صائر لا محالة إلى فراق..
ترى أية غربة كانت تحسها ليلى.. وهى الغريبة فى بلد غريب، وواثقة بل مصممة بأنها لا محالة عائدة إلى الوطن وأن هذا المحبوب باق فى تلك البلاد الغريبة؟!
ترى هل كان إحساسها بالذنب ناجم عن هذه الحقيقة؟! وجراء هذا الحب فهى لا تفتأ تنفى مساهمتها بأنه جريمة / حب /.. وأنها ليست مذنبة تجاه عواطفها.. بل تحمّل عينى ذاك المحبوب مسؤولية كل شيء..
* * *
أفصحت ليلى عن هويتها وأكدت انتماءها إلى الفقراء فى بعض المواضع زمن انحسار الحب. كيف لا وهى القادمة من حارات القهر التى ملّت ألحان التخدير، وكرهت أحلام المتخمين.. وربما قصدت / وعود / المتخمين.
لا يمكننا التكهن بمعرفة الأسباب التى دفعت هذا الأخضر العينين إلى أن يصف أحلامها بـ "أحلام مراهقة " بعدما تجاهل نقاءها وبراءتها وصدقها.. واصفاً كل ما كان منها بأنه شيء ما ليس الحب!
ولا ندرى كيف يكون الحب بنظر هذا الأسمر حتى أن ليلى لم ترفع الغطاء عن هذه المفارقة ولم توغل فى تفسير هذا التناقض... فقط أحسسنا نحن بشىء من مرارته واستحالته.. عندما لم يبق من ذلك الحب – سوى السكين، وشكل مداه -..
* *
وقد نتساءل لماذا اختارت ليلى لمطالع الديوانين قصائد من زمن 1980 "اللقاء الأول" بـ الرحيل فى العيون الخضر، و "من أنا" بـ "رسائل من أوراق الدمع"؟؟
ولماذا اختتمت الديوان الأول بقصيدتها "الرحيل فى عينيك" 1984، والثانى بـ "النزيف الأخضر" 1989؟..
ربما كان الجواب – فى تقديرنا – يعود إلى أن قصائد الديوانين من نزف واحد، وفى حالة واحدة، ونسيج واحد، سوى أن الحب أنتهى فعلاً فى أوائل 1984، ولكن امتداد الجرح، وحالات التذكر والاستعادة استمرت حتى أواخر 1989.
* * *
ومن واقع القصائد كلها فى الديوانين يمكننا الوصول إلى بعض الحقائق لعلّ أبرزها:
• مرجعية القصائد إلى إفرازات تجربة الحب، ولحالة واحدة، بدأت بها وانتهت بانتهائها.
• الشاعرة صادقة مع عواطفها وانفعالاتها وفى نقلها مباشرة إلى الورق.
• من خلال قراءة أية قصيدة، من أى ديوان كان، يستطيع المرء أن يحدد المرحلة التى كتبت فيها وبشفافية قاتلة.. ولا أقول / فاضحة /.
والسؤال الأخير لماذا قررت ليلى نشر هذه القصائد وضمن ديوانين فى 1999 و 2002، وبهكذا توزيع درامى؟! أترك الإجابة لصاحبة العملين والمبدعة لأيقونات التعميد والنزف والرحيل..
فقط أشد على يدها وأقول: أيتها الصديقة لست وحدك فى المعركة التى تستهدف الحب والشعر والإبداع بعامة، بل نحن كثيرون ومنتشرون فى كل مكان، فقط تفصلنا المسافات وهذه الحواجز المفتعلة، وإن قدرة الكلمة على التحليق والاختراق كفيلة باجتياز كل الخطوط والتحصينات، والكلمة كانت وما زالت قادرة على أن تهز الممالك وتزلزل العروش وتحمل الفجر إلى كل فقراء العالم.