مصر على أهبة حلم الديمقراطية !!
مصر وهى تتأهب للركب الديمقراطى عليها أن تستعد نفسيا وعمليا على مسار جديد قد يبدو غريبا وصعبا ومختلفا عما كانت تسيرعليه البلاد لعقود طويلة. تستعد لشفافية حقيقية وتوافق لتوازن دقيق بين الحرية والعدل، فلا أن تكون الحرية مهدورة تتحقق إن سمح العدل بتحقيقها، ولا أن يضحى بالعدل فى سبيل الحرية الكاملة. التوازن بين أستنشاق الحرية والطموح إلى العدل.
مصر عليها أن تستعد للعمل الشاق ولركب الصعاب، وكما قال الشاعر:
إذا لم يكن إلا الأسنة مركب فلا رأي للمضطر إلا ركوبها.
ولكن علينا جميعا أن نعى بعض الحقائق ونضع نصب أعيننا بعض الأهداف ونتوافق عليها.
أن نعى أن حقيقة االفترة القليلة المقبلة هى فترة أستثنائية قبلها معظم الشعب المصرى لظروف أمن وأستقرارالبلاد، وأن هدف الثورة بعد هذه الفترة القليلة، هو دولة مدنية لا يحكمها جنرال من الجيش ولا يتدخل فيها الجيش فى السياسة.
وحجة خاطئة لمن يقول أن هناك بلاد ديمقراطية حكمها جنرالات من الجيش. ففى الغرب الديمقراطى كانت ومنذ نصف قرن ثلاثة بلاد فقط حكمت من قبل جنرالات الجيش، كانت جميعها وبدون أستثناء لظروف الحرب.
ونستون تشرشل جاء فى محنة الحرب العالمية الثانية بين 1940- 1945 . ديفيد أيزنهاور جاء أبان الحرب الكورية بين 1953- 1961. شارل ديجول جاء أثناء الحرب على الجزائر بين 1959- 1969.
أما الدول التي حكمها الجنرالات أوالتى يحكمها حتى الآن فى العالم، فكلها كما نعرف جميعا تعتبر أفقر وأجهل وأفسد دول فى العالم بدون أستثناء.
أن نعى حقيقة أن هناك الملايين من الشعب المصرى من غير المتعاطفين مع الأخوان ومن غير التيارات الدينية يرفضون تدخل الجيش فى السياسة، ومن ثم يرفضون أى من رموز الجيش فى الحكم بعد فترة الأمن والأستقرار. وسيصبح خطئا فادحا إذا أختلط على النظام عن عمد أو عن غير عمد تخوين وتشويه كل من يرفض حكم الجيش بعد فترة الأمن والأستقرار التى يحددها الشعب والتغاضى عن النغمة التى يتبناها الكثيرون " من ليس معنا فهو ضدنا "، حتى لا نقع فى نفس أخطاء الأنظمة البائدة، وحتى لا ندفع الشعب بالقيام بثورة جديدة. ومن هنا تأتى أهمية وضرورة المصالحة والوفاق الوطنى بين فصائل الشعب المختلفة.
أن نعى حقيقة أن الشعب المصرى بدون أستثناء يحب جيشه، فهم من أبنائه وآبائه وأخواته، وهم الذين انحازوا لجميع ثوراته وهم الذين دافعوا عن تراب هذا الوطن، ولكى يظل هكذا لابد أن يتجنب خطأ التدخل فى السياسة والانحباز إلى حزب ما أو فصيل ما، أوما إلى ذلك. ولذلك فإن محاولة الوقيعة بين الشعب والجيش ستبوء دائما بالفشل.
أن نعى حقيقة أن مؤسسة الجيش بأسلحتها ومصانعها ومدخراتها هى ملك للشعب، شأنها شأن كل الوزارات ومؤسسات الدولة تخضع للدستور والقانون المدنى، وأن الذى قام بثورة 25 يناير هو الشعب، ولم يكن هناك أى اختيار عاقل آخر للجيش الذى هو من أبناء الشعب إلا مساندة الشعب، وكذا الحال فى ثورة 30/6 التى قام بها الشعب وأنحاز الجيش لها. ولم يكن للجيش الفضل فى الأنحياز لأنه كان الأختيار الوحيد من جيش الوطن. ولو لم ينحاز الجيش للشعب لأستمرت الثورة.
أن نعى حقيقة دور الدولة العميقة لفلول النظام السابق فى استغلال ثورة 30/6 ( تماما كما استغلت جماعة الاخوان المسلمين ثورة 25 يناير)، والوقيعة بين شباب 25 يناير وشباب 30/6.
ومع أن رموز الفلول فى السجون الآن للمحاكمة، إلا أن أتباعهم وأموالهم تعمل جاهدة للانتقام من ثورة 25 يناير التى أذلتهم وأطاحة بسلطانهم.
أيضا علينا فى هذه الفترة القليلة المقبلة أن نحقق بعض الأهداف التى ستكون محك أختبار لمصداقية هذه الفترة. كتفعيل الحد الأدنى للأجور والأقصى للدخول، والبدأ فعليا بتطهير جميع الوزارات والهيئات من الفساد والمحسوبية، وحث الشعب على أن الكفاءة فى الأنتاج هى السيبل الوحيد لأستقلال مصر بدون الأعتماد على المساعدات الخارجية والشحاذة.
أيضا لابد ن نرى بعض ملامح الديمقراطية (كما رئينا فى الحسم فى تطبيق القانون لأمن الشوارع والمرور والنظافة)، فى تعديل قانون التظاهر، وفى أجراءات تطهير أجهزة الأعلام الرسمى من الفلول والتملق والنفاق للنظام والكف عن الأستهلال بأخبار الرئيس أيا كانت أهميتها، والتعميم الأعلامى بتجاهل المظاهرات التى تقوم فى انحاء البلاد......
وليس أمامنا خيار ونحن على الأسنة، فإما أن نختار الديمقراطية، فنسلك إليها طريقها الصعب المستقيم، وإما أن نؤثر الأستبداد، لنعود فنشقى بآلامه وأثقاله وخداعاته الكثيرة.