الجمعة ١٧ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٦
بقلم
غُيُوْمُ الخَرِيْفِ
تَجُرُّ الصِّغَارَ بِأَوْدَاجِهَاتَجُرُّ الحَدَائِقَ وَالأُمنِيَاتْوَتَنْثَرُ نَارَاً بَأَرْدَانِهَاويَجْرِفُ ذكرى الأَحبَّةِسَيْلُ البُغَاةْوتذْبَحُ نَبْضَ الحَيَاةْ(وَبَغْدَادُ) فِيْ عَلَنٍ تُزْدَرَىوَيَهْوي الضَّحَايَا وَمَا مِنْ نَجَاةْغُيُوْمُ الخَرِيْفِ ..تَجِيْءُ بِمَوْتٍ غَرِيْبٍ إليْنَاوَتَحْشِدُ كُلَّ الظَّلامِ المَرِيْرِ عَلَيْنَا..(وَغَزَّةُ) تُسْبَى..(وَبَغْدَادُ) تُسْبَى..(وَبَيْرُوْتُ)تُسْبَىيَصبُّ الغُزَاةُ سُمُوْمَ الحَضَارةِوَنَحْمِلُ دُوْنَ سُيُوْفِ الجَرِيْمَةِ ذَنْبَافَأَيْنَ سَأَتْرُكُُ صَوْتِي المُهَاجِرَ عبْرَ الحُصُوْنِوَعبْرَ الغُيُوْمِ ؟وَقَدْ صِرْتُ لَيْلاً أُغَنِّيْ البِشَارَةَ تَطْلُعُ بَدْرَاً بَيْنَ النُّجُوْمِلَقَدْ ضَاعَ صَوْتيتَعَثَّرَ بِقَلْبِي الكَمَانْوَلَحْنِي قَدِيْمٌ تَلَعْثَمَ دَهْراً يُعَانِي التَّشَظّي وَسَوْطَ الهَوَانْظَمِئْنَا وَجُعْنَا وَقَدْ هَجَّرُوْنَانَصِيْحُ عَلَى الأَهْلِ هَلْ تَسْمَعُوْنَا؟أَمَا مِنْ (عَلِيٍّ) ؟أَمَا مِنْ (صَلاحٍ)؟أَمَا مِنْ أَمِيْرٍيُحَرِّرُ خَوْفَ المَدَائِنْ؟ليسكتَ فينا حُزْنُ المآذنْتُغِيْرُ المَآتمُ صَوْبَ الحَمَائمِيَخْذِلُ سَيْفَ التَّوَحُّدِ صوتُ التَفَرُّقِبَيْنَ الرَّمَادِ وَعَطْرِ الأَمَاكِنْبِلادِي العَظَيْمَةُ تَاجُ العَرَبْدِمَاها تَسَيْحُ وَمَا مِنْ قِرَبْلَقَدْ فَاحَ حُزْنُ الرَّصَاصِ بِصَدْرِيوَفَاضَ يُمَاري أَنِيْنُ القَصَبْيَقُوْلُ الغُزَاةْ:سَنَشْرَبُ مَا نَسْتَطِيْعُوَنَقْتُلُ مَا نَسْتَطِيْعُوَإِنْ فَرَّ خَوْفاً كَفِيْفٌوإنْ فَزَّ رُعْبَاً رَضِيْعُ(وَقَحْطَانُ) مَاتْوإنْ صَارَ فيكُمْ نشيدَ النجَاةْلَقَدْ كَانَ فَذَّاً يُحِبُّ الخُيُوْلْلِيُحْصِي ضَيَاعَ بَنِيْهِ إذَنْلِيَشْهَدَ عَصْرَ الأُفُوْلْسَنَقْتُلُ كُلَّ النِّسَاءِ بأَمْرِ التَّعَالِيجُبِلْنَا كِبَارَاً..لِمَاذا إليْنَا ألا تَسْجُدُوْنْ؟لِمَاذا إليْنَا ألا تُذْعِنُوْنْ؟سنَقتُلُ كُلَّ الطيورِ الحميمةِفوْقَ الغُصُونْونَحَشْو خراباً مَحَاجِرَ هذي العُيُونْوَرَبُّ السَّماءِ أَرَادَ لِهَذَا الشَّعْبِ أَنْ يَسْتَثِيْرَ البَشَرْوَيَعْلُو عَلَى النَّاسِ حَتَّى لِيَغزُوَ سَطَحَ الفَضَاءِ وَقَصْرَ القَمَرْوَيَهْدِمَ هَذِي القِلاعَ الحَصَيْنَةَحتَّى لَيَبْكِيْ عَلَيْهَا الحَجَرْفَلا تَعْجَبُوْنَ لِقَتْلِ النِّسَاءِ (بِغَزَّةَ)وذَبْحِ الصّغَارِ بأرْضِ الفُرَاتْوقَتْلِ الشِّيوخِ (ببنتِ جبيلْ)***********بِلادِي العَظَيْمَةُ تَاجُ العَرَبْتُبَاعُ رَخِيْصَاً جَنُوْبَاً شَّمَالاوَيُلْقِيْ النَّزِيْفُ عَلَيْهَا ظِّلالابِلادِي العَظَيْمَةُ أَضْحَتْ رَمَادْغُرُوْبٌ يُكَلِّلُ وَجْهَ العِبَادْزَرَعْنَاكِ نَخْلاً وَمَا مِنْ ثَمَرْزَرَعْنَاكِ صَبْرَاً وَمَا مِنْ أمَانٍ وَلا مِنْ حَصَادْغُيُوْمُ الخَرِيْفِتُوَلْوِلُ فَوْقَ الصِّغَارِتُهَشِّمُ أَعْشَاشَهَا فِيْ النَّهَارِمَتَى يُرْجِعُ اللِّيْلُ أَحْلامَنَا..؟وَيَقطعُُ مِنْشَارُنَا المُسْتَحِيْلْنَمُوْتُ بَطِيْئَاً..كَثِيْرَاً..قليلْ(وبغدادُ) تنزفُ نهراً حزينامتى تَنْجَلِيْ عَنْ رُبَانَا الغُيُوْمْوَنَحْنُ احْتَرَقْنَاشُجَيْرَاتِ حُبًّ رَقِيْقٍ قَدِيْمْ**********سَأَتْرُكُ خَلْفي مَرَايَا الأَلَمْوَأَعْصُرُ رِيْقَ البَنَفْسجِ خَمْرَاوَأَزْرَعُ صَيْفَاً شَظَايَا النَدَمْتَبِيْضُ بأُفقِ الخَطِيْئَةِ عُذْرايُؤَجِّجُ يَأْسَاً كَثِيْرَ الحُرُوْبْوَوَجْهَاً تَوَغّلُ فِيْهِ النُّدُوبْوَمَا كُنْتُ أدريَ أنَّ الشَّذايَطُوفُ غَرِيْبَاً مَكَانِي الجَمِيْلابذاكَ المَكَانِ الذي قَدْ ضَمَّنَابيومٍ تَطِيْرُ إليكِ القُبَلْعَصَافِيْرَ شَوْقٍ تَدُوفُ الأَمَلْأخافُ ارتجافَ الأَنَامِلِ خَلْفَ الزنادِأخافُ الطريقَ الكئيبَ الطويلا(وَغَزَّةُ) تُسْبَى..(وَبَغْدَادُ) تُسْبَى..(وَبَيْرُوْتُ)تُسْبَىوَطَافُوا عَلَيْنَا بِرَأْسِ العِرَاقِ الشَّهِيْدْتَلَوَّى وَعََانى وَمَاتَ الحِصَانُ عَلَى رُكْبَتَيْهِوظلَّ يُوَاصِلُ نَزْفَ الوَرِيْدِ الوَرْيدْوَظَلَّ يُعَانِقُ حَزَّ السُّيُوفِ الوَلِيدْفَلا مِنْ سَلامٍٍ جَدِيدْ...؟وَمَا مِنْ عِرَاقٍ سَعِيدْ...؟غُيُوْمَ الخَرِيْفِ..أَمَا تهجرينَ بلادي..؟أَمَا تتركينَ المواسمَ دُوْنَ اضْطِهَادِ..؟أَمَا تَشْبَعِيْنَ دِمَانَا..؟وَأَنَّ السَّمَا أبْرَقَتْ عُنْفُوَانَاوَطَعْمَ حَنِيْنٍ وَرَجْعَ قُبَلْوَصَوْتَاً يَصِيْحُ لِيَخْسَا (هُبَلْ)وَتَنْمُو الأمانيَ ظلاً ظليلا**********غيومَ الخريفِ...أما تشتهينَ الوداعَ وعنّا الرحيلاأضيقُ بقلبي الصغيرِ ذُهولاأقمتِ بأيامنا الحالماتِقيامَ القيامةِ فينا فُصولاوضيّعتنا في رواق الغيابِوضاعتْ تصاويرُنا في المعاركِضاعَ التُرابُ الذي قد جبلنا عليهِ فُحولاغُيُوْمَ الخَرِيْفِ...وَجُرْحُ العِرَاقِِ خَضِيْبٌلَنْ يَزُوْلاحَتَّى تَرُدُّ(جَنينَ) الرِّجَالُوَحَتَّى تُعَانِقَ(غَزَّةَ)(يَافَا)وَأَرْضُ الجَلِيْلِِ..وَعِيْدَ الدِلالْوَتُزْهِرَ(بَيْرُوتُنا) بَهْجَةًوَنَرْدَعُ مَوْجَ العَذَابِ خُيُولاوَنَلْوي الرَّصَاصَ وَنُخْزِي السُّيُولافَهَمٌّ يُعَشَّشُ فِيْ (النَّاصِرَةْ)وَهَمَّاً تُكابِرُ أرْضُ (النَّجَفْ)ومَازالَ للطعْنِ في الخَاصِرَةْنَزِيْفٌ يَهزُّ رمَاحَ السَّعَفْوَهَمٌ غَدَوْنَا إليهِ دليلاغُيُوْمَ الخَرِيْفِ...تواري كثيراً..تواري قًلْيلاعليكِ نصالُ (النبيّ) تواريعليكِ بسيفِ عَليٍّ يُمَزِّقُ هَمَّاً ثَقِيْلاتواري نُريدُكِ أَنْ ترحلي..وَتَنْئَيْنَ عَنَّا كهذي الطبِيْعَةِتَطُوْفِيْنَ في عَامِكِ القَادِمِتَسْتَذْكِرِيْنَ شُحُوْبَ العَرَبْفَلَوْ جِئْتِنَا مَرَّةً كُلَّ عَامِلأَضْحَكْتِ قَاتِلَكِ وَالقَتِيْلا
في مطلع شهر تشرين الثاني لعام 2006 بدأت القوات الإسرائيلية عملية قتل جمعي لأبناء الشعب الفلسطيني وكان الشاعرُ قدْ رأى بأمّ عينيهِ غيومَ الخريف الأميركية تغطِّي سَمَاءَ بغداد وباقي مُدن العراق الآمنة مثلما تغطي غيوم الخريف اليهودية سَمَاواتِ غَزَّة وجنين وأريحا، ولبّدت سماءَ بيروتِ لفترةٍ فكانت هذه القصيدة في اليوم السادس للعملية لافتة رفض أزلي للقتل الأعمى لأبناء الرافدين وفلسطين ولبنان.