الأربعاء ٢٣ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٤
بقلم صافيناز مصطفى

لحظة فارقة.. تخلد قصة بطل

كانت الشمس بدأت تنحدر ويزحف اليل بغطاء من الظلام تتدرجيا ليحل وقت الغروب فجلس الثلاثة لتناول طعام الغداء فلم يكن على الطاولة الصغيرة التى تجمع ثلاثة رجال غير لقيمات متبقية صغيرة وبضع ثمار من فاكهة البلح وزجاجات مياة فارغة حتى النصف فتناولوها سريعا فهم يعلمون أن أمامهم ليل طويل بأحداث قاسية ولا يدروا ماذا ينتظرهم فيه.

فوسط اليل الحالك ومساكن مهدمة وبقايا جثث لازلات معلقة بين انقاض المساكن التى تنهار ليل نهار بقنابل ومدافع العدو على رؤوس ساكنيها دون رحمة أو ذنب لم تفرق بين رجل أو طفل أو أمرأة أو حتى رضيع خطى خطوات مشوبه بالحذر متخفي يرتدي لثاما على وجهه هو ورفاقه يحمل قذيفته متنقل بين انقاض المباني التى تحولت إلى بقايا كما يحمل الأخرين كلا قذيفته يبحثون عن دبابات العدو التى تتربص لهم على أرضهم التى حولتها إلى بركة اختلط فيها كل دماء كل فئات البلده وفجأة وجدوا الهدف فأشار إلى رفاقه بإطلاق النيران على الهدف وحدث الأشتباك وتطايرات نيران مدفعيته هو ورفاقه على هدف العدو واصابوا الهدف فأشار لهم بالعودة وفى تلك الأثناء لمحهم أخرين و تعقبهم أعداد أخرى من جنود العدو فأضطر أن يعطي لرفاقه الأوامر بالتخفي داخل أحد المباني المهدمة وعندما جلس يلهث من التعب على أريكة كانت من بقايا المسكن نظر رفيقه الأول إليه فى دهشة وألم وهو يقول متلعثم مضطرب سيدى القائد الدماء تسيل من يدك بغزارة فأنت أصبت من مدفعية العدو وتنزف وأخذ الأخر فى توتر يحاول أن يبحث له وسط ركام المسكن المهدم على أي رباط يربط به على الجرح الغاءر فلم يجد غير أحد الخيوط والأسلاك المتناثرة داخل المكان واقترب منه الأثنان فى هلع عليه يحاولوا تضميض الجرح الذى لا يتوقف عن النزيف وكأنه ينذر بالنهاية فنظر إليهم مبتسما بنظرات ثابتة هادئة قائلا وهو يلهث من الأعياء.

عليكم أن تتركوني الأن وتذهبوا على الفور إلى مكانا أخر فقال مرافقه معترضا والدموع بدأت تتجمع فى عينيه لا.

لن يحدث ورفع الأخر عينيه له وبدأت تتجمع فيها دموع حب واحترام و هلع خوفا على فقدان قائد كان يحارب مثله مثل أي جندي أنها لحظات فارقة قد لن يراه مرة أخرى فقال وهو يداري عينيه محاولا أن يبتلع دمعه لن أتركك سيدى القائد أن قدر لنا النهاية فعلينا أن نتلقها سويا كما حاربنا سويا فنظر لهم نظرة ثاقبة كأنها أمر وهو يقول بصوت ضعيف وانفاس متلاحقة ولكنه صوت حاسم نفذوا الأمر فأنا يكفينا أن أموت وأن أرتدى زي الجهاد وسط المعركة ثم لاح بنظره عنهم وتنهد. ثم نظر لهم مرة ثانية قائلا بأسى أنا كل الذى كنت اتمناه أن استطيع أخاطب أهل بلدتي ولكن واضح أنه لن تسنح لي هذة الفرصة كنت أريد أن أشرح لهم لماذا فعلت ذلك فكان يتردد إلى مسامعي أني ضحيت بهم ولم اعمل حسابا لما قد يتعرضوا له من مجازر بسبب مقاومتي للعدو ونظر إلى أعلى وكأنه يستمد قوة ثم نظر لهم بوجهه الشاحب مستكملا بأنفاس لاهثة وكلمات متقطعة أمرت أخذ اعداد الأسرى الكثيرة خلال المعركة الأولى ليس بهدف التفاوض فحسب على الأستقلال ولكن بهدف حماية أهل بلدتي وكل ساكنيها كنت أتوقع أنهم لن يضربوا البلده بهذا الشكل الغير إنساني طالما أهلهم فيها وانني بذلك ... وبدأ الاعياء يسيطر عليه فقال مرافقه سيدى ارجوك لا تتحدث وتجهد نفسك أكثر وفجأة بدأ يصل إلي مسامعهم صوت مسيرات من بعيد تجول فى الفضاء فقال لهم وهو يتحامل على نفسه بما تبقى له من قوة بصوت القائد اخرجوا الأن هذا أمر لا نقاش فيه أنا أعلم ماذا سأفعل ففى صوت مجبر على إطاعة الأوامر منه.

قال الأثنان فى أسى.

أمرك سيدى القائد

وفي لحظة ظهرت المسيرة كان يعلم إنها النهاية التى طالما انتظرها وهو الموت وسط ساحة المعركة ابتسم.

وهو ينظر لها وهى تقترب وهو يخفي فى يده المتبقة السلمية ما اعده لها وله فى ذات الوقت ليلفظ أنفاسه الأخيرة هو يحارب لتنتهي حياة بطل كجسد وتظل قصته رمزا لأجيال قادمة.

انتهت


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى