الأحد ٤ نيسان (أبريل) ٢٠١٠
بقلم إبراهيم خليل إبراهيم

زهرة المدائن

لأجلك يا مدينة الصلاة أصلي
لأجلك يا بهية المساكن
يا زهرة المدائن
يا قدس يا مدينة الصلاة أصلي
عيوننا إليك ترحل كل يوم
تدور في أروِقة المعابِد
تعانق الكنائس القديمة
و تمسح الحزن عن المساجد
يا ليلة الإسراء
يا درب من مروا الى السماء
عيوننا إليك ترحل كل يوم
و إنني أصلى
الطفل في المغارة و أمه مريم
وجهان يبكيان يبكيان
لأجل من تشردوا
لأجل أطفال بلا منازل
لأجل من دافع و أستشهد في المداخل
و أستشهد السلام في وطن السلام
و سقط العدل على المداخل
حين هوت مدينة القدس
تراجع الحب
و في قلوب الدنيا
استوطنت الحرب
الطفل في المغارة و أمه مريم
وجهان يبكيان و إنني أصلى
الغضب الساطع آتٍ
و أنا كلي إيمان
الغضب الساطع آتٍ
سأمر على الأحزان
من كل طريق آتٍ
بجيادالرهبة آتٍ
و كوجه الله الغامر
آتٍ آتٍ آتٍ
لن يقفل باب مدينتنا
فأنا ذاهبة لأصلى
سأدق على الابواب
و سأفتحها الابواب
و ستغسل يا نهر الأردن
وجهي بمياه قدسية
و ستمحو يا نهر الأردن
آثار القدم الهمجية
الغضب الساطع آتٍ
بجياد الرهبة آتٍ
و سيهزم وجه القوة
البيت لنا و القدس لنا
و بأيدينا سنعيد بهاء القدس
بأيدينا للقدس
سلام آتٍ آتٍ آتٍ

على إثر الهزيمة التى لحقتها إسرائيل بالأمة العربية سنة 1967 غنّت فيروز هذه القصيدة.

.. زهرة المدائن .. كلمات والحان الأخوين عاصي ومنصور رحباني فترددت الأغنية على الأسماع وكان لها عميق الأصداء.

فى هذه القصيدة ترفض فيروز الهزيمة وتبشر بعودة القدس زهرة للمدائن.

فيروز أسمها الحقيقى نهاد وديع حداد وهى من مواليد الحادى والعشرين من شهر توفمبر عام 1935 بجبل الأرز بلبنان وأمها هى ليزا البستاني

نشأت فيروز في منزل متواضع وبعد عامين من ولادتها انتقلت مع العائلة إلى الإقامة فى منزل بشارع الباسطا في بيروت حيث وجد الأب عملاً في لو جور برينت هاوس وفي تلك الأثناء بدأت فيروز الغناء تردد الأغنيات التي تستمع إليها من راديو الجيران وخاصة أغنيات ليلى مراد وأسمهان ثم التحقت بكورال الأطفال في المدرسة التي كانت تدرس بها في ذلك الوقت كان الأخوين محمد وأحمد فليفل يحضران لبرنامج غنائي للإذاعة اللبنانية وتم اختيارها من تلاميذ المدرسة ضمن الأصوات المشاركة في هذا البرنامج ولكن والدها رفض عملها كمطربة بالإذاعة معتقداً أنها سوف تغني في حفلات عامة إلا أنه وافق بعد أن أقتنع بكلام الأخوين

التحقت فيروز بمعهد الكونسرفتوار حيث لم يقبل منها الملحن وديع صبرة الذي كان مديرا للمعهد في ذلك الوقت أي رسوم مقابل الدراسة وبعد شهور قليلة ساعدها الأخوان فليفل لأن تكون عضواً ضمن كورال الإذاعة اللبنانية وحصلت على راتبها وقدره مائة ليرة لبنانية وظلت فيروز تغني مع كورال الإذاعة لمدة شهرين ثم اختيرت لتغني بمفردها بعد أن أعجب بصوتها الملحن حليم الرومي الذي أختار لها اسمها الفني (فيروز) بعد أن خيرها بين فيروز وشهرزاد فاختارت فيروز

قرر حليم الرومي أن يقدم فيروز للأخوين رحباني (عاصي ومنصور) عام 1951 وقد كانا يعدان لمشروع غنائي متميز ومختلف يعتمد على إحياء التراث اللبناني مستخدمين أسلوبا عصريا في التوزيع ولكن اعترض منصور على صوت فيروز بدعوى أنه لن يكون مناسبا لآداء الأغاني التي يؤلفونها أما عاصي فلم يتردد في الموافقة على التلحين لها وكانت البداية مع أغنيات شعبية موزعة موسيقياً بطريقة جديدة مثل أغنية البنت الشلبية ثم تطورت لأغنيات خالصة التأليف والتلحين للأخوين رحباني مثل نحنا والقمر جيران وفي تلك الأثناء بدأت مشاعر الحب تنمو بين عاصي وفيروز إلى أن أعلنا الزواج في شهر يوليو عام 1954 وفي عام 1956 رزقت فيروز بابنها الأول زياد ثم بعد ذلك أنجبت ابنتها ريمة.

في عام 1956 بدأت إطلالات فيروز والرحابنة في مهرجانات بعلبك وازدادت شهرتهم وبدأت حفلاتهم تجوب العالم ولم تكتف فيروز بالغناء للأخوين رحباني بل تعاونت مع ملحنين آخرين ونذكر منهم محمد عبد الوهاب وفليمون وهبة وفي ذات الوقت أعادت تقديم عدد من أغنيات الملحن سيد درويش مثل زوروني كل سنة مرة وغيرها كذلك قامت فيروز ببطولة عدة مسرحيات وأفلام غنائية ناجحة منها لولو و بياع الخواتمو أيام فخر الدين و المحطة-وجسر القمرو ميس الريم وغيرها.

فى أواخر السبعينيات تم الانفصال بين فيروز وعاصي ولكن ظلت فيروز تغني من ألحان زياد أما أثناء الحرب الأهلية اللبنانية رفضت فيروز مغادرة بيروت وعقب انتهاء الحرب عادت لتغني من جديد

تجلت المرحلة الجديدة لفيروز في تعاونها مع ابنها زياد رحباني صاحب الرؤية الموسيقية المختلفة والتي تجمع بين الموسيقى الشرقية والغربية في تمازج رائع وقد كان أول ألبوم تقدمه فيروز مع زياد رحباني هو ألبوم معرفتي فيك ثم توالت أعمالهما الناجحة والتي كان أخرها ألبوم ولا كيف عام 2001 وفي عام 2005 تم منحها لقب الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية في بيروت.

قدمت فيروز مجموعة من المسرحيات الغنائية والأفلام والأغنيات ومن مسرحياتها نذكر:

جسر القمرعام 1962 و الليل والقنديل عام 1963 و بياع الخواتم عام 1964 و أيام فخر الدين عام 1966 و هالة والملك عام1967 و الشخص عام 1968 و جبال الصوان عام 1969 و يعيش يعيش عام 1970 وصح النوم عام 1971 و ناس من ورق عام1972 و ناطورة المفاتيح عام 1972 و المحطة عام 1973 و لولو عام 1974 و ميس الريم عام 1975 و بترا عام 1977.

كانت تقدم مسرحياتها في عدة أماكن منها: كازينو بيروت ومهرجانات بعلبك الدولية ومهرجان دمشق الدولي ومهرجان صيدا ومسرح البيكاديلي في بيروت والمدرج الرومان بالأردن.

ومن أفلامها نذكر:

بياع الخواتم عام 1964 و سفربلك عام 1967 و بنت الحارس عام 1968 بالإضافة إلى برنامج تليفزيوني غنائي بعنوان الإسواره 1963.

و من أغنياتها نذكر:

طير الوروار وسنة عن سنة و يا أنا و كيفك أنت وولا كيف وراجعين يا هوا وراجعون و رجعت في المساء و سألتك حبيبي و سألوني الناس وبكتب اسمك و في قهوة ع المفرق و الله معك يا هوانا وجايبلي سلام وقديش كان في ناس و اطلعي يا عروسة ويا طير وطيري يا طيارة ونحنا والقمر جيران و طلعنا ع الضو وطريق النحل وأنا لحبيبي ولا تسألوني وحبيتك بالصيف وبعدك على بالي وشايف البحر وشتي يا دنيي شادي والقدس العتيقة وغنيت مكة و سكن الليل وأعطني الناي ورجعت الشتوية وقمرة يا قمرة وحبيبي بدو القمر وتك تك ويا مرسال المراسيل ويا مختار المخاتير وسنرجع يوما وقصقص ورق ونطرونا كتير وحبيتك تنسيت النوم ومن عز النوم وع دروب الهوى ووقف يا أسمر وضحك اللوز ووحدن ووينن ويا مايلة ع الغصن و يا قمر انا وياك و يا من حوى وارجعي يا ألف ليلة وسلملي عليه ولا تعتب على ويا عاقد الحاجبين ونسم علينا الهوى وحبيتك والشوق انقال ومش قصة هيه وبحبك يا لبنان .

أما الأخوين رحبانى (عاصي ومنصور) منذ طفولتهما كانا أشبه بتوأمين .. ولد عاصي سنة 1923 ومنصور سنة 1925 بقيا دائماً في ظل والدهما حنا عاصي الرحباني أحد القبضايات .. كان محكوماً عليه بالإعدام من قبل العثمانيين نظرا لتبادل إطلاق النار على الجنود العثمانيين إلا أنه تمكن من الهرب والالتجاء في انطلياس إلى الشمال من بيروت حيث فتح مقهى في منطقة تدعى الفوار على تخوم البلدة .. كان المكان معروفاً بجماله الطبيعي ومياهه النقية وطقسه اللطيف مما جعله شعبياً لأولئك الذين يبحثون عن جلسة هادئة وسعيدة.

كان يمضي عاصي ومنصور ستة أشهر في المدرسة كل سنة ثم كان يخرجهما والدهما لكي يساعداه في موسم الربيع قانعاً الأم بأن ما حصلا عليه من علم كافٍ لتلك السنة.

نشأ الصبيان في هذا الجو .. تشدد في الأخلاق والسلوك من جهة وموسيقى وفن من ناحية أخرى ومن ناحية ثالثة مناخ قروي بمياه جارية رقراقة خلال الصيف وفي الشتاء أمطار وعواصف ورعود يضاف إلى ذلك عامل مهم جداً لعب دوراً في نشأتهما وهو جدتهما لإمهما التي كانت أيضاً محافظة كالأب لكنها كانت تحفظ الكثير من الحكايا والخرافات عن الأبطال الخياليين وأخبار الحب كما كانت تنظم الزجل وعلى الرغم من كونها أمية كانت تشجعهما على حفظ ما ملكت أيمانهما من هذا الموروث الشعري.

كل هذه العوامل مجتمعة ساعدت في نشوء موهبة الصبيين مع مخيلة غنية و مزدهرة وكان يتضح ذلك عندما كان يحبسهما الأب في العلية لكي يبقيا بعيدين عن بقية الصبيان إذ كان عاصي يخترع حكايات عن الجن وعن ناس لا يكبرون ولا يهرمون لكي يتسلى أخوه الصغير والذي كان يصدق كل ما يقوله

قال منصور : كانت علامات الذكاء واضحة عند عاصي منذ البداية وكانوا يتوقعون أن يصبح شاعراً أو فناناً في المستقبل أما أنا فكانوا يقولون أني سأصبح قاطع طريق في أحسن الأحوال.

لم تكن مرحلة الدراسة الأولى منتظمة بالنسبة للأخوين رحباني مع هذا كان عاصي مواظباً أكثر من منصور الذي كان يخترع الحيل والمناورات حتى لا يذهب إلى المدرسة

كان منصور يحب الشعر منذ طفولته وبدأ أولى محاولاته في كتابة الشعر في سن الثامنة وفي الثانية عشرة من عمره اشترك في مجلة المكشوف ثم في مجلات أدبية أخرى و كان عاصي يشاطره قراءتها بشغف كبير ثم انكبّا على قراءة كتب الفلسفة وكتب "طاغور وديستويفسكي ومسرحيات شكسبير.

في عمر الرابعة عشرأسس عاصي مجلة اسمها الحرشاية حيث كتب بخط يده أولى محاولاته الشعرية والقصص المسلسلة باللغة العربية الفصحى والعامية اللبنانية و كان يوقعها بأسماء مستعارة ويذهب ليقرأها من بيت لبيت في نهاية كل أسبوع.

غيرة منصور من أخيه الأكبر دفعته لأن يؤسس مجلة أخرى مشابهة والتي أسماها الأغاني حيث بدأت المنافسة بينهما.

لم تكن أمور المطعم في الفوار على ما يرام فاضطر والدهما إلى بيعه ثم اشترى مقهى صغيراً في منطقة المنيبيع و أفتتح مطعماً في أنطلياس حيث كان يعمل فيه في الشتاء لذا أمضت العائلة سبع سنوات متنقلة بين المنيبيع في الصيف وأنطلياس في الشتاء ثم تدهور وضع الأسرة الاقتصادي فاضطر عاصي ومنصور للمساعدة فعملا في قطاف الليمون ثم انصرفا لمساعدة والدهما في المطعم.

ساعدت بيئة المنطقة ..الطبيعة ..الإحراج .. الحيوانات على اختزان الكثير من الذكريات والتي استعملاها فيما بعد في أعمالهما

بعد عام عادا إلى أنطلياس حيث التقيا الأب بولس الأشقر وقد شكل هذا اللقاء تحولاً أساسياً في حياتهما وقتها طلبا منه الانضمام إلى جوقة الصلاة والتراتيل التي كان يعلمها فوافق على انضمام منصور فقط ولم يأخذ عاصي لأن صوته كان قد بدأ يجمع بين الخشونة والنعومة لكنه سمح له بتعلم الألحان دون أن مشاركة فعالة.

ذات مرة كان يحاول الأب بولس أن يشرح نظرية التيتراكورد لطلابه فاكتشف أنه لم يتمكن أحد من استيعابها لكن عاصي الذي كان يقف فى الخارج عند الباب قال أنه يستطيع شرحها فدعاه الأب بولس وقال له: إذا أعدت شرح النظرية سأعلمك الموسيقى .. وبالفعل تمك عاصي من شرح النظرية .. وبدأت مرحلة تعلم الموسيقى.

تعلّما العزف على البزق تعليما ذاتيا وذات يوم وجد عاصي عشر ليرات على أرض المقهى فأخذها واشترى كماناً وعزف عليه بالإضافة إلى متابعة دراسته الموسيقية على يد الأب بولس الأشقر.

درسا علم الهارموني وتاريخ الموسيقى الشرقية من كتب نادرة كانت بحوزة الأب بولس وسرعان ما جاءت مرحلة التأليف وكان أول عمل نشيداً بمناسبة عيد الأب بولس الأشقر,ثم كانت الألحان الدينية خاصة المزامير بالاشتراك مع الجوقة.

ومع هذا لم تقتصر موهبتهما على الموسيقى فقط حيث كان شغفهما بالمسرح كبيراً .. تعرفا إلى المسرح في مدرسة فريد أبو فاضل والمدرسة اليسوعية في بكفيّا ومع أنه لم تكن هناك حركة مسرحية نشيطة في لبنان في ذلك الوقت إلا أن ذلك لم يمنعهما من تقديم أعمالاً مسرحية هنا وهناك عندما تسمح الظروف ثم أصبح المسرح هاجساً لديهما إلى أن كتب يوسف لويس أبو جودة مسرحيات لهما خصيصاً بالعامية اللبنانية.

قبل أن يبلغا سن الرشد أسسا نادي أنطلياس الثقافي حيث حاولا من خلاله تقديم بعض النشاطات الثقافية والاجتماعية بمساعدة شبان البلدة .. قدما حفلات غنائية ثم وضعا ألحاناً لإدخالها في المسرحيات وكانت باكورة أعمالهما مسرحية وفاء العرب التي ألّفاها ولحناها ومثّلا فيها وجسد عاصي فيها دور النعمان الثالث وجسد منصور دور حنظلة ثم جاءت مسرحيات أخرى كانت إما من تأليفهما أو بالمشاركة مع آخرين.

في عام 1944 بدأت مرحلة جديدة في حياتهما الفنية وذلك بتقديم مسرحيات غنائية طويلة وذات قصة كما نظما ولحنا أغنيات قصيرة لا تتجاوز مدتها دقيقتين أو ثلاث دقائق والتي كان لها حضوراً إيجابياً في إذاعة دمشق وإذاعة الشرق الأدنى حيث تجاوب معهما قيادات تلك الإذاعات ووجدوا فيها نمطاً جديداً للأغنية التي كانت سائدة فى ذلك و لكن التدهور المالي للعائلة لم يسمح باستمرار النشاط الفني ففي سن السادسة عشر انضم عاصي إلى سلك البوليس بعد أن اضطر إلى تكبير سنه كي يحق له التقدم إلى الوظيفة ثم فعل منصور نفس الشيء.

كان عمل عاصي في البوليس في أنطلياس وكان البوليس الوحيد فيها وكان رئيس البلدية وقتها وديع الشمالي محباً للفن وعازفاً على الكمان مما شجع عاصي على الهروب من وظيفته ليمارس هوايته ويعود في آخر الشهر ليقبض المعاش

أما منصور فقد كان عمله كبوليس في قسم الأمن العام في بيروت, وكعاصي كان يهرب من وظيفته ليحضر الحفلات الفنية

كان العمل الفني ممنوعاً عليهما باعتبار أنهما يعملان في سلك البوليس لكن هذا لم يكن ليمنع سعيهما نحو الفن ... كانا يتنكران بثياب مختلفة وأحياناً يضعان شوارب مستعارة لكن لم يوفّقا في إخفاء شخصيتهما الحقيقية كل الوقت و كاد أن يقبض عليهما في أكثر من مرة لكن في كل مرة كانا يستطيعان التملص بطريقة أو بأخرى وبشكل أساسي لأنهما كانا أولاد حنا الرحباني المعروف والمحترم.

بعد الحرب العالمية الثانية قرر عاصي ومنصور أن ينتقلا من الهواية إلى عالم الإحتراف وكانت الإذاعة الطريق الوحيد للانطلاق في المجال الأحترافي.

تعرفا في البداية على إيليا أبو الروس وكان عليهما أن يخضعا لامتحان فقدما في الامتحان بعضاً من أعمالهما الخاصة إلا أنها لم تلق ترحيباً من قبل اللجنة الفاحصة باستثناء ميشيل خياط .. ومن ادعاءات أعضاء اللجنة أن تلك الأغاني تتضمن كلمات غريبة وغير مألوفة في الأغنية العربية عموماً واللبنانية بشكل خاص مثل ليش و هيك _وجرد

هكذا رفض كورس الإذاعة ومطربوها أن يغنوا للرحبانيين فأحضرا أختهما سلوى وأسمياها نجوى لتؤدي أغانيهما في الإذاعة.

حول هذا يقول منصور:

جئنا بتفكير شعري وبموسيقى مغايرة .. غيرنا كل شيء .. لماذا ؟ لا أعرف .. تأثرنا بعبد الوهاب وسيد درويش والعديد من الفنانين .. لكن عندما جئنا لنكتب كتبنا بلغتنا الخاصة وبرأيي على الفنان أن يقول جديداً وإلاّ فليصمت

كانت الأغاني في الإذاعة تقدم بشكل حي دون تسجيل مسبق ومع استمرار تقديم أعمالهما بدأ يؤمن بهما بعض الأشخاص مثل فؤاد قاسم رئيس الإذاعة الذي تبنى أعمالهما وطلب من عاصي الذي كان قد

تعلم العزف على الكمان في الكونسرفتوار والأصول العلمية للموسيقى على يد الأستاذ إدوار جهشان في أكاديمية الفنون

استقال من سلك الشرطة وكان يأتي كل يوم إلى عمله في الإذاعة على الدرّاجة

وكان من نتائج اقتناع فؤاد قاسم بالأسلوب الرحباني أن أصدر قراراً يمنع فيه بث أية أغنية تتجاوز مدتها الخمس دقائق مما أدى إلى انحسار تيار الأغنية الطويلة.

منذ ذلك الحين صار المعجبون بأغاني الرحبانيين يزدادون ومن بين هؤلاء المخرج صبري الشريف و محمد الغصيني اللذين كانا مديرين في إذاعة الشرق الأدنى في قبرص

انتقلت المحطة بأكملها من قبرص إلى بيروت و كان هذا بعد أن استقال منصور أيضاً من وظيفته في البوليس وتابع دراسة الموسيقى مع عاصي وتوفيق الباشا على يد برتران روبيّار الذي علمهما قواعد الموسيقى الغربية لمدة تسع سنوات و الموسيقى الشرقية لمدة خمس سنوات و أصبح الأخوان رحباني من بين أكثر الموسيقيين اللبنانيين تعلماً للموسيقى

من بين الأشخاص الذين تعرفوا على عاصي ومنصور في تلك الفترة خليل مكنية عازف الكمان المعروف وابن أخته توفيق الباشا و زكي ناصيف معلم الموسيقى وعازف البيانو وصاحب الصوت الجميل "لحاج نقولا المني

و حليم الرومي وفليمون وهبة وأحمد عسّة الذي كان مديراً للإذاعة السورية والذي فتح لهما بابها على مصراعيه.

بانتقال إذاعة الشرق الأدنى من قبرص إلى بيروت حصل تغيير كبير في مجال عمل الرحبانيين وأخذت أغانيهما تصل بسرعة إلى آذان المستمعين ومن بين تلك الأغاني القديمة نذكر جاجات الحب و زورق الحب لنا و يا ساحر العينين و سمراء مها و هل ترى يولا وكانت تؤديها أختهما سلوى أو نجوى كما أسمياها .وهكذا حتى جاءت فيروز

عندما التقى عاصي بفيروز للمرة الأولى كان موظفاً في الإذاعة وكانت هي مغنية في الكورس في نفس الإذاعة.

أما منصور فكان لا يزال شرطياً و حليم الرومي هو الذي قدمهما لبعض .. في البداية اعتقد عاصي أن صوت فيروز غير مناسب لأداء الأغاني الغربية لكنه كان مقنعاً بالنسبة لحليم الرومي و منصور من جهته كان رأيه أن هذا الصوت هو الاختيار الخاطئ لأعمالهما لكنه اعترف لاحقاً أنه كان مخطئاً في رأيه

بدأ عاصي بكتابة الأغاني لفيروز وظل لمدّة ثلاث سنوات يقنع المسئولين في الإذاعة بمقدراتها... إذ أن الأصوات الرائجة في تلك الفترة كانت أصوات نجوى و حنان وأخريات.

في النهاية استقال منصور من سلك البوليس وأنضمّ إلى عاصي وفيروز وبدأ المشوار.

هيّأ الرحبانيان لفيروز انطلاقة رحبانية محضة وخضع صوتها للكثير من التجارب فقد غنت الألوان الأوروبية ثم الألوان الشرقية الصعبة مع مختلف الأوركسترات وكانت دائماً تثبت جدارتها وتكونت لديها خبرة لم تحصل عليها أية مطربة أخرى

كان هم الرحبانيان هو خلق موسيقا لبنانية ذات هوية واضحة لذلك بدأ من الصفر ..عادا إلى الفولكلور و الماضي وأخذا بعض الأغنيات وأعادا توزيعها دون تغيير بالكلام

في مرحلة لاحقة صارا يخلطان الألحان الفولكلورية بعضها ببعض مثل أبو الزلف والدلعونا مع عالماني الماني في أغنية واحدة مع كلام من تأليفهما مما أوقع البعض في الالتباس حيث ظنوا أن الكلام هو في الأساس قديم بينما هو رحباني صرف تبع ذلك تأليف أغانٍ شعبية مثل عتاب و راجعة وغيرها من الطرب الشعبي اللبناني حيث تشكّلت هويتهما الفنية كموسيقيين لبنانيين بشكل واضح

فيما بعد أحسا بضرورة أن يكون للبنان موسيقاه الراقصة الخاصة به وكانت الموسيقى الدارجة وقتها التانجو والجاز والبوليرووالسلو وغيرها من الألحان الغربية فصارا يأخذان مقاطع من هذه الموسيقى ويضعان لها كلاماً لبنانياً وتوزيعاً موسيقياً جديداً دون ادعاء بأنها لهما بل كانا يقولان أنها مقتبسة ومعرّبة إلى جانب ذلك وضعا لوناً لبنانياً

راقصاً مثل نحن والقمر جيران ووضعوا إيقاعات راقصة لأغانٍ فولكلورية مثل يا مايلة عالغصون والبنت الشلبية.

وبالنسبة للشعر بدأ بكتابة القصيدة القصيرة المختصرة التي لا تتجاوز مدة غنائها بضعة دقائق مثل لملت ذكرى لقاء الأمس وسنرجع يوماً و أما بالنسبة للموشحات التي كادت أن تنقرض فقد جمعاها وأعادا إحياءها من جديد وعملا لها توزيعاً موسيقياً جديداً وزادا على كلماتها وكان استقبال الناس لها عظيماً ثم صارا يؤلفان موشحات خاصة بهما.

فى صيف عام 1954 تزوّج عاصي وفيروز وأنجبا زياد وهلي وليال وريما وفي عام 1955 سافروا جميعاً إلى مصر للإطلاع على شئون الفن فى مصر فالتقوا بالإذاعى أحمد سعيد مدير إذاعة صوت العرب وعرضوا عليه تقديم عمل للقضية الفلسطينية

أقترح الإذاعى أحمد سعيد أن يسافر الرحبانيان إلى غزة ليستمعا إلى الموسيقى والشعر هناك فاعتذرا لخوفهما من ركوب الطائرة لكن عندما طلبا الاستماع إلى بعض الأغاني المسجلة وجدا أنها مفعمة بالبكاء والنواح فعرضا على الإذاعى أحمد سعيد أن يقدما شيئاً بطريقتهما الخاصة ويالفعل راجعون

بعد ذلك وضع الأخوان رحباني مجموعة من الأغنيات عن القضية الفلسطينية مثل سنرجع يوماً و زهرة المدائن.

في عام 1956 اضطرت إذاعة الشرق الأدنى إلى التوقف عن البث بعد أن قاطعها الكثير من الموسيقيين ومنهم الأخوين رحباني استنكاراً لمواقفها السياسية.

عندما بدأت مهرجانات بعلبك في لبنان كان منظموها يستعينون بفرق أجنبية من مختلف أنحاء العالم ولكن بداية من عام 1957 ولدت الحاجة إلى تقديم فن لبناني في هذه المهرجانات فكان الرحبانية أول من استدعوا و أوكلت إليهم مهمة التلحين فقط في البداية لكن عاصي أصر على استلام المهرجان كله و كانت اللجنة المنظمة ضد أن تكون فيروز هي المطربة لكن عاصي أصر على موقفه وقال للجنة أنهم لا يعرفون فيروز وأنها ستغني شيئاً مختلفاً عن المتوقع كما عرض أن تتقاضى فيروز ليرة لبنانية واحدة فقط وقد كان.

في ليلة الافتتاح عمد المخرج صبري الشريف إلى وضع فيروز على قاعدة عمود وسلّط عليها الأضواء من أسفل العمود ومن زوايا مختلفة فظهرت وكأنها تسبح في الفضاء عندما بدأت تغني لبنان يا أخضر حلو" وكان هذا المشهد مبهرا للجمهور الذي اشتعل له تصفيقاً في موجة بين التأثر والبكاء والغبطة .

قدمت الحفلة لليلتين فقط كما كان مقرراً وفي كل ليلة كان هناك حوالي خمسة آلف مشاهد وكان بينهم الرئيس كميل شمعون.

لكن المهرجانات ألغيت في السنة التالية بسبب الأحداث التي شهدها لبنان في تلك السنة وفي عام 1979 عاد المهرجان وقدم الرحبانيان المحاكمة بطولة فيروز ووديع الصافي.

حمل عام 1960 بشرى ولادة عصر جديد في مسيرة الرحبانيان حيث بدأ بتقديم المسرحيات في بعلبك ومناطق أخرى بداية من موسم العز بالأشتراك مع صباح و وديع الصافي و نصري شمس الدين ثم لبعلبكية عام 1961.

بعد أن تقديم جسر القمر في بعلبك ودمشق فى عام 1962عرضت عودة العسكر على مسرح سينما كابيتول بعدها بعام شهد مسرح كازينو لبنان مسرحية الليل والقنديل .

في عام 1964 اتصل بهم منظمو ا مهرجانات الأرز وطلبوا منهم تقديم برنامجاً شبيهاً لبرامج بعلبك .. قدم الرحبانيان وقتها مسرحية بياع الخواتم والتي تعد تجربة مختلفة كلياً لكونها مسرحية مغناة من البداية إلى النهاية وحضرها عشرة آلاف شخص فى الليلة الأولى وأحد عشر ألفاً فى الليلة الثانية وكانت تلك ظاهرة فريدة.

عرضت دواليب الهوا مع صباح ونصري شمس الدين على مسرح بعلبك فى عام 1965 وبعدها مباشرة قدموا مع فيروز حفلة غنائية في قصر بيت الدين و لقيت نجاحاً كبيراً ولحق بهم الناس من بعلبك إلى بيت الدين.

كان النجاح حليفهم أنّى ذهبوا وباتت الدعوات تأتيهم من كل حدب وصوب ففي عام 1967 عرض عليهم الأخوة عيتاني تقديم عمل على مسرح البيكاديللي كل سنة و بدأ الرحبانيان بتحضير برنامجاً لمهرجانات بعلبك أو الأرز في الصيف وبرنامجاً آخر لدمشق وواحد ثالث لمسرح البيكاديللي في الشتاء كل هذا بالإضافة إلى الحفلات الغنائية خارج لبنان وسوريا

كانا يعملان في المكتب والبيت .. يكتبان .. يلحنان .. يدرّبان ويخططان ليل نهار و كانت غزارة إبداعهما فريدة من نوعها وغير مسبوقة على الإطلاق.

كانا يعملان كل لوحده ومع بعضهما أحدهما يكتب والثاني يلحن والعكس حسب انشغالهما بالعمل امتزجت أعمالهما بعضها ببعض لدرجة أنهما كانا أحياناً يستطيعان تحديد من فعل ماذا على وجه التحديد.. لم يقوما بفصل عمل أحدهما عن الآخر مطلقاً و كانت الأعمال تصدر وتوقع باسم الأخوين رحباني.

عندما كان يحصل اختلاف في الرأي كانا يلجأن إلى استشارة الأصدقاء ليبتّوا بالأمر وكم من مرة تدخلت جدتهما لتحسم الأمر لصالح عاصي صارخة في وجه منصور: اسكت .. أخوك أكبر منك وهو دائماً على حق .

في عام 1962 تأسست محطة تليفزيونية جديدة في لبنان وطلب من الرحابنة إعداد برنامجاً موسيقياً ليوم الافتتاح وبعد الإصرار على شروط إعداد البرنامج ليتناسب ومستوى أعمالهما قدما أول عرض تليفزيوني لهما (حكاية الإسوارة ) والتي قوبلت بنجاح كبير بعدها استمرت المحطة في طلب المزيد من البرامج لكن الأخوين رحباني كانا يعتذران عن تلبيتها لئلا يحترقا من كثرة الظهور على الشاشة الصغيرة فضلا أن تبقى الأعمال المسرحية التي يقصدها الناس إلى المسرح بدلاً من أن تذهب هي إلى بيوتهم بالسهولة التي تقتل الفن عادة لكنهما لم يقطعا الصلة بالتليفزيون

كلياً فمن فترة لأخرى كانا يقدمان برنامجاً ذات أصداء كبيرة كتبت عنه الصحافة وطلبوا الناس إعادة بثه مراراً ومن بين تلك البرامج دفاتر الليل و ليالي السعد و ضيعة الأغاني و القدس في البال وبرنامج لعيد الميلاد وآخر لعيد الفصح وكانت النجمة دوما فيروز وبالإضافة إلى ذلك كتبا مسلسلين من بطولة هدى أحدهما قسمة ونصيب والثاني من يوم ليوم الذي اشترته محطات تليفزيونية عربية كثيرة واشتهر كأحد أجمل المسلسلات الغنائية التي جمعت بين التشويق البوليسي والعقدة الغريبة.

بعد ذلك أوقف الرحابنة العمل للتليفزيون خاصة بعدما أدركا أن محطات التليفزيون لن تدفع بسخاء من أجل أعمالهما والتي حرصا كثيراً على بقائها في مستوى عالٍ من ناحية المضمون ومن الناحية التقنية لئلا يخيب أمل الجمهور الذي يأتي ليرى ما يتوقعه منهما.

صارت فيروز قضية وطنية عامة تغني هموم الإنسان ومع استمرار النجاحات المتوالية وصل الرحبانيان إلى قمة فنية جديرة بكل التقدير

في يوم من أيام شهر سبتمبر عام 1972 وبعد تقديم مسرحية ناطورة المفاتيح في بعلبك وأثناء العمل على الحلقة الرابعة عشرة من مسلسل من يوم ليوم في ذلك اليوم وفجأة بدأ عاصي يعاني من آلام مبرحة في رأسه وفقد القدرة على التركيز و أسعف بسرعة إلى المستشفى وكان التشخيص نزيف حاد في الدماغ .

قرأ الناس الخبر في صحف اليوم التالي فهرعوا إلى المستشفى خائفين قلقين ضارعين لله أن ينجي عاصي بعد مداولات سريعة بين الأطباء استدعي جراح أعصاب من فرنسا وأدخل عاصي غرفة العمليات ونجحت العملية في إيقاف النزف .

تمكن عاصي من إعادة تأهيل نفسه ليعود إلى حياته الطبيعية.

كانت المحطة أول عمل قدم بعد شفاء عاصي حيث لحن فيها أغنية ليالي الشمال الحزينة وكانت أول أغنية لحنها بعد مرضه و استمر بالتلحين بعد ذلك و طلب منصور من زياد أن يعملا معا فى أغنية تقدم كتحية من منصور و زياد وفيروز إلى عاصي و أخبره زياد أن لديه لحناً بدون كلمات .. سمع منصور اللحن وأعجب به وكتب كلمات سألوني الناس له.

في الليلة الأولى للمسرحية قوبل عاصي بعاصفة من التصفيق عندما دخل مسرح البيكاديللي و بعد انتهاء المسرحية جمع عاصي منصور وزياد وفيروز معلقاً على أغنية سألوني الناس صارخاً فيهم بنبرة الشهم : انتظرتم حتى أمرض لكي تستجدوا تصفيق الناس باسمي أيها الانتهازيون؟ لكن محبته لهم وللأغنية جعله لا يوقفها عن المسرحية.

بعد ذلك عاد عاصي إلى عمله واستعاد جميع صلاحياته في المكتب لكنه كان إنساناً آخر .. كان يضحك بدون ضوابط لكنه استمر بالتلحين وكان غالباً ما يستدعي منصور ليقوم بكتابة النوط الموسيقية لأنه لم يعد يطيق صبراً على الكتابة.

فى نهاية السبعينات بدأت المشاكل في المسيرة الرحبانية وأفضت في النهاية إلى الانفصال التام بين فيروز وزوجها وأخيه عام 1979 لتبدأ مسيرتها المستقلة.

استمر الرحبانية فقدما مسرحيتي المؤامرة مستمرة عام 1980 والربيع السابع عام 1984 لكن صحة عاصي بدأت بالتدهور سريعاً ودخل في حالة غيبوبة إلى أن جاء يوم الحادي والعشرين من شهر يونيو و في صباح ذلك اليوم مات عاصى .

وهكذا كانت المسيرة الفنية التى جمعت ثلاثة عمالقة ومع عاصي ومنصور وفيروز وصل الفن اللبناني إلى القمم جمالاً ورقياً وكانت له في ذاكرة الناس ووجدانهم آثار يصعب قياسها


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى