الأحد ١٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٠
بقلم عبد القادر محمد الأحمر

سر الاهتمام العالمي بالقدس

يتساءل الإنسان: ما سر هذا الاهتمام العالمي بهذه المدينة المسماة بـ "القدس" ؟!! ولماذا تفردت عن سائر المدن بأنها المدينة الوحيدة التي دارت حولها العديد من الصراعات والحروب عبر تاريخها الضارب في القدم؟!!

ما سر هذا الوضع التاريخي والجغرافي والديني الذي أضفى عليها كل هذه القداسة، والتميز الروحي عن بقية مدن العالم؟!! هل لأنها فقط مهبط الأنبياء على اختلاف كتبهم وشرائعهم فحسب؟!! أم أنها القلب العالمي لهذا الكون الذي لا حياة إلا به؟!! فنحن مهما تلفتنا في أرجاء هذه المعمورة فإننا لن نجد مدينة حظيت بمثل ما حظيت به مدينة القدس من اهتمام!!

نعم، هي بالنسبة لنا نحن- معشر المسلمين – مسرى نبييِّنا ورسولنا الكريم- صلى الله عليه وسلم – ومبتدأ معراجه، كما أن لنا فيها "المسجد ا؟لأقصى" و "قبة الصخرة" والعديد من المساجد والأضرحة، إضافة إلى أنها- وقبل كل شيء - "أولى القبلتين" و "ثالث الحرمين الشريفين"!!

وهي التي تعني كذلك بالنسبة للمسيحيين المكان المقدس الذي نشر منه السيد المسيح تعاليم محبته على الناس وبينهم، كما لهم فيها معابد وأديرة مقدسة، على رأسها "كنيسة القيامة" ، و"درب الآلام" ..

كما أنها بالنسبة لليهود فإنها تلك المدينة التي عبَّر من خلالها نبي الله موسى- عليه السلام – في القول الذي حكاه عنه القرآن الحكيم بالقول: (..إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ.. ) "الأعراف/156" عن معنى اليهودية الأصالة، التي لا ارتباط لها أصلاً بـ "الصهيونية" ، وأن لا علاقة ألبتة بين هذين المفهومين!! كما لهم فيها ذكرى "الهيكل" (أقدس مقدسات اليهود) والذي يعني لهم الارتباط الروحي بهذه المدينة..

ونسبة لهذا الإرث الديني العظيم وحده غدت هذه المدينة الخالدة هي حقاً "زهرة المدائن" ، التي تعني- ويا لهول ما تعني – وللفلسطينيين وحدهم- سلالة اليبوسيين والكنعانيين – التجسيد القومي للوجود الترابي، والتاريخي، والحق السيادي..

وبما أن جميع هؤلاء الأنبياء والرسل قد اتجهوا نحو دعوة أقوامهم إلى "الاسلام" – ونعني به إسلام الوجه لله تعالى وحده والإيمان به والخضوع لجميع أوامره ونواهيه كما أنزلت في كتبهم– ابتداءً من آدم- عليه السلام – ونوح وابراهيم وموسى وعيسى وسليمان، وانتهاءً بخاتمهم محمد- صلى الله عليهم أجمعين – حيث أن "جوهر" جميع هذه الكتب السماوية التي كانوا يبشرون بها ويدعون الناس إلى الإيمان بكل ما جاء فيها كان وسيظل هو "الإسلام" ، ليتمحور الواجب الفرضي في الإيمان بها في التمسك والعمل بما جاء فيها من هدى وتشريع دون تحرف أو زيادة ونقصان!! تماماً مثلما يؤمن المسلمون اليوم بجميع الأنبياء والرسل كما جاء في قرآنهم..

لهذا نجد أن "عرفات" – كما جاء في مجلة القدس – قد لخص وضعية القدس في المنظور العربي الاسلامي عندما خاطب كلينتون يومها وباراك بقوله: (.. إنكم لا تفاوضونني وحدي بشأن القدس، إنكم تفاوضون المصريين والسعوديين، والمغاربة والباكستانيين، والإيرانيين، وغيرهم من المسلمين، فالقدس ملك لهؤلاء جميعهم..)..

ثم ماذا قال السيد حسن نصرالله- الأمين العام لحزب الله – وهو يسترجع تلك الأيام للاحتلال الاسرائيلي، وقد كان عمره آنذاك 22 عاماً بقوله: (.. في مدينة بعلبك سنة 1982م صار نقاش بيننا.. ماذا ننتظر؟ الجامعة العربية؟ .. أم الأمم المتحدة؟ .. أم مجلس الأمن؟ .. أم مجموعة دول عدم الانحياز؟ .. واخترنا طريق الجهاد..
وكانت المعادلة يومها غير متكافئة، كنا مائة مقابل مائة ألف اسرائيلي خلفهم من يمدهم!! ولا زلت أتذكر تلك الكلمات: (إذا أردتم الدنيا فقاتلوا العدو، وإذا أردتم الآخرة فقاتلوا العدو) ..

إذن قضية القدس- اليوم – تقع كامل مسئوليتها على كاهل العالم الإسلامي- قرابة المليارين مسلم – لا على العرب وحدهم، ولا على الفلسطينيين وحدهم، فإن جاوز الظالمون المدى، فحق الجهاد وحق الفدا.. هكذا يجب أن تؤخذ القضية، عسانا ننسى إن كان ذلك في مقدور "الذاكرة" تلك المذابح التي جرت في دير ياسين، وكفر قاسم، وتل الزعتر، وصبرا وشاتيلا، وغيرها!! بعد أن أصبح "محمد الدرة" وأترابه- هؤلاء الأطفال الذين تعرضوا وما زالوا يتعرضون لنيران الأسلحة الرشاشة دون جرم ارتكبوه، أو بجرم حملهم لبعض الحصيات في أيديهم، وهؤلاء الشباب الذين تم تهشيم عضدهم بالصخور، وخلع أكتافهم ، وهؤلاء الفتيات اللائي تحطمت سوقهن بالبنادق والحراب الإسرائلية وتكسيرها إلى نصفين، واطلاق النار على المنادين بكلمة "الله أكبر"، ووأد مجموعات الشباب وتقييدهم بالحبال وصب البنزين عليهم واحراقهم أحياء، ونسف المنازل وتدمير ملاجيء المناضلين والمحرومين بالقنابل والمواد المتفجرة الحارقة وبالصواريخ وتسويتها بالتراب، وتمزيق أوصال الأطفال والصبية والشبان الحاملين للقرآن، ونظرة الآباء والأمهات إلى احتضار فلذات أكبادهم في أحضانهم، وليس لهم إلا الحزن والمرارة والموت كمداً على ارتحال هذه الفلذات!! وتلك العيون التي تفيض بالدمع، المحدقة بالسماء والبساتين المترامية تسأل عن الأحبة، وإلى أين توجهوا في ذلك البرد القارس؟!! أفلا يجعلنا كل هذا الذي أصبح أمراً محفوراً بالدم في هذه الذاكرة أن نتساءل ونقول: (أين دعاة القيادة؟!! وبأي الأمور هم مشغولون الآن؟!! .. أين أصحاب المحافل السياسية، وماذا يفعلون؟!! أين أولئك الذين كانت أصواتهم تتعالى بحماية الأمة العربية والإسلامية الواحدة؟!! أين من يدعون زوراً بمنقذي الشعوب؟!! أين مجلس "الأمن" الدولي؟!! أين منظمات حفظ "حقوق" الإنسان؟!! أين محطات التلفزة وأنظمة الأقمار الاصطناعية المرتبطة بالصهيوية العالمية؟!! أين المدافعون عن الشيطان المرتد "سلمان رشدي" ؟!! أين هم كي يصوروا وقائع جنون الصهيونية المحتلة؟!! أين مراسلو ومحللو الوكالات الاستعمارية ليستعرضوا عجز الصهيونية وجنونها إزاء طفل فلسطيني في التاسعة من عمره؟!! عزاءنا أن كل هذا قد تم تصويره بأجهزة نادرة لا وجود لشبيه لها وستعرض في يومٍ هنا وفي يومٍ هناك!!!

أجل، لكل هذه العوامل لا يستطيع الجيل الفلسطيني الجديد ولا الأجيال المسلمة الناهضة أن تجد جواباً عن سيل أسئلتها، بل إن عاقبة الأمر توصل إلى عدم الالتفات لكل أولئك، إنما إلى الالتزام التام بأوامر الاسلام وتوجيهات القرآن والسير وفق هذا المنهج الخالد العظيم، ولا شيء غيره!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى