كلام في الشعر
ما هو الشعر؟ هذا السؤال البسيط و المعقد في الوقت ذاته! ما هو الشعر إن لم يكن ضرباً من الجمال؟ ما هو الشعر إن لم يكن رسم بالألفاظ التي يتم اختيارها بعناية لتعبر عن سيل من العواطف الإنسانية؟ ما هو الشعر إن لم يكن كما هو اسمه شعوراً إنسانياً صادقاً؟
ما هو الشعر إن لم يكن محاولة لفهم العالم بوسائل بشرية بالاستعانة باللغة بكامل عناصرها التي تتوفر لذلك الإنسان المحظوظ الذي يمتلك تلك القدرة على حياكة الكلمات لتصنع نسيجاً جميلاً.. كما الجمال نفسه.
ما هو الشعر إن لم يكن لإثارة الأحاسيس الناعمة لدى كاتبه أو سامعه أو قارئه على حد سواء؟ ما هو الشعر إن لم يكن ذاك الشعور الفياض الذي يداعب عيون وآذان وعقول ووجدان البشر.. ليس كل البشر وإنما فقط أولئك الذين يملكون حظاً من الحس الموسيقي.. والحس اللغوي.. والقلوب التي تتوق لتذوق الجمال في مخلوقات الله.
ما هو الشعر إن لم يكن مصدره ذلك اللغز العذب الذي يسمونه إلهاماً؟ وما إدراك ما الإلهام؟ وما هو الشعر إن لم يكن فناً كسائر الفنون.. لا يكون فناً بغير الجمال.. الذي يجذب حواس الإنسان.. إن تبقى لديه شيء منها.
الشعر جمال وغموض محبب يبعث النشوة في القلوب.. شلال يتدفق من مشاعر الإنسان حين يحدث ذلك التفاعل الغريب المفاجئ بين عناصر الطبيعة وعناصر الإنسان وعناصر اللغة..
ولا يمكن في رأيي أن يكون الشعر شعراً إذا كان مباشراً ودقيقاً وصريحاً كقطعة مأخوذة من كتاب فيزياء.. لا يمكن أن يكون الشعر شعراً إلا إذا رافقه شعور بالاكتشاف.. و شعور بالحقيقة.. و لا يمكن أن يكون الشعر شعراً إلا إذا كان مدعوماً بوعي بواقع العالم ونظرة معينة للأشياء.. أو ربما ما نسميه ثقافة.
الشعر محتوى والشعر شكل يتفاعلان فيخرج منهما سيمفونيات لغوية وأدبية وفنية رائعة تعبر عن ذكاء الإنسان وتميزه عن باقي المخلوقات..
الشعر والجمال والمتعة.. طاقة إبداعية خلاقة.. تتجلى فيها النفس ويكافئ الإنسان نفسه بما يقول أو يكتب لا يهمه ما يقوله الآخرون من نقد أو إطراء.. إنه مكافئة للذات.. من عناء العمل.. أو قل هروباً من أوقات الملل والرتابة.. وممارسة لصنع الكلمات الجميلة تنطق بالمشاعر الإنسانية الصادقة.. ولا أقصد هنا الشعر الذي يكتب تكسباً للمال أو الشهرة.. أو نفاقاً.. من نوع ما.
الشعر للعيون الجميلة.. ولابتسامات الأطفال.. ولألوان الطبيعة بأشكالها المتعددة.. الشعر للمعاناة.. للانتظار.. للموعد الذي نتعذب انتظاراً له.. وللشوق في القلوب العطشى..
الشعر موهبة ومثابرة لصقل تلك المنحة الإلهية.. الشعر مناجاة.. الروح للروح.. و أشياء أخرى.
الشعر صناعة لغوية.. للتعبير عن ذواتنا.. عن إنسانيتنا.. وأحلامنا التائهة..
الشعر إيحاءات.. إيماءات.. وتخيلات ترسم بالكلمات.. صور ومشاعر وتأملات.. ترافقها موسيقى عذبة داخلية تتخلل سيل الكلمات وانسيابها.. وحوار هادئ بين الشاعر وقصيدته.. فكل قصيدة هي مولود جميل يولد للتو.. ينتظر تعميده لينضم إلى جماهير الأعمال الفنية الجميلة..
ألحان و آلام.. ومواويل.. وخواطر تنتظم في أسطر بطريقة معينة.. فيها الحساسية للأشياء.. والعمق في فهم الأمور..
الشعر محاولة صادقة لسبر أغوار الروح وكشف الحقيقة والتعبير عنها. إنه التعبير عن المشاعر والآراء مدعومة بالعاطفة.. فلا شعر أو فن دون عاطفة صادقة.
هل خطر ببالك أن تتأمل منظر غروب الشمس أو طلوع الفجر؟ وهل فكرت أن ترسم هذا المنظر لا بالألوان وإنما بالكلمات؟ هذا هو الشعر. نتأمل الكون ومخلوقات الله على الأرض و نراقب النجوم ثم نستوحي المعاني الجميلة ونفتش في اللغة فنجد الكلمات الرقيقة للتعبير عنها في نسق لغوي جميل تطرب له الآذان عندما يسمع وتعشقه العين عندما يُقرأ.
إنه التجربة التي يعيشها الإنسان حين يتصور.. يتخيل موضوع القصيدة مثل أن نتخيل شجرة.. لا بد أن نراها حتى لو لم تكن هناك أمامنا ثم نتصور مشاعرنا نحوها بكل التفاصيل، رائحتها، منظرها، شكلها، و غير ذلك.
تعالوا نتخيل منظر النار مثلاً ونتصور اللهب، ألسنة اللهب، وهي تمتد لتطال الأشياء، ومشاعرنا نحو الدفء المنبعث منها أو الخوف من انتشارها.
من منا لم ير البراعم في الحديقة، تتفتح الزهور، وتتنفس الهواء النقي؟ لابد و أن اللغة، أي لغة، مليئة بكلمات تصلح للتعبير عن هذه المعاني الجميلة.
و لنتخيل منظر الشمعة وهي تحترق أو تحرق نفسها ولهبها البرتقالي يتراقص بشكل جميل، و كذلك ذلك الصوت المنبعث من فرقعة النار تطلق شرراً من موقد الحطب في برد الشتاء..بإمكاننا تصور تفتح الزهور و هي تبكي، و بتلات الزهر تعانق قطر الندى.
في الشعر صورة أو تصوير وتصور لابد من دعوة القارئ أو السامع للمشاركة في تأملها. ألوان الزهرة، و ما قد ترمز إليه، و ضياء النهار، و الظلال، و ما لها من رموز ممكنة في ثقافتنا.
هل هناك عصافير، بلابل، عنادل في المكان؟ هل هي في حالة الطيران أم في حالة الوقوف على الأغصان؟ هل هي صامتة متأملة أم جذلة تبعث الأصوات الجميلة في الأفق؟ ماذا تقول؟
إن الشعر ابتعاد عن عالم الواقع و هروب إلى الخيال الجميل. عالم الأحلام و التأملات و تحقيق كل شيء في عالم اللاشيء. جرب أن تغمض عينيك لحظات، و تنسم عبير الزهور في الحديقة، أو ربما حاول لمس بتلات الأزهار (و لا تحاول قطفها إذا سمحت). اعمل كل ذلك ثم تناول قلماً و اكتب أي شيء يأتي إلى الخاطر..
إن صوغ الشعر جزء من الأحلام، و الشاعر لا بد أنه حالم. أحلام اليقظة، و حملقة في الفراغ فيما قد يبدو تصرفاً غريباً بالنسبة إلى البعض. حين يتنفس الدماغ.. و يتحرر العقل من قيود الواقع و قوالب المجتمع.. يكون الشعر ممكناً.
والأوزان والقافية مهمان للشعر، لكنهما يستعملان بحذر، فإذا جاءت القافية- الموسيقى- بشكل عفوي كان بها، وإلا فلا ضرورة برأيي أن نضحي بالمعنى أو الصورة من أجل الوزن.
القارئ وحده هو الذي يقرر كيف يفسر أو يفهم المعاني في القصيدة. و لا مبرر لأن يحاول الشاعر تفسير كل شيء، فتتحول القصيدة إلى موعظة أو نصاً إرشادياً مملاً. الشعر احترام لذكاء القراء وأذواقهم و يجب ترك مجال واسع لهم للتأويل.
في الشعر وصف، و في الشعر سخرية، و في الشعر نقد، و في الشعر خواطر و تأملات. و مصادر الفكرة في الشعر متعددة، و هي وسائل الإلهام تأتي من الواقع، من الملاحظات أو المشاهدات اليومية، من الناس والأشياء الجميلة وغير الجميلة.
في الختام، الشعر موهبة، و الموهبة هبة من الله لعباده المتأملين في سحر هذا الكون الواسع. الشعر متعة في قراءته و كتابته و سماعه، لأنه كلام جميل غير ملوث بفيروسات الواقع المؤلم. الشعر ذوق لا يتأتي إلا لأصحاب الذوق الرفيع من عاشقي الجمال الباحثين عن الطمأنينة.
مشاركة منتدى
7 تشرين الأول (أكتوبر) 2004, 03:01, بقلم NADA
لكن الشعراء يتبعهم الغاوون إن لم يحسنوا النية
from your sister zaatari
24 تشرين الأول (أكتوبر) 2004, 10:39, بقلم ابو زياد
والله دى مشلكة الغاوون
اولئك الذين يتعلقون بهمس الشعراء
يعنى ببساطة مش عاوزين حد يتبع ايه المشكلة ؟
ملاحظة برجاء اكمال الايه
محبتى
ابو زياد
24 تشرين الأول (أكتوبر) 2004, 22:15
Thank you very much for explaining
26 تشرين الأول (أكتوبر) 2004, 13:55, بقلم الوكيلي عبد الإلاه
هل يكفي الاستدلال بآية قرآنية لم يُحسن اسحتضارها للحديث عن الشعر؟ في هذا أسف بالغ وتنكر للهوية الثقافية العربية سواء كان الكاتب مسلما أو لم يكن أو بالأحرى فيه استهتار لابد من الرد عليه.
سورة الشعراء تتكون من 228 آية والآيات الأربع الأخيرة هي التي تتضمن الحديث في الشعراء وليس في الشعر وآخر الآيات فيها استثناء. من أدلى بهذا الاستشهاد لا يفقه القرآن الكريم أو هو عميل للاستشراق خاصة الفرنسي الذي عودنا على بتر النصوص القرآنية للإشارة بالبنان إلينا كشعوب متخلفة تتنكر للجمال وللشعر,
للموازاة بين القرآن الكريم والشعر يمكن أن نلاحظ أولا مدى اقتراب كلمة سورة ببيت: سورة مؤنث سور، وللسور كما للبيت دور هام في حياة العربي,. كان عربي الجاهلية يحتمي ببيت شعر يسكنه عند خوفه من الصحراء ومن التيه ومن كل ما قد ينتابه من هول في حياته المطبوعة بالترحال، وفي العهد الإسلامي تكون سورة القرآن درعه أمام هول الميتافيزيقا والما بعد. ولغة الشعر والسور القرآنية واحدة دليلنا في هذا احتياج الفقهاء لتفسير القرآن للرجوع إلى المعلقات وما احتجاج مشايخ الأزهر ضد طه حسين عميد الأدب العربي أو عميل المستعربين والإستشراقالذي شكك في صحة الشعر الجاهلي إلا دليل آخر عن مدى الارتباط الثقافي بين العهد الجاهلي والعهد الإسلامي,
ولنعد إلى سورة الشعراء، فلها سياق وتناص ولها أشياء حول النص, فهي على كل حال مكونة من ثمان لوحات كل منها تحكي قصة نبي وما لاقاه من شر من طرف قومه, والإشكالية تدور حول جدلية القول والفعل:[الشعراء يقولون ما لايفعلون... إلا من آمن منهم] الشاعر إذن يصل بعد النبي، إن آمن فله الجزاء والعز والتقدير ,وإن لم يؤمن فهو كمثل الأقوام الذين رَصدواالأنبياء بالكره وعدم الاحترام . الشاعر المؤمن له كل الجلال لأنه كئيد بالفعل بعد القول, والنبي محمد صلعم كان يلازمه الشعراء في الغزوات كما في الحياة العادية شعراء ربطوا قولهم بفعلهم. مشكلة الفعل والقول هي من أبرزالعقبات التي تكبح العربي والمسلم وهي ليست مشكلة الشعراء وحدهم وكم من حاكم في بلادنا عرض قلبه المملوء إيمانا وقال انه سيحرر القدس؟؟؟ شاعر واحد قال ولا زال يقول أرض فلسطين أعني محمود درويش الذي ستبقى القدس واقفة صامدة تؤجج قلوب وأيدي شعب يزيد استبسالا وأبهة لا يخاف الموت ربما بفعل قول، بفعل الشعر.
17 تشرين الأول (أكتوبر) 2004, 14:34, بقلم الوكيلي عبدالإلاه
ما هو الشعر؟
إن السؤال رهان غير محدود، والشعر لا يحد إلا بالشعوب والقبائل التي اعتادته في القول والإلقاء والتذوق والتوق إلى حقيقة ما. حقيقة الموجود في الوجود بحجمه الزمكاني واللحظة الهاربة بالأمكنة والأزمنة كلها.
لا أحن إلى مفهوم الشعر العربي عند غير العرب ولا أتوق إلى حبسه كمفهوم سوريالي تحَقّن وتغدَّى ِردة وافتعالا.
لحد الشعر لابد من استحضار كل جوانبه وكل جوانحه، لابد من استئصال كل سابق وكل لاحق للحظة النطق شعرا وانجباس الحس انحباس العمر في اللحظة. كل الزمن يتدلى عبر شحنة قول تفرضها عملية احتكاك الكلِم بالكلم، كلمة تفرض الجوار لكلمة أخرى ولا تتحكم في ذاك غير الرنة المسموعة داخل النفس والشعور الفالت من النَّفس بنفر واعتدال اعتلاء و ترقبا لما قد يحدثه البيت الشعري في الآن والمَابَعد, إن الخوف من الآتي وقود القصيدة وما اقتحام حلبتها من طرف الشاعر إلا زندا لا يحسن اقتراف سِقطه غير المكوي بلعنة الوجود ولو بوجوب. القصيدة حركة طليقة كالموت تتراءى كطيف أو كشبح لمن له دراية التبصر وصبرأيوب لإغراء سِحر الشعرواستقطابه. ومن فاز بحسن الضيافة استفاق بعد رعشة الشعر مسكنا ومأوى لكلام لا ُيصَبَّر لا في شخص ولا في زمن ولا في مكان, طليق هو الشعر كما يقول الشاعر الفرنسي رنيه شار أستشهد بهذا الشخص وإن كنت أعاتبه بعد موته لمساندة إسراءيل في حرب1967 ، يقول هذا الشاعر والذي برّزه هادجر من بين أفحل شعراء العجم:
الشعر من بين كل المياه الرصفة ذاك الذي لا يكترث بانعكاس ظلال قناطره إنه نهر سار لا يحزر بما قد يخلفه من تعجب وإبهام ومحبة وتقدير وقد بكون الشاعر من بين المرصصين فوق قنطرة نهر الشعر.
24 تشرين الأول (أكتوبر) 2004, 10:36, بقلم ابو زياد
العزيز د تركى
تابعت هذا المقال / الكتابه
هنا وفى البداية كنت على وشك الوثوب فرحا فى الهواء
ان ثمة احدهم سيعرف لى الشعر اخيرا - وان كانت فرحة منقوصة لانى مازلت ارجو له الحرية من كل تعريف او تأطير نظري مجفف - الان ان ارتفاعى لم يكن بطول قامتى على الاطلاق لذا فكان على ان امكث قليلا واقرا بهاجس ما ..... " هل المقال يبحث عن التعريف ام يبحث عن الشعر " ؟ ؟ ؟
فى النهاية وصلت الى نتيجة مفاداها ان المقال / البوح يبحث عن الكتابة فى المقام الاولى وكورقة رسمية يتقدم بها امام القارئ واظنه نجح الان فى ذلك
بالمناسبة يا عزيزى بحثت عن اسمك - وعذرا لهذا التصرف - فوجدت اكاديميا جيدا وعميد كليه الاداب والتربية بجامعة الاتحاد الامارتية فى راس الخيمة على ما توفر فى الذاكرة المثقلة
جميل جدا ان يكون هناك مجال لكتابة اكاديمية
ولكن الاجمل - وهو دوما ما اصبو اليه - ان يكتب الرجل الاكاديمى كتابة اكاديمية من الاساس
بصراحة انتظر منك مقالات معمقة
تعلم مثلى خواء خرافة ان النص الاكاديميى دوما مثقل بالمصطلحات و والتعقيدات الفلسفية
فعلى المستوى الشخصى اعتبر هذا عجزا فى التلقى قبل ان يكون احكاما فى التصور المرسل من الكاتب
عموما هذا المقال / اللمحة جيد فى مكانه
ولكن هل من مزيد ؟
محبتى
ابو زياد
24 تشرين الأول (أكتوبر) 2004, 22:11
Dear aba Zyad,
I am sorry that I cannot type in Arabic. This is why I have to communicate with you via English. I appreciate your interest and followo-up. I must admit to you that I am not a professional writer of any kind. I am only trying to express what comes to my mind with all the honesty that I have. I agree with you that finding a defintion for poetry is not easy. But we shoud not look for defintions. Great things do not need defining; they just tell everything about themselves.
I find in you a well-educated reader and I like your thoughtful comments. In writing I detach myself from my professional identity. I want people to read what I write not to enquire about who I might be. After all, we are all human beings.
Please accept my best regards.
Turki
5 أيار (مايو) 2014, 19:04, بقلم محمد
مشتقلك…
يا ساكن ب قلبي
يا عمري الجاي وسنيني
يا قمري
يا ضي عيني
مشتقلك
9 حزيران (يونيو) 2017, 14:41, بقلم يس حسن عبدالقادر
الشعر هو عباره عن صياغ لمشاعر معينه والتعبير عنها بلغه يفهمها الاخرين
25 كانون الأول (ديسمبر) 2017, 06:25, بقلم همسة
جمييل جدا ونابع من روح تتميز بعلو الذوق والمشاعر المرهفة
22 تشرين الأول (أكتوبر) 2018, 15:44, بقلم لولو
موضوع عن اهميه الشعر في حياة الإنسان ودليل برهان على ذلك
16 كانون الثاني (يناير) 2022, 15:42, بقلم ليان توفانا
الشعر هو روح ... تتجلى روحانيته في بلاغة الامتاع التي تداعب آذان القراء و تسعد كيناتهم هو فن بحد ذاته يختصر مظاهرة الجمال بكل معنى الكلمة جمال الكون الذي يكمن في مثاليته...