الجمعة ٤ تموز (يوليو) ٢٠٠٨

قراءة في طائرة ديمة سحويل الورقية

بقلم: موسى أبو دويح

كتبت ديمة سحويل قصة للأطفال بعنوان "إيمان والطائرة الورقية" صدرت هذا العام 2008 عن مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي في رام الله، تزينها رسومات ديما أبو الحاج، والقصة غير مرقمة الصفحات، وقد أهدتها الكاتبة إلى الشهيدة الفلسطينية "إيمان الهمص"، التي استشهدت في قطاع غزة في مدينة رفح وهي في ريعان طفولتها (ثلاثة عشر ربيعا)، حيث ولدت إيمان عام 1991م، وهي ابنة لعائلة فلسطينية لجأت من بلدة (يبنى) المحتلة إلى قطاع غزة عام 1948م.
وكشفت صحيفة "يديعوت احرنوت" يوم الجمعة 8/10/2004م عن جريمة بشعة نفَذها قائد عسكري اسرائيلي في قطاع غزة يوم الثلاثاء الماضي 5/10/2004م. وقالت الصحيفة إن قائد وحدة عسكرية اسرائيلية نفَذ عملية تثبيت القتل ضد فتاة فلسطينية في قطاع غزة من خلال إفراغ ذخيرة بندقيته الرشاشة.

وأضافت الصحيفة: إن الجيش الإسرائيلي واجه صعوبة في تفسير إخراج عشرين رصاصة على الأقل من جسد الصبية. وتابعت الصحيفة: إن جنودا رووا لمراسلها: إن قائد وحدة "شاكيد" التابعة لفرقة "غفعاتي النخبوية" نفًذ عملية تثبيت القتل بإفراغ ذخيرة بندقيته في جسد الصبية من بعد صفر.

وأفاد أحد الجنود: لقد رأيت صبية صغيرة، وأبلغت قيادة الموقع أنَ هذه صبية صغيرة، وقلت إن عمرها لا يتجاوز اثني عشر عاما، ولم أطلق النار نحوها؛ ولكنَ أحد الجنود أطلق عليها رصاصة واحدة فسقطت على الأرض.

وقال أحد الجنود: إن قائد الوحدة أطلق عليها رصاصتين ثم عاد إلى الوراء وعندها أطلق زخَة رصاصات من سلاحه الأتوماتيكي؛ لقد أفرغ ذخيرة بندقيته الرشاشة. وأضاف: إنه لم يكن هناك سبب منطقي لما فعله ليس لإطلاق الرصاصتين الأوليين، وبالتأكيد لا يوجد سبب لإطلاقه زخَة الرصاص بعدهما. "باختصار لقد نكَل بالجثة". ولقد أقرَ واعترف قائد الوحدة بذلك.

هذه هي شهادة بعض جنود يهود حول ما جرى، حيث قال أحدهم: "رؤية ما حدث كان أمرا قاسيا للغاية، الصبية ابنة الثلاثة عشر عاما كانت قد ماتت؛ لماذا أطلق عليها زخَة الرصاص؟!!!".

لهذا أهدت الكاتبة قصتها إلى روح الشهيدة إيمان، هذه الطفلة البريئة التي يجب أن تعيش طفولتها وتحلم بالورود والفراشات والدَمى والحلويات، إلا أنَ مجرما حاقدا مزَق جسدها برصاص بندقيته الأتوماتيكية.

هذا الاحتلال الذي يمنع الأطفال من اللعب بحرية، ومن الذهاب إلى المدارس وإلى الحقول - كما تقول الكاتبة-؛ حتى إن الطائرة الورقية لتحزن على حال بلاد فيها احتلال، والوردة تحزن على حال بلاد تشحَ فيها المياه العذبة، والنسوة يحزنَ على حال بلاد لا تصنع فيها ملابس الأطفال من خيوط الشمس زاهية برَاقة، والرجال يحزنون لحال بلاد تخلو شواطئها من الأصداف الملونة، ويملأ الجنود المدجَجون بالسلاح بحرها بالخوف، ويرعبون الكبار قبل الصغار. أما آن لهذا الاحتلال أن يزول؟! لا بد وأن يزول؛ فإن الظلم لا يدوم.

تحاول الكاتبة ديمة سحويل أن تنقل أطفال فلسطين من حالة الرعب والخوف والقتل والحجز والمنع والأسر والسَجن التي يعيشونها، بل وكل أهل فلسطين، والتي يمارسها ضدهم جيش يهود المزوَد بأحدث ما وصلت إليه التقنية العسكرية في العالم، تحاول نقلهم إلى بلاد الفرح والمرح واللهو واللعب والتَمتَع بمنظر الورود الجميلة والفراشات المزركشة بألوان جميلة شتَى؛ حتى ولو كانت هذه النقلة على طائرة ورقيَة من الطائرات التي يصنعها أطفال فلسطين المعوزون، وليست حتى طائرات بلاستيكية كالتي تستورد من الصين وغيرها، ويبيعها التجار للأطفال الميسورين الذين لا يعرفون كيف يصنعون الطائرات الورقية من الورق الذي يجلَدون به كتبهم ودفاترهم بالاستعانة بصمغ الأشجار لا الصمغ المستورد.

وتحاول الكاتبة أيضا أن توجد لأطفال فلسطين أصدقاء، ولو في عالم الخيال؛ لأن الحياة بلا أصدقاء حياة لا طعم لها، وعلى الأخصَ حياة الأطفال، حيث تصبح سجنا وشقاء وعذابا بدل حياة الفرح والمرح واللهو والسرور.

فالطفلة الفلسطينية إيمان وكل أطفال فلسطين يعيشون لحظات مع هذه القصة في عالم الخيال، فيها فرح ومرح، لكنهم سرعان ما يعودون الى واقعهم الحقيقي المسكون بالجنود المدجَجين بالسلاح، وبالجدار الفاصل القاطع للصلات بين الأقارب والأرحام والأسلاك الشائكة التي تملأ أرض فلسطين، وكل ذلك يفعله يهود وساستهم ظنَا منهم أنهم بذلك يعيشون بسلام، وفي الحقيقة إنهم يعيشون في رعب دائم، يحملون السلاح ليل نهارليحصلوا على الأمن والسلام، وما علموا أن الظلم لا يجلب أمنا، وأن العدل وحده هو الذي يكرَس الأمن والسلام. وليعودوا -إذا فقهوا- إلى قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع رسول كسرى حينما وجده نائما مطمئنا تحت شجرة، لا سلاح ولا حرَاس، فقيل فيه: "حكمت فعدلت فأمنت فنمت"، وقال فيه الشاعر:

قد راع صاحب كسرى أن رأى عمرا

بين الرعية عطلا وهو راعيها

رآه مستغرقا في نومه فرأى

فيه الجلالة في أسمى معانيها

لغة القصة:

سهلة واضحة تناسب الأطفال دون العاشرة، ويسهل عليهم أن يعيشوا أحداث هذه القصة لساعات، يسرحون فيها في عالم الخيال، بعيدا عن الظلم الجاثم على قلوبهم وصدورهم من جيش الاحتلال الاسرائيلي. لكن سرعان ما يعود الأطفال لواقعهم الحقيقيَ بمجرد رؤيتهم لأي حاجز من حواجز الجيش الاسرائيلي المنتشرة في كل مكان، أو رؤيتهم للجنود الذين يملؤون بوابات المسجد الأقصى، فحتى العبادة والصلاة أضحت تحت حراب يهود، وما أظنَ أن بلدا في العالم تكون العبادة فيه محاصرة بقوة السلاح.

بقلم: موسى أبو دويح

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى