الجمعة ٨ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٦
نقل مقرّه إلى مصر لأول مرة منذ 27 عاما

مؤتمر الاتحاد العام للكتاب العرب وضجيج المعارك الوهمية

محمد أبو زيد

لم يكن ما حدث أثناء انعقاد مؤتمر الاتحاد العام للكتاب العرب، ليليق بنخبة المثقفين المجتمعة حول تلك المناسبة. والمتابع لمجريات النزاعات العربية ـ العربية التي شهدتها القاهرة على هامش المؤتمر، يدرك ان ما أفسدته السياسة، يصعب ان تصلحه الثقافة، وأن الجميع يسبح في محيط من الفساد المريع. فماذا حدث تحديدا بين الاتحادات العربية؟ ولماذا هاجم الزملاء بعضهم البعض بشراسة قلّ نظيرها؟

يصلح اسم مسرحية شكسبير الشهيرة «جعجعة بلا طحين»، للتعبير عن حال اتحاد الكتاب المصريين في الآونة الأخيرة. هذه الحالة ومنطقها المفتعل، كانت بمثابة اللاعب الخفي وراء عملية نقل اتحاد الكتاب العرب من سورية إلى مصر، عضدتها من جانب، الملاسنات بين الاتحاد المصري وشقيقه الأردني على تولي رئاسة اتحاد الكتاب العرب، وضاعت في غبارها دوافع استقالة الشاعر عبد الرحمن الأبنودي من اتحاد كتاب مصر، وحقيقة انسحاب الوفد العراقي، ومشكلة التمثيل الفلسطيني في الاتحاد، وحقيقة المؤتمر الذي عقد على هامش كل هذه المشاكل للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب في القاهرة في الفترة من 21 وحتى 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي تحت عنوان «نجيب محفوظ والرواية العربية». إنها فعلا ضجة بدون طحين فعلي، أو إضافة حقيقية لرصيد الثقافة، ودون إبداء أسباب للخلافات المثارة.

الضجة حول الاتحاد بدأت بإعلان شاعر العامية المصري الشهير عبد الرحمن الأبنودي استقالته من الاتحاد، التي قال أنها جاءت بعد ما شعر بأن اتحاد كتاب مصر قد تحول «إلى ناد تقتصر اجتماعاته ومؤتمراته على المداولات والمناقشات من دون أي تأثير في الحياة الثقافية المصرية»، مؤكدا انه يشعر بالحزن الشديد على هذا الكيان الثقافي المهم الذي ظل سنوات طوال منبرا للثقافة العربية، إلا انه بات على قناعة الآن انه ليس بحاجة إلى أن يكون عضوا في بدن لا يحس أحد أعضائه بالآخر.

غير أن سببا آخر لهذه الاستقالة، تم تداوله وهو تجاهل محمد سلماوي، رئيس الاتحاد لحرافيش الروائي الراحل نجيب محفوظ، في عدد تذكاري أعدته نشرة الاتحاد عنه، ونشرت صورته على الغلاف، وحولها عدد لا علاقة لهم به وتجاهلت الابنودي وجمال الغيطاني ويوسف القعيد. وهو ما اعتبره الأبنودي «إهانة حقيقية لأصدقاء عمر محفوظ والأصدقاء الحقيقيين له منذ الستينيات». وربما اتضح هذا مع تصريحات الأبنودي بأن «كل من هو «لابد» في هذا المكان ليس أديباً أو شاعرا حقيقياً، وأن الاتحاد يمارس ضد بعض الأدباء إهانات عديدة». وما ضاعف الوطأة على الأبنودي ان الاتحاد أصدر العام الماضي، دليلا للكتاب يضم معلومات عنهم لم يذكر أسماء الابنودي ويوسف القعيد وجمال الغيطاني، إضافة الى أنه طوال فترة انتسابه للاتحاد، لم يحدث ولو لمرة واحدة، أن ذكر اسمه في أي نشرة خاصة بالشعر.

المثير في الأمر، هو تلك الحملة المضادة التي قادها سلماوي ضد الابنودي، في الصحف، وعلى موقع الاتحاد الذي نشر مقالا يهاجم فيه الأبنودي واصفا إياه «بأنك لا تمثل إلا نفسك ولم ينتخبك أدباء مصر لتعبر عنهم في هذا الموقف أو غيره»، وقوله في وصلة الهجوم التي كتبها حزين عمر «لو كان اتحاد كتاب مصر يملك بئراً من البترول. لألقي (بصُرَّة) دينارات في حجر بعض من الشعراء المداحين، الذين يقيسون العلاقة بينهم وبين الآخرين بحجم (الصرة) ومحتواها. ومدى استمرارها» وأنه «لا بد أن نتوقف عند الفارق ما بين عبد الرحمن الأبنودي ونجيب محفوظ. فالأبنودي لم يتحرج من التصريح في حملته الشعواء علي الاتحاد بأنه لا يسدد الاشتراكات. لأنه لم يفكر في المشاركة في الانتخابات؟! ولو كان عضواً بأية نقابة أخري كالصحافيين أو الأطباء أو المحامين أو غيرها لتم فصله... بل إن قانون الاتحاد نفسه يحتم هذا الفصل».

غير أن الضجة المفتعلة المثارة حول الاستقالة لم تكد تهدأ، حتى أثيرت ضجة أخرى هي نقل مقر الاتحاد، وتراجع مصر عن الترشح الرسمي لنيل منصب الأمين العام لاتحاد الكتاب العرب في الانتخابات التي كان مقررا أن يشهدها المؤتمر الذي افتتح في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، والصراع على منصب أمين اتحاد الكتاب العرب من قبل سلماوي، الذي أثار الكثير من الحساسيات بعد تصريحاته بأن «مصر أكبر من أن ترشح نفسها للتصويت بنعم أو لا. فإذا رغب أعضاء المؤتمر العام، أو رؤساء الوفود العربية الرسمية أن تنقل الأمانة إلى مصر، فنحن مستعدون لذلك. ولكن لن نعرض اسم مصر للتصويت أمام إحدى الدول العربية الشقيقة. بل إن مصر لن تنافس على هذا المنصب، بل يجب عليها أن تحنو على الدول الشقيقة. ومصر ليست متكالبة على هذا الموقع أو المنصب، وهي تستطيع أن تخدم وتنفذ ما يوكل إليها من مهام عربية، ومستعدون لإنجاز ما يراه الأشقاء في الدول الأعضاء».

تصريحات سلماوي الغاضبة، جاءت بعد أن أرسل رئيس اتحاد كتاب الأردن، الدكتور أحمد ماضي أوراق ترشيح الأردن لرئاسة الاتحاد المصري، واستفسارات عدد كبير من مجالس إدارة الاتحادات: هل مصر سحبت ترشيحها ولن تدخل الانتخابات؟ بالإضافة إلى تحركات مفاجئة من رئيس رابطة الأدباء الأردنيين، أحمد ماضي لترشيح نفسه أميناً عاماً، والمطالبة بنقل المقر إلى عمان.

لكن ما أثار عاصفة من الغضب العربي هو تصريح سلماوي بأن اتحاد الكتاب العرب في سورية يتلقى تمويلا من حزب البعث في مؤتمر صحافي، حين قال «وبالنسبة للميزانية، فقد كان اتحاد الكتاب والأدباء العرب في سورية يقف وراءه حزب البعث (العربي الاشتراكي الحاكم في سورية) ونحن نفخر أن اتحاد كتاب مصر ليس وراءه حزب، وهذا دليل على استقلالية كتاب مصر».

اتحاد الكتاب العرب عاد إلى مصر، بعد كل هذه الضجة، للمرة الأولى منذ نقل منها قبل 27 عاماً اثر توقيع الرئيس المصري الراحل أنور السادات اتفاق كامب ديفيد عام 1979، واستضافته خلالها أربع دول عربية، حيث تقرر نقل مقره إلى العاصمة العراقية بغداد عام 1979. وقد استمر الاتحاد في بغداد لمدة ست سنوات، ثم تقرر نقله إلى العاصمة الأردنية عمان لستة أعوام أخرى، ومنها إلى تونس واستقر في دمشق منذ عام 1996 حتى الآن. وعلى هامش هذه الخلافات، عقد المؤتمر العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب في القاهرة في الفترة من 21 وحتى 27 نوفمبر، بمشاركة وفود الاتحادات العربية، وبعض المفكرين والأدباء الأجانب من روسيا وإيطاليا وفرنسا ودول أفريقية وأوربية أخرى، وعقد برعاية الرئيس المصري حسني مبارك، الذي افتتحه بكلمة ألقاها بدلا منه رئيس الوزراء المصري الدكتور أحمد نظيف، وافتتح بمقر جامعة الدول العربية، وعقدت جلساته بمقر الاتحاد. المؤتمر الذي منح جائزته للشاعر الفلسطيني سميح القاسم، وسط خلافات حول مدى استحقاقه لها، وهل الجائزة له أم للقضية الفلسطينية، واجه أيضا مشكلة تمثيل الفلسطينيين والبت في عضوية اتحاد الكتاب الفلسطينيين المعلقة منذ بضع سنوات.

لكن إحدى أكبر المعارك، كانت تلك المثارة حول الوفد العراقي حيث وصف سلماوي بأنه «الاتحاد الذي عينته الحكومة العراقية بعد الاحتلال الأميركي». وهو ما جعل حملة للمثقفين العراقيين، تنطلق ضد سلماوي على مواقع الانترنت، وما دفع فاضل ثامر، رئيس الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق للرد عليه قائلا «إن أدباء العراق وكتابه في الداخل والخارج قرأوا بأسى وغضب، تصريحات منسوبة لكم حول مؤتمر اتحاد الكتاب العرب في القاهرة، تتضمن توصيفكم للاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق بأنه (الاتحاد الذي عينته الحكومة العراقية بعد الاحتلال) وهو حكم ظالم وجائر وتعسفي وبعيد كل البعد عن الحقيقة التي يجب أن تتوخاها وأنت في مركز المسؤولية، إلا أنك تكرر التهم جزافاً وتتلقفها من أفواه دهاقنة السياسات السرية في الأمانة العامة للاتحاد خاصة أولئك الذين ينطبق عليهم توصيفكم ممن (عينتهم حكوماتهم) بفرمانات حزبية، وإدارية، سرية أو علنية مفضوحة.

ويؤسفنا أن نقول لكم ولكل الأدباء والكتاب العرب الذين لا يمتثلون لإملاءات «(الحكومات) واغلب الأنظمة الديكتاتورية العربية بأن اتحادنا، مؤسسة ثقافية غير حكومية، مستقلة لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالحكومة العراقية أو وزارة الثقافة، وهي أيضا بمنأى عن تأثير قوات الاحتلال».

وأضاف ثامر «نعتقد بأن التصريحات المنسوبة تمثل استباقا منحازاً لقرار جائر سوف تتخذونه ضد اتحادنا، إذ يفترض فيك أن تكون حكماً عدلاً ومنصفاً ويصغي إلى جميع الأطراف، لا أن تتناهى شخصية الحاكم والمدعي العام والجلاد بشخصية واحدة».

المؤتمر الذي عقد على هامش هذه الخلافات، ناقش عددا من القضايا تمحورت في معظمها حول نجيب محفوظ، والحداثة الشعرية، والملكية الفكرية. وشهد المؤتمر عددا من الأمسيات الشعرية. ويقول الباحث قصي الحسين في دراسته حول «جدل الحداثة والإبداع في أدب نجيب محفوظ الروائي» بأن الواقعية التقليدية التي استوحاها نجيب محفوظ من عالم المقاهي «كانت ظاهرة فنية تماماً كما كانت ظاهرة تسجيليّة. إذ كانت أخطر من مجرد صورة للحياة. فقد وارى وراءها أفكاراً ومعاني، بدت وكأنها أعمدة الهيكل منها. كما استطاع أن يجعل خلف تفاصيلها المتنوعة أنماطاً رئيسيّة وصوراً أوّلية ونماذج أسطورية أو قالبية، تحكمها جميعاً قدرية صارمة محتومة ومرسومة سلفاً. أمّا في الواقعية الجديدة، فقد كان الباعث على الكتابة عند نجيب محفوظ، جملة من الأفكار والانفعالات المعينة التي كانت تتجه إلى الواقع لتجعله وسيلة للتعبير عنها»، وأضاف قصي بأنه لا يمكن إعادة قراءة نجيب محفوظ، إلاّ في ظلّ الثقافة النقدية والعلمية، التي كانت تمور بها مصر المحروسة في عصره.

ورأى أحمد فضل شبلول في دراسة حول «نظراتٌ في أصداء السيرة الذاتية» أن «أصداء السيرة الذاتية» للكاتب نجيب محفوظ، ليست جزءا من سيرته الذاتية، ولكنها عبارة عن لوحات قصصية أو أصداء قصصية لروايات نجيب محفوظ المختلفة، وقد بلغ عدد هذا الأصداء 227 صدى جاءت كلها شديدة التركيز وعلى قدر عال من الشاعرية، واللغة المصفاة التي لا تحل فيها كلمة مكان أخرى وإلا انقلب المعنى أو فسدت العبارة أو امتنع الإيحاء عن التأثير، وحقق محفوظ فيها مقولة النفري الشهيرة «كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة». وهي بصفة عامة أصداء لبعض روايات نجيب محفوظ وبخاصة: «الحرافيش» و«أولاد حارتنا» و«الثلاثية» و«اللص والكلاب».

واعتبر فهد الهندال في بحثه حول «ملامح ومفارقات البطل الشعبي في الحرافيش عاشور الناجي نموذجا» أن أدب محفوظ «يعتمد على خطاب يتفرع في لغته إلى أكثر من جادة فكرية تشير إلى أكثر من جهة مكانية وحقبة زمانية. فالرواية لديه، لا تنتهي فصولها بنهاية المشهد الأخير ومعرفة مصير البطل واتضاح الفكرة، بقدر ما أنها تعيد المتلقي لنقطة البداية عبر سلسلة من الأسئلة بما يفسح المجال لأن يتجسد واقع المتلقي في فلك العمل الروائي، ويستبدل أسماء شخوص الرواية بأسماء عاشرها وعرفها في حياته.

وقال الناقد مصطفى الضبع في مداخلة حول «الواقع الموازي دراسة في تقنيات الحلم في سرديات نجيب محفوظ» أن الحلم يلعب بصيغته المعروفة ومفهومه المتداول دوره في رسم البعد النفسي للشخصية الروائية، ولكنها ليست الوظيفة الوحيدة. «فإنه ينطلق إلى ما هو أبعد من ذلك عبر فتح زوايا للرؤية الروائية، يجعل من الحلم ليس موضوعا بقدر ما هو تقنية روائية تلعب دورها في إنتاج الدلالة. وتمثل الأحلام واحدة من العلامات ذات الطبيعة المتداولة في نتاج نجيب محفوظ. وهو تداول دال لا يتوقف عند كونه مجرد موضوعا قد يتكرر في سياق عمل السارد، وإنما يتأسس عليها إنتاج دلالتين أساسيتين: تقنية تساهم في إنتاج الدلالة تتكشف فاعليته عبر تكراراته المحسوبة، وخلق ما يمكن أن يسمى بالواقع» الموازي. فالحلم لا يشير إلى الماضي بقدر إشارته للمستقبل ومحاولته بناء صيغة مستقبلية لحياة أفضل.

عن الشرق الأوسط اللندنية

6/12/2006

محمد أبو زيد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى