السبت ١٥ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٧
بقلم أحمد الخميسي

روايات الكاتبة الروسية ناتاليا فيكو

تفاهة في مشروع قومي للترجمة

هناك مسائل كيفما نظرت إليها وجدتها تتجاوز كل حدود الاستهانة بالعقل والثقافة.
ولنبدأ منذ اللحظة التي شاهدت فيها كتابين لروائية روسية جديدة تدعى ناتاليا فيكو ضمن الأعمال المترجمة التي يقدمها المشروع القومي للترجمة، ومن الفرحة التي استولت علي وأنا أقول لنفسي: ها نحن سنقرأ أعمالا لأدباء جدد يواصلون معنا رحلة الأدب الروسي المجيدة . وما أن انتهيت – بصعوبة بالغة - من قراءة روايات السيدة ناتاليا فيكو حتى شعرت باستياء عميق من عملية أقرب ما تكون إلي الاحتيال على المبادئ الأولى للثقافة والترجمة. وأول كل ترجمة هو اختيار النص، على حين أن ما يسمى روايات " ناتاليا فيكو " لا تزيد شيئا عن قيمة المسلسلات الإذاعية الهابطة التي كانت تقدم في الخمسينات بأسماء مثل " من القاتل ؟ "، و " الخزانة الحديدية " إلى آخره ، ولهذا لا يمكن أن تصبح موضع نقاش أصلا. هذا عن العمل الأدبي ، أما عن المترجم فتفضل ما يلي :
هو - حسب تعريف الكتاب به – علي فهمي عبد السلام حاصل على دكتوراه في السباكة ! وهو بقدرة قادر وفق تقديم نهاد إبراهيم : " يتقن الروسية بمستوى ينافس به الروس أنفسهم " ! علما بأن نهاد إبراهيم التي تشهد للمترجم بذلك لا علاقة لها باللغة الروسية لا من قريب ولا من بعيد فهي مذيعة حاصلة على ليسانس في اللغة الألمانية والإيطالية ! وبالرغم من ذلك فهي التي تولت – لا تدري على أي أساس ؟ - عملية " صياغة ومراجعة الترجمة " (!) بل وبلغت بها الجرأة والكرم حد كتابة دراسة تحليلية في موضوع الأدب الروسي الذي لا تعرف شيئا عنه ولا حتى المعلومات العامة التي يلم بها أي مثقف!
وفي الكتاب الأول " عناكب في المصيدة " ويضم ثلاث روايات تكتب نهاد إبراهيم إن : " ناتاليا فيكو تحمل السبق في تأسيس تيار أدبي مستقل مقترن باسمها في الأدب الروسي " أي تيار أدبي مستقل هذا؟ لا تقول نهاد إبراهيم شيئا ، سوى أنه تيار والسلام . تغدق نهاد إبراهيم الأوصاف الكريمة على المؤلفة كما فعلت من قبل مع المترجم فتقول إن ناتاليا فيكو هي : " واحدة من أهم الأديبات المعاصرات في روسيا " . وهذه الأحكام السخية تصدرها نهاد إبراهيم التي لا تعرف حرفا من الأدب واللغة الروسيين إلي درجة أنها في الكتاب الثاني الذي قدمته لنفس المؤلفة تكتب ( 23) أن أنطون تشيخوف كان يقطن في برلين ! وأنه – أي تشيخوف – فر بجلده إلي الغرب أثناء حكم ستالين ! . وما لا تعرفه الأخت نهاد إبراهيم أن تشيخوف توفي عام 1904 قبل الثورة الاشتراكية بزمن طويل! وأنه لم يفر بجلده إلي الغرب ، ولم يكن مهاجرا إلي ألمانيا! وهذه معلومات عامة جدا يعرفها أي قارئ ، أو متصفح للأدب الروسي ، خاصة حين يتعلق الأمر بكاتب عظيم هو أنطون تشيخوف نشرت عنه مئات الآلاف من الكتب والمقالات ! ولا يتعلق هذا الجهل والتضليل فقط بالأدب الروسي ، بل يمتد إلي غيره ، فقد قررت الست نهاد أن تضع بعض الهوامش هنا وهناك لتعطي منظرا علميا للمقدمات ، وهكذا حين جاء ذكر الفيلسوف فرانسيس بيكون ، تكرمت علينا بهامش ( ص 159 ) جاء فيه إن بيكون هو : " فيلسوف انجليزي أسس مذهب المادية " ولكي تضفي على معلوماتها طابعا علميا فإنها تكتب لنا كلمة المادية بالإنجليزية ! ولا تجد الست نهاد فرقا بين المادية – التيار الذي ظهر مبكرا في الفلسفة اليونانية – والمادية الجديدة التي أسسها بيكون ، لأن كله عند العرب مادية !

وإذا تركنا المقدمات والدراسات التحليلية لروايات ناتاليا فيكو وما اشتملت عليه من جهل وأخطاء فاضحة، سنجد أن " المراجعة والتحرير والصياغة " التي قامت بها نهاد إبراهيم لنص لا تعرف لغته ، لا تقل سوءا . ففي رواية " عناكب في المصيدة " (حتى العنوان غير صحيح ) نجد عبارات كالتالي : " مضغوط من مسئولياته " ، وعبارات مثل : " تلعثمت الكلمات " مع أن اللعثمة لمن يتكلم وليست للكلمات ، وهلم جرا . المؤسف أن السيدة نهاد أعلنت مع صدور الكتابين أنها ماضية في مشروع عظيم لترجمة كل روايات الست ناتاليا فيكو ، وأن هذين الكتابين هما قطرة من بحر !

لقد التقى شخص لا علاقة له بالأدب الروسي هو على فهمي عبد السلام ، بشخص آخر لا علاقة له بالثقافة هو نهاد إبراهيم ، وقررا ترجمة أعمال شخص ثالث لا علاقة له بالكتابة أو الأدب. الشيء الذي يدعو للأسف أن يقبل عصفور والمشروع القومي نشر ذلك وكانت أية قراءة سريعة للترجمة قبل نشرها كفيلة بوقف تلك التفاهة التي أساءت للمشروع وللأدب الروسي والقارئ معا .

تفاهة في مشروع قومي للترجمة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى