قصة الشقيقتين
يحكى أن غرفة صغيرة في أحد طوابق قصر اللغة العربية الشاهق، تسكنها شقيقتان، إحداهما تدعى التاء المربوطة والاخرى الهاء، غرفتهما مرتبة يوجد فيها سريران، تتوسطهما طاولة دائرية خلفها نافذة صغيرة تغطيها ستائر ذهبية، والتي ما إن تسارع إحداهما بفتحها حتى تستقبلها أربعة عصافير رائعة الألوان، هؤلاء هم (الضمة، الفتحة، الكسرة، السكون)، وقد اعتادت التاء المربوطة والهاء أن تنصتا لأغاريد عصفور معين كل صباح، وذلك حسب جدول إعرابي دقيق.
في إحدى الصباحات كانتا على أهبة الاستعداد لشغروظيفتهما الجديدة (شغر المكان خلا!!) وإلقاء أول درس للطلاب.
وكالعادة ارتدتا نفس الملابس والألوان ما عدا القبعة ذا ( ذات) النقطتين على رأس التاء المربوطة.
توجهتا إلى المدرسة بحماس بالغ، استقبلتهما المشرفة وبعد انتهاء طابور الصباح دق جرس الحصة الأولى
"السلام عليكم يا صغاري"
قالتها التاء المربوطة مصحوبة بابتسامة ترحيبية لطلابها.
رد الجميع التحية وأنظارهم صوب معلمتهم الجديدة.
همس أحد الطلاب لزميله " معلمتنا لديها توأم شاهدتها بجانبها في الطابور".
رد الآخر: "حقَّا؟! أنا تأخرت مع أبي في الطريق؛ لم أشاهد أحدا".
سمعتهما المعلمة وضحكت وقالت لهم:
"صغاري، أنا من اليوم سأكون معكم ومن الضروري أن تتعرفوا علي جيداً وألا تخلطوا بيني وبين شقيقتي.
انتظروني دقائق..
خرجت ثم عادت برفقة الهاء.
ذَهُل الطلاب وهم يشاهدونهما،
قالت المعلمة: "أنصتوا إلي جيدًا كي لا تقعوا في الخطأ".
هذه هي شقيقتي الهاء حرف أبجدي تجدونه في عدة كلمات فإن كان في النهاية انطقوه كما هو عند القطع أو الوصل.
أما أنا التاء المربوطة عند القطع انطقوني هاء أما في حالة الوصل فهنا أسيطر على الموقف وأثبت وجودي وأتألق بنطقكم لي تاء.
ولدينا أربعة عصافير جميلة هي حركات إعرابية تنتظرنا على شباك غرفتنا وإن زارني أحدهم باستثناء السكون؛ كنت معه في النطق تاء.
شقيقتي الهاء عنيدة جدًا لا ترضخ لأحد ولا تسمح لأي حرف بعدها أو حركة أيًا كانت أن تغير من شخصها وتظل هاء في كل الظروف ولا يتغير مظهرها الخارجي.
أما أنا فكما ترون طبعي مختلف، وأريحية جداً أتكيف مع الظروف من حولي، فإن كنت في نهاية الجملة جعلت نفسي هاء واتسمت بالهدوء, ودائمًا أحتفظ بقبعتي ذات النقطتين الرائعتين، أما إن أتبعوني بكلمة أخرى؛ فقبعتي هنا أشبه بجسر ممتد للثرثرة بيني وبين صديقتي الكلمة المجاورة.
عصافيرنا الصغيرة تساعدنا دائماً في تقسيم الأدوار بيننا، فإن وضعوا السكون على رأس شقيقتي نطقوها هاء وإن استبدلوه بعصفورة الضمة مثلاً عندها مازالت تبدو هاء، كما أخبرتكم هي شقيقة عنيدة لا ترضخ للتغيير.
أما أنا فإن جاءني السكون اتسمت وقتها بالسكينة والهدوء مرتدية قبعتي في كل الأحوال وإن حلت مكان السكون حركة مشبعة بالطاقة خطوت خطاها وصرت في النطق تاء، هذا طبعي مرنة مع ما يقتضيه واقعي.
ومع الأيام يا صغاري ستجدون أن التفريق بيننا أمر في غاية السهولة، وحذاري أن تخطئوا فتستدعيكم المحكمة اللغوية، كما صار مع أحمد حين ارتكب جرماً لغوياً كبيراً وأضاف لهاء لفظ الجلالة (الله) نقطتين على رأسها، فجاء إليه قاض اللغة العربية بنظارته الدائرية وعصاه الخشبية مهرولاً وقام بسحبه وصرخ في وجهه قائلاً: "يا أحمد ألم تعلم بأنك غيرت الكلمة وأخطأت في حق الهاء عندما ألبستها قبعة وفرضتها عليها، ألم تعِ بأنها عنيدة؟ وقامت على الفور بإصدار طلب عاجل لمحاكمتك بسبب الإساءة التي تعرضت لها والصداع الذي أنهكها، كيف تجرأت وانتهكت خصوصيات الحرف؟ " ذرف أحمد دموعه قائلاً: "اعذرني يا سيدي لم أكن أعلم بأنني سأقع في خطأ لغوي فادح كهذا.
رد القاضي:
"بل قد وقعت فيه، أين كنت في حصص اللغة العربية هل تغيبت عنها؟ "
أحمد: "كنت أغفو فيها، تباً لحماقتي آنذاك، فلتقبل اعتذاري أرجوك".
القاضي: "لا مجال للاعتذار فقد تأخر الوقت وعليك بتوكيل محام للدفاع عنك، وليصحح خطأك ويأخذ قبعة النقاط التي وضعتها على لفظ الجلالة جل شأنه" بدون وجه حق.
وبالفعل قام أحمد بذلك وتوالت الجلسات ليتم بعدها تدارك الخطأ وتبريء أحمد الذي استوعب الدرس فيما بعد.
ودق جرس المدرسة مقاطعًا المعلمة ومعلنًا انتهاء حصتها.
كان الجميع في قمة الاندماج مع الدرس؛ لذا استاؤوا لمرور الوقت بسرعة، وانتهاء الحصة فقد راقت لهم التفاصيل واستوعبوا الدرس جيدًا، والأهم من هذا كله أنهم أصبحوا أكثر حرصًا والتزامًا بالحضور والتركيز في كل الدروس.