الاثنين ٧ نيسان (أبريل) ٢٠٢٥
بقلم مصطفى عطية جمعة

قراءة في كتاب ثقافة العيب في المجتمع العربي

صدر كتاب ثقافة العيب في المجتمع العربي أم عيب الثقافة في عصر العولمة مؤلف جماعي إشراف ومتابعة د.إدريس جرادات عن مركز السنابل للدراسات والتراث الشعبي في سعير-الخليل-فلسطين بحجم 253 صفحة من القطع المتوسط وضم الكتاب فصل للدراسات العلمية المنهجية وفصل مقالات وفصل قصائد شعرية وفصل قصص أدبية وشعبية.

حاول الكتاب الإجابة على جملة من الأسئلة يطرحها الذهن، عندما نناقش مفهوم العيب في المجتمعات العربية، فالبعض يظن أن "العيب" هو مجرد عادات وتقاليد، وممارسات اجتماعية متعارف عليها، خاصة في المجتمعات التقليدية (الريفية، البدوية، الشعبية)، بثقافتها المتوارثة، وغالبا ما تتداخل روافد عديدة في تشكيلها، وللأسف يربطونها -أحيانا- بالدين، ويربّون أبناءهم عليها، ولاشك أن كثير من ثقافة العيب يعود إلى الدين، وبعضها يعود لمفاهيم خطأ، سادت وتقبلها الناس وتوارثوها، وجعلوها ضمن بنيتهم الاجتماعية.

لابد أن ننطلق من حقيقة أن العيب متغير، مثل أي عرف أو تقليد أو عادة اجتماعية أو مجتمعية، وبعض ما كنّا نعده عيبا ومستهجنا في الماضي، بات اليوم أمرا عاديا، ولعل المثال الأبرز على ذلك، حجاب المرأة في المجتمعات العربية: الريف والمدينة، البادية والحضر، فقد كان يعني غطاء المرأة لوجهها، بالبرقع، أو بالنقاب، أو باليشمك، ويعدّه المجتمع سلوكا ولباسا نابعا من الإسلام، بهذه الهيئة، ووفق هذه الشاكلة.

والثابت أن الإسلام أمر بالحجاب، الذي يعني كشف الوجه والكفين، وستر سائر الجسد، بثوب لا يصف ولا يشف، أما تغطية الوجه فهو فضيلة تميزت بها المرأة المسلمة العربية، وارتدته أمهات المؤمنين، والصحابيات، والعالمات الفاضلات، ثم تحول إلى تقليد انتشر وترسّخ، حتى بات عرفا اجتماعيا، تميزت به النسوة في أقطار العروبة والإسلام.

لقد كانت المرأة العربية حتى الثلث الأول من القرن العشرين مغطاة الوجه والجسد، ومع حركة التحديث والنهضة بمرجعياتها الغربية، باتت المرأة غير المحجبة، الكاشفة لشعرها، المرتدية للملابس الأوروبية نموذجا للمرأة الجديدة، في التعليم، والإعلام، وفي مختلف المهن العصرية إبان حقبة الأربعينيات وإلى نهاية السبعينيات، بل وانحصر الحجاب تدريجيا لدى الفئات الشعبية، والقرويات، وفي البادية.

المفارقة هنا، أن الحجاب والنقاب كانا زيينِ ممدوحين من كل فئات المجتمع، ثم أصبحا علامتين على التأخر والرجعية، مع التغول الاستعماري، وظهور نخبة متعلمة ارتبطت بثقافة المستعمر الغربي، ونستحضر هنا موقف السيدة صفية زغلول (1878-1943)، زوجة سعد زغلول قائد ثورة 1919، عندما ألقت بالحجاب أرضا، لدى وصولها إلى الإسكندرية، وقالت "كفانا تخلفا"، فقد كانت ثقافتها فرنسية، وتزعمت الحركة النسوية المصرية، بمقاييس أوروبية، فبات الحجاب مرفوضا أو ضمن ثقافة العيب في المجتمعات المتعلمة المتغربة، بينما هو محبوب مقبول في المجتمعات المحافظة، ليعيش المجتمع العربي ثنائية الصراع بين الحداثة والأصالة، أو بالأدق التغريب والهوية.

ثم تغيرت النظرة، بعد ظاهرة الصحوة الإسلامية في سبعينيات القرن العشرين، واكتست رؤوس البنات والسيدات بالحجاب على ملابس أنيقة واسعة، في غالبية الطبقات والشرائح الاجتماعية، وأضحت الفتاة غير المحجبة معيبة في منظور المجتمع، بل علامة على التحلل، والأوربة، والتغريب، ويُنظر لها باستهجان من شباب الصحوة، الذي غزا الجامعات العربية، ثم تسلموا الوظائف ومراكز الإرشاد والتوجيه، ليصبح النموذج الغربي موضع تساؤل.

في مثل هذه المعارك، يتوزع أهل النخبة والمثقفون إلى فرق عديدة، فريق يناصر، وآخر يهاجم، وثالث يتجمد على أفكار وقناعات آمن بها في شبابه، إلى شيخوخته، وقد رأينا الناقد الأدبي د.جابر عصفور (1944-2021)، يتحسر في أحاديثه على انتشار الحجاب في الجامعة المصرية، مشيرا إلى أنه علامة على تراجع ثقافي وفكري (معيب)، وأن الفتاة المصرية في حالة "ردة حضارية"، متناسيا أن جُلّ الأكاديميات والمثقفات والموظفات العربيات يرتدين الحجاب، ويتفوقن في مجالات علمهن وأعمالهن، وأن الإنسان ليس بزيّه، وإنما بخلقه وعمله وعطائه، وتلك مشكلة الأفكار عندما تتجمد.

وبعيدا عن مظاهر الصراع والاستقطاب الحاد حول هذه القضية، التي إذا قرأناها في منظور "ثقافة العيب" لاكتشفنا أنها معركة أفكار في الأساس، فمناصرو الحجاب يتخندقون في المرجعية الإسلامية التي ترى الحجاب فرضا على المسلمة، أما معارضوهم فهم العلمانيون، الذي يتخذون الثقافة الغربية مرجعا، والمرأة الأوروبية نموذجا.

ولاشك أن مثل هذه المعارك دالة على حيوية المجتمع العربي، وطبيعة الصراعات الفكرية والاجتماعية التي تنتابه، بما يجعلنا -نحن الباحثين الأكاديميين- نحرص على قراءة العيب بوصفه علامات سيميائية بصرية ولغوية، تظهر في الكلام، والسلوك، والملابس، وطبيعة المعيشة، وطرائق التوجيه العائلي والمجتمعي، وفي جميع الأحوال، فهو يؤدي إلى إخراج العيب إلى دائرة النقاش والجدال المجتمعي، ونزع القدسية عنه، وجعله ضمن منظومة التغيير الاجتماعي نحو الأفضل، بعد نقاش واسع.

وبعبارة أخرى، إن النظر إلى العيب على أنه متغير فكري ثقافي، وليس من الثوابت المجتمعية؛ يتيح الفرصة لنقاشه، ومن ثم إمكانية تصحيحه، ومواجهة أغاليطه.

وينهض الفن (التمثيل والغناء) بوصفه مثالا على آخر تغيّر العيب، فقد كان مثار استهجان كبير في مختلف الدول العربية والإسلامية في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، خاصة مع استيراد شكلي المسرح والسينما الأوروبيين، وتبرج الممثلات واختلاطن الفنانين بعالم الراقصات والملاهى الليلية، ومع مرور الزمن، أضحى الفن المرئي مؤثرا بشكل هائل، وبات الفنانون نجوما لامعين، ونبغ في المهن الفنية مواهب كثيرة، وشخصيات شهيرة، وتغيرت النظرة إلى الفن، على مستوى النخبة والقاعدة الشعبية، عندما وجدوا عظم تأثيره الفكري والنفسي والجمالي على الناس، وظهور اجتهادات فقهية، ترى أن الإسلام لا يحرم الفن، وإنما لابد أن يكون موجها للفضيلة والقيم النبيلة.

ويكون السؤال: كيف يمكن الحكم على العيب وتقويم النظرة إليه؟

لاشك أن الجوابينبع من النظر إلى العيب بوصفه ثقافة، أي التمعن في الجذور الفكرية، التي تحولت إلى ممارسات اجتماعية، وانبثقت منها أحكام ومقاييس. فإذا أردنا تغيير سلوكيات خطأ، وتصورات حمقاء، فما علينا إلا مناقشة الأسس الفكرية التي انطلقت منها. إنها معركة أفكار، تنتج قيما واتجاهات، وسلوكيات وممارسات.

والأمثلة تتعدد على ذلك، منها ما يتصل بتعليم الفتاة العربية، وكما يذكر الشيخ يوسف القرضاوي (1926-2022)، عندما ذهب للعمل في دولة قطر، في مطلع الستينيات من القرن العشرين، وجد شيوخ البلد مختلفين حول ذهاب البنت للتعلم في المدرسة أو الاكتفاء بتعليم بسيط لها في الكتّاتيب، على يد الشيخة المطوّعة (محفظة القرآن)، أو عدم تعليمها من الأساس، وتجهيزها للزواج ورعاية الأسرة. توجّب على الشيخ القرضاوي تغيير هذه النظرة، التي نظرت إلى تعليم الفتاة على أنه عيب، وحرام، فأعادهم الشيخ إلى النصوص الأساسية في القرآن الكريم، والسنة المطهرة التي تجعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، مما يلزم تعليم البنت وفق المؤسسات والجهات المتاحة في المجتمع، ولا تفرق بينها وبين الولد في ذلك، وذكر نماذج كثيرة من الصحابيات والعالمات المسلمات.

وهناك بعض القبائل في دول الخليج العربي، تنتقب فيها البنت مبكرا، ولا يسمح لمن يتقدم لخطبتها أن يراها إلا في ليلة العرس، بدعوى أنه يخطب فتاة ذات حسب ونسب، وليس بالشكل، ويعدّون رؤية الخاطب لوجه البنت عيبا، وقد تم تغيير هذا المفهوم بشكل كبير، من خلال تأكيد العلماء على أن الرؤية الشرعية حق للخاطب وفق السنة النبوية الشريفة، فتغيّر المسلك تدريجيا، وصارت "شُوفة السنة" حقا للخاطبين.

وللأسف فإن الأقلام التغريبية استندت إلى مثل هكذا ممارسات تعود إلى تقاليد متوارثة على أنها من الإسلام، والدين منها براء، فقد تداولوا مفهوم "الحرملك" بأنه يعزل المرأة عن الحياة والتعليم وليس لها حق في اختيار الزوج، ونظروا للحجاب بوصفه حجبا وقيدا على حرية المرأة، وجمالها، وشعرها؛ وكل هذا ناتج عن اتخاذهم المنظور الأوروبي مرجعا.

ومن الأمثلة الدالة أيضا، عدم توريث البنت في بعض بلدان الصعيد في مصر، حتى لا تخرج الأرض الزراعية أو العقارات إلى زوجها الغريب عن الأسرة، وكذلك عادة الثأر المنتشرة بين عائلات الصعيد، وما يرتبط بها من عصبية قبلية، فكان الحل العودة إلى صحيح الدين الإسلامي، الذي يوجب الإرث للمرأة بوصفه حقا شرعيا، ويمنع الثأر باليد، ويترك العقاب لولي الأمر (السلطة الحاكمة)، حتى لا يصبح المجتمع فوضويا دمويا.

وهنا، نشدد على أهمية استحضار الدين بوصفه قوة روحية هائلة، تساهم في تغيير النفوس، وتصحيح السلوكيات، وهداية العقول، فالخطاب الديني له تأثيره العميق في نفس المسلم، بما يحمله من آيات قرآنية، نصوص نبوية، بعكس الأفكار الفلسفية المجردة.

وهو ما يدفعنا إلى التشديد على قضية تجديد الخطاب الديني، على أن يكون على أيدي العلماء الشرعيين المختصين الواعين، ويكون التجديد في ضوء فقه الواقع، وفقه المآلات، وفقه الموازنات، ومقاصد الشريعة السمحة، لا أن يكون تجديد الخطاب الديني على أيدي العلمانيين المتغربين، الطامحين إلى جعل المجتمع المسلم نسخةً من المجتمع الأوروبي، فينزوي الدين في المساجد، ويمارس المسلم ما يحلو له خارجه، دون رادع روحي، أو مرجعية شرعية، أو أخلاق سامية، وتصبح مرجعية الفرد هواه ونزواته.

إن النقاش المتقدم لا يعني قتل مفهوم العيب بوصفه جزءا أساسيا من المنظومة الاجتماعية، والتكوين النفسي للفرد العربي، فهذا لا يمكن حدوثه، لأن أي إنسان في عالمنا لديه مرجعيته القيمية الخاصة به، التي قد تختلف عن المجتمعات الأخرى، ولكنها تظل في أعماق نفسه، كما أن ثقافة العيب فيها كثير من الإيجابيات التي ينبغي الحفاظ عليها، ولعل أبرزها قوة الأواصر بين أبناء الحي الواحد، والقرية الواحدة، والقبيلة الواحدة، فيما يسميه أهل الخليج "الفزعة"، أي نجدة المستغيث، ومساعدة الفقير والمحتاج وذوي الكوارث، وقد كان من عادات الخليجيين، أن الفتاة يتخطاها الزواج، لعلة فيها (صماء، بكماء، عرجاء، قليلة الجمال)، كان أهل الحي (الفريج) يجتمعون دون حضور أهلها، ويستنهضون رجال الحي، فيتقدم أحدهم ويخطبها، دون أدنى إحراج لها أو لأهلها.

إننا ندعو إلى النظر إلى ثقافة العيب نظرة موضوعية، فنبقي على ما يتفق مع المرجعية الإسلامية والإنسانية، ونغير المفاهيم والسلوكيات الخطأ، خاصة في الحقبة الحالية، حيث تصاعدت هجمة العولمة والأمركة والتغريب، وغزو الميديا العالمية، وتراجع الهوية العربية، بل يكاد يسود نمط الحياة الغربية في العديد من المدن العربية، والأدل على ذلك ظهور ممارسات خطأ عديدة، منها علاقة غير شرعية بين الرجل والمرأة (البويفريند والجيرلفريند)، وتصاعد أصوات تطالب بحرية العلاقات بين الجنسين أو المثلية، ناهيك عن الملابس الممزقة، وقصات الشعر الشاذة، وكتابة العربية بأحرف لاتينية (الفرانكو آراب)، وانعكس ذلك في وسائل الإعلام والمسلسلات والأفلام.

فلابد من إحياء الرفض لكل هذه المفاهيم والأفكار والممارسات، والتوعية بأخطارها، والنظر إليها على أنها أمور شاذة تعارض قيمنا ومبادئنا، ولا يمكن القبول بها ضمن المنظومة الأخلاقية المجتمعية، فيتكوّن رأي عام مضاد، غير مقتصر على النخبة العلمية والشرعية الغيورة على هوية الأمة، وإنما يمتد أثره ليشمل كل شرائح المجتمع وأفراده.

ومن الأفكار التي تسربت إلى الوعي العربي الحديث والمعاصر؛ "مفهوم التمرد"، وهو مفهوم غربي، مفاده مواجهة القيود المجتمعية المتوارثة، التي تحدّ من حرية العقل والتفكير والممارسات الاجتماعية، وقد نبع المفهوم من الفلسفة، وانتقل إلى عالم الفنون والآداب، ومنه إلى الحياة العامة، على قاعدة أن كل ما هو متوارث وتقليدي ينبغي التمرد عليه، وتحطيمه، والتخلص من قيوده، وكأن القديم كله تخلف ورجعية وجمود، وأن الجديد يحمل الإنسانية والرقي والتحضر، وهي ثنائية بغيضة، وصارت علكة على ألسنة الفنانين والشباب، الذين يرون التمرد موضة، والسخرية من القديم ثورة، والتقول على كبار السن والشيوخ فضيلة، وازدادت مع العولمة، وتقليد نمط الحياة الأمريكية، بكل ما فيها من اختلالات وانحلالات وفساد أخلاقي، ونجد التمرد واضحا في كتابات تيارات النسوية، ومناداتهن بالتمرد على سلطة الرجل، وتبني أشكال جديدة من الأسرة، مثل الأم بلا زوج، التي تنسب ابنا لعائلتها، دون ذكر أبيه، أو الدخول في علاقات مساكنة ومعاشرة غير شرعية؛ تمردا على الزواج بصيغته التقليدية، وحتى يألف الشخصان المساكنان حياتهما ومن ثم يرتبطان بزواج شرعي أو يفترقان، ناهيك عن الزواج الشفاهي أو المدون بالدم.

وقد عبّرت المسلسلات والأفلام السينمائية العربية في العقدين الأخيرين عن كل هذه المظاهر والقضايا، فبعض الأعمال الدرامية تقدّم الطلاق بوصفه موضة بين النساء، بعدما حققت أمنياتها بالإنجاب، ثم ترقّت في عملها، وصار لها دخل مالي مستقل، فلا حاجة لسلطة الرجل واستبداده،فللمطلقة كل الحرية أن تختار من تحب، وتعاشره، بغض النظر عن قيود المجتمع الجامدة، أو بالأدق ثقافة العيب المتوارثة.

ومن أسوأ ما أصيب به بعض أفراد العقل النخبوي العربي؛ ما يسمى الحيادية في التعامل مع قضايا الأمة، وهو شعار برّاق يتخفى وراء الموضوعية والتجرد في المنظور العلمي، حيث ينظرون مثلا إلى قضية فلسطين بوصفها نزاعا سياسيا بين اليهود والفلسطينيين، وليس كيانا صهيونيا تم زرعه استعماريا، ولا تزال ترعاه الولايات المتحدة وأوروبا، والهدف نزع الغطاء العربي والإسلامي عن القضية، وتحويلها لصراع حدود، يمكن حله على موائد المفاوضات، بما يعني قبول الكيان الصهيوني بوصفه دولة شرق أوسطية.

بالطبع فإن هذه النخبة متغربة، متصهينة، ظهرت مع شعارات التطبيع والتعايش السلمي في أعقاب موجة العولمة، وسقوط الاتحاد السوفيتي في مطلع التسعينيات، وتسربت أفكارها إلى العقل السياسي العربي، متوازيا مع اشتداد النزعة القطرية، والدعوة إلى معالجة مشاكل كل قطر عربي، والبعد عن قضايا الأمة، والنظر إلى شعارات محو الصهيونية على أنه تراث دعائي من حقبة القومية العربية، التي لم تحصد منها الأمة إلا الهزائم، والحكم الاستبدادي القمعي، الذي أصبح وراثيا في بعض أقطاره.

ويُعدّ هذا الكتاب الذي بين أيدينا الذي يحمل عنوان "ثقافة العيب في المجتمع العربي" استكتابا متميزا، نهض به مركز السنابل للدراسات والتراث الشعبي (فلسطين 2025)، حيث جمع كتابات متعددة، ما بين بحوث، ومقالات، وإبداعات من القصص والقصائد الشعرية والمقولات المقتبسة المنشورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، اضطلع بها أكاديميون وكتّاب ومبدعون من شتى أنحاء العالم العربي، لتكون المحصلة تأصيلا وتنظيرا لثقافة العيب، وعلاقتها بالتقاليد، وموقف الإسلام منها، وكيف يمكن مواجهة سلبياتها، وتصحيح الأخطاء فيها، فلم تكن المعالجة علمانية الطابع، تقصي أثر الدين في تكوين ثقافة العيب، وتنظر للعيب بوصفه إرثا ينبغي التخلص منه، وتنتصر في ذلك للمنظور الغربي، الذي يشيع كثيرا في البحوث الإنسانية والاجتماعية العربية، نائيا عن الرؤية الإسلامية بوصفها أساسا للهوية والثقافة والقيم والأخلاق والتقاليد، أي يتخندقون في الفكر الغربي، ويعدّون الإسلام ماضيا وتراثا، ينبغي التخلص منه، أو على الأقل تهميشه في الحياة.

إننا نثمن الجهد العظيم الذي جاء في هذا السِفر الكبير، فهو إضافة بحثية وإبداعية وشعبية قيمة، ضمن التراكم العلمي في ثقافة العيب، وما يتصل بها من إشكالات.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى