الخميس ٢٦ أيار (مايو) ٢٠١١
بقلم سامية مصطفى عياش

فيروز تكذب علينا!

لا بدّ من سؤال أحد أولا. أقول لنفسي، وأسأل كُثرا: أيهما يحب الآخر أكثر، هي أم هو؟
أسأل وأنا أتابع فيروز في أغنيتها التي تكتب فيها اسم حبيب ما، وتتحسّر: «ليش دخلك ليش!»

دوما كنت أظن أن حسرتها لم تأتِ في محلّها، أن عليها أن تطلق بسمة ربما لتواري ضحكة أكبر، بفرح الحب الذي يتغلغل في العظم، كخليط الذهب والنحاس، وربما، ولأنني بدأت أميل للوحشية، فستأتي صورة فرح متغلغل، كالغرغرينا في رجل مصاب بالسكري، ولن أتحدث عن الفوارق!

لماذا قالت فيروز: «ليش دخلك ليش!»؟

ماذا يعني أن تكتب بنت اسم الحبيب على الجدران العتيقة، فيُحفر الاسم، بقدرة الجدار في الاحتفاظ بالمحفور، تكتبه مرة واحدة، وربما تنسى، ولن تعاود كتابته مرة أخرى حين تجده محفورا وانتهى. بينما يكتب «هو» الاسم على الطريق، على الرمل، فعل ربما يتكرر، فعل حِراك، أتخيله يمشي عند شاطئ البحر، ويرسم الاسم بقدمه، يتحرّك كل الجسد، يرقص في فعل معاش. يبقى اسم الرجل محفورا، أي نعم، على الجدران العتيقة، صحيح، لكن السؤال الأجدى: هل يعني هذا أنه بقي في ثنايا القلب؟

وبعد؟

في المقطع الثاني، تأتي البنت وتحكي للناس، طبيعة بشرية ترضخ لتناقل الحكايات، وخوض لا ينتهي، فيصبح الاسم على الألسن، رد فعل يناسب الفعل.. حب امرأة طائشة –مراهقة ربما-تسعى بكل جهد لأن يظهر، يُعلَن، ينتمي للمكان والزمان، بهاجس مُلحّ في الفقد.. و"هو"؟ يحكي للماء، ليس أي ماء، بل لنبعه، يقرأ "آيات شوقه" على نبع الماء، كما تقرأ أمي "آيات القرآن" على ماء زمزم وتسقيني، وهي تكرر: في فراغات الماء، يغوص الكلام، اقرأ عليه، ولمّا تشربيه يدخل جسدك كله، ويطهرك.

إنه يقرأ فيصبح كل الماء باسمها، الناس كلها تشرب من نبع عرف الاسم، فاستقر في الجوف، ولم تدرك عقولهم أي سرّ يكبر في أحشائهم، فلا يتمكنون من تناقله، يبقى سرا، يولد ويكبر، ويطوى في الجسد.

يترسب اسمه ظاهريا، بين الكلام، لكن اسمها يبقى في الباطن، في العمق، ولو لم تعلم!
لماذا تسأل فيروز إذا: "ليش دخلك ليش"؟

يهديها وردة، الرمز، والرحيق، والروح، فتفرح.. هي الأنثى، تضعها في الكتاب، على الوسادة أو فيها – مع فعل "زرع" حيث الخصوبة والنمو والخضرة وتشبث الجذور في عمق الأرض- فرح لذيذ، لكنها بالمقابل، تهديه مزهرية ورد، لا يداريها حسب الأغنية، لا يعتني بها، وتضيع الهدية! هل هذه المزهرية بورودها الكثيرة تعكس شدة حب، أم هي كثرة مجانية؟ زهور المزهريات قابلة- سريعا- للعطب أو التلف، ولا جذور لها، لأن أرضها الماء، عادة ما أهدي زهرا كثيرا لشخص "تلف" في داخلي، بينما أهدي وردة واحدة بتلقائية البدايات وأملها!

فهل أخبر رجل بهذه الرقة فتاته أن الهدية ضاعت؟! لن أصدق هذا أبدا، لا أصدق الأغنية وفيروز، فيروز تكذب علينا، صوتها كان متقافزا في الأغنية، خفيفا، متهيئا للطيران، رغم أن الهدية ضاعت كما تتوهم، وأنها بقيت تكرر: "ليش دخلك ليش"!
هي أم هو؟

من يحب الآخر أكثر؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى