قراءات في دواوين من شعر الإسكندرية لفوزي خضر
كلما قرأت كتابا نقديا لواحد من أبناء جيلي، تذكرت على
الفور مقولة الناقد الراحل د. عبد القادر القط، إن على
هذا الجيل أن يفرز نقاده، أو "إن على كل جيل أن يفرز
نقاده"
وقد قال القط قولته الشهيرة بعد أن كثرت حركات التجديد
لدى الشباب، وخاصة في جيلي السبعينيات والثمانينيات،
والتي كان يصعب متابعتها والتوقف عندها، وأيضا بعد صدور
كم كبير من الدواوين الشعرية التي بات من الصعب متابعتها
كلها، وأيضا بعد أن انصرف القط، عن المتابعة الأدبية أو
الشعرية، إلى متابعة الأعمال الدرامية التي هي ـ من وجهة
نظره ـ الأقرب الآن إلى الناس، والتي أصبح لها جمهورها
الكبير من خلال مسلسلات التلفزيون، والتي يجب على الناقد
المعاصر التوجه لها، وتحليلها والوقوف على عناصر النجاح
والإخفاق في هذه الأعمال الدرامية.
ومن هنا فإن صدور كتاب نقدي جديد لواحد من النقاد الجدد،
يعد مكسبا جديدا، وانتصارا رائعا لمقولة القط، من ناحية،
ومن ناحية أخرى تدل على مدى جدية بعض هؤلاء النقاد في
المتابعة والقراءة المستمرة لأبناء جيلهم والأجيال
التالية لهم.
وقد توقف الشاعر الناقد د. فوزي خصر في كتابه الجديد
"قراءات في دواوين من شعر الإسكندرية" الصادر حديثا عن
هيئة الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية بالإسكندرية،
(184 صفحة) عند إنتاج ست عشرة شاعرا من شعراء الإسكندرية
المعاصرين. قرأ أعمالهم الشعرية وعايشها، كما عايش
معظمهم وخبرهم حياتيا ونفسيا، فمزج كتاباته النقدية عنهم
بالمعرفة الشخصية، مما أعطى مقالاته النقدية نوعا من
الحميمية والإنسانية، إلى جانب المفاتيح النقدية
اللازمة، والوقوف على الجماليات الفنية المؤثرة.
ويشير فوزي خضر في مقدمته إلى أنه حاول أن يكتب عن كل
ديوان قراءة علمية تبحث الظواهر الفنية فيه، وتشير إلى
جماليات الشعر اللافتة في قصائده، مع بيان ما حققه صاحبه
من إنجاز شعري. ثم يبين أن هذه الدراسات أو القراءات
كتبت على مدى أربع سنوات، رتبها في الكتاب من الأقدم إلى
الأحدث، حسب تواريخ كتابتها.
وأول هذه القراءات كانت عن ديوان "الآبق من حفل صاخب"
للشاعر عبد المنعم سالم، التي تعد أطول قراءات الكتاب،
إذ وقعت في اثنتين وثلاثين صفحة (9 ـ 41) لذا قسمها
الناقد إلى قسمين، وفيها يتضح أسلوبه في الحديث عن
الشاعر قبل الحديث عن شعره، وفي هذا يقول بالحواشي:
"المعلومات عن حياة عبد المنعم سالم مأخوذة عن شخصيا"،
ثم يتحدث بعد ذلك عن ثلاثة محاور تدور حولها القصائد،
هي: الحرمان والغضب والأمل. وفي القسم الثاني يتحدث عن
التشكيل اللغوي والصورة الفنية في شعره، ثم الموسيقى في
هذا الديوان.
ثم يتناول المؤلف بعد ذلك الرؤية واللغة في ديوان "الماء
لنا والورود" للشاعر أحمد فضل شبلول، حيث يفرد مساحة
كبيرة للحديث عن الرؤية في قصيدة "زحام الفراغ"، ثم
يتحدث عن الخطاب اللغوي في سياق الرؤية، وينهي دراسته في
هذا الجزء قائلا: "إن الشاعر واحد ممن تفخر بهم
الإسكندرية في مجال الأدب في هذا العصر، بما قدمه من
عطاء مشكور، لقد بذل جهدا كبيرا كي يبني نفسه ثقافيا،
وهو متابع واع مثابر، ويجتهد في مجالات أدبية متعددة،
ويشيد صرحا أدبيا بصبر واجتهاد، ويقدم إبداعا مختلفا
يضيف إلى أدب الإسكندرية ثمارا طيبة".
وعن التضاد الخفي في ديوان "لو أنك يا حب تجئ" للشاعر
ناجي عبد اللطيف، تكون الوقفة الثالثة مع شعراء
الإسكندرية، حيث يأتي الشاعر بلفظتين أو معنيين أو
حالتين كل منهما مضاد لصاحبه، معتمدا في ذلك على إظهار
أحدهما وإخفاء الآخر بعض الخفاء.
وعند ثراء الموسيقى في ديوان "هديل" للشاعر محمود عبد
الصمد زكريا، يتوقف ناقدنا، محللا تلك الموسيقى إلى
القوافي القريبة، والقوافي البعيدة، والقوافي الداخلية،
وصور أخرى من موسيقى الحروف المتشابهة.
يتوقف الناقد بعد ذلك عند بوح المكان في ثلاثة دواوين
شعرية، هي "إلا الشعر يا مولاي" لمحمد المصري، حيث
المكان المبهم، والمكان الغامض، والمكان ذو الصفات،
والمكان المحدد" وديوان "أنشودة الصمت" للشاعر رضا فوزي
أحمد، وديوان "بعض من وهجي ودمائي" للشاعر علاء الدين
مصطفى.
وعن الحب في زمن الفراق والسفر، تأتي وقفة الناقد مع
ديوان "لأني أحبك" للشاعرة هدى عبد الغني، الذي تمثل
قصائده حالة ممتدة من الحب، بما يعتمل في صدر العاشق من
مشاعر مختلفة يتفجر فيها الشوق الدائم للحبيب، ويخيم
الفراق بغيومه القاتمة على معظم قصائد الديوان.
وعن لحن الماء الذي يعزف عليه الشاعر جابر بسيوني،
يحدثنا ناقدنا عن تجربة الشاعر من خلال بناء متماسك في
قصائده، تتنوع موضوعاتها جاعلا الطبيعة نبعا لصوره
الفنية، مستخدما الرمز أحيانا والتصريح أحيانا أخرى من
خلال لغة صافية.
ولعل أقصر فصول الكتاب (أربع صفحات 111 ـ 114) كانت عن
ديوان "مرفأ لنورس الصقيع" للشاعر أحمد شاهين، الذي يعبر
عن تجربته الشخصية مازجا بين الخاص والعام، مصورا الفرق
بين حالة الطفولة وعمرها الذهبي، وما تشتمل عليه من آمال
وأحلام، وحالة الكبر وما فيها من فقد، لتصبح القصيدة
معبرة عن تجربته الخاصة، ومعبرة في الوقت نفسه عن تجربة
إنسانية عاشها كل إنسان حين يوازن بين الطفولة والكهولة.
الشاعرة أمل سعد وتأملاتها في ديوان "جدار حزين"، موضوع
الفصل الجديد بالكتاب، حيث تعبر الشاعرة عن فقد العالم
الخارجي متمثلا فيمن حولها من الناس، سواء كان صديقا أو
حبيبا أو غير ذلك، كما تعبر أيضا عن فقد العالم الداخلي
لها متمثلا في الحلم الذي ضاع.
ديوان "البراح ووتر الشمس" الذي لم يطبع بعد للشاعر أحمد
الفلو، يقول عنه فوزي خضر إنه بداية طيبة لشاعر قوي،
تبشر قصائده بميلاد مبدع جديد، يؤكد أن الإسكندرية لم
تزل تنجب من أبنائها من يستطيع أن يحمل لواء الشعر في
مستقبل الزمن إذا أخلص لهذا الفن الجميل.
قصائد الحب في ديوان الشاعر أيمن صادق "على قارعة
النشيد" تطورت، حين تطورت رؤية الشاعر للواقع وقضايا
الحياة، ومن خلالها يضيف الشاعر تجربة فنية أضافت إلى
شعر الإسكندرية مساحات من الإبداع.
الشاعر أحمد فراج ـ من وجهة نظر ناقدنا ـ يعد واحدا من
أهم الأصوات الشعرية في الإسكندرية، ويملك طاقة نادرة
قادرة على وضعه في المكان الذي يليق به على خارطة الشعر.
أما الشاعر أحمد محمود مبارك، فلديه قدرة فائقة على
التقاط معان تعبر عن حالات يمر الإنسان بها، مثال قصيدته
"محرومون لكن سعداء"، وهو يصل إلى قمة فنية رفيعة في
قصيدتين تعبران عن تجربتين من أقوى التجارب الإنسانية ـ
كما يرى الناقد ـ هما: ومضة في جبين الجواد، وكانت أمي
أمية.
الشاعرة الثالثة في هذه الكوكبة الشعرية، هي سناء
الجبالي، ويتحدث عنها الناقد من خلال ديوانيها: "الخروج
من اللحظة"، و"نجمة زرقاء وسماء رمادية" حيث لاحظ الناقد
نمو تجربتها الفنية وتطورها، فيقول:" إذا كتب لها أن تظل
على هذا المستوى من التصاعد والتنامي في تجربتها
الشعرية، وإذا تمسكت بتطور أدائها وإغناء ثقافتها، وإذا
ظل الشعر قضيتها الأساسية، فأتوقع أن تكون علامة بارزة
في تاريخ الإسكندرية الأدبي".
هكذا يقدم لنا الشاعر الناقد د. فوزي خضر بعض الجهد
الشعري لعدد من شعراء الإسكندرية المعاصرين، بعد أن قدم
لنا في كتابه السابق "شعراء من الإسكندرية" (236 صفحة)
ثمانية عشر شاعرا، بداية بنجوم الشعر في الإسكندرية
القديمة، مثل الشاعر كليماخوس الذي أسس جماعة الحمام
"بليآد"، ومرورا بنجوم الشعر في الإسكندرية الإسلامية،
مثل الشاعر ظافر الحداد، ثم نجوم الشعر في الإسكندرية
الحديثة مثل الشاعر عبد المنعم الأنصاري.
أحمد فضل شبلول ـ الإسكن