

مهاتفة الينابيع/إلى أمي
أضغطُ بقلبي على قرص التمنيات, وروداً ملائكية يحملُ لي الهاتف, سنوات عمري تذوبُ في أسلاك, أمسكُ الشوقَ من أول الجمر و أنا أسمعها تخاطبني و تنزل الحرقات على أصابع الكلام, تربت على كتفي و تطلق من حنجرة الدعاء سيلاً من المحبة.
تطلبُ مني أن أرجعَ إلى أيامي, فأضم أيامها إلى صدري, شرفات من الحبق و الحنان. الصوت يصلني, بكلِّ رياحين الحنين. الصوتُ يطوقني بذراعيه, مساكبُ الشوق ِ تزهرُ مع كلِّ كلمة تقولها ..و أنا ما بين نداءات الوجد و أحزان السفر أقيسُ المسافات ِ بالرغبات ِ الصعبة.
يترددُ الصدى, في أركان الالتياعات, أدنيه من دمي.. و أتذكرُ دمي طفلا.. أبصرهُ صبياً, يمتشقُ الطريقَ علامات للعرفان, تصيحُ أفئدة ضلوعي: يا أمي..يا أمي..
تعاتبني قائلة: كل عام ترسل لي أطفالك, فيرفع المسرات جبيني, ألثمهم, ألثمُ أثرك, كيف تفهمني؟ أرى وجهك في وجوههم, أحمدُ الله و أشكره كثيرا.. لكني أشتاق إليك أكثر و أنت تنجب سلالة في منفى, فيكبرون في قيود البعاد..بعيداً عني يكبرون..
أشكرها على هدايا الزعتر و الميرمية و "الزوفا". تحيطُ نسيج الخطاب في أهازيج, يتراقصُ "التلفون" في يدي, أرمقُ طرفَ ابتسامة ٍ في الفضاء.
– متى تأتي؟
– سآتي مع أول الغيث.. لن يقطعَ الذئاب دروب التلاقي, أماه..
– قلتَ هذا غير مرة..هل تلقاني تحت شجرة أغصان شجرة التوت, أنسجُ لأولادك "كنزات" الربيع, أم تراكَ تجدني راحلة هناك تحت جذورها ؟
– حماك الله يا أمي, أطالَ الله في عمرك..سأرسلُ لك ِ حفيداً "أو حفيدة" مع مطلع البراعم, أرجو أن تقصِّي على مسامعه حكايات البحيرة و البلد.
و تنتهي مكالمتي مع الينابيع..أشعلُ الفراقَ لفافات تبغ متلاحقة..أكبرُ في المنفى, و لا تسقط في الانتظار قلاعي..