السبت ٧ نيسان (أبريل) ٢٠٠٧
بقلم محمد البوزيدي

سلك احسن لك

كان صباحا جميلا، رونقا آخر للحياة، وفضاء أجمل على ضفاف البحر الهادئ الذي ينسكب بعضه من بعض وعلى بعض، يواصل معانقة رحلة الحياة الأزلية.

وفي نفس المكان دون ملل، وبلا كلل، يتأمل اليابسة التي تهرب منه دائما خوفا من ابتلاعها، فلقد حوله تسو نامي من صديق حميم إلى عدو لدود يحيل على الشر والخراب،ومنه تنبعث لعنة الموت التي تحط على الأفئدة.

وعلى غفلة من المستقبل المجهول نتمتع باستراحة تأمل، تهرب بنا إلى عالم آخر يستعجله كل أحد في لحظات من حياته، ومن تتكلم معه وتسأله ماذا تعمل؟ يقول لك دون تردد: نسلك.

بدوري أ نا منذ وعيت وهذه اللفظة لاتفارق لساني، نجيب بها على كل سؤال عن الأحوال،أحيانا نصرح بها دون شعور، وأحيانا أخرى لهروب الجواب وفقدانه، ولفشلنا في تحديد الصيغة المناسبة للحياة فلا تجد سوى: أظنك تسلك.

تأملت هذا اللفظ صدفة حين سمعته من تلامذتي يرددونه، وحين سألتهم عن معناه، كان السؤال مفاجئا، لقد خرسوا عن الجواب..حينها تيقنت أنني لو سألت شخصا "كبيرا" عن الكلمة لتعجب مني وكأني أسأله عن مدلول كلمة صباح الخير.

هي كلمة تدل إذن على اليأس الذي تجاوز الحد الذي سماه عبدالرحيم العطري بالمعتق، بل قد يدل على الحزن الموالي،بل ان الأمر أصبح غير مرتبط بوضعية اقتصادية معينة أو محددة،بل إن هذا الجواب –اللاجواب- أصبح عملة من الواقع اليومي، اعتدناه وأصبح جزءا من كلامنا كأننا رضعناه في ثدي معين.

وطبيعي جدا أن نعبر عن قلقنا بنفس التعبير، كيف لا؟ والأسعار في تزايد والخدمات متردية في كل القطاعات لدرجة فقدان الإحساس بالمواطنة الصالحة، فأصبح الانشغال ذاتيا فقط، وكل موظف يبحث عن ما سيغنم به عوض البحث عن تطوير أدائه في واجبه الوطني الذي سيتقاضى عنه أجرته.

الفقير يزداد فقرا بديونه المتنوعة والمتعددة وحين سيكون على أهبة الهلاك بالمستشفى يطالبونه بالأداء فالموت أضحى كذلك بالأداء،بينما الغني يضيف غنى على غنى، وأصبح يعدي أيامه كمن ينتظر لا نهايتها البعيدة لأن مختلف غاياته لن تتحقق ولو حقق ما حقق، وإن كان الوضع لا يحقق سعادة بالضرورة.

ونفس الكلمة يا ساداتي الكرام تحمل مدلولا آخر وهو القناعة الظاهرية- مؤقتا- بوضع خاص، لذلك تجد كل من ولج مهنة فلا تقنعه، فيطمح لأخرى لكنه يبدي غضبه عليها منذ البدايات والانخراط الأولي فيها وعندما تجيبه: قدم استقالتك وابحث عن شيء مقنع فعلا، فلا ينفر منك إن لم يحطم أسنانك التي يبرزها أمامك مجاملة.

ولقد هربت الكلمة فخرجت من الاقتصاد إلى عالم السياسة فتجد زعماء- نا- /- في اعتقادهم- لا يقنعون بمنصب ما فيملئون فراغهم بمنصب ثانوي في انتظار الفرصة للبروز والصعود إلى منصب آخر، أو في انتظار الموت، ولذلك ليس غرابة أن تجد الوزراء بعد أن يخرجوا من الحكومة تتبرع عليهم الدولة بمناصب - ليسلكوا بها –أخرى........ في انتظار العجز الصحي أو الرجوع إلى حكومة أخرى بعد الفشل في الأولى طبعا وكثيرة هي النماذج...فتجد التعيينات في السفارات أو الصناديق والمكاتب والمندوبيات المختلفة...

وهكذا نجد أن الكلمة توحد فيها الفقراء والأغنياء مثلما أصبحت صديق القمة و-القاعدة-
وكل لحظة ونحن نسلك فعلا............................


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى