الأربعاء ٩ آب (أغسطس) ٢٠١٧
مَسْاءات زَمْنٍ فات
بقلم أحمد الغرباوي

لصوص الرّوح..؟ وتدورُ عَجْلةُ الزّمان..

ونلتقي بشاب قادم من دِلتا مصر.. فى مِخْلاته أحْلام المدينة الكبيرة.. تحني همّته رغبةً السّكون بتجاعيد وَجْه القاهرة العجوز، وهمّ عودة الشباب لمن شاخ.. ولاينكر أحد موهبته فى شِعْر العاميّة..

ويغدو اليوم كاتب سيناريو مشهور، ويبيع الوهمَ فى دُكّان فضائى، مما يطلقون عليها قناة إعلامية، واحد من خريجي كلية الإعلام المرموقة بجامعة القاهرة.. ويقدّم إعلانات تجاريّة حالياً..

ويشاء القدر أن نتعاون سويّاً، على تأليف مسرحية (ديودراما) من فصل واحد.. للاشتراك بها فى النشاط الفنّى للجامعة.. هو فى شعر العاميّة، وصاحب الأحرف المتواضعة فى الله عز وجلّ، بالنصّ الدّرامي..

ويطلب مني، أن أعلّمه التمثيل أيْضاً.. حَيْث كنت أقوم بإخراج العمل المسرحي..
رغم أنّه، لم يكن يعرف معنى كلمة (دراما)، ولا الفرق بين (المونودراما) ولا (الديودراما)..!

وخلال إخْراجي للعمل، تمهيداً لعرضه فى المهرجان السنوي للكليّة، وللأسف.. المؤلف الدرامي المشهور، بلغة سوق الفن التجاري الآن، وضع إسمه على غلاف المسرحية، دون الإشارة لإسمي، ولو حتى تحت إسمه من باب الرأفة.. حَيْاء وجه!

رَغْم أنّ النصّ الدّرامي ونِصْف الأشّعار، كانت من فيْضِ الربّ، على روح العَبْدِ لله.. وإنثابت ندف حشرجات، من بين أضلع الصدر.. وأعوذ بالله من كلمة أنا..!

كما أن هناك ـ للأسف والحُزْن الشديد ـ نوع من السّرقات خطير..!

وهو سرقة الرّوح..!

نعم.. فكم من مُحْترف قلم.. يمكنه سرقة روح الإبداع.. وبخبرة واحترافيّة، يتمّ لَصّ روح النصّ الأدبي.. وبإعادة الصيْاغة، يدمغه بخيْالاته وصوره وأحرف كلماته.. النهر هو النهر يجري.. والمىّ عذبه واحد.. ولكن قصاصات المركب الورقي مختلفة.. واليد التى تتدلّل بنشوة اللهو خلقاً فنيّاً، لاتحمل نفس الأنامل التى سطرت.. فى زَمْن ينضبُ فيه الإبداع فِكْراً وحِسّاً..!

وما أقسى على المُبْدع سِرْقة أسْماء النّصوص الإبداعية، سواء عن عَمْدٍ، أو تحت دعوى مايسمّونه توافق غير مقصود.. أوتوارد خَوْاطر..!

وتدورُ عَجْلةُ الزّمان..

وتُعْيدُني عَشْرات الأعْوَام للخلف.. وأنا أستيقظ على خبر صدور مسرحيّة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، من تأليف الكاتب المسرحى أمين بكير، تحت مُسْمّى (ولادة متعسّرة)..!

وهو نفس إسم عمل (مونودراما) لكاتب الأحرف السابقة..؟

ويشهد عليها إعلاميون كُبْار حاليا، مدّ الله فى أعمارهم.. وأدام عليهم مداد عظيم ورِفْعة أقلامهم.. وذلك قُبيْل نشره فى المجموعة المسرحيّة (السقوط إلى أعلى!).. وقد كانوا وما زالوا وأيّامى تضافر أحْلام، ورِفْقة طريق..

فهرولت لبائع الصُّحف بجوار سور كُلّية الإعْلام، لم أجدها، أترك المحاضرات، وأحشر نفسى داخل علبة سردين حمراء.. مُتّسخة.. من أحشائها يبزّ على سلالمها لحوم بشريّة.. يطلقون عليه أتوبيس نقل عام..!

شارداً.. خائفاً.. متخبّطاً (جوّه) نفسي.. فارّاً من قدره، طفلٌ غاضبٌ.. يلتمسُ طوق نجاة غَيْب.. كان سابحاً فى سماوات مايجب أن يكون..

وكلمة واحدة تتسرّب من بَيْن شفتييّ.. هاربة من لهيب وَجْهي:

ـ يارب..؟

وأصل للمعرض الدائم لهيئة الكتاب على كورنيش النيل.. واشترى نُسْخة.. وقبيْل أن أحاسب على سعرها.. كُنْتُ قد فَرِرتُ جميع صفحاتها.. وألتهم أسْطُرها.. وأضع ما معي من مَالٍ فى يَدْ البائع.. وأرحلُ شارد الذّهن.. أمْسَحُ عرقي.. لا أعرف وأنا أتأمّل سَفْح النيل الأخضر.. المَسْكون بالركود.. ومخلّفات النفوس..

لا أتذكّر وأنا أحْيا أحلام الغُربة والاغتراب.. وآمال غَيْمٍ.. مَطْليّةٌ بها جُدْران الغُرف المنقبضة.. وبقايا النّفس المُتْنَاثرة.. أحرف مَحْشوراً فى دُرْج (الكومودينو) بجوار سريري.. الذى يعلوه بقايا طبق الفول، والذى كان يجيد إعداده أخى الصحفي الكبير.. رئيس تحرير إحدى كُبْرَيْات البوابات الصّحفيّة الآن.. أطال الله عمر عطاءاً أبدا..

لا أتذكّر إن كنت التفت للبائع، وأخذت ماتبقّى من مال..!

والحمد لله..

لم تكن هِبْة الربّ فيما أمْلاه عليّ ذات ليلة شتويّة.. وَحْدي فى غرفتي الصغيرة بشارع أحمد حسن الزيات.. بجوار كليّتنا الحَبْيبة..

ولكن كان عَلىّ أنْ أغيرّ عنوان المسرحيّة.. وحقيقة لم أفعل..؟

أنا أمام الله.. كان إسم جنيني.. ولن أغيّر جلد مولودي.. الذى ورث جينّات حِسّي.. سواء سرقوا الإسم.. أم ـ كما يقولون ـ توافق أوتوارد غير مقصود..!

نفس الموقف.. يَحْدُث مؤخّرا..

مع إسم مسرحية لى تحت مُسْمَى ( الصّفعة) أجد مُسْلسلا.. يعرض منذ أكثر من عام تحت هذا الإسم.. رغم أنه يتصدّر منتصف أول سطر، عنوان (قصة قصيرة).. أُمْلِيْتُ علىّ فى ليلة مُقْمرة.. حُلم ربيع، لايأتى أبداً.. وأمل فى صُبْحٍ، ربّما يأتي بعد عشرات السنوات المسروقة..
وقد ولد هذا العمل الإبداعي فى التسعينيّات.. وتمهّد المجموعة القصصية ( حُبّ حتى أطراف الأصابع)..

وخلال زيارتى لمبنى الإذاعة والتليفزيون.. فاكتشف نَفْس الأمر.. يتكرّر مع اسم مسلسل للكاتب محمد السيد عيسى، وعمل أدبي لى يسمّى (السوق)..

وأزعم أنّ فى مصر.. ذَاكَ الوجع، يزور روح كثير من المُبْدعين.. وما أقسى، من يُعْشّش بَيْن مَسْامات جِلْد إبْدَاعهم..!

وتدورُ عَجْلةُ الزّمان..

وفى عام 1984.. نصل على باب مسرح بمنطقة الزمالك.. روح ملتحفة بنشوة الحصول على المركز التاسع وجائزة المسرح فى منطقة الشرق الأوسط.. خلال مسابقة نظمها التليفزيون العربى فى روما.. وصدور مجموعتي المسرحية الأولى (المتحزّمون).. ويقرأها ممثل مشهور.. وفى زيارة للعرض المسرحي الذى يقوم ببطولته، برفقة شقيقه، مخرج دراما معروف، وأيضاً من خريجي إعلام القاهرة..

ويعرض علىّ أن يشتري النصّ بواقع 5000 جنيه (خمسة آلاف جنيها).. وهومبلغ كبير فى الثمانينات، لم أصدقه.. وكان مقابل وضع اسم كاتب مشهور على الغلاف..!
تهشّمات زجاج تنحشر فى حَنْجرتي.. تقاوم شهقات وزفير تنفّسّات صدر، مَحْبوس بَيْن مسامات جلدٍ وحِسّ آمال وطموح..

ولَمْ أنتظر لأشاهد العرض.. لأعود وحدي لحجرتي الصغيرة ، فأراً مُرْتَعِداً.. مُرْتجفاً على قدمي من شارع مصدّق بالدقي إلى محطة المساحة بالهرم.. تصرخ روحي على أمّي..؟

أناجي الربّ تزمّلني أرضاً.. تدثر فَرْشي..

فى صندوق قمامة بجوار سريري..

ينثر تمزّقات أوراقه حشراً.. حشرا..!

وتدورُ عَجْلةُ الزّمان..

ونعرج على الهيئة العامة للكتاب.. حيث تجد هرماً من الأظرف.. بداخلها إبداع وأحلام وأماني الأدباء الشبّان وغيرهم.. فى انتظار ما يُسْمّى بالدّور.. والفحص.. واللجان.. و.. و..
وكُلّ ذلك زيْفاً وكذباً.. فى ذلك الوقت ـ وأزعم انه كُلّ الوقت- طالما أنت تَحْيا على هذي الأرض.. باستثاء دروب الأحلام.. ومسارات نشوة رؤايات اليقظة.. ومن خلال عَمْلى الصحفي بالقسم الثقافى، بإحدى صُحف المعارضة وقتها.. تبيْن لى أنّه، لابد من (الواسطة).. والبعض يُبارك له الربّ وصلاً، فى التعرّف على موظف.. و يترك له مكافأة النشر، مع وَعْد بمثلها بَعْد النّشر..!

وفى موجة عَتْيّة.. تستيقظ النّفْس أكل عَيْش.. وضيق رِزْق.. قدرٌ عليك، أن ترضغ لمستقبل طفلٍ.. فتعمل بإحدى الجهات من أجل راتب ثابت..!

مصر ـ ليست فقط ـ مقبرة الغزاة.. أيضاً مقبرة المُبْدعين.. مايكون دوام الإخلاص مسيرتهم إنساناً وإبْدَاعاً..!

ويشاء الربّ أن تقابل مَوْظفأً كَبْيراً.. يعمل بمطابع هيئة الكتاب.. وتدخل دهاليز وأسرار.. لا أنزل الله بها من خُلقٍ ولا أخلاق..

ونتعرّف فقط على قصّة ليْست للنّشر.. من رَابش ماكينات الطباعة المظلومة بتلوّث بشر.. والبريء منها (النيل).. الذى لايستحقّ أن يكون مقرّ عملهم أمامه..!

إنّه عامل.. غدا صاحب دور نشر خاصّة فقط..

فقط من حصيلة مكافآت تصميم أغلفة إصدارات مكتبة الأسرة.. والتى كان يصمّمها، بمكتب جرافيك مُحْترف بوسط البلد.. ولايتورّع وضع إسمه عليها كمصمّم..!

مصادفة، كم نزف لها القلب.. حيث تصادف، وكنت مُشْرفاً على إصدار إحدى المجلات، وشرفتُ مديراً لتحريرها، التى كُنْت أعمل بها فى نفس المَكْتب.. بالإضافة إلى الصداقة الفنيّة، التى كانت تَجْمَعنى وأصحاب المكتب، من كُبْار صحفىّ مصر.. الذين جابوا العالم العربي والغربي، عِلْماً وفناً..

وخلال رحلتي بهذا المَكْتب، يعرّفنى الرَبّ على كَمّ من الأسْرَار، التى لن يَغْفر لنا التاريخ إتْيانها..!

وأسراب من العمولات.. والرشوات.. والسّرقات.. خاصّة لصوص الإبْدَاع.. وليْتَها..

ليْتَها كانت سراباً.. حلماً.. لاصدمة واقع، لايتغيّر كثيراً.. بوادى الحالمين.. وسراديب الطامحين لتجاوز وَجْعَ الوطن.. إنْ لَمْ يَكُنْ..

إنْ لَمْ يَكُن غدا للأسوأ..؟

وتدورُ عَجْلةُ الزّمان..

ولاتزل آثار نزف الرّوح.. ندبات يَسْكُنها ألم.. يروح ويجيء دوام وَجْعَ..

سترهم الله..

وأنّى لعَبْدٍ ستره الله يَفْضَحه عبدٌ..!

إنما نشير إلى سوء فعلٍ.. رُبّما يصل لحدّ الجُرم.. أداءاً ونتيجة.. وإلى الآن، لم يردعه تفعيل قانون.. ولا أخلاقيّات بَشْر..

وربّما فى الغد نلتقي، إذا ما كان فى العمر بقيّة..

حيث لاينضب زيت القنديل وحراميّة الحوارات والمقالات الصحفية.. وروازقيّة الكُتب الإعلاميّة.. وجماعات التسويق والدعاية الفنيّة.. والتى تلتحف ثوب الإعلام زَيْفاً وبُهْتاناً.. تحت إغْراء شيكات الريْالات والدولارات.. وسماسرة الإبْداع..!

وللإبداع ربّ..

ولك الله، يامن تثقل بحمل رسالته فى مصر..!

ياربّ..؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى