الثلاثاء ٢٣ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٠
بقلم محمد أبو عبيد

قيمة العربيّ

لا يعدو الإنسان العربي أكثر من كونه رقماً في سجلات الأحوال المدنية، على عكس نظيره في الدول المتقدمة والتي باتت مفردة " الغربية" رديفة لمفردة متقدمة. ولعل أبرز ميزان لقيمة الإنسان العربي في أوطانه،التي ربما باتت تعني له مجرد مساحة جغرافية وُلد عليها ومحاطة بما يسمى مجازاً دولاً شقيقة، هو الكوارث الطبيعية، أو حوادث نتيجة تقصير رسمي أو غش وفساد.

لو تخيل المرء أنّ عمال مناجم عرباً حوصروا في غيابة الأرض وغياهب سراديبها الموغلة مئات الأمتار في تربتها وصخورها التي لا ترحم إنْ غضبتْ، فمن المشكوك فيه أنْ يتخيل العربي المشهد التشيلي، الذي شاهده الملايين مباشرة كما لو كانوا يتابعون فيلماُ سينمائياً جمعت حبكته بين الرعب والرومانسية، هو ذاته المشهد في موطنه العربي العروبي.

إنْ كان مسرح المأساة التشيلية في شبة صحراء أتاكاما قرب مدينة كوبيابو، حيث لبث ثلاثة وثلاثون عاملاً سبعين يوماً إلا يوماً، فإن مسرح مآسي العرب كل أصقاعهم. فلا يخلو صقع من مأساة تتشابه مع الأخرى في تراجيديتها،وإن أختلفتا في شكل الحدث. لو حل بالعرب ما حل في تشيلي،لا سمح الله ولا قدّر، لاكتفى المسؤولون،على الأغلب، بالقول هكذا شاء الله لهم وقدّر، فلا راد لقضائه وإنّ مصيرهم الجنة إنْ شاء الله. ثم ماذا بعد؟. سيكونون خبراً في الإعلام العربي بفضائه وأثيره وصحائفه وعنكبوتيته، لأنهم مجرد أرقام لهم منازلهم عند الإحصاء والتعداد السكاني الرسمي فقط.

لقد مس العربَ الكثيرُ من كوارث غضب الطبيعة التي بالمقدور التخفيف من حدة عواقبها لولا الغش في تنفيذ المِجنّ القادر على مواجهتها، هذا إنْ وُجد المجنّ أصلاً، وما انفكت تحل بهم كوارث تتبرأ منها الطبيعة، مثل البنيان غير المرصوص، في بعض المدن العربية، كما لو كان مثل وهن بيت العنكبوت، وشوارع " مُسَلْفتة " بالشكل لا تراعي "غلاوة" روح الإنسان العربي، ووسائل نقل مهترئة منها ما يطير، ومنها ما يسير، ومنها الفُلْك المشحون. وحين وقوع الكارثة، يتنبه المسؤولون، أو ينبههم أحد، إلى أن السبب وراء ما حدث هو عدم الألتزام بمعايير السلامة، لكن بعد أن وقعت الفأس في الرأس. ثم تتكرر الحادثة نفسها، ويصدر تقرير التحقيق نفسه في كل كارثة كما لو كان نسخة من نُسَخ تم الاحتفاظ بها منذ كوارث تعود إلى عقود، فلا وزير استقال، ولا مسؤول أقيل.

تلكم هي قيمة الأنسان العربي في وطنه العربي، هو مجرد مولود في انتظار الأجل ْ الذي لا يؤجّل،إما لعدم قدرته على تسديد كلفة علاج المّ به فهدّه على مدى سنوات إنْ لم يجدْ فاعل خير يتكفل به، وإما بسكتة قلبية ناجمة عن مرارة حاله وقلة ماله، أو بفعل سقوط مبنى يأويه نتيجة هزة أرضية خفيفة هي بمثابة الوخزة الأرضية لدى الغرب، وإما نتيجة غرق مركب مهترىء لم يعد قادراً على شق عباب البحر بركابه المفترَضين،أصلاً، فكيف بمن زادوا عليهم طمعاً من صاحبه في زيادة المال.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى