فعلام يحاكمنى الوالى
1- تمهيد
(غفلت عيناى على حجر.. بجوار الموقد فى كوخى..
فحلمت بلا قصد منى.. فإذا الزلزال يدق الباب.
:- من؟
: - حراس أفندينا الوالى وسرايا الأمن.
: - آت كى أفتح فتمهل..
(فإذا بالكوخ وقد شالوه وشالونى..
مظلمة كانت حارتنا.. صامتة كانت حارتنا.. والديك يؤذن فى الأسحار
* * *
عاملنى العسس بكل حنان..
(إذ أن الوالى، يحفظه رب الأكوان، يعلمهم ماهية حقوق الإنسان)
.. سحلونى فوق الأحجار..أخذونى للقبو المظلم وأقاموا الحفل التكريمى بأمر ملكى سام..
(نحن الوالى: قد أنعمنا بالقيد نعلقه شرفا فى رقبة أحد رعايانا فخرا ووسام)
وأمرنا أن يفحص دمه بحثا عن مرض الحرية)
مابين سؤال وسؤال.. سقطت أستار وحدود.. واختلط الماء مع النار
وامتزج الوقت فلا ادرى.. ليل يسكننى أم كانت أضواء نهار
.. تركونى كى ما انهار.. أحسست بأنى أتبعثر فوق الجدران.
(أكتب إقرارك بالتهمة.. والينا يتهمك شرعا انك قد خنت جلالته
وحلمت بخلع ولايته.. ألم تعلم أن أفندينا يهوى تفسير الأحلام؟.)
إقرار
ها أنذا أعترف بأنى.. (وبمحض إرادتى المسلوبة)..
ذاك المأفون المستضعف..
من وقع فى ذيل الورقة..إقرارا لا رجعة فيه..
وبكل الآثام المكتوبة.
أول آثامى: هو أنى:
– أحببتك يا أرض بلادى.. وحديث الليل وأجدادى
– وصبايا الحى يغنين.. أغنية للفرح الآت.
– أمى.. تنساب بجرتها.. لتوضئنى..رائحة الخبز بكفيها.
– و تراب الحقل إذا يروى.. والنخل يجود بقريتنا للناس بأحلى التمرات.
– اعشق رمضان وبهجته.. ونسيم الليل إذا يغشى.. شقشقة الفجر.. سكينته
– أحتسى الشاى مع الكسرة.. والنيل يردد أناتى.
الذنب الثانى:
– هو أنى لا أكره أحدا فى الدنيا.. قدر كراهيتى للوالى
– أحتاج إليه وأمقته..
– اضحك كالأبله أحيانا فى مجلسه أصمت كالطين أو الأحجار ولا أصرخ..
– وألوم العقل بجمجمتى.. (ذاك المعتوه المتحجر(..
– لو ألمح لى أن أتردد أو ارفض أمرا أصدره والينا المنعم..
– أن أخلع جلدى وكيانى فى حضرته..
– أرقص كالقرد اسرى عنه هم الحكم و أضحكه.
– لكنى كوزير الوالى.. اشتمه سرا فى عبى..
– ساعة أن يقضى حاجته..
– أعشق والينا المتسلط.. أمقت والينا المتسلط..
– أعشق والينا.. العنه.
– لكنى لا أجرؤ أبدا حتى لوهم ليقتلنى.. أن أقتله..
– أكره والينا أبغضه.. صبحا ومساء أمدحه..
– وكلانا يشعر بالنشوة.. لو الهث حين أمجده..
– أعشقه خبزا وعطايا.. أكرهه سجنا ورزايا.. أعشقه مجدا وسجايا..
– أكرهه أفعى تتلون.. أمقته عرشا أبديا قد أنجب فى الليل سفاحا.
– كل الأسماء ببلدتنا اسم الوالى.
– كل الأشباه بقريتنا سمة الوالى.
– شطار البلدة والغوغاء.
– ورئيس الشرطة.. والقاضى..
– وأمير الجند المهزومين.. هم الوالى.
– غانية الخان ومطربها وعبيد القصر.. هم الوالى
– شعراء الخمرة والكهان وحامل صندوق الأختام.. هم الوالى
– جلاد السجن وراعى تنفيذ الأحكام.. هم الوالى
– نحن البسطاء الأيتام.. لا نهوى شيئا فى الدنيا قدر محبتنا للإنصاف
– نحن البسطاء الأيتام.. لا نكره شيئا فى الدنيا قدر الفاقة.
– لو رجلا كان هو الفقر.. أصدرت عليه بلا ندم حكم الإعدام.
الذنب الثالث
– هو أنى التمس الصدق ولا أكذب..
– أشعر بالغربة أحيانا.. فأمزق شرنقة الإخلاص.
– اهمس: (أخدع زوجتى المسكينة..إن مرت جارتنا بالباب..
– اختلس النظرة نحو الساق ونحو النهد بشهوة ذئب بصاص)
* * *
– لا أكذب إلا فى التحقيق.
– ورئيس الشرطة يسألنى عن ذنب لم أتخيله.. لم افعله
– (الحلم بتغيير الوالى والبيعة لكبير الخصيان).
– ساعتها اكذب.. أتجمل.. بل أقسم أنى لا يغمض لى جفن بسرير أو حتى فوق الطرقات.. كى يصفح عنى الجلاد.. والوالى ذو القلب المرهف ونصير الشعب يسامحنى
– بل يمنح عنقى مشنقة لا تصدر فى الرأس أزيزا.. (ومعاشا يبقى للأولاد.)
* * *
– والطامة لو عرفوا أنى لم أفعل أو أنى كذاب.. ساعتها يفتح جلادى قاموس الوالى يقرأه:
– يحكم أن أقضى كل العمر(مع الأحلام الوردية بخلافة والينا الملهم).. أتنزه فى سجن الدولة.
الذنب الرابع:
– اذكره أنى عربى إنسان..
– أتنصل من ذنبى هذا.. استغفر ربى أحيانا..
– عربى يذبح عربيا ويقول له لا تستنجد بغريب كى تنقذ روحك.. لا تصرخ طلبا للنجدة
– . ذلك من عمل الكفار.. فأخوك له حق الأرحام لكى يفقأ عينيك يعربد فى وسط الدار
– (عربى مثلى يشبهنى.. اسما وملامح وهوية..
– من ذات الفخذ القبلية.. يطعمنى تمرا مسموما أن جئت إليه لأساله حاجة إنسان)
– فيصيح الحاجب: يا ولدى: أخلع نعليك بخيمته..
– واستغفر ربك معترفا بذنوب الأرض العربية.. وتحرر من كل الآثام
* * *
الذنب الخامس:
– هو أنى.. مثل البسطاء الأيتام..
– أحترف الصبر وأتقنه..
– أغزله أملا وشموسا. أرسمه أمنا وطحينا وسلاما فى كل الأوقات.
– . أطفالا تلهو عند النهر.. ولا تخشى غرقا فيه..
– وحدائق مزهرة فرحا.. وورودا تضحك وفراشات.
* * *
– (قد أبدو للناس عبوسا لكن فى قلبى بسمات.)
– جد ى علمنى كلمات.. أحفظ فى القلب وصيته:
– (أفتح أوراقك وأتلوها.. لا تيأس من روح الله.
– واقصص رؤيا ك على الدنيا.. والتمس الحب لكل الناس.)
هذا أقرا رمن قلبى لا رجعة فيه ولا ردة.. وبرغم عيون الحراس.
الحكم قبل المداولة
وانعقد المجلس كى يحكم
وتداول أعضاء الهيئة فى همس تفسير التهمة.
انفجر القاضى فى وجهى بكلام لم افهم معناه..
وتحفز وجه الجلاد.
ورمونى فى قبو مظلم.
وانتظروا الوالى أن يصحو..
من وهج الخمر بمجلسة.
ليصدق كراس الأحكام.
لم أدرى شيئا.. لكنى..
ما كنت حزينا مهموما.
بل كنت سعيدا أتغنى..
فى جوف الزنزانة وحدى..
وانشق الحائط عن نور بهر الأنحاء.. وحشود تحمل رايات
ودموع الأيتام بعينى
كل البسطاء ببلدتنا كانوا حولى:
(أمى وأبى.. جدى أخوانى وحمارى.. صاحبى الأبكم.. والحاوى..
وصبايا الحى.. وجارتنا.. حلاق القرية.. والسقا.. ومعلم تحفيظ القران)
لا أدرى هل مر الوقت؟..
أم أن الساعة قد وقفت.. بلقاء السيف مع الرقبة.
أم أنى فى التو ولدت؟
فى هذه اللحظة من عمرى..
وسكون قد غشى القرية.. فى هدأة فجر بسام..
كنت على العرش.. ومن حولى كل البسطاء الأيتام.
أسمع للناس تبايعنى.. تهتف للعدل وللقاضى..
أتزين بوشاح الحكام.
• لتغنى كل صبايانا..
• وليفرح كل البسطاء..
• وليشبع من خبز بلادى..
• كل الأيتام.