الاثنين ١ تموز (يوليو) ٢٠٠٢
بقلم أشرف شهاب

صيدليات الشوارع

تعتبر تجارة الأعشاب الطبية تجارة رائجة مع تصاعد دعوات العودة للطبيعة فى أوساط الأطباء. وعندما يعجز الطب عن تقديم العلاج أو يكون سعر العلاج باهظا يلجأ الناس للبحث عن علاج رخيص عبر الأعشاب الطبية. ولا شك أن تداول الأعشاب يحتاج لوقفة علمية توضح حقيقة الإعلانات التى تدعى قدرة الأعشاب على معالجة جميع الأمراض. مراسلنا فى القاهرة أشرف محمود راح يتابع هذه الظاهرة وكتب التحقيق التالى:

القاهرة مدينة الأعاجيب، يمكنك أن تشاهد فى شوارعها الغرائب التى لا يمكن أن تحدث فى أى مكان آخر. أشياء لا يمكن أن تصدق وجودها فى الشوارع. ففى أى مكان فى العالم يمكنك أن تمشى على الرصيف. ولكن شوارع القاهرة وأرصفتها تحولت إلى محلات مفتوحة فى الهواء الطلق. وعلى أرصفة معظم الشوارع الشهيرة فى مصر، يمكنك أن تصطدم أثناء مشيك بمجموعات من الباعة الجائلين. وقد لا يبدو هذا المشهد غريبا فى المدينة المزدحمة بالسكان، ولكن الغريب أن العشرات من هؤلاء الباعة يحترفون بيع الأعشاب الطبية فقط، و يعتبرون أنفسهم خبراء فى الطب بالأعشاب، وهم يروجون لما يزيد عن ألف صنف من الأعشاب، كل منها يفيد حسب كلامهم - فى علاج أمراض معينة. فيما يشبه الصيدليات المتكاملة ولكن فى الشوارع. بالطبع فليس لدينا اعتراض على العلاج بالأعشاب أو اللجوء إلى الطب الشعبى للعلاج ولكن المهم ألا يتم ذلك بأسلوب عشوائى. وألا يدفع المواطن البسيط الثمن من صحته وماله جريا وراء آمال خادعة ووعود كاذبة وحلم بالشفاء. ولهذا كان يجب أن نتحرك نحن ونضع خطا أحمر حول هذه الممارسة الطبية العشوائية، وأن نطالب بوضع ضوابط لتقليل المخاطر التى يتعرض لها زبائن سوق الأعشاب.
وإذا نظرنا إلى الوضع فى مصر لوجدنا أنه على الرغم من صدور 4 قرارات لوزراء الصحة منذ عام 1997 لتنظيم فوضى عمليات البيع والعلاج بالأعشاب إلا أن الطريق مازال طويلا لدراسة جميع الأعشاب الطبية المتداولة على أرصفة الشوارع بشكل علمى سليم، وتحديد سلامتها وفاعليتها وأمان استخدامها. ومن أخطر مظاهر هذه العملية أن البعض يروجون لبعض الوصفات العشبية غير المدروسة أو المتفق عليها علميا، وتلقى هذه الطرق رواجاً لدى عشاق الأعشاب. فعلى سبيل المثال توجد وصفات خاصة بالشعر مثل بعض الدهانات التى تمنع تساقط الشعر والقشرة والتجعد أو تزيد من طول الشعر. وهذه الوصفة على هيئة سائل زيتى. واتضح أن هذه التركيبة خاصة بعطار معين و لا أحد يعرف محتوياتها. وفى الغالب يكون الشخص الذى قام بتركيبها ليس لديه أى إلمام علمى بالتداخلات الكيميائية التى يمكن أن تحدث. وفى أغلب الأحيان تتسبب هذه الوصفات فى نتائج سلبية ولا تتضح مخاطرها إلا بعد عدة شهور أو سنوات. ومن أخطر الأمراض التى يمكن أن تنجم عن مثل هذا الدهان للشعر سرطان فروة الرأس. وهناك وصفات أخرى للتخسيس تلقى رواجا لدى السيدات على وجه الخصوص، وتكمن خطورة هذه الوصفات فى تأثيراتها الخطيرة على الهرمونات. كما أنه من الممكن أن تحدث تداخلات بين تلك الأعشاب والأدوية الأخرى.

وتعقيبا على تفاوت الآراء يقول بشير آدم أحد الباعة السودانيين الذين يبيعون الأعشاب انهم فى السودان يهتمون جدا بالأعشاب، وأن غالبية الأعشاب الموجودة فى الأسواق تأتى من السودان التى تشتهر بوجود مزارع لتلك الأعشاب. ويقوم التجار السودانيون بتعبئة تلك الأعشاب فى أكياس وتصديرها إلى مصر والدول العربية. وهناك من يقومون بمعالجة تلك الأعشاب ويصنعون منها مستحضرات مثل مستحضرات التجميل، والمستحضرات الجنسية. ويحذر آدم من خطورة قيا الإنسان بالتعامل مع الأعشاب ما لم يكن مؤهلا ولديه الخبرة الكافية حيث أن بعض أنواع الأعشاب سامة، وعلى الأقل فإن تعاطى أعشاب خاطئة يمكن أن لا يضر، ولكنه لن يعطى النتائج المطلوبة.
ويتدخل حامد عبد الله وهو بائع سودانى آخر يشارك آدم فى تجارته إن هناك أعشاب ومستحضرات يقوم بتركيبها أهل الخبرة والدراية، ومنها المستحضرات المنشطة جنسيا. وهذه المستحضرات منها ما يساعد على الإنجاب، ومنها ما يساعد على الانتصاب، ومنها أعشاب تساعد على معالجة العقم. وهو يقول أن التشكيك فى الأعشاب ليس صحيحا لأن تلك الأعشاب تمت تجربتها، وأتت بنتائج فعالة. وهو يؤكد أن هناك بعض الأعشاب التى تعطى نتائج تتفوق بمرات عديدة على أقراص الفياجرا، كما أنها لا تؤدى إلى الموت فى حالة تناول جرعات كبيرة منها، وليس لها أى آثار جانبية.

د.أسامة الطيب أستاذ علم الميكروبات الحيوية بكلية الصيدلة بجامعة القاهرة يقول إن الطب البديل له شعبية كبيرة لأسباب اقتصادية واجتماعية. والسؤال هو هل الأعشاب الطبية غذاء أم دواء ؟، ويجيب بالقول الواقع يقول إن الفيصل هو كيفية تحضير الأدوية العشبية، وطريقة تداولها، وكذلك أسباب وكميات تناولها التى تختلف تماما عن تعامل المريض مع الدواء. وفى كثير من الأحيان تتعرض الأعشاب أثناء نقلها من الأرض للعطار ثم للمستهلك للتلوث، فمثلا عند زراعة "الكمون" يقوم بعض المزارعين بتجفيفه على سطح حظيرة المواشي فينتشر بها ميكروب E-COLI.

وهكذا، تبرز الحاجة لأسلوب علمى لتصل الأعشاب بشكل سليم للمستهلك.وهو ما يستلزم معالجة الأعشاب صناعياً و تطهيرها سواء عبر معالجتها إشعاعيا أو بالغازات. وهو ما سيرفع من ثمن هذه الأعشاب ويقلل من فترة الصلاحية أو يؤثر على نكهتها.
هيئة الأغذية والأدوية الأميركية FDA نشرت على شبكة الإنترنت يوم 19 أبريل من العام الماضى يتضمن تحذيرا للمستهلكين من بعض الأعشاب الطبية بعد حدوث حالات تسمم ووفاة في كاليفورنيا. وتضمن التقرير بعض القواعد لتحديد أمان وسلامة الأعشاب المستخدمة للعلاج. كما أصدرت منظمة الصحة العالمية حديثا أول مجلد عن النباتات الطبية شائعة الاستخدام وانتهت من إعداد المجلد الثانى. ويضم المجلدان دراسات عن 85 نباتا طبيا حتى تتمكن كل دولة من وضع معاييرها الخاصة لتنظيم التداوى بالأعشاب. وتراجع كثير من الدول موقفها لوضع مزيد من الضوابط.

فى الوقت الذى صدرت فيه تقارير هيئة الأغذية والأدوية الأمريكية، ومنظمة الصحة العالمية نجد أن مصر لم تخصص من ميزانيتها سوى عشرة آلاف جنيه فقط سنويا لدراسة الأعشاب الموجودة فى السوق المصرى. أما الأعشاب المعبأة داخل أكياس والتى تستخدم للمغص أو الكحة أو كمهدئات فهى غير مسجلة كدواء، وإنما تعتبر من المكملات الغذائية، ولا تنطبق عليها شروط الدواء من ناحية إجراءات الأمان والفاعلية ودرجة ثبات المنتج (أى عدم تغير الخواص خلال فترة الصلاحية المحددة).
ومن الظواهر الأخرى الغريبة أننا نجد أن باعة الأعشاب يكتبون أن لديهم أعشابا تعالج جميع الأمراض، وأن تلك الأعشاب لا تتضمن أى آثار جانبية أو تحذيرات لفئة معينة كالحوامل أو المرضعات أو كبار السن. على سبيل المثال فإن نبات العرقسوس الشائع الانتشار فى مصر يتم بيعه دون لفت النظر إلى أنه يساعد على رفع ضغط الدم، وبالتالى لا يجب أن يتناوله مرضى السكر أو مرضى القلب. وفى بعض الدول الأجنبية كإنجلترا نجدهم يقومون بتجميع البيانات عن الأعشاب ونشرها في المجلة الطبية حتى يتم التعرف على الآثار الجانبية للأعشاب بعد طرحها فى السوق وعدم الاكتفاء بالدراسات التى تمت قبل إنتاج المستحضر الطبى.

ويدافع أحمد حماد وهو بائع مصرى للأعشاب قائلا أننا فى مصر نبيعها منذ سنوات، ولم يحدث أن أتى أحدهم شاكيا من شىء، و لم نسمع أن أحدا مات بسبب تعاطيه للأعشاب على عكس ما يحدث من تعاطى الأدوية والعقاقير الطبية الكيماوية. ولكن يبدو أن هناك من لهم مصلحة فى عدم بيع الأعشاب للناس ويريدون أن يستمر الناس فى شراء أدويتهم المرتفعة الثمن. وبالطبع لا يمكن أن ننكر أهمية الطب. ولكن معظم الأمراض يمكن أن نعالجها بالأعشاب. أما الأمراض الحديثة فهى تحتاج إلى علاج من الأطباء مثل السرطان والأورام. ففى الماضى كانت الدنيا نظيفة ولم يكن هناك هذا الكم الهائل من الملوثات. ويقول أحمد إن الأعشاب تلقى إقبالا هائلا من المصريين والعرب على وجه العموم، ففى بعض الأحيان يأتى بعض الزبائن من العرب وهم يبحثون عن وصفات معينة سواء مستحضرات مركبة أو مجموعة من الأعشاب التى يحتاجونها كعلاج لبعض الحالات.
لقد تعودنا فى "فلسطين" أن نثير المشكلة، وأن نلفت النظر إليها بعد أن نبحث الظاهرة من جميع جوانبها. وأن ندق جرس الإنذار حتى نلفت انتباه جميع الأطراف التى تهمها القضية إلى وجود الظاهرة حتى يتحركوا لوضع النقاط فوق الحروف.


مشاركة منتدى

  • السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    بهذه المناسبة وتحدثكم عن الأعشاب الطبية وصيدليات الشوارع وماشابه فأنا وجدت أن معظم من يتاجرون بأمراض الناس يخلطون عسلا وحبة البركة فقط وها أقل ضررا من الأعشاب فقد وجدت معالجا يطلب من مريض مبلغ ثلاث آلاف درهم إماراتي ليعالجه من السرطان والعلاج عبارة عن نصف كيلو من عسل النحل مخلوطا بجرامات من حبة البركة والقيمة تعادل 1000 دولار تقريبا
    وأيضا علمت أن باحث مصري يدير موقع الكباريت للأعشاب الطبية قام بإكتشاف لعلاج مرض البهاق أيضا ببعض الأعشاب الطبية وعندما سألت مريض تمت معالجته بها المركب قال أن العلاج أتي بنتيجة لم يأت بها أي علاج آخر خلال 12 سنة فتعجبت من الأمرأي ان الأمر ليس مجرد صيدليات شوارع بل هناك ابحاث وأشخاص متخصصون
    أقسم لي شخص يقيم بدولة الإمارات العربية بمدينة الشارقة وهو صحفي صديق ان معظم من يبيعون الأعشاب بالشارقة كانوا بلا عمل ومنهم من لا يستطع كتابة إسمه !!! رحمنا الله من هه الغوعاء

    • السلام عليكم
      نعم هذه حقيقة فعلا لا ينكرها أحد وبخصوص مركز الكباريت
      فهوعنده فعلا العديد من المركبات المجربة والعديده ولكن يعيبه أن أسعاره كانت مرتفعة وخاطبته ذات مرة وأخبرته ان أسعار العلاج ليست في مقدور الناس فشرح لي انه لايفعل مثلما يفعل الآخرون مجرد قليل من عسل النحل وحبة البركة ولكنه لم يتطرق لذكر أسماء
      وكنت قد رايت موقعه في قناة الأندلس الفضائية وما أعجبني فيه بعد ذلك أنني وجدته وقد خفض اسعارالمنتجات بشكل يصبح في متناول الجميع ولكني علي ما أظن انه من السعودية وليس مصريا كما ذكر الأخ كاتب الرسالة والتوفيق للجميع والرحمة للمرضي المساكين

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى