الأربعاء ٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨
بقلم هشام محمد علي

طِفلُ ثالوثِ الألم

دق ناقوس الإستراحة ليدخل البهجة إلى قلوب التلاميذ إلا قلب صاحب النهار الطويل الذي ترمز له الدقةُ حرماناً من حلويات العمة فاطمة التي يلهف اقرانه على شرائها، ويكتفي هو بسرقة النظرات لأيديهم.

يعود وحقيبته المهتريئة على كتفه مقترباً من محلتهم بعد يومٍ تعيسٍ في المدرسة قضاها وهو يخطط للإنتقام من مراقب الصف الذي كان قد اوسعه ضرباً بغياب المعلمة لكونه اراد ان يسمح له بالحديث كما كان يسمح لنفسِهِ وأصدقائه، ويُحادِث نفسه متعضاً:

  سأدخل المنزل ليُحملوني الكيسَ لأذهب للعمل الذي اكره. فيستطرد: اكره البيت، اكره المدرسة واكره العمل.

بعد سنتين من ولادته بداءت الحرب التي افقدته والده اسيراً، فبقيت امه الوحيدة التي كانت تحمل في احشائها اخته الصغرى تحت جبروتِ حماتها التي اصبحت اباً قاسياً له واخته بعد ولادتها، بعدما كانت اماً واباً لإبيه الأسير.

اصبح عمره الأن سبع سنواتٍ لم يعشهم باللعب واللهو كبقية اطفال حيهه الشعبي، فقد تعودت مسامعه رد جدته حين يطلب اللعب خارج المنزل:

  والدك اسير وانت رجل البيت، فتصرف مثل الرجال.

كان ينزعج من إعتباره رجلا حين يطلب اللعب، وطفلاً حين يطلب شراء دراجةٍ هوائية. رغم امتلاكه الذكاء والوجه الحسن إلا انه كان قد ابتلى بثالوث الألم المتمثل بشقاء المجتمع وقسوة المنزل وبرد العمل الذين يتداولون ساعات يومه فيرسمون هماً شيخاًً على وجهه البريء.

كانت رغبة والدته ان يكون الأول بين تلامذة صفه فكان يكتب تمارين الحساب في جوٍ قارسٍ اثناء عمله المتمثل ببيع حبوب عباد الشمس الرخيصة على رصيفٍ يفترشها وحائطٍ خشنٍ يسند عليها ظهره، وحين يعود تقرؤه امه موضوع القراءة قبل ان تقرئهم اياه المعلمة.

لم يكن عُمرهُ قد أهله للتعرف على ماهو الطموح، لكن تحديه والإبتسامة الباهتة التي كانت الفصل بين تفكيره بالألم الذي يعيش والإنهمار على القلم والدفتر للبحث في خفايا العالم، كانت كلها تنبئ برجلٍ من الندرة او مجنون تحت ظلال الياسمين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى