شعيب حليفي في لقاء ببني ملال
الأدب قادر على التأسيس لثقافة جديدة ومجتمع جديد ضد الجمود والاستسلام
استضافت دار فالية للنشر ومكاتب ابن خلدون، بتنسيق مع المركب الثقافي الأشجار العالية، الروائي شعيب حليفي، احتفاء بروايته الجديدة "خط الزناتي"، وذلك يوم الجمعة 26 يناير 2024، الساعة الخامسة مساء، بفضاء المركب الثقافي الأشجار العالية ببني ملال، بمشاركة حميد ركاطة، عزيز ضويو و عبد الكريم جويطي و محمد العمراني، وبحضور ثلة من مثقفي المدينة ومبدعيها.
افتتح اللقاء عزيز ضويو، بكلمة؛ شكر فيها اللجنة المنظمة ورحب بالحضور، كما عبر عن سعادته بالمشاركة في الاحتفاء بالمبدع الروائي شعيب حليفي، الذي يسير بخطى ثابتة على طريق الإبداع بدءا بروايته "مساء الشوق" مرورا ب"زمن الشاوية"، وغيرها من الروايات ثم رواية "لا تنس ما تقول" التي حصلت على جائزة المغرب للرواية سنة 2020، وصولا إلى آخر أعماله رواية: "خط الزناتي".
انطلقت أولى المداخلات بورقة الناقد حميد ركاطة، موسومة ب"رؤية العالم في نظرة واحدة، قراءة في خط الزناتي"، أكد فيها على أن شعيب حليفي ظل وفيا لوسطه ومجاله الجغرافي الباذخ الشاوية، فالكاتب يرصد الواقع الصعب لشخصيات من عالم الشاوية، ترغب في الانعتاق لتحسين ظروفها لكنها لم تحقق مرادها وهو مارصدته الرواية خلال يوم واحد، كما أشار إلى أنه لتقديم أحداثه ارتأى تقسيم يوم الحصاد إلى ستة أجزاء زمنية، هذا وقد تم التعبير عن الزمن بأحاسيس متنوعة، والذي تم توظيفه من خلال زوايا نظر كشفت عن الرغبات الدفينة، ليقدم المتدخل فيما بعد ملاحظات حول الشخصيات التي تتقاسم الفشل في الحب وفي الحياة ، إلى جانب توقفه عند الصور المفارقة في الرواية والتي رصدها في الحوار بين الحيوانات الذي جنح بالرواية نحو العجائبية والغرائبية ، ناهيك عن الكتابة بالحواس التي أثتت فضاء النص، وأضفت عليه طابعا ساحرا.
أما المداخلة الثانية للباحث والروائي الشاب محمد العمراني والمعنونة ب"الكتابة الحدية وتخوم الهرموسية"، فقد أبرز فيها أن الرواية جاءت استجابة لوعي يراود شعيب حليفي كناقد، فهي نتيجة لمسار نقدي حافل، كما أنها حفلت بكتابة عميقة قريبة من البادية، استعانت بالزمن اللانهائي والمكان اللامحدود، فالرواية تنتقل في الزمن بخفة من خلال التنويعات في السرد، ليعرض بعد ذلك مفهوم الكتابة الحدية وما يرتبط بها من غموض والتباس من خلال رصده لوضعية موسى الزناتي الذي يعيش في منطقة تخومية مع البشر، ليخلص فى الأخير إلى أن رواية خط الزناتي هي مشروع مثقف مطلع على النقد والأدب والصوفية..
وفي مداخلة للروائي عبد الكريم جويطي، اختار أن يقدم فيها إشارات وملاحظات خارج النص الروائي، منطلقا من لفظة زناتة في العنوان والتي تعيدنا إلى منطقة زناتة التي شكلت جزءا مهما من تاريخ المغرب، وأيضا عبد الله الزناتي وهو أحد رجالات المغرب في القرن الثالث عشر والذي خلف كتابا حول علم الرمل، ثم انتقل فيما بعد للإشارة إلى ان الأحداث التي تدور في يوم واحد حتمت أمرين: الأول ان الزمن في الرواية هو البطل، والثاني هو الحديث عن الحياة اليومية وهي الحياة الحقيقية حسب الجويطي، ولعل هذا اليوم الواحد هو ما يخلق اللانهائي، غير أن البعد العجائبي في البادية في نظره أمر طبيعي وفيه وفاء من الكاتب لعالم البادية، الذي تعد العجائبية عنصرا قارا فيه.
أما د. عزيز ضويو، فقد أشاد بالمناخ الدلالي والزماني في الرواية الذي رسم لوحة تشكيلية تكاثفت فيها الأشكال والألوان، فأبرز أن الرواية تقدم كل عناصرها في تجمع يشبه الكرنفال، مع تمسك كبير من الكاتب بالطبيعة، والإنصات إليها بعناصرها المختلفة وهو ما عهدناه في كتابات حليفي، واهتماها بالهامش الذي بدأ يضيق بدوره بصور الحضارات، ليؤكد أن الرواية تتأرجح في خفة لتقديم الوضع الاعتباري لموسى الزناتي الذي أقنع نفسه أنه سليل الشيخ عبد الله الزناتي، لتتشكل الرواية في مسارات سردية متداخلة وزاخرة رغم أنها تدور في يوم واحد.
وفي ختام اللقاء، قدم الروائي شعيب حليفي كلمة مما جاء فيها:
لعلني أجد في الحديث عن دور الأدب- ومنه الرواية-مدخلا ملائما، ذلك أن الأدب حينما يصبح صوتا جماعيا ووعيا حيّا قادرا على خلق الاحتمالات المدهشة وسط كل الأعطاب.. يكون تأسيسا وليس تكرارا أو اجترارا. ومن تمّ قدرته على تقديم الصور والتمثلات في صفائها وقوتها وجرأتها وذكائها. وهذا الأدب هو الذي يعمل على التأسيس لثقافة جديدة ومجتمع جديد ضد التكريس القاتل والجمود والاستسلام. وأعتقد أننا – اليوم أكثر من أي وقت مضى – في حاجة إلى هذا الأدب الذي يقوم بدوره الجمالي التثويري مخلخلا المفاهيم والتصورات المترهلة في انسجام مع التطور الفكري والفني والاجتماعي.دور يجعل من حياتنا ذاكرة تكون حافزا ملهما لمبادرات خلاّقة ولهوية متفاعلة غير أسيرة أو مسيجة. فالذاكرة لا علاقة لها بالماضي، كما يُفهم في المعنى العائم، ولكنها زَخَم الحاضر الذي يصوغ ملامح المستقبل. والأدب/ الرواية لا تنظر إلى الحياة بالتقسيم الكلاسيكي للتاريخ، وإنما بالزمن وصيرورته . لذلك إذا جاز لي من حديث عن تجربتي التي هي جزء من تجربة مشتركة مع أدباء ومثقفين مغاربة، فإنني أقول بأننا نكتبُ روايتنا بخيالنا الوحشيّ غير المنفصل عمّا نحياه أو ما نحلم به، وغير مفصول عن الصراع الذي ورثناه بعشق ونواصله ضد القبح والمحو.. لتحقيق وجودنا كما نريد لا كما يريدون لنا.
نكتبُ ما نريد بالطريقة التي نريد .. كأننا نركب فرسا في مَحْرك بلا نهاية أو نسبح في نهر ترْفده السماء والأرض وهو مندفع إلى نهايات لا يدريها ولكنه شغوف ببلوغها.
نكتبُ ولا ننتظر إشادة أو وساما من باريس أو مدريد أو الرباط.. يكفينا فقط شعورنا بعمق الانتماء إلى نفوسنا الجريحة وإلى الطمأنينة المصفّاة، فليس لدينا سوى خيالنا الذي يسير جنبا إلى جنبنا بلا حجاب، تحت الشمس الباقية لنا، يفتش- كلما لسعه لهيبها- داخل جيوبه بحثا عن المجازات الساخنة. خيالنا الوحشيّ غير المروّض لا يتكيء على التاريخ ولكنه يسبح في الحياة، لذلك فأنا لستُ مؤرخا ولا أحب أن أكون، فهي مهنة شريفة من يُخلّ بها يسقط في الندامة والغرابة .. وأنا أحب الغرابة وتقطيرها وغمس كلماتي داخلها.