الجمعة ١١ نيسان (أبريل) ٢٠٠٨

طفولة آدم من ثقب رصاصة

بقلم: وجدان عبد العزيز

دائما اللغة الشعرية تمتلك المستوى الإشاري الذي يكون العلاقات الدلالية والإيقاعية في النص كي يمتلك القدرة في تشكيل رؤيا جمالية للحياة حتى في أحلك الظروف قساوة على الإنسان الشاعر. كوباء الحروب القذر الذي يفتك بالإنسان جسدا وروحا فنلاحظ الروح الجمالية تتلبس الشاعر لتستنهض اللغة الشعرية بطاقة تجديدية تلائم موقف الإنسان الآخر في استدعاء الأمل والتفاؤل واللقاء من جديد بإيحاء الحب والتمسك بالحياة. وهنا تتخلق إشكالية الشاعر خالد خشان في إدامة البداية بقوله:

(من ثقب رصاصة في القلب

تركته لي الحرب

أنصب بؤبؤ العين

وأتركه في حقول روحي

طفولة

ب ع ي د ة

يلفها قوس قزح

تمازحها الفراشات) ص9

شكل هنا الشاعر حضورا بالطفولة مقابل غياب الرصاصة من خلال ثقب صغير وخلق إشكالية فنية بإشاراته كي يمد حالة التوتر بين هذا وذاك، وجعل المتلقي يقرأ مؤخرة ديوانه بنفس سياق ووقت قراءة بدايته. أي افتراض قراءة ديوان (طفولة آدم) بداية ونهاية بنفس همة السياق الجمالي كي يتم ترتيب رؤية الشاعر بالحرب والحياة وهكذا شكل بالقصيدة الأولى من الديوان البداية عمقّها بالإشارة الأولى في نهاية الديوان إشارة رقم 1

(من أبواب الطفولة

المغلقة بوجوهنا

إلى قمة المنحدر

متراصف

دروب أعاليك

أيها الفرح) ص59

إذن،، قصيدة طفولة بداية الديوان وإشارة رقم واحد نهاية الديوان هي وحدة جمالية واحدة، فعل خيرا الشاعر حينما تركها آخر محطاته في ديوانه الشعري، حتى لا يقع في اضطراب الخط الرتيب، وأظن فعل الشاعر هذا في مساحة الوعي لأن وهو في اللاوعي على اعتبار لحظة فلتت كلون وأخذت حيزها، لتأتي مساحة الوعي لملئ فراغات اللحظة بالنسق، فخاتمة الإشارات منفعلة منفلتة من أخلاقية الانتماء لولا قصيدة طفولة (يلفها قوس قزح

( تمازحها الفراشات

بينما خاتمة الإشارات تقول:

(هذه البلاد

لاتستحق أن أرمي

على قبرها وردة)

إذن،، سبقت عملية امتصاص الانفعال قبل الانفعال نفسه وهذه إشكالية خلقها الشاعر في مساحة الوعي البعدية لا القبلية، وإلا من الذي دفع الشاعر بقوله:

(الناصرية عرش آدم

ونحن المنبثقون

من نسغ الارض

صولجان حكمته القويم

الوارثون تيجان الضوء

وأكاليل الماء) ص11

كي يعادل عربات الغربة بالسقوط في هاوية الحنين وهنا القصيدة والإشارة شكلت أخلاقية انتماء برغم نسب الإشارة 2 نهاية الديوان التي تقول:

(سوف أنام بعين واحدة

خوفا من الشيخوخة)

ماذا أخاف الشاعر من الشيخوخة؟ الحقيقة ثيمة ادامة البداية أي التمسك بالطفولة والضياء وتلاعب الشاعر بلحظات اللاوعي بوعي اللحظات وخلق إشكالية العنونة (طفولة آدم)، فحتى شجره الراكض نحو الذبول، يتوسله كي يقف خالد خشان ويحدق بالعابرين ليكون أحدهم فهو شغف بالحركة شغف بالحياة متعجبا من وضع علامات التوقف وهذا يعادل ما تبغيه الحرب من تعطيل لمناسك الحياة كالعاصفة التي تلغي أثر الرسائل..

هنا عمق الشاعر أثر الحرب بمقابل الإمساك بخيط الوجود..

(الآن حتما

ستولد امرأة) ص 17

(و ت د خ ل )

هذا الإصرار على البقاء والتجدد لايتركه الشاعر سدى أمام كشف آثام الحرب التي جعلته يقول:

(نسينا كل الارقام

وتشبثنا بالصفر) ص19

وجلى آثار غياب الوعي بحضور الحانة والخمر والصعاليك والخراب، لكنه يُعتم على هذه الآثار بايجاد دالة الجنوب كي..

(يوزع دفئا

وحلوى الطفولة) ص21

حتى (أورقت رؤياك زنابقي) ص22

ثم يقول:

(روحي غيمة زرقاء

تمطر ربيع شوق

لعشب نهديك) ص25

وهذه ركيزة الأنثى الأهم بين ركائز الإمساك بالحياة وبإشارة من الشاعر:

(أقصى ما أبتغيه

أن أترك

قلبي على بابكم

يتدلى

كنجمة صبح) ص26

لو لم يقل (كنجمة صبح) لضاع برهان التمسك بالثيمة الذي عمقها بقوله:

(امحو عثراتي بقماط طفولتي)

(ولأني أحلم بالموج والنوارس

تستكين عربات حزني

فالوذ بطفولتي)

ثم جاء مسرعا ليقول: (نجوم) ص31 كعنونة مستقلة يردفها بعنونة الصحو(سأسكر
حتى

أعثر

على صحوي) ص33

الحقيقة عمق ثيمته الشاعر بإيجاد دالة لا تعرف النهاية الحاسمة للحياة ولأنها في دوران الكون اللا نهائي..

(أنهض من موتي

أسحب جثتي خلفي

وأعلق عيوني

على بوابة الأفق) ص36

ولو كان الشاعر مهزوما بالافتراض السطحي لما كان..

(تلميذا وحيدا عند "أيوب" ) ص37

ويعمق مكوثه في ارضه وحياته من خلال نادية امرأة العمق في داخله الأمل
والطفولة..

(تلك هي روحي الوجلة)

...........
(هذا نايك الحنون

يوقظ وردة عشقي

بعد أن غطتها الرمال) ص43

فبيدها البيضاء الناصعة البريئة أوقظته عاشقا ونفضت عنه رمال الحرب، إنه شاعر إنسان تركت له الحرب ثقب رصاصة هو ثقب التمسك بالحياة وإعادة ترتيبها، وحبيبة تركن في مغرب القلب بانتظار الناي الحنون الذي هو الشاعر الملطخ بامجاد الطفولة..

(طفولتي كانت بحجم القمر)

ويؤكد خالد خشان بقوله:

(أنا أبحث عن اسمي

في قوائم الموتى

كل يوم) ص54

فهو لم يمت بعد وأدار ظهره للشيخوخة وأدام بإشارات شعرية جمالية من خلال ثقب رصاصة إكسير الحياة وتمسك بالبداية..
(ثم اشير باصبعي

إلى جمالك
أيتها الأيام الآتية)
ص56_57

وظل الشاعر يعزف على جسد الطفولة طوال رحلته الشعرية في (طفولة آدم) تصريحا وتلميحا..

(آه

لو أن العمر

كان بالمقلوب

لكانت الطفولة

أجمل خاتمة) ص58

هكذا ثبت الشاعر بأنه غير مهزوم البتة رغم ويلات الحروب وغربة الروح وابتعاد الحبيبة، وأضاف بديوانه بصمة أمل شعرية على جبين المكتبة العربية...

بقلم: وجدان عبد العزيز

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى