السبت ٦ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٧
بقلم أحمد الخميسي

من الأردن إلى شيكاغو

منذ أكثر من عامين وصلتني على بريدي الإلكتروني دعوة للمشاركة في مؤتمر بعمان - الأردن لمناقشة الحريات الإعلامية في عالمنا العربي.الدعوة التي تضمنت فاتحات شهية مثل الإقامة في فندق خمسة نجوم مع إفطار وعشاء، جاءتني بتوقيع دكتورة تدعى نهلة القصبي. ولم أصدق في البداية أنني المقصود بالدعوة لأنني عادة لا أدعى حتى إلي مؤتمر أدباء أقاليم في بنها.

وهكذا كتبت إلي الدكتورة أستوثق : أنا؟! فعادت وأكدت لي في رسالة ثانية أن الدعوة موجهة لي شخصيا، وأن علي أن أبادر بإرسال البيانات الخاصة بي في أسرع وقت واسم البحث الذي سأقدمه، ليتسنى لها إدراج اسمي بين المشاركين! ولما كانت الدعوة إلى الدفاع عن الحرية تثير في نفسي أعمق الشكوك، تجاه الدعوة، والمبادرين إليها، وجهات تمويل نشاطها في أعظم الفنادق، وأهدافها التي لا ترى من الحرية سوى ما ينفع السياسة الأمريكية، فقد كتبت إلى السيدة نهلة أسألها سؤالا واحدا: من الذى يمول المؤتمر ؟! .

وبسؤالي انتهت القصة ولم أتلق أية إجابة لأنه لا من الذكاء ولا من اللباقة أن تسأل عن مصدر طعام دعاك شخص إليه في فندق ممتاز! في حينه لم أعتبر أن ذلك موضوعا جديرا بالكتابة، إلى أن تلقيت مؤخرا دعوة أخرى من التجمع القبطي الأمريكي الذي يتزعمه المهندس كميل حليم للمشاركة في المؤتمر القبطي العالمي الذي سيعقد في شيكاغو بولاية إلينوي بعد شهر واحد – من 18 إلي 21 أكتوبر – لمناقشة وضع الأقباط وسبل التقريب بين القوى المعنية بتفعيل المواطنة لكل المصريين.

سيشارك في المؤتمر حسب الورق المرفق بالدعوة: " أبرز نشطاء حقوق الإنسان في مصر" وغيرها. وبالطبع فقد اعتذرت عن السفر والمشاركة وإن كان ذلك لا ينفي أهمية الموضوع المثار بالنسبة لكل من يؤرقه الخوف على الوحدة الوطنية.

أما عن أسباب اعتذاري فهي أنني لا أستطيع أن أشارك في نشاط يتم تمويله من مصادر مجهولة، حتى لو كان المصدر الوحيد هو التجمع القبطي الأمريكي ذاته. كما يدفعني للحذر مشاركة فرق حقوق الإنسان التي تكرس وفقا للتصور الأمريكي اهتمامها لقضايا جزئية وتهمل تماما كل ما يمس قضايا الحرية بمعناها العميق في علاقتها بالتبعية والاستعمار وإسرائيل وأمريكا، وهي الفرق التي تعرف تماما متى ترفع صوتها بشأن الأقباط والنوبة وحرية التعبير وختان المرأة ، ومتى تلزم الصمت الكامل حين يتعلق الأمر بالعالقين في رفح، أو معتقل أبو غريب، وجوانتنامو، والمقابر الجماعية الأمريكية في العراق، وقتل الفلسطينيين يوميا وبلا نهاية.

أضف إلي ذلك أنني أعيش في مصر، ومن ثم فإنني إذا ما فكرت في القيام بعمل لترسيخ المواطنة، فإن ذلك لا يحتاج في اعتقادي لسفري إلى شيكاغو، فالقضية تتحرك هنا تحت أعيننا بكل تعقدها ومظاهر تفشيها العنيفة والهادئة، وهي بحاجة إلي مؤتمر أو ندوة موسعة أو سلسلة ندوات تعقد هنا بمشاركة كل الأطراف المهتمة للنظر في طرح المسألة طرحا صحيحا، واقتراح الخطوات اللازمة بما في ذلك إصدار مجلة متخصصة في إحياء قيم الوحدة الوطنية وتاريخها ومستقبلها.

ويؤكد الواقع يوما بعد يوم أهمية بحث المسألة القبطية فقد تجددت يوم الأحد 23 الجاري الاشتباكات الواسعة النطاق بين مسلمين ومسيحيين في الإسكندرية وأصيب خلالها ستة مواطنين وحطمت واجهات محلات وسيارات، ومثل هذه الأحداث تستدعي بذل المزيد من الجهود من كل المؤمنين بأن مصر وطن للجميع وأنها إبداع مشترك تضافرت في خلقه حياة أبنائها كافة.

هل تفيد المؤتمرات في الخارج حركة ترسيخ الوحدة الوطنية؟ أم أن دورها قاصر على الدعاية للمسألة القبطية؟ وفي هذه الحال، لمن نتوجه بدعايتنا ؟ وبأي هدف؟ وهل تستطيع أمريكا أن تقدم دعما حقيقيا لتلك القضية وهي التي تمارس التمييز ضد مواطنيها الزنوج؟ والأقليات الأخرى؟ بل وتتولى قتل وتشريد الملايين في العراق وفلسطين؟ هي تصلح أمريكا مظلة لحماية الحقوق القبطية؟. لا أعتقد. وسأظل أفضل أن ألتقي هنا بأصدقاء وأخوة أقباط أعزاء لمناقشة كل همومنا عن سفر إلى شيكاغو حتى لو كان مجانيا! حظي سيء في السفريات !

بوركت دكتور أحمد وأكثر الله من أمثالك، هكذا يكون الكتاب الحريصون على شعبهم وأمتهم: ديوان العرب


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى