مشكلتنا أنّنا لا نستثمر في الثقافة.
أكاديمية، وناقدة أدبية، تبحر في محيط الأدب فوق حروف الإبداع دون مجداف، كأنها تقول للحرف كن فيكون فيتحرك وسط محيط اللغة حيث شاءت لا حيث تشاء الرياح.
دكتورة في الأدب العربي من جامعة حيفا، ناقدة أدبية، تكتب الشعر، تشارك في النشاطات الثقافية في فلسطين ١٩٤٨، عندما تلقي كلمتها تشعر أنك أمام ناقدة، أدبية، ومبدعة تعشق اللغة، وتطوع الحرف بأسلوب مشوق يجبر المستمع أن ينصت، ويدقق فيما تقول.
ولدت في مدينة حيفا، ولا تزال تقيم هناك، ومن بحر حيفا تعلمت كيف تعوم فوق أمواج اللغة دون أن تغرق.
تعرفت عليها خلال زياراتي لمدينة حيفا، في الأعوام المنصرمة، واستفدت من نقدها، واقتراحاتها.
في هذا الحوار تقدم لنا الدكتورة علا عويضة وجهة نظرها في وضع الساحة الأدبية في العالم العربي، وفلسطين:
- دكتورة علا تلعب الثقافة، والأدب، والفكر، أدوارا أساسية في النهوض بالشعب، والأمة، وتطوير مستوى وعي الناس حكاما، ومواطنين. فلماذا أخفقت في العالم العربي؟ أين الخلل حسب وجهة نظرك؟
تسعى الثقافة، الفكر والأدب إلى النهوض بالشّعب، عندما تكون حرّةً غير مقيّدة أو مكبّلة، غير مستعمَرة أو خاضِعة اقتصاديًّا وسياسيًّا لقوى سياسيّة خارجيّة، عندما لا يخضع الأدب للقيود السياسيّة والاجتماعيّة، وعندما نكون نحن، أبناء الشّعب العربي، على قدرٍ كافٍ من الوعي الفكري والسياسي.
نحن، نحمل تراثًا غنيًّا، فكرًا عميقًا ومفاهيم قيّمة، ولكنّنا نحمل أيضًا مفاهيم عقيمة وأخرى بالية ومعتقدات حبلى بالقيود الدينيّة والسياسيّة!! هذه المفاهيم، إذا تشبثنا بها، ستُشكِّل عائقًا أمام التطوّر والنهوض الفكري.
الثقافة ليست نظريّات إنّما فكر وأسلوب حياة، ولكي نزرع هذه القيم يجب أن نؤمن بالعقل وبالتطوّر الفكري!
لن تكون هناك تنمية ثقافيّة إذا لم نؤمن بالحريّة، الحريّة الفكريّة والاجتماعيّة. علينا محاربة الطائفيّة، والسعي إلى مكافحة التعصّب والعنصريّة بشتى أشكالها والاعتراف بالمرأة كأحد أعمدة هذا المجتمع تمامًا كالرجل.
كيف للعالم العربي أن ينهض وهو ما زال ينظر للمرأة كعنصر قاصرٍ، ما زال يميّز بين أبناء الشّعب الواحد، جنسيًّا ودينيًّا!!
العمل الأدبي لا ينقل أحداثًا ومواقف فقط، إنّما يدعو المتلقي إلى التأمل والتفكير والانطلاق بفكره ووعيه وقراراته، ويدفع المتلقي إلى التساؤل والتشكيك.
الخلل هو أنّنا لا نقبل الرأي الآخر/ المخالف، لا نخرج من الزّجاجة التي وضعنا أنفسنا فيها.
مشكلتنا أنّنا لا نستثمر في الثقافة.
ليست المشكلة في الكُتّاب ورجال الفكر، إنّما في السّلطة التي تسعي إلى تأمين مصالحها الذّاتيّة، وتميل إلى الماديّة، الأمر الذي أدّى إلى خلقِ بونٍ شاسعٍ بين طبقات المجتمع. إنَّ المصالح السياسيّة والاقتصاديّة عَمَت عيون الفكر. السّلطات، في بلادنا، تهاب وعي النّاس لذا لا تستثمر في الثّقافة، وكذا الحكّام، خوفهم من التغيير يجعلهم يفرضون السلطة ويستثمرون كلّ ما عندهم للحفاظ على سلطتهم؛ يطيحون بالثّقافة من أجل المصالح السياسيّة. أمّا الشّعب، فعالق بين سياسات دكتاتوريّة، وبين تأمين حياته والسعي وراء لقمة العيش. هذا، إلى جانب ما ذكَرتُه في بداية الحديث، يوضّح سبب ضعف تأثير الثقافة على العالم العربيّ.
ما الأثر الذي تركته الفضائيات العربية، مواقع التواصل الاجتماعي على الأدب العربي، من شعر، وسرد، ونقد أدبي؟ هل نجحت فيما أخفقت فيه الكتب الورقية؟
أثّرت الفضائيات العربيّة ومواقع التواصل الاجتماعي على الأدب بأشكاله على عدة مستويات، أبرزها:
الانكشاف، أصبح الأدب متاحًا للجميع، وهذا الأمر عزّز التواصل الأدبي مع جميع الأقطار.
تعزيز التواصل الأدبي والاجتماعي بين الأدباء والكُتّاب.
زيادة نسبة النشر والإصدارات.
لا بدّ من الإشارة إلى الجوانب السّلبيّة التي ترافق هذه التأثيرات، نحو ازدياد السرقات الأدبيّة وازدياد عدد الدخلاء على الأدب، ويعود ذلك لسهولة النّشر وعدم مراقبة الأعمال التي تُنشر.
أهم ما يلاحظه المتابع للساحة الأدبية في فلسطين سواء داخل الخط الأخضر، فلسطين ١٩٤٨، أو في الضفة، والقطاع هو انقسام الساحة الأدبية بشكل واضح بين تيارات سياسية لا علاقة لها بالأدب.
لماذا نجحت السياسة في تقسيم الأدب، والأدباء، فيما فشل المثقفون، والمفكرون في التأثير على التيارات السياسية القائمة؟
ليست السياسة هي التي قسّمت الأدب!! إنّما السّياسيون والتعصّب السّياسيّ، نحن مجتمع يتبع سياسة الاستثناء، كلّ تيارٍ يحاول إلغاء الآخر.
بعض السياسيين يستغلون مناصبهم لفرض سيطرتهم الفكريّة والسعي بالشّعب إلى خندق واحد. كما أنَّ انعدام الديموقراطية وحريّة التعبير عن الرأي في الدول العربيّة، أثّر على الإنتاجات الأدبية ومضمونها، فكان الأدب تحت تأثير تلك السياسة وبهذا فَقَد قدرته على التأثير.
المثقّفون والمفكّرون ينتمون إلى هذا الواقع، ويختلفون في انتماءاتهم السياسيّة، لكن الخطورة في سيطرة السياسة، السياسة الشعاراتيّة، على الأدب.
السؤال، عن أيّ مثقّفٍ/ أديبٍ نتحدّث؟! يجب أن نسأل ما علاقة هذا الأديب بالواقع؟ بمجتمعه؟
الأدب لا يمكن أن يكون منعزلا عن المجتمع، هو ينمو في ظلّ ظروف اجتماعيّة سياسيّة ما، والنّصّ الأدبي يكشف عن وعي الأديب لما يجري في بلاده وعن علاقته بمجتمعه.
الأدب اتّصال مع المجتمع وليس انفصال عنه. عندما أقول الاتصال بالمجتمع، لا أقصد النّقل السّطحي لما يدور في الواقع، إنما التسلّح بالفكر، إلى جانب الجماليّات والمشاهد الفنيّة التي تحيل بالمتلقي إلى واقع، واقع أدبي محمّل بواقعٍ آخر.
إنَّ الأديب في عمله الأدبي ينطلق من الواقع إلا أنّه يُحمِّله برؤى تنطلق من مخزونه الفكريّ الثقافيّ، ويُسقِط القناع عن الواقع ليرى العالَم حقيقة الأمور.
عندما يتخلّص السياسيون من انتهازيّتهم، ويحكِّمون عقولهم ويهذّبون فكرهم، عندها يمكنهم رؤية البلاد من منظور آخر.
عندما يتحدّ الشّعب، ويدرك ضرورة التعدديّة وصلابة المواقف، عندها ننجح في التأثير على السّياسة.
عندما يتحرّر المثقفون والمفكّرون من قيودهم الفكريّة، عندما يصبح الوطن، المواطن والإنسان هدفنا، عندها ننجح في التأثير على السّياسة.
عندما نطرد الأنا ونسعى لتأمين مجتمعٍ معافى، عندما نحترم الآخر وآراءه، عندما نميّز بين الاختلاف والصّراع الفكري، عندها ننجح في التأثير على السياسة.
عندما ندرك نعمة الاختلاف ونقمة الخِلاف، عندها ننجح في التأثير على التيارات السياسيّة.
خلال متابعتي لكتابات كثير من الكتاب الفلسطينيين لاحظت أن كتاب الداخل بشكل عام متمكنون من اللغة العربية أكثر من كتاب الضفة، والقطاع، وهذا يتضح من كتاباتهم التي ينشرونها، أو خلال مشاركاتهم في نشاطات أدبية، ندوات، محاضرات، كيف تفسرين هذه الظاهرة؟
لا أميل إلى هذا التعميم حقيقةً.
لا شكَّ أنَّ التضييق المفروض على الفلسطينيين في الضّفة والحصار المفروض في قطاع غزّة، لهما جانب أساسيّ في هذا الموضوع. فهذا التضييق السّياسيّ والاقتصاديّ يصحبه تضييق ثقافيّ أيضًا.
أمّا بالنّسبة لكُتّاب الداخل، فالأمر مختلف، لأنَّ ظروف الحياة مختلفة. لقد عانى الشّعب الفلسطيني في الدّاخل من سياسة الطرد، التهجير، مصادرة الأراضي، هدم القرى، والتشريد- تشريدهم داخل الوطن وخارجه. فُرض عليهم الحكم العسكري الذي استمرّ حتى عام 1966، عانوا وما زالوا من التمييز العنصريّ. لكن، رغم معاناتهم كانت هناك قوى وطنيّة يسارية قادت المسيرة النضاليّة، دافعت عن حقوق الشّعب وتصدّت لكل سياسات القهر القومي والتمييز والملاحقات السياسيّة. هذا الحراك، دفع عرب الدّاخل للنّضال ضد سياسة القمع بمختلف أشكالها، وأثّر هذا النّضال على الإنتاجات الأدبيّة، صقل أجيالا كاملة وكان إنتاجهم الأدبي صورة لما يعيشه شعبنا.
كذلك، لا يمكننا أن ننسى دور بعض المنابر الثقافيّة، وأقصد على وجه التحديد، صحيفة الاتحاد الحيفاوية، مجلة الجديد ومجلة الغد، والتي شكّلت قاعدة فكريّة لأبناء الشّعب الفلسطيني، من جهةٍ، ومنصة لأقلام الأدباء والشّعراء من جهةٍ أخرى.
أعتقد أنَّ هذه الظروف التي واجهها السّابقون بالتحدّيات وبالإبداع الفكريّ والأدبيّ، أثّر على المشهد الثقافي لفلسطينيي الداخل.
واليوم، نرى أنَّ الحركة الثقافيّة، الأدبيّة والنقديّة في الداخل نَشِطة؛ إضافةً إلى سِعة الاطلاع والتبادّل الثقافي. كل هذه الأمور أغنَتْ هذه التجربة الأدبيّة.
واضح أن الحروب التي تمزق العالم العربي خلفت جروحا يصعب تضميدها. هل يستطيع الأدب أن يضمد الجراح التي خلفتها الحروب؟ كم جيل نحتاج لذلك؟
الأدب والفنّ وسيلة لنقل هذه الجروح، ولكنّها لن تضمّدها، هذه الجروح سكَنَت في الذاكرة وفي النّفس..
فالأدب مجروح هو الآخر، هو صدى هذه الجراح..
هذه الجراح هي تاريخنا، ومنها نبلوّر ثقافتنا السياسيّة والتاريخيّة ومنها ينطلق صدق تصريحاتنا ومواقفنا.
إذا ضُمِّدَت الجروح، جفّت، يبست وسَكَن الألم، معنى ذلك أنّنا سنمحي من الأجيال القادمة حقائق تاريخيّة ونهج سياسات تقوم على القتل والنّهب والعنصريّة!! سنعيش في واقعٍ مزّيف خطّط له بعض الانتهازيّين، لا أريد أن نعيش واقعًا كهذا، فننسى تاريخنا وندقُّ ذاكرتنا بالحائط!!
هناك جروح ستصاحبنا، هذه الجروح مدرسةٌ لنا.. فهل نبيعها؟
هذه الجروح تنزف تاريخًا نتسلّح به كي لا نقع في فخّ الجهل وفي فم المشاريع الامبرياليّة الاستعماريّة، فنسيء التصرّف قولا وفعلاً.
وإن كنّا نتحدّث عن العالم العربيّ، فعن أيّ حربٍ نتحدّث تحديدًا؟!! الحروب كثيرة!!
إنَّ الاتفاقية التي قامت بها الإمارات والبحرين مع إسرائيل هي حرب، حرب مع الوطنيّة، جرح كبير للقضية الفلسطينيّة، وتأكيد لخيانة بعض الدول العربيّة وانجرارها وراء دول الاستعمار والاحتلال!!
الحروب مستمرة، فكيف لها أن تلتئم، بل هذه الجروح ستحمل ألمًا وغضبًا كبيرين على حكومات باعت القضية الفلسطينيّة وتعانقت مع الجلاّد.
هل استطاع الأدب العربي أن يلعب دور الموحد لهذه الصراعات التي تنخر جسد الأمة؟ أم أصيب بانتكاسة مثلها؟
لا، الأدب لم يلعب دور الموحّد! لا يمكن له أن يكون كذلك، لأنَّ هذه الصّراعات التي نتحدّث عنها لها ممثلوها، ومنهم الكتّاب. بكلمات أخرى، هناك اختلافات في وجهات النّظر والبعض يحاول أن يجسّد ذلك في كتاباته ويبرز هذه الاختلافات، وعليه لا يوجد توحيد بالنّسبة لهذه الصّراعات.
الأدب يجسّد هذه الصّراعات ولا يعمل على توحيدها.
مع ذلك، أدبنا لم يصب بانتكاسة، هناك مؤلّفات قيّمة وإنتاجات إبداعيّة. صحيح أنّ بعض الأدباء أصيبوا بنكسة فكريّة، تأثّروا بسياسة التطبيع، أيّدوا التطبيع، وحتمًا سيكون لذلك صدى في أعمالهم، إلا أنَّ هؤلاء، لن يستطيعوا كسر الوعي الفكريّ للكثير من أصحاب المواقف الوطنيّة.
تشهد الساحة الثقافية العربية صراعات علنية بين كتابها، ومبدعيها، صراعات فكرية أدت لانقسام الكثير من الاتحادات، ونفور كثير من المبدعين من هذه الاتحادات، ما سبب كل هذه الصراعات حسب وجهة نظرك؟
إنَّ هذه الصراعات ليست حديثة ولا تخصّ العالم العربيّ فقط، إنما هي قديمة جدًّا.. نجد ذلك في الشّعر العربي القديم، مجسّدًا بقصائد الهجاء، الطّعن في الآخر والسخريّة. بكلمات أخرى، هذه الصّراعات جاءت في قالبٍ أدبيّ.
لقد اخذت هذه الصراعات النّاتجة عن اختلاف في وجهات النّظر شكلا آخر في مطلع القرن الماضي، لكنها بقيت ضمن النّظام الأدبي، حيث أخذ الكُتّاب يواجهون بعضهم بعضًا من خلال مقالات، نحو طه حسين، عباس محمود العقّاد وغيرهما. واتجهت هذه الصّراعات لاحقًا إلى الشخصنة، نحو خلاف عميد الأدب العربي، طه حسين، وتلميذه زكي مبارك.
الصّراعات، اليوم، قضت على الجانب الأدبي وتحوّلت إلى الشخصنة.
للأسف، في عالمنا العربيّ تحوّل الاختلاف إلى خلافات وصراعات اتخذَّت طريق الانقسام والحروبات!!
ولا بدّ من الإشارة أنَّ ليست جميع الاختلافات صراعات فكريّة! أحيانًا هي مجرّد اختلافات في وجها ت النّظر.
هذا إلى جانب الانتهازيّة، الأنانيّة، عدم الاعتراف بالآخر وبإبداعه وتهميش البعض لأسباب أو لأخرى، الأمر الذي يؤدّي إلى تهميش بعض الكُتّاب رغم إبداعهم.
المشكلة هي تحويل الاختلافات إلى خلافات ومحاولة فرض الرأي لا المحاورة.
كأديبة، وناقدة أدبية، كيف تقيمين الساحة الأدبية اليوم؟ في فلسطين، وفي الدول العربية؟
تشهد الساحة الأدبية في أيّامنا هذه نشاطًا أدبيًّا بارزًا، في العالم العربي وفي فلسطين خاصةً، هناك مسيرة إبداعيّة مستمرة، يجب أن لا نرفع أعيننا عنها. لذا على النّقّاد أن يأخذوا دورهم من أجل توجيه المتلقي وتوجيه ذائقته الأدبيّة.
كناقدة أدبية، كيف تقيمين حركة النقد الأدبي في بلادنا، وفي الدول العربية الأخرى؟ هل هناك حركة نقدية فاعلة حققت الهدف المرجو منها؟
في بلادنا نقّادٌ مبدعون يقومون بواجبهم بشكلٍ كامل، إلا أنَّ غزارة الإنتاج تُظهر الحركة النقديّة وكأنّها متخلّفة عن الأعمال الإبداعيّة.
أقصد بالنّقد، النّقد الخالص لا ذلك الذي يقوم على المجاملة أو القراءة الاستعراضيّة!
لعلّنا نذكر في هذا السّياق، الألقاب التي باتت تُطلق على كلّ من خطّ سطرًا!! إذ أصبحت كلمة نقد تُطلق على مداخلات استعراضيّة لأعمال أدبيّة!! إضافة إلى المجاملة في النّقد. هذا الأمر حطّم بعضًا من أهداف الحركة النقديّة وأتاح المجال إلى الأعمال الرّثة، فسيطر الرّثّ على السّمين، فإذ بنا نقرأ اليوم أدبًا لا علاقة له بالفنّ الأدبي على اختلاف جنسه. وهذا الأمر يؤثّر بطبيعة الحال على الحركة الأدبيّة.
الحركة النقديّة تسير نحو الهدف بثبات.
هل نجحت الرواية الفلسطينية في تصدر المشهد فيما تراجع الشعر؟
الرواية الفلسطينيّة، والرواية العربيّة عامةً، تتصدّر الإنتاجات الأدبيّة. الرواية في تطوّر سريع، والكثير من الكُتّاب توجّهوا إلى كتابة الرواية. إلا أنَّ الشّعر ليس في تراجع، ما زال له مكانة في العالم الأدبي.
هل أنت راضية عن دور المرأة في الساحة الأدبية العربية؟
نعم، أرى أنَّ صوت المرأة حاضرٌ وبقوّة سواء في الكتابة، النّقد والفنون الأخرى. ولكنني غير راضية عن التعامل مع الإبداع النسوي، إذ يجعلون المرأة في خانة منفردة تجعلها وكأنّها تنافس بمعايير أدبيّة مختلفة والحقيقة عكس ذلك. المرأة في السّاحة الأدبيّة تنافس بنفس المعايير التي ينافس بها الرجل.
أبرز المشاكل التي يعاني منها الكتاب العرب في الداخل؟ ما الحل؟
الانغلاق والإقصاء؛ وجود الكاتب العربي الفلسطيني في الداخل تحت حكم الاحتلال فرض عليه حياةً منعزلة عن العالم العربي. والحلّ هو اختراق هذا التباعد عبر التواصل الثقافيّ.
الحلّ هو الوصول إلى العالم العربي من خلال محطّات أخرى!
نحن، أبناء الشّعب العربي الفلسطيني في الداخل، نعاني من سياسة التمييز والاضطهاد، تلك السياسة التي تطال حقّنا في الممارسة الثقافيّة. إنَّ الميزانيّة التي تخصّصها دولة الاحتلال للأقليّة العربيّة ضئيلة جدًّا، الأمر الذي أثّر على النشاط الثقافي. نحن نعاني من نقصٍ في المؤسّسات التي ترعى النشاطات الفكريّة، الثقافيّة والاجتماعية، منها مثلا: نقص في المسارح، نوادي ثقافيّة، السينما، دور النشر. هذا، إلى جانب الرقابة التي تفرضها الدولة على مضامين الأعمال الثقافيّة والسياسيّة. أحيانًا تفقد بعض المؤسّسات ميزانيّتها الضئيلة بسبب مواقف سياسيّة لا تروق لدولة الاحتلال.
هناك حاجة إلى حراك أدبيّ شامل من قِبل مؤسسات عربيّة؛ نحن نشهد في البلاد حِراكًا ثقافيًّا ولكن لا بدَّ أن تتخذَّ المؤسّسات الثقافيّة العربيّة دورها في تنشيط الحركة الثقافيّة، نحو الاتحاد العام للأدباء، دور النّشر والإعلام؛ للإعلام دور هام في إلقاء الضوء على المؤلّفات والإنجازات المختلفة. إضافةً إلى السعي نحو ترجمة الأعمال التي تستحقّ ذلك!
هل شجعك الأهل قديما، وحديثا على الكتابة؟ هل يناقشك أحد من أسرتك فيما تكتبين؟
نعم، دائمًا تلقيتُ التشجيع من أهلي.. لا يعترض سبيلي، فكري أو قلمي أيّ شخص، وإن اختلفنا في الآراء فسبيلنا الحوار.
واضح أن معظم الترجمات الأدبية للعربية تكون للأدب الغربي، لماذا يهمل المترجمون العرب ترجمة إبداع الدول الآسيوية مثل الهند، الصين، روسيا، اليابان إلخ؟ وكذلك أدب أمريكا الجنوبية؟ هل سنوات الاستعمار الأوروبي جعلتنا أسرى لتلك الثقافة؟
أرى أنَّ هذا الأمر يعود إلى الجهة المترجِمة لهذه النّصوص، فإذا كانت واقعة تحت تأثير الجهة الاستعماريّة المهيمنة فحتمًا ستتأثّر اختياراتها بها. ولعلَّ ذلك جزء من اللعبة الاستعماريّة.
لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ المؤلّفات المترجَمة غالبًا ما ترتبط بالظروف التي تسود البلاد، فترجمة الكتب الماركسيّة، على سبيل المثال، ارتبطت بظهور تيّارات سياسية شيوعيّة وبالحركات العماليّة.
إنَّ الأدب (بما في ذلك الأدب المترجَم) يؤثّر على المتلقي لأنّه يعرّي الواقع ويدفع بالمتلقي إلى التفكير والتأمّل، الأمر الذي يؤثّر على فكر الفرد في بناء قراراته وتشكيل توجّهاته. لذلك هناك مصلحة في اختيار بعض المؤلّفات وترجمتها لتخدم بذلك توجّهات الجهات المموِّلة والثقافة المسيطِرة. وبما أنَّ الثقافة السياسيّة المهيمنة هي الدول الامبرياليّة الاستعماريّة فقد يكون لها أثر في ذلك.
لذا، علينا أن نحوّل الأدب من أداة تبعيّة إلى أداة مستقلة ثوريّة، ويكون ذلك عندما يحمل النّصّ الأدبي الواقع، من جهةٍ، ورؤى الكاتب وفكره الذي يتيح المجال أمام المتلقي للتفكِّر، من جهةٍ أخرى.
كلمة أخيرة توجهينها للكتاب الصاعدين في بلادنا
للكُتّاب الصّاعدين في بلادنا أقول: القراءة ثمّ القراءة؛ غذّوا فكركم من خلال القراءة لأنّها تشكّل سلاحًا وأداةً للتطوّر.
اكتبوا قليلا، اقرؤوا كثيرًا واسعوا إلى إغناء ثقافتكم.
للشعراء الصاعدين ماذا تقولين؟
لا تنسوا جذوركم، لا تبتعدوا عن واقعكم، أنتم أبناء الحياة، أبناء الواقع.. لا يمكن للكلمة أن تطير في سماء العالم إذا انفصلت عن واقعها.
صوّروا هموم النّاس، ارسموا فكركم وتأنّقوا بلغتكم؛ أبدِعوا ولا تقلِّدوا.
لكتاب القصة، والرواية؟
لكُتّاب القصّة والرواية القديرين أقول، استمرّوا في الإبداع فهكذا نحفظ موروثنا الثقافيّ.
للباحثين في بحور اللغة؟
أبحروا فبكم نغتني.
للنقاد؟
إنّ النّقاد يطّلعون ويمارسون النّقد إلى جانب عملهم الرئيسي كمعلّمين أو محاضرين في الجامعات والكلّيات المختلفة، وهذا يستنفذ طاقة كبيرة، لذا بدايةً أحيّيهم على عملهم ومجهودهم وأدعوهم للاستمرار في النقد من أجل توجيه المسيرة الإبداعيّة.
لدينا كوكبة من النّقّاد القديرين، الذين يتحلَّون بالأمانة وبالمصداقية، قدّموا وما زالوا يقدّمون الكثير. سأنتهز الفرصة، وأضمّ صوتي لصوتهم وأدعو كلّ دارس وباحث أن يأخذ دوره. كما أتمنى عليهم الصّدق والأمانة والإشارة إلى مواطن الضّعف في العمل الأدبي وليس إلى مواطن الجمال فقط، لِما في ذلك من فائدة في توجيه القارىء/ المتلقي.
للكتاب بشكل عام؟
اكتبوا واكتبوا، رحّبوا بالقراءات النقديّة لأنّها تهدف إلى التقويم.
الكتابة فكرٌ ورؤية، إنْ أحسَنا الكتابة يورق فكرنا على شجرة الإبداع فنساهم بذلك في بناء النّسيج الاجتماعي الفكري وفي بناء المشهد الثّقافي.
كلمة أخيرة
كلّ الشّكر على هذه الفسحة الأدبيّة، أرجو أن يكون ديوان العرب جامعًا للإنتاجات الأدبيّة المستحقّة.
ختامًا لك منا أجمل تحية، وسلام
– علا عويضة
من مواليد مدينة حيفا، حاصلة على اللّقب الثّالث في اللّغة العربيّة وآدابها من جامعة حيفا.
تعمل محاضرة في كلّيّة دافيد يلين لإعداد المعلّمين في القدس، وكلّيّة جوردون في حيفا.
تكتبُ الشّعر والمقالة وتشارك في العديد من النشاطات الثقافيّة.
مشاركة منتدى
15 تشرين الأول (أكتوبر) 2020, 21:05, بقلم الحسن لشهاب (المغرب)
تقول الكاتبة المحترمة ان مشكلة العرب انهم لا يهتمون و لا يبدعون في المجالات الثقافية،و ان الثقافة هي السبيل الاوحد في تطوير وعي الناس ،حكاما و مواطنين، و في نفس المقال تقول ان المشكلة ليست في الكتب و لا في رجال الفكر، انما في السلطة التي تسعى الى تأمين مصالحها الداتية الميالة الى الجاه و السلطة و المال،اما انا فانني اقول :ان تحالف السياسيين بلا مبادء و الاقتصاديين بلا سلوك و المتدينين الافيونيين والاعلاميين و الاداريين المتسلقين و العسكريين الاستعماريين ،هو سبب فشل المثقفون و المفكرون على التيارات السياسية القائمة ،و هي سبب تقسيم الادب و الادباء،و النتيجة حثما تكون لصالح من يتحكم في التيارات السياسية القائمة،حيث يصنعون من خلالها الكائنات الريعية و المنحنية والفاسدة التي تستجيب لمطالبهم ،الاستعبادية و الاستحمارية و ما شبه،و ما زاد الطين بلة هو ان هدا التحالف الجهنمي المذكور اعلاه ،يتلقى دعما ايديلوجيا و ماديا و استخبراتيا و عسكريا من طرف اعداء الشعوب الاسلامية،لا ليشء الا لانها تنتمي الى انظمة اسلامية غازية ,,,