الجمعة ١١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٥
بقلم سمير عطا الله

«عرس الدم» بطولة مصطفى العقاد

عرفت مصطفى العقاد في مقاهي بيروت أيام كنا صغاراً حاملين احلاماً كبرى. الكاتب كان يريد ان يكون همنغواي والصحافي كان يريد ان يكون والتر لبمن. والفنان كان يريد ان يصبح، في ابسط تقدير، عمر الشريف. مصطفى العقاد اراد ان يكون شيئاً مختلفاً، ان يكون مخرجاً مثل ديفيد لين. لا اقل. واراد ان يذهب مباشرة الى هوليوود، من دون المرور بالقاهرة واستديوهات الاهرام حيث مرَّ جميع الشوام منذ اوائل القرن الماضي.

كان معه من معدات تحقيق الاحلام، غليونه وموهبته وعناده. «إما هوليوود او الموت» كما في عنوان فيلم شهير. لكن ماذا يستطيع فنان عربي ان يُقدّم لمدينة يموت فيها المخرجون والممثلون من الجوع والاهمال؟ اقترح فكرة فيلم «الرسالة» الذي لم يرحب به المسلمون جميعا. وانتج فيلم «عمر المختار» بعدما اتفق مع انطوني كوين على دور البطولة. ثم بحث عن شيء مختلف، شيء «اميركي»، فأقدم على انتاج مسلسل مرعب بعنوان «هالوين» لقي نجاحاً مذهلاً وعاد على المخرج الحالم بثروة مهمة. وبعدما شعر بالطمأنينة المادية، راح يبحث، بهدوء، عن بطل عربي آخر. وفكر في شخصية الملك عبد العزيز، وبدأ يعد لذلك. الا انه في السنوات الاخيرة بدا وكأنه من دون عمل، يمضي وقته ما بين بيروت ولندن ولوس انجليس. وغليونه لا ينطفئ. وسألته مرة كيف يسمح له الاميركيون بالتدخين، فروى ان سيدة افرو اميركية اعترضت على ذلك في احد مطاعم لوس انجليس، فرفض، فما كان منها الا ان قامت من مقعدها اليه ووجّهت اليه لكمة قلبته هو وكرسيه قائلة له: «ما دمت تقول ان هذا بلد حرية وانت حرّ في التدخين فأنا حرة في ابداء الرأي على طريقتي».

آخر مرة التقيته قبل اكثر من عام، كانت على بوابة فندق فينيسيا. قال لي «منذ نصف ساعة وانا انتظر سيارتي في هذا الازدحام. ما هو سر هذه المدينة؟ ان كل لوس انجيلس ليس فيها ربع ما في بيروت من ابهة اجتماعية». ثم عاد الى غليونه ينفخ فيه الحريق والرماد.

جاء مصطفى العقاد الى عمان على موعد مع ابنته لحضور عرس. ولم يكن يدري ان الزرقاوي كان على موعد مع بلده وارضه وشعبه. على طريقته. اندفع مصطفى العقاد لمعانقة ابنته فسبقه الزرقاوي. قتلها قبل ان يصافحها والدها. فلما رأى مصطفى دماءها غاب ولم يعد. انه الفيلم الاكثر رعبا الذي لم يحمل توقيعه. كان يخاف من ظله. ويذهب لحضور اعراس ابناء اصدقائه في كل مكان. وهذه المرة جعله الزرقاوي «عرس الدم» كما في قصيدة غارسيا لوركا، ابن الاندلس المضاع.

عن " الشرق الأوسط "


مشاركة منتدى

  • بمناسبة الحديث عن العقاد رحمه الله وأكرم مثواه فـقد كان هدفا مركزيا لتفجيرات عمان المشؤومة تلك لاسيما وأن الحديث كان قد اشتد في وسائل الاعلام آنذاك عن قرب تصوير فيلمه صلاح الدين الأيوبي الذي كانت من المنتظر أن يكون انتاجا عالميا. لذلك فإن من يعتقد أن العقاد استشهد صدفة في تفجيرات عمان فما أبعده عن الحقيقة لأن من قتله هو نفس الذي قتل غسان كنفاني وناجي العلي وكمال ناصر وغيرهم.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى