كأس وسكي على صحن الفول

في أجواء الشتاء الباردة، يعيش سكان غزة نقص في كمية الغاز التي تصل إليهم، فالجيش الإسرائيلي ألغي استخدام خزانات الغاز المتواجدة في معبر "ناحال عوز"، والتي كانت تسهل سحب كمية الغاز المطلوبة لاحتياجات سكان قطاع غزة، وأمر المورد الإسرائيلي أن ينقل الغاز إلى غزة عبر السيارات "ظهر لظهر" من معبر "كرم أبو سالم" وهذا يؤثر على نسبة التوريد التي انخفضت إلى 50% عن معدلها اليومي، وما ينجم عن ذلك من عجز يمس عصب حياة الناس. فإذا أضيف لنقص الغاز نقص السولار الصناعي اللازم لتشغيل مولدات الطاقة في غزة، وما يسببه ذلك من نقص في الكهرباء تصل إلى نسبة 50% أيضاً، نستنج بأن غزة تتساقط عليها في الشتاء مؤامرة متعددة الأبعاد، تهدف إلى حشر المواطن في زاوية النقص، والتوجع، بحيث لا يموت فيها راعي التسوية، ولا يفني غنم التوقيع، أي أن وراء ما يجري من تضييق الخناق على الناس قصد سياسي. يهدف إلى المقارنة بين أوضاع غزة تحت ظلال الحصار، وبين الحياة الاقتصادية الرغدة في الضفة الغربية، حيث وصل عدد العمال الفلسطينيين في المستوطنات الإسرائيلية فقط إلى خمسة وثلاثين ألف عامل فلسطيني، يتقاضون أجورهم اليومية من المستوطن اليهودي.

في ظل هذا النقص الخانق للطاقة، توفر الأنفاق الواصلة بين غزة ومصر العربية، مادة البنزين الذي يستخدم في تشغيل المولدات الكهربائية. وللعلم؛ لقد تم إدخال المولدات الكهربائية إلى غزة عن طريق الأنفاق ذاتها، ورغم ضجيجها، وخطرها، إلا أنها تسد بعض النقص الحاصل في الكهرباء. كما توفر الأنفاق بعض اسطوانات الغاز التي تغطي العجز في الطاقة، إضافة إلى ما يؤكل، ويشرب، ويلبس، ولكن ما يحزن؛ أن كل ما سبق لا يشعر فيه السيد محمود عباس، الذي يبدي حرصه على غزة في آخر مقابلة صحيفة له: ويتهم الأنفاق بأنها تستخدم في تهريب المخدرات، وزجاجات وسكي إلى قطاع غزة. وأزعم أن كل فلسطيني يعيش في غزة، قد ضحك بملء شدقيه من كلام السيد عباس، ولاسيما أن سكان غزة لا يعرفون شكل، وطعم، ورائحة وسكي هذا، وليس من ثقافة الناس، ولو قيل لبعضهم أن وسكي صديق لهيفاء وهبي، ونانسي عجرم لصدق ذلك، فمن ينتظر زجاجة سيرج التموين لم يسمع عن زجاجة وسكي، ولو قيل له: إنها زجاجة زيت زيتون صافي، لصب منه على صحن الفول دون تردد، ولطلب من زوجته أن تقلي البيض بسمن وسكي المهرب من الأنفاق.

إنه الحصار متعدد الأبعاد يا سيد عباس، والذي يهدف إلى تجويع الناس، وتشويه صورة صمودهم، والضغط عليهم ليرتضوا بشروط الرباعية، وعندها تختلط الأوراق، ويهبط الوفاق، وتفتح جميع المعابر على مصراعيها، وتغلق الأنفاق!.