طيف الخيال، مفهومه وتطوره في العصر العباسي
الموجز}
طيف الخيال هوعالم الرؤی والأحلام التي يراها النائم في النوم. إنّ العاشق يزور حبيبته في هذا العالم لابتعاده عنها وما أحلی وأعذب هذه الزيارة للعاشق. إن طيف الخيال من أجذب وألطف الموضوعات التي أولع بها شعراء كثيرون. إنّ الطيف الواسع للمعشوق في عالم الخيال ظاهرة بارزة وإبداعية في شعر الشعراء ومن أهمّ ما قالوا عنه في هذا المنطلق. والشاعر حينما يقوم بوصف الطيف يخلقه علی قدر المستطاع بأجمل صورة كلوحة رسم فيعرضها علی القراء.
نعتبر طيف الخيال كغرض شعري أوفن شعري غزلاً؛ لأنّه في موتيفات الأشعار الغزلية وهذا ما عهدناه في العصر الجاهلي حتی زماننا الحاضر ونشاهد في أشعار كثير من الشعراء المتقدمين والمتأخرين بحيث نراها كثيراً في شعر الشعراء الجاهليين والأمويين ولاسيّما في شعر الشعراء العباسيين خاصة في أشعار شاعرين طائيين كبيرين وهما أبوتمام والبحتري. وإنّ شعر البحتري إصطبغ بهذا اللون الشعري أكثر من أي شاعر آخر وبحق يمكن أن نسميه شاعر الطيف والخيال وهذا لقب يناسبه كثيراً دون سواه.
وهذا المقال يهدف إلی مفهوم طيف الخيال وتطوره في العصور المختلفة ولاسيما العصر العباسي وميزاته في شعر البحتري شاعر الطيف والخيال.
الكلمات الدليلية: طيف الخيال، البحتري، موتيفات، الأشعار الغزلية، شاعر الطيف
المقدمة
جعل الأقدمون لقصائدهم مقدمات من الوقوف علی ديار الحبيب والبكاء علی آثارها، ثمّ الرحيل عنها إلی حيث يقصدون. فحوّل المولدون ذلك إلی مقدمات غزلية يصفون بها الحبيب ويذكرون أشواقهم، ثمّ يتخلصون إلی المدح أوسواه. وقد لايكون بين المقدمة الغزلية وسائر القصيدة من رابطة فكرية أوحسن تخلص. وهذا المهم توفر للشاعر من خلال الخيال وطيفه حيث اهتم به كثير من الشعراء من المتقدمين والمتأخرين. وهم يجعلون طيف الصاحبة ضيفاً عزيزاً وجب علیهم أن يكرموه. وجاء طيف المحبوبة في النوم والیقظة التي تؤدي به إلی مواجهة الواقع فيزداد حزن الشاعر ويشتدّ حنينه ولا يبقي له إلّا الأسی.
ومن طريق طيف الخيال نستطيع أن نبين ألم المشتاق المغرم. ولكن العاشق لا يهتمّ بعدم رغبة المعشوق به وهوعالم بأنّ خياله غير واقعي ولكن يستمتع به وتكون لذة هذا اللقاء مثل اللقاء الواقعي. كل ما يجول في بال العاشق المشتاق لرؤية المحبوب في عالم الرؤيا والخيال في الحقيقه تمثيل للمعشوق نفسه.
يعني أنّه يری حبيبته كأنها ماثلة نصب عينيه. ولولم يكن لهذا اللقاء حقيقة في الخارج، طبعاً يحدث هذا في حالة بين الیقظة والنوم ولامطلق النوم أي النوم بصورة كاملة. هذه حالة برزخية بين عالم الیقين وعالم الرؤيا. ويرتسم للمحبّ في ذهنه صورة لاحقيقة لها. والشعراء يتكلمون في أشعارهم عن هذا اللقاء الخيالي للحبيبة بأجمل صورة؛ بأنّ طيف خيالها قد زارهم آتياً من المكان البعيد مع وعرة الطريق دون هادٍ . وإنّ هذا اللقاء توفّر لهم في أسرع زمان؛ لأنّ خيال الحبيبة يقطع مسافة بعيدة شاسعة دون أن يخطوخطوة واحدة أوأن يكون في حاجة ليطوي طريقاً بسبب أنّه يحدث في عالم الرؤيا والخيال مع أنّ هذا اللقاء غير واقعي ولكن الشاعر أغرم به إلی حد يراه واقعياً كأنّه حدث في عالم الیقظة.
في الحقيقة يعتقد العاشق أنّ السعادة الحقيقية تحصل لها في المنام؛ لأنّه يتمتع بحظّه لزيارة الحبيبة ويعتقد عكس ذلك، أنّه يصاب بالشقاء والحزن في عالم الیقظة ولهذا السبب نری العشّاق أنهم يحبّذون عالم الخيال والرؤيا علی عالم الیقظة والوعي. هم يرون في عالم الیقظة والوعي الفراق والهجر والشقاء والألم ويرون في عالم الأحلام، الوصال، اللذة والسعادة. واللقاء الذي يصل إليه العاشق في عالم الخيال والأحلام يكون من غير الوعد واللذة التي لم تتصور ولم تحتسب في الذهن والانتفاع به أكثر من الانتفاع اللقاء الواقعي.
قبل أن أتكلم عن طيف الخيال وتطوره في العصور المختلفة نناقشه لفظاً ومعنی مستعينة بالمعاجم المختلفة. يمكن تلخيص المعاني المختلفة للطيف والخيال في المعاجم العربية المشهورة، وهي المعاني التي نظر أصحابها في الشعر القديم وفي القرآن الكريم من أجل توثيقها:
يقول الأزهري (توفي370هـ) صاحب كتاب تهذيب اللغة: تحت مادة (ط وف)، إنّ الطيف في كلام العرب هوالجنون، وكذلك قيل للغضب طيف، لأنّ عقل من غضب يعزب حتی يتصور في صورة المجنون الذي زال عقله [1].
كما جاء في كتاب العين للخيل بن أحمد الفراهيدي: كل شيء يغشی البصر من وسواس الشيطان فهوطيف وما في الأشعار من الطيف نحوقوله: أرّقنی زائر طيف أرقا يعني أنّه يری خيالها في منامه فذلك طيفها [2]
جاء في كتاب تاجالعروس من جواهر القاموس للزبيدي: الطيف الغضب وبه فسّر ابن عباس قوله تعإلی إذا مسّهم طيف من الشيطان وهوقول مجاهد أيضاً وإنما قيل الطائف الخيال: طيف؛ لأنّ أصله طيّفكم كميت وميّت . الطيف بالكسر الخيال نفسه [3].
جاء في كتاب لسان العرب لابن منظور: الطيف وطيف الخيال نفسه. وفي حديث المبعث فقال بعض القوم قد أصاب هذا لغلام لمم أوطيف من الجن أي عرض له عارض منهم وأصل الطيف الجنون ثمّ استعمل في الغضب ومسّ الشيطان يقال طاف يطيف ويطوف طيفاً وطوفاً فهوطائف ثم سمّی بالمصدر، ومنه طيف الخيال الذي يراه النائم وفي الحديث فطاف بی رجل وأنا نائم والطياف سواد الليل [4] وأنشد الليث:
عِقبان دَجْنِ بادَرَتْ طِيافاطَيفُ الخيالِ مَجيئه في النومقال أمية بن أبي عائد:ألا يا لقومي لِطَيْف الخيال، أَرَّق مِن نازِحٍ ذي دَلال
ومن هذا التلخيص لمعاني الطيف والخيال في المعجم العربي نستطيع أن نلمح عدة أفكار مهمة بالنسبة إلی الشعر وأهم هذه الأفكار ارتباط الطيف بالليل والخيال باليقظة والمنام وارتباط الطيف بالجنون والشيطان والغضب.
نری موضوع الطيف والخيال لدی بعض النقاد ومنهم: أبوبكر بن داود الأصبهاني الظاهري (توفي 297هـ)، وابن حزم الأندلسي ( توفي 456 هـ )،والتوحيدي (توفي414 هـ) ومسكويه (توفي 421 هـ)، داود الأنطاكي (توفي 1008 هـ ).
أقدم ما وصل إلينا من كتب الحبّ والهوی، هوكتاب الزهرة لابن داود الأصبهاني من باب السادس والثلاثين «من فاته الوصال نعشه الخيال» «هم في التذاذ برقادهم وأخلاؤهم ظاعنون عن بلادهم ومن الصوفية من لا يقنع لهم بما ألحقناه من العيب بهم حتی يقولوا: إنّ النوم لوكان مانعاً لهم لكان تحضيضهم إياه بأنّه يريهم أحبّتهم نقصاً بينّاً في مودّتهم؛ فإنّ الحال إذا تمكنّت لم تفترق الروحان، وإن افترق الشخصان؛ فالمحبّ المشاهد لصاحبه علی كل حال، مستغنِ عن الاستعانة علی إحضار برؤية الخيال » [5]
يذكر ابن حزم الأندلسي في باب الخامس والعشرين من كتابه طوق الحمامة " القنوع" أنّه «لابدّ للمحبّ ، إذا حرم الوصل، من القنوع بما يجد! وإنّ في ذلك لمتعللاً للنفس، وشغلاً للرجاء ، وتجديداً للمنی، وبعض الراحة. وهومراتب علی قدر الإصابة والتمكن. فأولها الزيارة وهي علی وجهين: أحدهما أن يزور المحب محبوبه وهذا الوجه واسع. والوجه الثاني أن يزور المحبوب محبه . ولكن لاسبيل إلی غير النظر والحديث الظاهر، ثم يقول ومن القنوع الرضا مزار الطيف، وتسليم الخيال وهذا إنما يحدث عن ذكر لا يفارق، وعهد لا يحول وفكر لا ينقضي. فإذا نامت العيون وهدأت الحركات سری الطيف» يعتقد داود الأنطاكي صاحب كتاب تزيين الأسواق حول طيف الخيال:
«هذا أمر مهم عند أهل الغرام يتوصل إليه بالمنام وإنما تدعوالحاجة إليه عند طول الهجر وشدة الهجر ومقاساة نار الملل والسهر. ولم أرفيه ألطف من كلام أستاذ الوجود وقطب مراتب أهل الشهود عمر بن الفارض. بل أظنّه السابق إلی هذا المنوال والفاتح فيه باب «الاحتيال» [6] حيث قال: [7]:
نصبتُ علی عَيني بتغمِيضِ جَفْنِهالزورة زورِ الطّيفِ حِيلة مُحْتالفما أسْعَفتْ بِالغمْضِ لكنْ تَعسّفَتعلی بدَمــعٍ دائمِ الصوب ِهَطــال
سأل التوحيدي صديقه وزميله مسكويه في الهوامل والشوامل سؤالاً عن "ولوع الشاعر بالطيف تشبيبه، واستهتاره بذكره وهكذا تجد أصناف الناس. وهذا معروف عند من عبثت به الصبابة، ولحقته الرقة، وألفت عينه حلية شخص ومحاسنه، وعلق فؤاده هواه وحبّه". فأجابه مسكويه "الطيف هواسم لصورة المحبوب إذا حصّلته النفس في قوتها المتخيّلة حتی تكون تلك الصورة نصب عينه، وتجاه وهمه وهمه كلما خلا بنفسه.... فإذا نام الإنسان أواستيقظ لم تخل من قيام تلك الصورة فيها، ويجد المشتاق في النوم خاصة إنسانه، لأنّ النوم يتخيل فيه أشياء مما في نفسه . فربما رأی في النوم أنّه قد وصل إليه الوصول الذي يهواه [8]
طيف الخيال في العصر الجاهلي
يكون الطيف والخيال من المفاهيم التي يعدّ في القصيدة الغزلية. ونری الغزل من التقاليد الأساسية في مقدمة القصيدة فنستطيع أن نعدّ الطيف والخيال من التقاليد الأساسية التي تردّ في مقدمة القصيدة في شعر شعراء العصر الجاهلي.
ونجد الصور الفنية لشعر الطيف والخيال في العصر الجاهلي. والمقصود بهذه الصور صورة الطيف والخيال مع الصورة الشعرية للموتيفات النسيبية الأخری: الأطلال، الخليط (الظعائن)، المطر، الشيب والشباب، النجوم والكواكب، الخمر والمسك (والمسك هنا مرتبط بالخمر والمحبوبة ليس منفصلاً عنهما). والطيف والخيال مرتبط بالمرأة ولكن ليس فقط مرتبط بالمرأة إذن نری في دواوين الشعراء طيف الإنسان العزيز إلی النفس، الغائب عنها، الحاضر فيها، امرأة (محبوبة، زوجة، ابنة) أورجلاً (ابناً، أخاً ) [9]
تلتبس فكرة الطيف والخيال بالهمّ والأرق والسقم والحزن والليل والتذكر والموت والجنون، كما ترتبط بالحركة عبر المكان وعبر الزمن ولم تكن هذه الالتباسات لتتوقف علی مجرد أنّ الشاعر فارقته محبوبته وذهبت إلی مكان آخر والمحبوبة مضطرة إلی الرحيل خوفاً من الموت بسبب الجفاف، أوسبب من التهديد بالحرب [10].
يستخدم الشعراء الجاهليون والمخضرمون الطيف الطائف والخيال بشكل منفصل وقد يجمعون بينها من خلال صيغ مثل: طاف الخيال، ويشيرون إلی الطيف والخيال بأفعال معينة دون هاتين المفردتين في بعض الأحيان: سری، طرق، ألمّ ، تطوف، أوبأسماء: زور، ذكر، أويجمع بعض هذه الأفعال مع إحدی المفردتين: تأوّب، زار، وافی، اعتری، أرّق، هاج، هيّج، وثمة صيغ معينة تأتي دائماً مع الطيف والخيال: أنّی اهتدتْ، أنّی اهتديتِ، أنّی سربت، ألا طرقت، ألا طرقتكَ [11].
بعد هذه المقدمة حول طيف الخيال نأتي بنماذج من شعر الشعراء، لنشرح هذا المفهوم يقال إنّ عمروبن قميئة أوّل من نطق بوصف الطيف. ويقول ابن الشجري في كتابه الحماسة: «إنّه أوّل مفتتح لوصف الطيف، وكأنّه لانطباع سبكه وجودة وصفه لّما قال هذا المعنی الكبير وقلب باطنه ظاهرة وباشر أوّله وآخره قد سمع فيه أقوال المحسنين وإجادة المجيدين ممّن سلك منهجه وأخرج كلامه مخرجه ... » [12]. اعتقد القدماء ومنهم أبوهلال العسكري يكون عمروبن قميئة من الشعراء الذين شعره أبلغ ما قيل في بخل المعشوق. وأخذ المحدثون أكثر معانيهم في الخيال [13].
ويقول عمروبن قميئة [14].نأتكَ اُمامةُ إلاّ سُؤالا وإلّا خَيالا يُوافی خَيالايُوافي مَعَ الليلِ مُسْتَوطِناً ويَأبی مَعَ الصبحِ إلاّ زَيالاخَيالٌ يُخَيِّلُ لي نيْلَها ولوقََدَرَتْ لم تُخَيّلْ نَوَالا
ثمة نأی من أمامة وتبدل للودّ معها، سوی «سؤال» و« خيال يوافي خيالا» فهناك صلة لم تنقطع بين الشاعر وأمامة بعد ولكن هذه الصلة تتميز بالتوتر الذي يخلفه مجيء الخيال في الليل وزياله مع كل صباح. ومن البارع الفصيح في بخل المعشوق قول جران العود [15]
عَجَباً لِطَيْفِك إنّهُ يَشفِي الجوی وهوالجَوييصف جران العود في شعره الخيال:أَهْلاًَ بِِطَيْفِكَ مِن زَوْرِ أَتاكَ به حيدثُ نفْسِكَ عنه وهومشغولُ [16]
نمتَ وأنت تحدِّث نفسك بها، فَطَرقك خيالُها. وإنما أرادها نفسها، وإنّه لم يَزُرك علی الحقيقه. ويأتي الشاعر هذا الشعر كشف عن العلة في طروق الخيال ويأتي أبوتمام الشعر الذي أخذ معناه من قول جران العود ويفخر أبوتمام بهذا الشعر وأفرط في استحسانه قائلا: [17]
عادك الزورُ لَيْلَة الرَّمْل ِ مِن رَمّـ ــلةً بين الحِمي وبين المَطإلی
نَم فما زاركَ الخيالُ ، ولكنَّـ لكَ بالفكرِ زُرتَ طيفَ الخَيال
يأتي جران العود «وهومشغول» فبنی أبوتمام من هذا قوله «ما زارك الخيال» وبنی من قوله «أتاك به حديث نفسك» قوله «ولكنّك بالفكر زرت طيف الخيال» ويعتقد الآمدي المعنی كلّه لجران العود، وإنّما غيّر أبوتمام اللفظ. أوّل من طرد الخيال يكون طرفة ، فقال: [18]
فَقُلْ لِخَيالِ الحَنظليَّة يَنْقَلِبْ إليها ، فإنّي واصِلٌ حَبْلَ مَن وَصَلألا إنّما أبْكي لِيَومٍ ، لَقيتُهُ بِجَرْ ثُمَ ، قاسٍ كُلُّ ما بعدَهُ جَلَلْإذا جاءَ ما لا بُدَّ منهُ فَمَرّحباً بِه حين يأتي لا كِذابٌ ولا عِلَلْألا إنّني شَرِبْتُ أسوَدَ حالكاً ألا بَجلي من الشراب ، ألا بَجَلفلا أعِْر فََنّي ،إن نَشَدْتُك ذِمّتي كداعِی هَديلٍ ، لا يُجابُ ولا يَمل
إنّ صاحبة الخيال أوخيالها ، هوسبب البكاء وهوأمر يتضح من اسمها حنظلية . ويقدم لنا طرفة في قصيدته اللامية فكرته عن الطيف والخيال ويرفع خيال الحنظلية ويتقدم مرحباً والسلو.
ويأتي أبوإسحاق القيرواني في كتابه زهر الآداب قول جرير الذي تبعه من قول طرفة في طرد الخيال [19] فقال: [20]
طَرَقتْك صائدةُ القُلُوب ، وليس ذا وقتَ الزيارة ، فارجِعي بسلام
طيف الخيال في صدر الإسلام
في هذا العصر تبلورت فكرة الشعراء عن الطيف في الاستخدام اللغوي من داخل فكرة «الهمّ» التي أخذت عند الشعراء صورة أكثر حدة . ربما كان للقرآن وغيره من العوامل الحضارية والثقافية أثر في هذا التصور للفكرة . ونجد في البداية قصائد الطيف والخيال ثم تتطور بعد ذلك إلی ذكر الشاعر من الطيف والخيال في نهايه القصيدة . فنستطيع أن نتصور أنّ الشعراء ربما وقعوا بشكل مباشر تحت تأثيراستعمال القرآن لفكرة الطيف. ولقد ظهرت بعض من نتائج هذا الاستعمال القرآني للفكرة لدی بعض الشعراء مثل كعب بن زهير.
ينسب حسان الطيف في قصيدته إلی «شعثاء» ذاكراً الصورة الغريبة للطيف: [21]
ما هاجَ حّسانَ رسومُ المُقام ومَظْعَنُ الحيِّّ ومَبنی الخِياموالنُؤیُ هَدَّمَ أَعْضادَهُ تَقَادُمُ العهدِ بوادٍ تَهامقد أدْرَكَ الواشون ما حاوَلُوا فالحَبْلُ من شعثاءً رثٌ الرِّمامُجَنّيةُ أَرَّقني طيفُها تذهَبُ صُبْحاً وتُری في المنام ...
ذكر حسان الطيف في إثر صورة الأطلال بصيغة «طيفها» ثم ذكر الخمر بعد الطيف في المرتين. ويقصد بخيال النوم الذي يرتبط بأطياف وخيالات أصحاب المنازل وقد يعبّر الشاعر عن فكرة الخيال بصورة الذكر. قال أبوذؤيب الهذلي قصيدته التي ورد فيها الطيف [22] في عبدالله بن الزبير:
أمِنْ أمِّ سُفيانَ طَيْفَ سَری هُدُواً فأرَّقَ قلباً قَرِيحاعصاني الفؤادُ فاسلمتُهُ ولَمْ أكَ مما عناه ضريحاوقد كنتُ أَغْبِِطُهُ أنْ يَريْعَ مِن نَحْوُ هُنَّ سَليماً صحيحا
يأتي الشاعر الطيف في بداية النسيب في صيغة «طيف» ثم يذكر البرق والمطر الذي يمتدّ حتی يسقی به دار أم سفيان صاحبة الطيف.
سويد بن أبي كاهل اليشكري: أحد شعراء عصر صدر الإسلام الذي أنشد الشعر في الطيف والخيال نری في قصائد العصر الجاهلي أنهم يبدأون قصائدهم بنأي الحبيبة وقطعها حبل الوصال، أما نری في عينيّة سويد بدأ إنّ صاحبته رابعة بسطت الحبل فوصله ما امتدّ، ثم أخذ في القول بأنّها «حرة» وأدخلها في سياق الشمس . والطيب [23]، فقال: [24]
بَسَطَتْ رابعةُ الحبلَ لَنا فَوَصَلنا الحبلَ منها ما اتَّسَعْ
حرَّةٌ تجلُوشتيتاً واضحاً كَشُعاعِ الشمسِ في الغَيمِ سَطَع
وفي البيت الثامن من قصيدته نجد أنّ الشاعر يعطي خيال رابعة القدرة علی الاتصال ويقول:
هَيّجَ الشوقَ خيالٌ زائِر من حبيبٍ خَفِر فيه قَدَعْشاحطٍ جازَ إلی أرْحُلِِنا عُصَبَ الغابِ طُرُوقاً لَمْ يُرَعآنس كان إذا ما اعْتادَني حالَ دُونَ النَوْمِ مني فَامْتَنَعْكذاك الحُبُّ ما أَشْجَعَهُ يَرْكَبُ الهولَ ويَعصي مَن وَزَعفأبيتُ الليلَ ما أََرْقَدُهُ وبِعَينيَّ إذا نَجْمٌ طَلعْوإذا ما قلتُ ليلٌ مَضي عَطَفَ الأول منه فَرجَع
يبدأ الشاعر من لحظة القرب ويستخدم أفعال «بسطت، وصلنا» وقد يأتي الشاعر استغراق حالة الوصل والانتماء إلی رابعة في قوله عنها إنها «حرة». يأتي سويد الصفات المتقابلة أي: (زائر/ شاحط )، (خفر / يركب الهول)، فالشاعر يتردد بين الخيال الآنس الذي يزور من حبيب من ناحية، والوعی ببعد هذاالحبيب وعدم القدرة علی النوم أوالرغبة في طلوع الصبح من ناحية أخری يربط الشاعر بين زيارة الخيال وطلوع النجوم، الأمر الذي استمرار وقوعه تحت الشعور بالأرّق والشوق [25] فنستطيع أن نفسر رابعة بادرت بالبسط في أبيات الأول عبر حبلها وتجليها علی الشاعر وفي أبيات الثامنة عبر خيالها.
طيف الخيال في العصر الأموي
إنما نقصد الطيف والخيال في هذا العصر بخيال النوم الذي يرتبط بأطياف وخيالات. ونجد الطيف والخيال في مقدمة القصيدة النسيبية مثل العصور الأخری ونحتاج لتفسير طيف الخيال إلي تفسير شعرالشعراء؛ لأنّ الشعراء من الأركان الأساسية في كل عصر.
نجد في العصر الأموي ثمة جديدة لقصيدة الطيف والخيال الذي تطلق عليها اسم القصيدة القصيرة وتفترق عن القصيدة الطويلة . القصيدة القصيرة التي هي أشبه بدائرة مغلقة بنيوياً، تنتهي من حيث بدأت ويقوم فيها الطيف أوالخيال بالدور الرئيسي حتی إنّ الشاعر قد يبدأ قصيدته بالطيف والخيال وينهيها أيضاً بالبداية نفسها ومن هذه الأمثلة لقصيدة قصيرة يكون لعبيد الله بن قيس الرقيات الذي يجمع فيها بين الخيال وصورة الشيب [26]، قال: [27]
طَرَق الخَيالُ المُعْتَري وَهْناً وسادَ العاشِقطيفٌ أَلَمَّ فَشاقَني لِلخَودِ أُمِّ مُساحِقتَفْتَرَّ عن عَذْبٍ وذي اُشِر لِقَلْبِكَ شائقكالأقحوان مَراتُهُ ومَذاقُهُ لِلْذائِقثمّ أنهاها بهذه الأبيات:الآن بُصِّرتُ الهدي وعلا المشيبُ مَفارقيولقد رَضيتُ بعيشِنا إذ نحنُ بينَ عَوائِقوركابُنا تَهوي بنا بينَ الُدروبِ ودائِقولقد عَلِمْتُ بِأَنّني ميتٌ لِقدرةِ خالِق
يقصد في هذه القصيدة مثيرة للشجن بإيقاعها المتردد بين " وساد العاشق" والسقوط في الهاوية ونستطيع أن نقول إنّ القصيدة أشبه بمرثية ذاتية يكشف فيه الخيال والطيف عن صورة فردوسية للحياة، ينهض في وسطها لحظة التنوير أوالتبصر بالشيب الهوی، ممتزجة بالرضاء "بين عوائق" ، وبالتسليم بالوقوع المخدر بشدة "بين الدروب ودائق" الذي مآله الموت المكتوب، وتمنی العودة الأبدية إلی مكان آخر " بين شواهق" هناك [28] طرد جريرالخيال، فقال: [29]
طَرَقَتْك صائدةُ القلوب ، وليس ذا
وَقْتَ الزيارةِ ، فارجِعي بِسَلامٍ
لوكان عَهْدُكِ كالذي عَاهَدْتِنا
لوَصَلْتِ ذاك فكانَ غيرَ رَمامٍ
يقصد الشاعر في هذا الشعر خيال المعشوق وجعل خيالها بدلاً منها بينما إنّ المعشوق في مكان بعيد عن العاشق ولكن لا يستطيع العاشق أن ينسی خيالها، لأنّ خيالها هوصورتها التي تتصوّر في النفس والصورة أيضاً لم يمّح. وعندما يقول جرير « فارجعي بسلام» قال هذا، لأنّه عاتب عليها، ثمّ يذكر العهد الذي يكون بينهما .لجرير أبيات في الطيف ونذكرها هنا:
ألا زارت وأهَلُ مِنيً هُجُوُدُ وليتَ خَيالُها بِمنیً يعود ؟ [30]
ألمَّ خَيالٌ هاجَ وَقْراً علی وَقْرِ فَقُلْتُ : أما حَيَّيْتُم زائِرُالسفرِ [31]
نری في كتاب العقد الفريد أبياتا طرد فيها جريرالخيال [32]. ولكن نجده في شعر مروان بن أبي حفصة الذي يقابل شعر جرير، فقال: [33]
طَرَقَتْكَ زائِرةً فَحَيِّ خيالُها بيضاءُ تخلِطُ بالحَياء دَلالها
أحسن ذوالرَّمة في قوله: [34]
إذا نحن عَرَّسنا بأَرضٍ سري لنا هَوَی لَبسَتهُ بالقلوبِ اللوابسُ
نأت دارُ میًّ أن تُزارُ ، وزَورُها ذا ما دَجا الإظلامُ منّا وَسادِسُ
كان ذوالرّمة أحد عشّاق العرب المشهورين وصاحبته ميّة وعندما بَعُدَ عن حبيبتها يكتفي بخيالها ويسليه بخيالها. وأيضاً لذي الرّمة في وصف الخيال شعر يدلّ علی أنّه باطل ومحال زائل:
زيارة الطيف ضربٌ مِن قَطيعتهِ وَ وصْلُ مَن لا تَرَاهُ العَيْنُ هِجران. [35]
نری في هذا الشعر الذي يكتفي الشاعر بزيارة الحبيبة بصورة الخيال ولكن في هذا البيت والأبيات التي سنشير إليها، يعتقد ذوالرمة زيارة الحبيبة بصورة مباشرة أحسن من زيارتها بصورة الخيال، فقال:
إنما الطيفَ كَلَفظٍ فارغٍ ما فيه معني [36].
فما نحنُ إلّا في إسار عَدَامةٍ وعند كَرَانا أنّ ذاك وُجود [37].
ونجد في كتب التاريخ الشعراء الآخرين الذين أنشدوا أشعاراً حول طيف الخيال في العصر الأموي ومنهم: كميت، فرزدق. قال الكميت: [38]
فلمّا انْتَبَهْتُ وَجَدْتُ الخيالَ أمانِيَّ نفسي وأ فكارَهامن لِقَلّبٍ مُتَيَّمٍ مُستَهامٍ غير ما صَبْوَةٍ ولا أحلامطارقاتٍ ولا ادِّكار غوانٍ واضحات الخدود كالآرامقال فرزدق: [39]لَعُمري ! لقد نَبَّهْتِ يا هندُ مَيِّتاً قتيلَ كري – من حيثَ أمْسَيْتِ – نائياًأطافَتْ بأطلاحِ وطَلَح كأنّما لقُوا في حیاض الموت للقوم ساقيافباتت بنا ضيْفاً دَخيلاً ، ولا أری سِوی حُلُمٍ جاءَت به الريحُ سارِيا
طيف الخيال في العصر العباسي
انتقل المجمتع العربي في العصر العباسي إلی مرحلة حضارية من حيث دين جديد وثقافة جديدة وليس في هذا المجتمع التقليد بصورة فاحشة التي نجد في العصور الأخری، لأنّ الرغبة في المعرفة والتقدّم في مفاهيم جديدة أدّت بتأثير في كل الجوانب ومنها في الطيف والخيال. قد شاع في هذا العصر اجتماع بين الطيف والخيال وبعض الموتيفات النسيبية الأخری ومن أفضل هذه المقطوعات، مقطوعة لأبي تمام: [40]
شَدَّ ما اِسْتَنزَلَتْكَ عن دمعِكَ الأظـعانُ حتی استهَلَّ دمعُ الغَزالأَیُ حُسن في الذاهِبينَ تَوَلّی وجَمال علي ظُهور الجمال ؟!ودَلالُ مخيِّم في ذری الخِيــم وحِجْل مُغَيَبٍ في الحِجالومَهاً من مَهي الخُدور وآجال ظِباَءٍ يُسرِعْنَ في الآجال !عادك الزَورُ ليلةَ الرَمل مِن رَمْلَةٍ بينَ الحمی وبينَ المِطالينَمْ فما زارَك الخَيالُ ولكنــكَ بالفكر زُرتَ طيفَ الخَيال
نصل في هذه المقطوعة إلی أنّ أبا تمام في أبياته الأولي يصف الأطلال والظعائن (الموتيفات النسيبية) وبعد هذه الأوصاف يصل إلی البيت الخامس من القصيدة التي نجد فيه خيال حبيبه وقد شاع في هذا النوع من المقطوعات (اجتماع بين الطيف والخيال والموتيفات النسيبية)الحوار بين الشاعر وصاحبة الطيف، كما ظهر فيها تنويع جديد في الصيغة، حيث نقف علي صيغة «الخيالان» أو«الطيفان». وقد فتن شعراء مثل أبي نواس والبحتري، اللذين استكشفا إمكانات كامنة في الموتيف [41]
في هذا العصر أيضاً ثمة جديدة لقصيدة الطيف والخيال المسماة بـ«القصيدة القصيرة» وتفترق عن القصيده الطويلة. وهي كدائرة مغلقة بنيوياً، تنتهي من حيث بدأت ويقوم فيها الطيف أوالخيال بالدور الرئيسي. [42]. ومن أمثلة هذه القصائد القصيرة قصيدة للحسين بن الضحاك المذكورة آنفاً.
وقد استخدم بعض الشعراء الحوار مع حبيبته التي ماتت، في صورة الطيف وربما تمنی بعضهم أن تموت من حبّه لها، وجعل أبوالعتاهية الذين بادوا كأنهم حلم أوخيال وكذلك فعل أبوتمام، وصاغ التهامي بعض هذه الأفكار في شعره مفيداً من المتنبي في هذا الصدد وقال العكبري وهويشرح بيت أبي الطيب: [43]
نصيبُك في حياتكَ من حبيبٍ نصيبُك في منامِكَ من خيال
وقال التهامي: [44]
فالعيشُ نَوْمٌ والمنيةٌ يقظةٌ والمرءُ بَيْنهما خَيال سارِي
يمكن أن نقول إنّ اعتقاد الإنسان البدائي فيما يراه بخياله من أطياف، أحبائه وأصدقائه الذين غابوا أوماتوا، حتی إذا صحا من نومه بدأ يتذكر هذه الأطياف التي زارته أحلامه ويقظته كذلك. وابن الرومي في القرن الثالث الهجري تبعه في هذا الاعتقاد ويقع علی فكرة الموت داخل الطيف والخيال في داليته المشهورة في رثاء ولده، حيث قال: [45]
أَوَدُّ إذا ما الموتُ أَوْفَدَ مَعْشَراً إلي عَسْكَرِ الأَمواتِ أَنّی مِن الوَفْدِومن كان يَسْتَهدي حَبِيباً هَدِيّةً فَطَيْفُ خَيالٍ مِنكَ في النومِ أسْتَهديعليك سلامُ اللهِ منّي تَحِيّةً ومِن كُلِّ غيبْ صادِقِ البرق والرعد
جعل ابن الرومي قصيدته بكاء خالصاً تنتهي باستهداء «طيف خيال» من ابنه الميت. ومن مليح ما نظم في قناعة المحب بالطيف، علی قلته ونزارته، قولالحسين بن الضحاك:
ألَمَّ خَيالٌ مِن أُمَيْمَةَ طارِقُ ومن دُونِ مَسْرَاهُ اللّوی والأباريقألَمَّ بنا ، لم نَدْرِ كيفَ لِمامُهُ وقد طال ما عاقَتْهُ عنّا العَوَائِقُفَللّهِ ما أولی الكری في دُجُنَّةٍ جَفَتْها الدّرارِي طُلّعاً والبَوارِقُنَعِمْنا به حتّی كأنّ لِقاءَنا وما هُوَ إلا غايةٌ الزُّورِ ، صادِقُ.
يقول الشاعر إنّ المعشوق ابتعد عنّی ولكن جاء خياله في نومی عند الليل وإنّ التخيُّل قَوي واشتدّ حتی لم يك فرق بينه وبين تصويره الحقيقي، فهذه الأوصاف أدّتْ إلی كثرة المتعة واللذة والنعمة عنه قال المتنبي [46] هذا التشبيه أي تشبيه الطيف بطلول الديار ورسوم الأحباب في غاية الحسن.
دَمْعً جَرَي فَقَضی في الرَّبع ما وَجَبا لأهِلِه وشَفَی أنّی ولا كَرَباعُجْنا فأَذهَبَ ما أَبقی الفِراقُ لنا مِن العُقُولِ وما رُدَّ الذي ذَهَباسَقَيْتُهُ عَبَراتٍ ظَنَّها مَطَراً سَوائِلاً مِن جُفونٍ ظَنَّها سَحَبادارُ المُلِمِّ لها طَيْفٌ تَهَدَّ دني ليلاً فما صَدَقَتْ عيني ولا كذباناءَيْتُهُ فَدَناء أدْنَيتُهُ فَنأی جَشَّمْتُهُ فبنأ قَبَّلتُهُ فَأُبي
يبدوأن المتنبي كان حريصاً علی أن ينسب الطيف إلی صاحبة الدار أوالربع الذي وقف يبكي علی طيف المرأة التي فارقته مع الظاعنين. فتناول المتنبي صورة الطيف مع صورة الربع من خلال فكرة البكاء.
تكون خصائص طيف البحتري بهذه الصورة التي طيف علوة يُستدعی. ولا يأتي في المنام من تلقائه وهوطيف جميل ولكنه عصي كصاحبته، مغناج، هاجر، خوان ... وهوطيف متجسد يمكن أن يخاطب، ويعاتب، ويبثّ لواعج الغرام، لكنه لا يخاطب، ولا يعاتب، ويؤثر الإستماع علی الكلام، حتی ولوسمع تعنيفاً ومفاخرة وهجوا. وهوطيف أثير لأنّه طيف حبيب أول يحرص مستدعيه علی ألا يغضب فلا يعود لذا یجد الشاعر، يلوب حوله كالفراشة، دون أن يحرقه ، أويحترق فيه . بل نراه يحوم كطيف معالطيف، كروح ظمأی أمام جمال سراب... وحين يبعد الطيف أويختفی يصحوالبحتري علی واقع كئيب يخفف من كآبته انشغاله «بعلوات» أخريات ، لكن القلب يظل يخفق باتجاه حلب... [47].
بعد الشاعر عن حبيبته وشعر قلبه ونفسه بالیأس. فالحبيب مجانب بخيل، والطيف وصول كريم، والحبيب نائی الدار وهومن فراق إتخذ سبيلاً للقاء وتصل إلی الحبيبة في عالم الخيال، والليل والنوم عاملان أساسيان للوصول والصبح والیقظة عاملان للفراق.
تكثرعند البحتري حركة الطيف وتشخيصه وذكر المواضع التي مرّ بها وتأثيره في نفس البحتري التي تعاني الحزن والسقم، وقد يهتدي بصورة سيرة سريعة في تألیف صور موازية وتصوير الطيف ورمزاً لذكرياته مع العلوة الحلبية، وكأنَّ أمنيته قد تبلورت في تصور مجيئها إلیه من الشام إلی العراق [48].
من أجمل أوصاف البحتري في الخيال المقابلة التي يقيمها الشاعر بين إصرار الحبيبة علی الهجران ومخالفة طيفها لها بوصله، ثمّ نراه يعقد الصلة بين الليل وبين الوصل؛ لأنّ الطيف يزوره في الحلم وهونائم. ومن ناحية أخری يعقد الصلة بين تباشير الفجر والنهار وبين الهجر، فلا مكان للطيف في عالم الیقظة [49]. وقال البحتري: [50].
هَجَرَتْ وطَيفُ خَيالِها لَمْ يَهْجِرُ ونَأَتْ بحَاجَةِ مُغرِم لم يُقْصِروَدَعَتْ هَوَاكَ بِمَوعِدِ مُتَيَسَرٍ يَوْمَ اللقاءِ ونائِل متعذِّرمُستَهْتَرٌ بالظاعنين وفيهم صَدٌّ يُضرِّمُ لَوْعَةَ المُسْتَهْتَريَسَلُ المنازِلَ عَنْهُمُ وعلی اللّوي دِمَن دَوَارِسُ إنْ تُسَلْ لا تُخْبر
بعد دراسة في شعر الشاعر حول طيف الخيال نری أنّ أكثر شعره ملازم مع حرقة القلب والحزن والأسی والحماقة والجنون ولكن لانبأ المعشوق من هذه الحزن والألم. يقول أبوعبادة في مقدمة مدحة في أبي نهشل بن حميد: [51]
دَعْ دُمُوعي في ذَلِكَ الإشْتياق تَتَنَاجَي بِقُبْحِ يَوْمِ الفِراقِفَعَسَي الدَّمْعُ أَنْ يُسكِّنَ بِالْسَّكْ ـبِ غَليلاً مِن هائِمٍ مُشْتَاقِإنّ رَيّاً لَمْ تَسْقِ رَيّاً مِنَ الوصـ ـلِ ،ولم تدْرِ مَا جَوی العُشّاقِبَعَثَتْ طَيْفَهَا إليَّ ودُوني وَخْدُ شَهْرَيْنِ للمَهَاري العِتَاقِزارَ وَهْناً مِن الشّامِ فَحَيَّا مُستَهَاماً صَبَا بِأغلَي العِراقِ
يرق البحتري كل الرقة حين يعبر عن الطيف الذي يصله مع هجر صاحبته له في الواقع بأنّها تزوره وهي لا تدري، وذلك اللقاء الذي يتمّ علی أجنحة الأحلام تعبيراً عن جوی الشاعر وحرمانه. يبكي العاشق دائماً علي المحبوب والزمان الذي بعد عنه أيضاً يحزن ويبكي وخيال العاشق يبذل في النوم ولم يعط في اليقظة. وإنّ النعيم والمنفعة في النوم مع طيف الخيال كما أنّ الشقاء والمضرة في اليقظه مع هجر الحبيب وصدوده، فقال: [52]
مِنْكَ طَيْفٌ أَلَمَّ والأُفْقُ مَلآ نُ مِن الفَجْرِ واعتَراضِ عَمُودِهْزَائرٌ أشْرَفَتْ لِزَوْرَتِهِ أغـ ـَوارُ أرضِ العراقِ بَعدَ نُجودِهْأرَبُ النفسِ كلُّهُ وَ مَتاعُ الـ ـعَينِ في خَدِّه ، وفي تَوْريدِهْمُعْطِياً من وصالِهِ في كَرَي النَوْ مِ الذي كان مانعاً في صدودِهْ
وأخیراً یصل خیال المحبوب إلی حبیبه في اللیل دون هاد من طرق صعبة، أما البحتري فیخاف من طلوع الفجر، وهذا یؤدي إلی الابتعاد عن الحبیبة. ونتیجة لذلك یری الشاعر خیاله الدافئة في اللیالي لأن في ذلك الوقت کل مکان هادئ.
المراجع والمصادر
- أبوعبادة البحتري دراسة ومختارات، عبداللطيف شرارة، دارالكتاب العالمي،الطبعة الأولي1990 م.
- الأغاني، أبوالفرج الأصبهاني، دارالكتب العلمية، 1984 م.
- الأمالي، أبوعليّ إسماعيل بن القاسم القالي البغدادي، مطبقة السعادة، 1953 م.
- أمراء الشعر العربي في العصر العباسي، أنيس المقدسي، الطبعة الثانية، دون تاريخ.
- البحتري، أحمد أحمد البدوي، دارالمعارف، مصر، الطبعة الخامسة، دون تاريخ .
- البحتري بين نقاد عصره، صالح حسن اليظّي، دارالأندلس، بيروت، لبنان، الطبعة الأولي 1402هـ / 1982 م.
- البحتري، علي شاق، دار ومكتبة الهلال، بيروت، الطبعة الأولي 2006 م.
- بين البركة والإيوان، خليل شرف الدين، مكتبة الهلال، بيروت، 1421 هـ / 2000م.
- تزيين الأسواق، داود الأنطاكي، دارالمكشوف، بيروت، الطبعة الأولي 1957م.
- التشبيهات، ابن أبي عون الأنباري، مطبعة جامعة كمبردج، 1950 م.
- الديوان، ابن فارض، شرحه وقدم له: مهدي محمّد ناصرالدين، دارالكتب العلمية بيروت، لبنان، الطبعة الأولي 1410 هـ / 1990م.
- الديوان، ابن المعتز، شرح مجيد طراد، دارالكتاب العربي،بيروت – لبنان، 1424هـ/ 2004 م.
- الديوان، أبوتمام، شرح وضبطه وقدم له ايمان البقاعي، مؤسسه الأعلمي للمطبوعات، بيروت – لبنان، الطبعة الأولي 1421 هـ / 2000م.
- ديوان الأشعار، الحسين بن الضحاك «الخليع»، جمعها وحققها عبدالستار أحمد خراج، درالثقافة، بيروت،1960 م.
- ديوان الأشعار، مروان بن أبي حفصة، جمع وتحقيق حسين عطوان، دارالمعارف بصرة، 1973م
- الديوان، البحتري، شرح وتقديم يوسف الشيخ محمّد، دارالكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولي 1407 هـ/ 1987 م.
- الديوان، جران العود النميري، رواية السكري، درالكتب المصرية ، 1931 م.
- الديوان، جرير، دون الطبعة، القاهرة، 1353 هـ.
- الديوان، ذوالرمة، مطبعة جامعة كمبردج، 1919م.
- الديوان، طرفة بن العبد ،تحقيق درية الخطيب ولطفي الصقال ، دون الطبعة ،دمشق ، 1975 م.
- الديوان، عبيدالله بن قيس الرقيات، شرحه وضبطه وقدم له: عمر فاروق الطباع ، بيروت لبنان، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم ، دون تاريخ.
- الديوان، عمروبن قمیئة، تحقيق وشرح خليل إبراهيم العطية،دارالحرية للطباعة، ببغداد، 1972م.
- الديوان، الفرزدق، قدم وشرحه له مجيد طراد، دارالكتاب العربي، بيروت ، 1424هـ/2004م.
- الديوان، كميت بن زيد الأسدي«الهاشميات»، شرح محمد محمود الرافعي، الطبعة الثانية، دون تاريخ.
- الديوان، المتنبي، شرح الشيخ ناصيف اليازجي،تقديم الدكتور ياسين الأيوبي، دارومكتبة الهلال،دون تاريخ.
- ديوان المعاني، أبوهلال العسكري ، دون الطبعة ، القاهرة 1352 هـ .
- زهرالاداب وثمر الألباب،أبوإسحاق إبراهيم بن عليّ الحصري القيرواني، دار إحياء الكتب العربية،المطبعة الرحمانية، 1925م.
- الزهرة، أبوبكر محمدبن داود الأصبهاني الظاهري ، مطبعة الآباء اليسوعيين بيروت، 1932م
- طوق الحمامة في الألفة والألاف، ابن حزم الأندلسي، دارالمعارف بمصر، الطبعة الثانية 1977م.
- طيف الخيال،الشريف المرتضی، تحقيق حسن كامل الصيرفي، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهره، 2008م.
- الطيف والخيال في الشعر العربي القديم، حسن البنا عزالدين، دار المناهل، بيروت – لبنان،الطبعة الثالثة ، 1415 هـ - 1994م.
- العقد الفريد، ابن عبد ربه، لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1948م.
- العمدة، ابن رشيق، دارالكتب العلمية،1983م.
- مقدمة القصيدة الجاهلية، حسين عطوان، دارالمعارف، القاهرة، 1974م.
- الهوامل والشوامل، أبوحيان ومسكويه ،نشرة أحمد أمين والسيد أحمد صقر، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1951م.
إعداد: سميه محمدي، الماجستير في اللغة العربية وآدابها
بجامعة آزاد الإسلامية في كرج
مشاركة منتدى
19 شباط (فبراير) 2013, 03:03, بقلم طالب علم
السيدة المحترمة سمية محمدي كان عليك ان تشيري إلى كتاب ظاهرة طيف الخيال في الشعر العباسي للدكتور أحمد علي محمد لأنك فيما يبدو أخذت من الكتاب كل شيء ولم تشيري إلى صاحب الكتاب ، فالموضوعية تقتضي على الأقل إلى الإشارة لصاحب الكتاب ، والكتاب مطبوع في سورية دار شراع 1999م
28 شباط (فبراير) 2014, 15:34, بقلم محمود احمد عبد الرحمن احمد سعd
بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد ففي سياق تعريف النصارى بعيسى عليه السلام نقول ان عيسى عليه السلام ولد من غير اب ايده الله بالمعجزات وهي انه تكلم في المهد وكان يبرئ الاكمه والابرص ويحيي الموتى باذن اللهي الله يقول عيسى واؤنبكم بما تاكلون وما تدخرون في بيوتكم وعيسى اقتضت حكمة الله انه لم يمت حتى الان بل هو الان في السماء وسينزل في اخر الزمان على المنارة البيضاء في دمشق فيقتل الخنزير ويضع الجزية اي لا يقبل الجزية لا يقبل الا الاسلام وهذه حكمة الاهية عظيمه فليس من المعقول ان يكون في زمان عيسى عليه السلام نصراني او يهودي تبطل في عهده الملل كلها الا الاسلام دين الله ويعينه الله على قتل المسيح الدجال ولا يحل لكافر يجد نفس عيسى عليه السلام الا هلك وتكثر في عهده البركة قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم طوبى لعيش من بعد المسيح اي في زمن المسيح ويمكث في الارض اربعين سنة ويتزوج ويولد له ويموت وبعد موته يدفن في الحجرة النبويه على ساكنها محمد افضل الصلاة واتم التسليم يقول الله عز وجل عن عيسى وانه لعلم للساعة اي نزوله ايذان واعلام بقرب الساعة ويقول في اخر سورة المائدة واذ قال الله يا عيسى بن مريم ءانت قلت للناس اتخذوني وامي الاهين مند من دون الله قال سبحانك ما يكون لي ان اقول ما ليس لي بحق ان كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك انك انت علام الغيوب ما قلت لهم الا ما امرتني به ان اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت انت الرقيب عليهم وانت على كل شيئ شهيد ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك انت العزيز الحكيم قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم لله ملك السماوات والارض وما فيهن وهو على كل شيئ قدير
28 تشرين الأول (أكتوبر) 2016, 09:54, بقلم سويد
قالت تحب الخيل قلت ايه بالحيل........ماظن نفسي تقدر تصد عنها
سحر العيون ومهجتي شوفت الخيل........هي علتي ودواي مسكت رسنها
يابنت انا بذلل الحرف تذليـل......لاجل الحروف اللي فوادك حضنها
من سبتك يابنت انا ممرح الليل.......هرجك جرح روحي ونفسي فتنها
اللي جرحني بالرموش المظاليل..........محبته باقصى فوادي دفنها
جيتك وانا شيل الحطب والمعاميل.....باسوي القهوه واباسقيك منها
واللي يعذلك راح من غير تحصيل..........والله لا اخليه يدفع ثمنها
ماعاش من يجرحك لو قيل ماقيل......لا جلك حياتي يالمها جزت عنها
28 تشرين الأول (أكتوبر) 2016, 09:59, بقلم سويد العيساوي
قالت ترى منت بحلو قلت رجـال
والزين ماهو من شروط الرجوله
الزين يلقى عنـد لباسـة الشـال
والرجل زين ان كان زانت فعولـه
قالت علامك تلبس شماغ وعقـاال
انت بدوي؟ قلت بدوي ومن حموله
ما ألبس بناطيل لها الوان واشكال
وامتر الشاارع بعرضـه وطولـه
قالت اجل راعـي معاميـل ودلال
شرب القهاوي تحسبونـه بطولـه
كيفي يابنت الحضر دلـه وفنجـال
وحليب خلفـه بالمـراح معقولـه
وحب الكرم والجود وعلوم الابطال
مغروس فينا من زمـان الطفولـه
قالت ترى بنت البدو حظهـا مـال
قلت احذري حذرا تكوني جهولـه
بنت البدو يابنت مضرب للامثـال
فووق الجمال وطاعة الله خجولـه
ماحطت اصباغ ولا حطـت ظـلال
ولا سيرت بالسوق سيـر مهبولـه
هي مهرة تصعب على كـل خيـال
وانتي ومثلك عسفهن بالسهولـه
قالت تغزل بي وشف حبة الخـال
ناظر عيوني والرموش الكسولـه
قلت العفو مايجتمع حـب وهبـال
ولكـل ذوق فالمزاييـن جـولـه
قلتي وقلت وكلمة الصـدق تنقـال
الزين ماهو من شرووط الرجولـه
30 أيلول (سبتمبر) 2021, 17:36, بقلم Mo727
طيف الحبيبة زارني في وحشة الليل الطويل
فرأيت عينيها اشعت بذلك الحب الأصيل
لم إدرِ لِماذا وأنا لم أعطِ لها إلا القليل
وأنا بسيط ولست ذلك الشخص الجميل
لكنها قد عاتقتني وقالت لا تميل
فأنا على درب الحب أمضي لا أميل
أن المحب يكفيه نسم من الريح العليل
حبنا ليس اجساد وليس بالحب النحيل
حبنا من القلب إنه حب طويل