مجموعة «عاشِق الشمس»: مُحاولة شاعِرية للتعبير عن الذَّات
للإصدار الأدبي الأول خصوصيَّته التي تجعل منهُ مفتاحًا لوجدان مؤلفه وترجمةً مُباشِرة لفك شفرة لُغة رُوحِه، لا سيما إن وُلد هذا الإصدار نتيجة تجربة شخصية تراكمت خلال سنواتها المشاعِر وتضخَّمَت الأفكار الناجمة عن التأملات الذاتية للمؤلف، وهو ما هَمَست به سطور كتاب "عاشق الشمس" لمؤلفه البحريني/ ياسر رجب.
تضمنَ الكتاب ثمانية عشر نصًا من نصوص البوح الوجداني الشاعري التي تمت كتابة ستة عشر نصًا منها بين عامي 1987م – 1988م، قبل أن يتبعها نصَّان كُتِبا عام 1992م فيما أطلق عليه المؤلف خلال سطور مُقدِّمته "مُحاولةً للعودة لكنها لم تستمِر"، ربما لأن تلك النصوص كانت تجسيدًا لخواطر الإلهام التي أوحَت بها قصاصةٌ صغيرةٌ التقطها المؤلِّف لتغدو مشاعره أسيرة أفكار كاتبتها المجهولة، والتي تُعبِّر فيها "عن قلق الحياة والحُب المفقود" كما أشار صديق المؤلِّف "نزار رضي" الذي قدَّم للكتاب وترجم نصوصه إلى اللغة الإنجليزية ليصدُر ثُنائي اللغة، فكانت تلك النصوص مُحاولة للرد على كلمات تلك الإنسانة التي مازالت مجهولة منذ عام 1987م.
ليسَ من السهل كتابةُ مقالٍ عن كِتاب قدَّمت لهُ أُستاذة اللغة العربيَّة الدكتورة/ رفيقة بن رجب، فأي كلماتٍ يُمكنها التحدث بثقةٍ وكبرياء بعد مُقدمتها التي تحدثت عن جماليَّات مُفردات الكتاب ومضامينه بعينٍ نقدية مُتخصصة، ولم تُغفِل الإشارة إلى "الصور المُتنامية ذات المستوى اللآيديولوجي المُرتبط بالثراء الذوقي" و"الوقفات الجماليَّة المُنسجِمة مع قوَّة التركيز لمعرفة دواخِل النص"، لكن رُبما يكون من المقبول الإفصاح عن محاولة مُتواضعة لوصف جانب من رؤيتنا الانطباعيَّة المُنبثقة عن ردود أفعال مشاعرنا تجاه هذا العمل الأدبي.
بعد اهداءٍ من المؤلِّف "للحُب أينما وُجِد"؛ استهل نص "نحو الحُب" تأملاته الذاتية بصرخة ضوء الحُب في وجه عتمة الزيف، ثم تلاه نص "إلى الشمس" مُعلنًا عن التوق للتحرر من شوائب الحياة، بينما جاء نص "من هو هذا الحُب؟" ليُخبرَ عن عنفوان الإنسان عندما تكون غايتهُ الحُريَّة، أما "البحث عن الحقيقة" فقد صوَّر كيف تُغني مناديل الحِداد الناعمة في آخر الليل بحثًا عن معنىً جديد لحقيقةٍ غير موجودة"، "زيف الأديم" يأتي مُتحدثًا عن العواطف "التي لا يُمكنها أن تقف مكتوفة الأيدي" أمام الزيف الذي لا مكان فيه للحُب، في "البقاء لليقين" نرى به حتمية انجلاء الباطِل أمام خلود الحُب في رحلة دروب الحياة، وفي "من أنتِ" نسيان الذات أمام براءة تثير التساؤلات وتقود للأحلام والارتماء في مهاوي الحياة.. بين سطور "اذكريني" نلمح مُقاومة السجن بالحُب، وفي "لا أُبالي" حديثٌ عن زائرة المساء وبراءتها الطاهرة التي تقود نحو عالم الأحلام، في نص "الحُريَّة" تتجلَّى قوَّة أثر الحُريَّة التي يصعب على المرء العيش في ظل فُقدانها بعد تجربة التحليق في فضاءاتها، "نشيد الملائكة" يصف لنا خيال المحبوبة شبيهة الملاك السابحة في أحلامها البريئة، و"أي غدٍ مُنتهاه" يبوح لنا بتساؤلات نفسٍ استولى عليها الحُزن ليُغرقها في غياهب اليأس"، نص "الشمس والإشراق" يحكي كيف تعرب رحلة التيه عند اقتراب شمس الأمل من موعد شروقها، وفي "أينكِ ريتا؟" نرى الشمس والأحلام والحُب والأمل والبحث عن طوق نجاةٍ مُتمثل بإنسانٍ ما"، "صديقي القلم" رسالة اعتذارٍ قصيرةٍ مُفعنة بالأشواق من الكاتب لقلمِه، وأخيرًا نودَّع يقظة الأمل بترعرُع الحلم وتحوُّله إلى واقِع في نص "بين الحُلم والحقيقة".
قد يلحظ القارئ أن سطور الكتاب باحت بأقل مما دار ببال مؤلفه من أفكار وما تماوَج في نفسه من مد المشاعِر وجزرِها خلال مرحلة كتابة النصوص، لكن التوق للحُرية معلمٌ واضحٌ من معالمه، يرافقه نبذ الزيف في الواقع البشري، والبحث عن طريق خلاصٍ عن طريق الحُب والأحلام الثائرة على قيود الواقِع، وهو ما يُميِّز رسالتهُ المُقدَّمة لقارئه.