الأحد ٥ تموز (يوليو) ٢٠٢٠
بقلم محمد جمال صقر

مع يوسف ذنون فقيه الخط العربي، رحمه الله، وطيب ثراه!

صباح الأحد (24/12/2017)، في طريقي إلى قسم اللغة العربية من كلية اللغات الأجنبية بجامعة بيكين الصينية، قلت لشمس الدين (يو دي يانغ)، مساعدي الصيني، طالب دكتوراة النحو العربي: كيف اهتديت إلى اللغة العربية؟ قال: بالخط العربي! نعم؛ ففي خلال تقليب مواقع الإنترنت انتبهت منها إلى بعض المشتغلة به؛ فانبهرت، واهتديت!

قلت: سبحان الله! كان أبي -عفا الله عنه في الصالحين!- خطاطا ورساما ومزخرفا، مواهب من مواهبه، لم أرث منها غير محبتها! ولكنني عام 2004، رشحتني كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، للمشاركة في "نحو خط عربي أفضل (20-22 من ديسمبر)"، مؤتمر مكتبة الإسكندرية الدولي الفذّ، فلجأتُ إلى مقالي الذي لم يخذلني في أزمة قط "مهارة الكتابة العربية:

http://mogasaqr.com/…/%d9%85%d9%87%d8%a7%d8%b1%d8%a9-%d8%a…/
... وأضمرت معه أمرا آخر!

من القاهرة حملتُ أسرتي قبل يوم من المؤتمر إلى حيث أصهاري بمدينة دسوق من محافظة كفر الشيخ، على نصف ساعة من الإسكندرية. ثم رأيت المشاركة رحلة مفيدة، فأحببت إشراك الشباب، فاصطفيت منهم ثلاثة أحدهم براء ابني، لولاهم ما تيسر لي بلوغ مكتبة الإسكندرية، ولا الركون بسيارتي إلى رصيف قريب، ولا طاب لي ما حظيتُ به معهم من طعام وسياحة!

احتشد المشاركون في أفخم قاعات المكتبة، يستمعون لرئيسها الدكتور إسماعيل سراج الدين يرحب بهم، ثم تتابعوا على إلقاء كلماتهم -ولا أنسى توجسهم عندئذ من سوء أثر حوسبة الخط العربي- حتى إذا ما قمت في المقام أوجزت أفكار مقالي الكبار، لأتفرغ لإلقاء قصيدتي من تكاذيب الأعراب:

http://mogasaqr.com/2014/05/16/مِنْ-تَكاذيبِ-

التي رمزتُ فيها بفساد الأصوات اللغوية العربية إلى فساد الأخلاق الإنسانية العربية؛ فكأنما لم يستمع الحاضرون إلى غيري، وانضممت إلى مجتمع صفوتهم، يتحبَّبون إليَّ وبعضُهم أسنُّ من أبي، وأتحبَّب إليهم مستطردا إلى طرائف الخطاطين، حتى ذكرت أنهم كغيرهم وُضِعت في فضلهم بعضُ الأحاديث النبوية، وأن منها أنني سمعت أحد الخطاطين العراقيين يقول: وفي الحديث "مَنْ خَطَّ السِّينَ فَحَسَّنَهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ" -ولعله يشير إلى سين "بِسْمِ اللهِ"!- وفي صدر مجتمع الصفوة شيخ تجاوز السبعين، رزين كريم بهي وسيم، لم يكد يسمع ذلك حتى قطع عني تحبُّبه وحوَّل وجهَه -و"رُبَّ كَلِمَةٍ سَلَبَتْ نِعْمَةً"- ولم يزل حتى انفض المؤتمر إذا التقى وجهانا يتململ مني ويعرض عني!

وإذا الشيخ هو يوسف ذنون -وذنون ذو النون يونس عليه السلام، قد أخذَت منه كثرة الاستعمال!- العراقي الجليل، فقيه الخط العربي، الذي توفي أمس (4/7/2020)، رحمه الله، وطيب ثراه! ولا والله ما كان بي من سوء إلا جناية الإحماض (التفكُّه)، ولقد رجوتُ أن لو كنتُ اعتذرتُ بها منه!

وهيهات!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى