موجزة عن تاريخ مصر
الملخص: هذا المقال يقدم موجزا عن تاريخ مصر وتطوراته الاجتماعية والثقافية والأدبية.
– الباحثة: سوسن باقري طالبة بجامعة آزاد الإسلامية في کرج في فرع اللغة العربية وآدابها
– الكلمات الدليلية: تاريخ مصر، الاتجاهات الثلاثة الأدبية، مصر القديمة، المثقفون
– مستخرج من رسالة ماجستير بإشراف الدکتور سيد إبراهيم آرمن أستاذ مساعد بجامعة آزاد
الإسلامية في کرج
التمهيد:
تتأثر الثقافة والأدب في كل العصور عن الحالات السياسية والاجتماعية الحاكمة والمسيطرة علی المجتمعات المختلفة وبالنسبة إلی الحضارات القديمة وتطوراتها ومنها الحضارة المصرية يكون هذا التأثر واضحا في جميع المجالات الفكرية والثقافية والأدبية.
جزيرة العرب
«يسکن العرب رقعة کبيرة من الأرض، تمتد من المحيط الأطلسي حتّی الخليج (الفارسي) وتشتمل هذه الرقعة القسم الأکبر من غرب آسيا وشمال أفريقيا ويحتل العالم العربي مرکزاً جغرافياً ممتازاً، فتلتقي عنده قارات ثلاث هي آسيا وأوروبا وأفريقيا وقد استطاع بفضل هذا الموقع الفريد أن يربط بين الغرب الذي يمثله العالم الأوروبي والشرق الذي يمثله العالم الآسيوي ويشغل العالم العربي الجزء الأکبر من المنطقة التي تعرف حالياً باسم الشرق الأوسط.» [1]
إنّ مناخ جزيرة العرب علی العموم، «حار شديد الحرارة، يعتدل في الليل في أراضيها المرتفعة صيفاً ويتجمد شتاءا وأحسن هوائها الرياح الشرقيّة وتسمی الصبا وکثيراً ما تغنی الشعراء بمدحها وعلی العکس من ذلک ريح السموم وأحسن أيامها، أيام الربيع وهي تعقب موسم المطر، فينبت الکلأ والعشب وترعي الإبل و الماشية»،و «إنّ اکثر الظواهر الجغرافيّة اللافتة في الشرق الأوسط هي جفافه وجدبه.» [2]
إنّ أهم مياهها، «هي النيل ودجلة والفرات...وتعتبر مصر والعراق من أودية الأنهار وکلاهما مجتمع قديم... من أقدم المجتمعات في منطقة الشرق الأوسط وإن لم يکن في العالم کله وکلاهما يعتمد علی الاقتصاد الزراعي القائم علی الري الصناعيش المتقن.» [3]
وأما من ناحية معتقداتهم الدينيّة ولغتهم فنری، «أنّ الشرق الأوسط هو مهد الأديان السماويّة الثلاثة... ومنذ ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي صارت العربيّة والفارسيّة والترکيّة سيد اللغات في المنطقة، فحلت هذه اللغات محل اللغات القديمة مثل القبطية واليونانيّة والسريانيّة.» [4]
مصرالقديمة
کان المصريون من أقدم أمم الأرض وکانت لهم حضارة عظيمة قبل الميلاد المسيحي بالآف السنين ولکن، «يرجع أصل المدنية الحديثة إلی الأمم التي نشأت علی شواطیء البحر الأبيض المتوسط الشرقيّة وإلی البلاد المجاورة وذلک منذ نحو ستة الآف سنة تقريباً... » [5]
«أطلق المصري القديم علی بلده العديد من الأسماء والصفات وتعبر هذه الأسماء والصفات عن طبيعة أرض مصر من الناحية الجغرافيّة والطبيعيّة وما تحويه من ثروات وتشير کذلک إلی اعتزاز الإنسان المصري القديم ببلده وأرضه وحبّه وعشقه لها.» [6]
و«إنّ اسم مصر في اللغة العربيّة واللغات الساميّة الأخری مشتق من جذر سامي قديم يعني البلد والبسيطة والممتدة وقد يعني الحصينة أو المکنونة والاسم الذي عرف به المصريون موطنهم في اللغة العربيّة هو "کِمِت" تعني الأرض السوداء کنايةً عن أرض وادي النيل السوداءِ تمييزاً لها عن الأرض الصحراويّة.»
[7]
«بدأت حياة الإنسان المصري القديم في مجتمع زراعي مستقر تجمعت فيه منذ البداية خصائص طبيعيّة معيّنة... وإنّ الاقتصاد الرئيسي في المجتمع المصري القديم هو الاقتصاد الزراعي الذي يعتمد أولاً وأخيراً علی تلک الظواهر البيئية والکونية ...» [8]
ومن حيث موقعها الجغرافي فإنّ مصر، «دولة تقع في أقصی الشمال الشرقي في قارة أفريقيا وتطل علی کل من الساحل الجنوبي الشرقي للبحر المتوسط والساحل الشمالي للبحر الأحمر بمساحة إجمالية تبلغ 2 مليون کم تقريباً وهي دولة إفريقيّة غير أنّ جزءاً من أراضيها وهو شبه جزيرة سيناء يقع في قارة آسيا وتشترک مصر في حدودها من الجنوب مع السودان، من الشمال الشرقي مع فلسطين ويفصلها البحر الأحمر عن کل من الأردن والسعودية، تمرّ عبر أرضها قناة السويس التي تفصل الجزء الآسيوي منها عن الجزء الإفريقي.» [9]
ومن حيث قدمها، «فقد ثبت في أقدم الکتابات التي توجد من تاريخ مصر بأنّ مصر منذ250 ألف سنة ق.م، في عصور ما قبل التاريخ کانت موئلاً للإنسان البدائي... وقامت أول حضارة مصريّة في منطقة البداري بالصعيد، أصبحت مصر مماليک قبيلة صغيرة، وکان الوجه القبلي يرمز له بالتاج الأبيض، والوجه البحري يزمر له بالتاج الأحمر.» [10]
«ففي أوائل الألف الثالث قبل الميلاد أسس "ممفيس" الأسرة الفرعونيّة الأولی، ونظم البلاد ووحدّها ونظر المصريون إلی المکلية منذ قيامها کأنّها بدء لانطلاقة التاريخ الإنساني واعتبروها نعمة دبّرتها العناية الإلهية، في الوقت الذي أخذت البشريّة تتعرف علی الفنون والحضارة کالکتابة والزراعة والصناعة.» [11]
«كانت وظائف فرعون تنحصر في أمور الدين والحرب وإقامه العدل، فهو يعرف کيف يعبر الآلهة عن شکر رعيته، فيطلب منها النعمة والخير والبرکات وهو الکائن الأعظم في الدولة... ومن واجبات فرعون إشاعة العدل بين أفراد رعيته، فسلطته لا حد لها، وليس عليه وازع أو رقيب وکلماته أوامر إلهيّة وهي القانون الذي يتقيد الجميع به، لکن إرادة الملک خيرة لا تأتي بالسوء.» [12]
«يرجع بناء الأهرام إلی معتقدات المصريين الدينيّة، بأنّ من عاش في هذه الدنيا عيشة طاهرة يعيش بعد الموت عيشة رغدة وأنّ الإنسان مکنون من جزأين، الجسم والروح ويجب أن يبقی الجسم علی صورته لأنّ الروح متمتعة بالحياة، ثم عملوا بتحنيط الموتی وکانوا يضعون المقابر الحصينة ويوضع الجسد تحت الأرض ويجعل علی سطح الأرض حجرتان إحداهما توضع فيها العطايا والأخری توضع فيها تماثيل الميت ثم ارتفعت المقابر شيئاً فشيئاً، يبلغ ارتفاع الهرم في بعض الأحيان 145 متراً وأشهر معبد هو أبي الهول، صنع من الصخر الطبيعي، وجهه وجه الإنسان وجسمه جسم أسد وارتفاعه يبلغ 20 مترا.» [13] ثم «اندثرت الحضارة العربيّة بعد أن عمّرت طويلاً...فلما استولی علی وادي النيل قلّدوا حكم الفراعنة، لكنّهم فشلوا...فتح الفرس مصر بقيادة "قمبيز" وامتاز حكمهم ...أخذ الحكم يضعف بعد أن مدّ الإغريق يد العون للمصريين وحرّضوهم علی الثورة ضد حكم فارس.» [14]
«توالی مصر بعدها الإغريق البطالمة منذ عام 332ق،م ...ثم الرومان عام30 ق،م لتصبح مصر فيما بعد جزءا من الإمبراطوريّة البيزنطيّة حتّی غزاها الفرس البرهة الوجيزة عام 618ميلاديّة ...قبيل دخول العرب.» [15]
مصر في عهد الإسلام
«جاء الإسلام بمبادئ الحکم لم تعرفها الحضارة الإسلامية من قبل، فهو دين ودولة في آن معا والسلطة التشريعيّة فيه تمکن الإدارة الإلهية المعبر عنها في آيات القرآن الکريم، وفي السنة النبويّة الشريفة.
وقد اشتهر العرب في البداية بحسن الإدارة، وإزالة کثير من الضرائب الجائرة، وتوفير أسباب الأمن والرفاهية للأهالي، فاعتنق أکثر المصريين الإسلام حتی جاء الوليد في جميع أنحاء الدولة، وصارت لغة المصريين من ذلک الوقت لغة العرب.» [16]
ولکن «کثرة الخلافات الدينيّة وتعاقب الأسر المختلفة في حکومة الإسلام من شأنها انتشار الحروب الداخلية في مصر، وفساد الإدارة وسط الفوضی والتقلبات المستمرة. وقد انتقلت حکومتها إلی بني أميّة، (635م)، فالعباسيين، (750م)، فانطولونيين، (869م)، فالفاطميين، (968م)، و«جوهر قائد المغر» الخليفة الفاطمي هو الذي أسس مدينة القاهرة، (970م)، ثم انتقلت حکومته بعد ذلك إلی الأيوبيين الأکراد الذين استأثروا بالأمر، (1171م)، وهم الذين أتوا بمماليك إلی مصر.» [17]
الحروب الصليبية والغزو المغولي
«کانت الحروب الصليبية قد رافقت قيام السلطنة السلجوقية ولکن العباسيين والسلاجقة لم يهتموا بها کثيراً، فتمکّن الفرنج من احتلال بيت المقدس، (1099م)، وطرابلس، (1105م)، لکن "صلاح الدين الأيوبي" الذي تمکن من القضاء علی الخلافة الفاطمية في مصر، استطاع أن يعيد مصر وسورية إلی حظيرة الخلافة العباسية وأن يطرد الفرنج...» [18]
ثمّ الغزو المغولي في القرن الثالث عشر، «بداية مرحلة الرکود التي سادت بعض أجزاء من العالم العربي ورغم الهجمات التي تعرضت لها سورية، فإنّ تأثيرات الغزو المغولي المباشرة علی العالم العربي اقتصرت علی العراق... أما سورية ومصر فقد أنقذتا من الخطر المغولي...» [19]
المماليك
«يرجع أصل المماليك إلی غارات "چنگيز خان"، وهم شبان من الشرکس وغيرهم أسرهم التتر في غزواتهم، واتخذوهم عبيداً لهم وکانوا يبيعونهم في أسواق النخاسة... وما لبث قوة المماليك أن اتسعت وازداد نفوذهم.» [20]
کان المماليك علی قسمين :«المماليك البحرية وهم الذين حکموا مصر في العهد الأول، (1260-1382م) ومعظمهم من الأتراك والمغول... والمماليک البرجية، وهم الذين جاؤوا بعد ذلك وسکنوا الأبراج بالقلعة أو في نواحي المدينة، وکان معظهم من الجراکسة، (1382-1517م).» [21]
«تدهور حکم المماليك فجأةً بعد عام 1340م، وتعرضت مصر في عهد دولة المماليك ... لأزمات مالية صحبها الانحلال في النظم المملوکية...» [22]
«ثمّ في الوقت الذي بدأت فيه مظاهر الإعياء والضعف تظهر علی سلطنة المماليك في مصر أخذت قوة الأتراک العثمانيين في الظهور والنمو ... فنشبت بين القوتين المملوكيّة والعثمانيّة حرب علی "مرج دابق" قرب حلب في 24 يناير عام 1516م، حيث انتصر العثمانيون علی المماليك.» [23]
الدولة العثمانيّة
«بدأت الدولة العثمانيّة، (1300م) أمارة علی حدود بيزنطيّة... وتمکّنت من احتلال القسطنطنيّة، (1453م)... وفي مطلع القرن السادس عشر جرّد السلطان سليم الأول حملة علی البلاد العربية، فاحتل سورية، (1516 م) ومصر، (1517م) ، وأخذ السلطان العثماني يکتسب تدريجياً الخلافة ... » [24]
ولکن هذا الجيش القوي، «مالبث أن فسدت دخيلته، واضمحلت سلطة الأتراک في مصر، وعادت الکلمة للمماليك، ولکن أخلاقهم انحطت إلی أسفل درك...» [25]
وحينما جاء بونابرت مصر، «وجد في مصر حکومة ثنائية مؤلفة من إبراهيم بك ومراد بك وأخذ شأن المماليك يتضاءل حتّی قضی "محمّد علي" علی البقيّة الباقيّة.» [26]
الحملة الفرنسيّة في سنة 1798م
«نزلت الحملة الفرنسية بقيادة "نابليون" في مصر عام 1798 م، ومکثت نحو ثلاث سنوات جميعها جهاد وصراع مرير قاسياً بين الشعب المصري والمعتدين.» [27]
يعتقد الباحثون بأنّ، «الحملة الفرنسية استمرار للحروب الصليبية... ومنذ فشلت الحروب الصليبية ظل الفرنسيون يتطلعون إلی مصر لموقعها الإستراتيجي من جانب ولثرائها من جانب آخر، ثم ليوضع في يد فرنسا مصير الدول التي کوّنت إمبراطوريات شرق السويس کبريطانيا في الهند وهولندا والبرتغال في الشرق الأقصی وهناک سبب رائع... وهو اضطراب السلطة في مصر وضعف جيشها مما أوحی للفرنسيين أنّ فتح مصر لن يأخذ منهم جهداً کبيرا.ً» [28]
لأنّ «الحضارة العربية في مصر قبل الغزو الفرنسي قد وصلت إلی درجة کبيرة من التدهور الذي أخذ في الظهور في أواخر العصر المملوکي وساعده الغزو الترکي علی زيادة حدته ووطأته...» [29]
ومن جانب آخر فإنّ «المصريين استقبلوا الحملة بروح عدائية شديدة لأنّ الحملة الفرنسية من وجهة نظرهم غزو مسيحي عسکري لأرض مسلمة... وقد حاول نابليون انتزاع هذا التصور من نفوسهم ولجأ في ذلک إلی شتّی الوسائل حتّی الکذب والخداع فأدی، أنّه مسلم أکثر من مماليك لأنّه أکثر عدلاً.» [30]
وبعد هذه الحملة، «انقسمت السلطة التنفيذيّة بين قوی ثلاث وهي قوة الوالي الترکي وقوة قادة الجند المحتلين وقوة البکوات المماليك...» [31]
النتائج السياسيّة والاقتصاديّة للحملة الفرنسيّة
«کان الانهيار السريع في قوة المماليك في مصر من أهم النتائج السياسية للحملة الفرنسية ... فلقد احتلت القوات البريطانية والجيش العثماني مصر وعملت الحکومة العثمانية علی استخلاص مصر لنفسها... وبعد أن شعرت الحکومة البريطانية بأهمية مصر الإستراتيجيّة ظّلت إعادة نظام الحکم المملوكي لأنّه سيکون أکثر خضوعاً للنفوذ البريطاني.» [32]
وأما من الناحية الاقتصادية، «أضعف الفرنسيون النظام الإقطاعي وإقامة مجتمع رأسمالي تابع لفرنسا... ولکن لفتت الحملة نظر إنجلترا إلی أهمية طريق مصر البري لنقل المسافرين والبريد والسلع بينها وبين الهند... فأدی هذا إلی إنشاء الخط الحديدي من الإسکندرية إلی القاهرة وإلی السويس... حتّی انتهی الأمر بحفر قناة السويس للملاحة البحريّة في عام 1869م.» [33]
وکل ذلك أدی إلی «إيقاظ الشعور القومي عند المصريين خصوصاً وأنّ زمن الاحتلال الفرنسي، (1798-1801م)، کان زمن معارف من جهة وکان زمن حرب وثورة من جهة أخری، وحدثت من جراء ذلک هزة عنيفة في البلاد، تمخضت عنها الفکرة الاستقلاليّة التي ظهرت ملامحها في عصر محمّد علي وتجلّت في عصر إسماعيل.» [34]
وبعد خروج نابليون من مصر طالبت فرنسا، «بإجلاء إنجلترا عن مصر إلی أن تمّ انسحاب بريطانيا في مارس... ثم بقليل ظهر حزب ثالث إشترک في الصراع من أجل السيطرة علی مصر، يتمثل في قوة الحاميّة الألبانيّة، التي جاءت إلی مصر في بادئ الأمر لمحاربة الفرنسيين وإخراجهم منها.» [35]
محمّد علي وابنائه ودورهم في تاريخ مصر
«نشأ "محمّد علي" في کنف الحملة الفرنسية، وقد فطن إلی إغراضها فعوّل علی تحقيقها وتکوين دولة کبری مستقلة في آسيا وإفريقيّة، يکون مصر قاعدتها.» [36]
ولد محمّد علي علی حدّ قوله «علی الساحل المقدوني ببلاد اليونان سنة 1769 م.» [37]
وهو، «تولّی قيادة الحاميّة الألبانيّة في مايو 1803م، الخطوة الأولی نحو الحصول علی السيادة المطلقة في مصر فأقام لنفسه حکماً وراثياً استمر في أسرته التي أصبحت الملکية المصرية [38]
استولی محمّد علي علی الحکم و«بدأ بتشکيل الجيش الجديد ولتکوين هذا الجيش كان لابد أن يتصل اتصالاً مباشراً بأوروبا يشبه هذا الجيش بالجيوش الأوروبيّ، ثم بدأ بإنشاء المدارس وبعث البعوث إلی أوروبا.» [39]
«کان محمّد علي يريد النهوض بالبلاد حتّی يمکن في بسط حدودها وتکوين دولة مستقلة وأسرة حاکمة من ذريّته وقد کان الرجل طموحاًً جريئاً عالي الذکاء بعيد الهمّة حلال مشکلات، لا تهادنه المصاعب ولا يهادنها وکان أميّاً.» [40]
مرض محمّد علي «في آخر عمره ومات في 2 أغسطس، سنة 1849م، فذهب ذلك الرجل العظيم الذي ترك صفحة خالدة في تاريخ مصر الحديث.» [41]
وبعد وفاة محمّد علي استولی علی الحکم ابنه "عباس"، و«مع تولی عباس، بدأت فترة عصيبة من فترات التاريخ المصري، فقد أغلق أغلب المدارس، واستدعی أعضاء البعثات من الخارج واقتصر الوقائع علی اللغة الترکيّة.» [42]
ولکن جاء في التاريخ بأنّ «الصلة بين مصر وأوروبا أو بين الحياة العقليّة المصريّة والحياة العقليّة الأروبيّة قامت... أولاً لوجود طائفة من علماء مصر الذين بعثوا إلی أوروبا... وثانياً مهاجرة کثيرة من الأوروبيين إلينا.» [43]
«إنّ عباس مات في قصره قتيلاً وبذلک انتهت أيام ذلك الوالي الذي عمل علی إفساد خطة جده الکبری بحکمه الاستبدادي الذي کان حلواً من کل عظمة.» [44]
سعيد باشا (1854-1863م)
وبعد عباس استولی علی الحکم "سعيد باشا" وفي زمنه «ازداد الأمر سوءاً، أمر بإلغاء ديوان المدارس لأنّه کان يؤمن بأنّ الشعب الجاهل قياداً من الشعب المتعلّم وتوقفت حرکة الطباعة والنشر.» [45]
ولکن "محمّد صبري" في کتابه يذکر اسمه بالخير ويقول: «لکن من حسن حظ مصر، فإنّ سعيداً حکمها بعده فنشر العدل فيها وکان عصره، عصر تقدم ورقي وهو إن لم يکن کأبيه من أنصار الطفرة والتوسّع ولکنّه کان يحب شعب مصر...» [46]
«کان سعيد عريقاً في مصريته، مجداً في تحسين أحوال شعبه الاقتصاديّة والاجتماعيّة، ولئن ترك حکومة فقيرةً مستضعفةً، فقد ترک شعباًً غنياً بثروته وموارده وکان عصره عصر سلم، وعدل ورفاهيّة.» [47]
عصر إسماعيل (1863م)
«کان عصر "إسماعيل" کعصر محمّد علي ينطوي علی العظمة والبؤس من الوجهتين: السياسية والعمرانية وکان إسماعيل منذ ولايته، (1863م) إلی افتتاح القناة، (1869م)، صاحب الأمر والنهي وکانت مصر عليها فحايل العظمة وکان هذا العصر من أزهی عصورها. ثم جاء عصر محن سياسية ومالية، ارتکبت فيه الإدارة والعمران فتدخل الأجنبي في شؤونها وقد کان هذا العصر، (1869-14879م)، مدرسة المحنة الکبری...» [48]
ومن جانب آخر نری بأنّ «الوعي القومي ينمو في مصر، نتيجة لانتشار الثقافة والاتصال بالحضارة وفکر الأروبيين وحيويّة الشعب المصري والاستعداد لمسايرة حرکة التقدّم والتّرقي...» [49]
خديوي إسماعيل ودوره في الحياة الأدبية والثقافية
يمکن تلخيص الآثار التي ترکها عصر إسماعيل في الحياة الأدبية للعصر الحديث في عدّة مظاهر منها:
«تأسيس الصحف العلميّة والأدبيّة ثم السياسيّة وقد نهض في ذلك العصر طائفة من العلماء والأدباء المصريين وطائفة أخری من السوريين والشوام ولعلّ هذا العصر يمثل عصراً ذهبياً للصحافة المصريّة بشتّی أشکالها.» [50]
و«بعد أن استقر الأمر لمحمّد علي في حکم مصر، أصدر الجريدة الرسميّة، "الوقائع المصرية"، عام 1835م، ... وکانت باللغة الترکيّة ... ولکن مصر شهدت في عصر إسماعيل مولد الصحافة الوطنيّة، فظهرت الصحف العلميّة والأدبيّة ثم السياسيّة...» [51]
وأما من الناحية الاجتماعيّة فنری بأنّ الوعي القومي أخذ في النمو نتيجة الاحتلال ونفوذ الأجنبي إلی مصر وأنّ سياسة محمّد علي شجّعت الأجانب للمجيء إلی مصر وعندما غزا بونابرت مصر في عام 1798 م، کان في مصر أقل عدد من الأوروبيين لکن بلغ عدد الأجانب في مصر في عهد محمّد علي خمسة آلاف تقريباً وعندما تولّی عباس حلمي الأول الحکم، بسبب معاداته للغرب، فقد الأجانب التشجّيع الذي يلقونه في عهد محمّد علي، ولکن بمجرد وفاة عباس وفي الفتره بين عامي، (1857-18961م) ، دخل مصر حوالي....3 أجنبي کل عام وأدی بإنشاء قناة السويس ورواج القطن المصري إلی ازدياد النازحين إلی مصر... وکان محمّد سعيد مسؤولاً عن ذلک بسبب حبه للأجانب وتساهله معهم وفي عهد إسماعيل ازداد تغلغل النفوذ الأجنبي في مصر ولقد ظهرت في عهد إسماعيل تبعة مصر المالية والاقتصاديّة للأجانب. [52]
آثار خديوي إسماعيل في الحياة الاقتصاديّة
إنّ في عهد خديوي إسماعيل، «ازداد النفوذ الأجنبي في مصر... ولقد ظهرت في عهد إسماعيل تبعة مصر الماليّة والاقتصاديّة للأجانب... والأزمة الماليّة في عهد إسماعيل فأدی هذا إلی تدخل الدول الأجنبيّة في شؤون مصر الماليّة والسياسيّة.» [53] وإنّ فتح قناة السويس کان من أهم الآثار التي ترکها إسماعيل في حياته.
فتح قناة السويس
إنّ فتح قناة السويس أدی إلی ازدياد النفوذ الأجنبي علی مصر وأيضا، «قربت المسافات الماديّة بين الشرق والغرب، کما قربت المسافات المعنويّة بين الشعوب الشرقيّة والغربيّة في اتجاهات تفکيرها وحضارتها وکان لهذا الفتح أيضاً آثار سياسيّة في العلاقات الدوليّة مما نشأ فيه بعد، احتلال الإنجليز لمصر.» [54]
ظهور طبقة ملاك الأراضي الزراعيّة
«تعرض المجتمع المصري لحدوث بعض التطورات الهامة في الفترة الممتدة من أواخر عصر محمّد علي حتي عام 1882 م، وبدأت هذه التطورات في مجال طبقة الفلاحين بظهور نظام الملکية الخاصة الذي تجسد في سلسلة من التشريعات واللوائح وکان أهمها، اللائحة الأولی عام 1846 م، التي أتاحت حرّية تعامل الأراضي... فلقد استمر الوضع الاقتصادي والاجتماعي في النمو حتی وصل إلی الذروة في عهد إسماعيل»، [55] ولکن يعتقد محمّد صبري بأنّ، «المصربين منذ أيام محمّد علي کانوا ينعمون بالرفاهيّة ولکنّهم کانوا فاقدي الحرّية، لأنّ الحکومات کانت تراقب أعمال الناس وحرکاتهم وأفواهم وأقوالهم فکانت المناقشة العلميّة قد تؤول بالاعتداء علی الدين...» [56]
نمو الوعي القومي وزعمائه في عهد إسماعيل
أدت هذه المسائل إلی نمو الوعي القومي وهم يطالبون الحرّية وکان زعماؤها:
رفاعة الطهطاوي (1837-1801م)
«هو أول من کتب عن الأمة الإقليميّة وفق الغربي للقوميّة وکانت مؤلفاته غنية بالأفکار الديمقراطيّة السائده في أوروبا، وأظهر ميله بوضوح إلی المبادي والقانون الطبيعي الذي تنهل منه القوانين الأوروبيّة وحاول إثبات وجوه التوافق بين الشريعة الإسلاميّة ومباديء هذا القانون ونادی بالتربية والتعليم.»، [57] و«يعتبر کتاب "رفاعة الطهطاوي"، "مقدمة الوطنيّة المصريّة" وهو أول کتاب من نوعه في مصر في الوطنيّة المصريّة...» [58]
جمال الدين الأفغاني (1897-1838م)
«ولد "جمال الدين" في کابل بأفغانستان سنة 1838م، - وإن كان يعتقد بعض بأنه ولد في همدان مدينة في ايران - وأتمّ دراسته العليا في بخاری سنة 1856م، ثم تقلب في عدة وظائف وهاجر من بلاده إلی مصر في سنة 1869م ... نزل جمال الدين القاهرة وکانت وجهته بث الروح الوطنية في الطبقات المختلفة لأنّه کان ينظر إلی المسألة من الناحيتين: الدينيّة والسياسيّة...» [59]
محمّد عبده (1905-1849م)
کان "محمّد عبده" أحد تلاميذ جمال الدين الأفغاني وهو حاول، «تفسير الشريعة الإسلاميّة في العصر الحديث، وکان يدرس اللغة الفرنسيّة وآدابها وتأثر بالفکر الأوروبي المعاصر» [60] و«استفاد الشاب الصوفي الکثير من أساتذته وانصرف عن ممارسة الزهد وعن اعتزال الناس وأخذ يتذوق الحياة العامة ... اجتمع محمّد عبده بأستاذه في باريس حيث أنشأ جريدة "العروة الوثقی" لإثارة العالم الإسلامي ضد الإنجليز علی احتلالهم لمصر.» [61]
عهد توفيق ونشأة الثورة العرابيّة
«انتهی عهد إسماعيل وتولی ابنه الحکم من، (1890-1879م)، وکان عهد "توفيق"عهد قلاقل واضطرابات سياسيّة واجتماعيّة کثيرة، ففي بداية عهده ألغيت الوزارة الوطنيّة وعطلّت الصحف واندثرت بعضها... وفي هذه الفترة بدأت طبقة المثقفين المصريين في النمو دورها في حرکة الشعب ضد الخديوي والمحتل الأجنبي...» [62]
الثورة العرابيّة ودور جمال الدين الأفغاني فيها (1879-1881م)
«أدی وجود جمال الدين الأفغاني في مصر إلی تطور الحزب الوطني ... وکان لظهور هذا الحزب أثر کبير في قيام الثورة العرابية إذ تألفت من طبقة ملاك الأراضي الزراعيّة وطبقة المؤلفين ولا سيما العسکريين منهم نواة البورجوازيّة المصريّة التي تصدّت التدخل الأجنبي والعسکري في عامي، (1881-1882م) وهي الحرکة المعروفة باسم الثورة العرابية.» [63] جاء في التاريخ بأنّ، «الثورة العرابية التي قامت في أوائل الثمانينات في القرن التاسع عشر، "أحمد عرابي باشا" (1841م، 1918م)... هو أول من ثار من أجل کرامة المصريين ...» [64]
ولکن «فشلت الثورة العرابيّة ولم يوفق العرابيون في إنشاء حکومة وطنيّة ودستوريّة تصلح الإدارة وتقضي علی التدخل الأجنبي الذي تغلغل في البلاد.» [65]
وترجع أسباب هذا الفشل إلی عدة أسباب منها: «اعتماد توفيق پاشا إلی الإنجليز وفرنسا أولاً وسيطرة التسابق الاستعماري والانقسام في الجبهة الداخليّة ثانياً وخيانة بعض رجال الجيش وعدم اتخاذ الدولة العثمانيّة موقفاً واضحاً من الثورة ثالثاً، [66] وأخيراً فتحت أبواب مصر لتدخل الأجنبي خاصة الإنجليز أكثر من قبل ثم «نفی عرابي وأصحابه وكل العناصر الوطنيّة في الجيش إما بالنفي أو السجن أو الاختفاء.» [67]
عهد عباس حلمي الثاني (1892م)
«لما مات توفيق، تولی "عباس حلمي" الحكم سنة 1892م، أراد هذا الخديو في أول عهده أن يدعم سلطانه وأن يتكي علی سند غير سند الإنجليز، لا أمان لهم في السياسة فتظاهر بالوطنيّة، فأخذ يستقبل طوائف الشعب في المناسبات العديدة... ولکن لم يستمر موقف الخديو عباس الحلمي من الاحتلال فترة طويلة... فبدأ سياسة التسليم للاحتلال فترة طويلة... وأدی انحراف عباس إلی تحول الشعب عنه وسخطه عليه...» [68]
ثم في ذلک الوقت، «لتقدم الشعور بالحرية ونمو الروح القومية في أوروبا وآسيا في الدولة العثمانيّة بوجه خاص أثر کبير علی مصر...» [69] ولکن، «بدأ الإنجليز يطعمون في الاستيلاء علی مصر...وحين عجزعن التدخل العسکري المباشر، ظلّوا يتحينون الغرض للکسب والنفوذ في مصر، حتی عهدوا به قليلا قليلا لما بيتوه من احتلال کامل...ثم ضرب الإنجليز التي حققت التدخل الفعلي في شؤون البلاد، وذلك حين اشتروا حصة مصرمن أسهم قناة السويس سنة 1875 م، فقد تبع ذلك تدخلهم في توجيه اقتصاديات البلاد وسياستها.» [70]
الأحزاب السياسيّة في مصر(1900-1922م)
حين رأی عباس حلمي الثاني نفسه وحيداً أمام الاحتلال الإنجليزي وأيضاً سيطرة المندوب الإنجليزي "اللورد کرومر" علی مصر ...قام بتغير استمد من الدولة العثمانيّة ولکن السلطان نفسه عاجزاً من مقاومة الاحتلال.... ثم استمد من مصطفی کامل الزعيم الوطني.» [71]
في ذلك الوقت «قوّيت الحرکة الوطنيّة وانتضمت منذ تولی سياستها في أواخر القرن التاسع عشر "مصطفي کامل"، (1908-1873م)، الذي اشتهر بصدق الوطنيّة، وبعد الهمّة والجرأة والفصاحة وأسس الحزب الوطني المصري وهو أول حزب أنشئ في مصر ببرنامج محدود، رئيس عامل...» [72]
وإنّه «يحمل رأية الأمة المصرية عن طريق صحيفتي"المؤيد" و"اللواء"، ففاضت هاتان الصحيفتان بأفکار الحرّية والتقدّم...» [73].
و«توجّهت جهود مصطفی کامل في عام 1907م بإنشاء الحزب الوطني من مواجهة ظهور حزب الأمة...لم يعش مصطفی کامل طويلاً بعد تأليف حزبه... وکانت زعامة الحزب الوطني من نصيب "محمّد فريد"، (1919-1868م)، ودعا فريد إلی إيجاد نهضة مصرية... ويعتبر محمّد فريد من أوائل الدّاعين لتأسيس الجامعة المصريّة ومن المطالبين بإنصاف الفلاحين ونشر الثقافة باشتراک الشعب في تقرير مصيره...» [74]
ولکن بقيام الحرب العالميّة الأولی، «ينتهي الدور التاريخي للحزب الوطني ...وکانت وفاة محمّد فريد واختفاء زعامته القويّة، زعامة مصطفی کامل عاملاً آخر من عوامل تخلف الحزب ولکن أهم أسباب تخلف الحزب الوطني، هو ظهور قيادة منظمة جديدة تمثلت في الوفد المصري، الذي کان علی رأسه زعيم جماهيري هو سعد زغلول...» [75]
حزب الوفد وسعد زغلول (1918م)
إنّ حزب الوفد «هو أول الأحزاب التي أنشئت بعد الحرب الأولی نتيجة لتشاور رجال السياسة في مصر حيث رأوا ضرورة سفر«وفد» منهم إلی مؤتمر الصلح ... فقد وضع أسلوبه في الكفاح منذ نشأته...» [76]
«حمل الزعيم المصري "سعد زغلول"، لواء التحرّر والاستقلال وشدّد في تفکيره علی تاريخ مصر الفرعوني والعربي وآمن بالديمقراطيّة ودافع عن إيمانه هذا دفاعاً قوياً ... وقد تجسدت کل هذه الأفکار الحديثة في دستور حزب الوفد الذي وضعه سعد زغلول شخصياً في العام 1918 م.» [77]
حزب الأمّة وأحمد لطفي سيد (1873-1963م)
«دعا "أحمد لطفي سيد"، -من شيعة الشيخ محمّد عبده - لاجتماع وصنعت فيه خطة العمل والمبادئ، التي تقوم عليها جريدة مستقلة تنطق بلسان مصر... وبعد إقناع کبار ملاك الأراضي الزراعية، تألفت شرکة "الجريدة"... ثم قرّر أعضاء شرکة الجريدة تحويلها إلی حزب سياسي، أطلقوا عليه إسم، «حزب الأمّة...» [78]
إنّ تاريخ مصر کلّه مملوء بکفاح الشعب المظلوم المصري ضد الاحتلال خاصة الاحتلال الإنحليزي، وفي ظلها سُلب من الشعب شرفهم وعزتهم وتحمّل الشعب لأجله، أنواع العذاب ولهذا نری في طول السنوات الممتدة، کفاح القوی الاجتماعية لأخذ حقوقهم المفقودة، ولکن امتازت ثورة 1919م، بالنسبة إلی الثورات السابقة، لأنّ هذه الثورة تعد، « أول ثورة في تاريخ مصرالحديث علی النطاق القومي، ولو لم يشترك فيها الفلاحون والعمّال لانقلبت إلی حرکة مقاومة عادية محددة...» [79]
«مرّت ثورة 1919م، بمرحلتين رئيسيتين: مرحلة الثورة العنيفة في مارس 1919م وهي المرحلة التي اشترکت فيها جموع الشعب من الفلاحين والعمال والمتفقين ... ثم المرحلة الثانية بعد مارس وهي المرحلة الطويلة التي انحصرت الثورة فيها، أوکادت في المدن واتخذت شکل مظاهرات الطلبة تحرّرات المثقفين ...» [80]
وکان « علی رأس المظاهرة مصطفی النحاس وبجواره علي ماهر وسار فيها رجال الحكومة ورجال الدين والقضاء والحكومة والمحامون والإطباء و...» [81]
فترة الصراع من الحرب العالميّة الأولی إلی ثورة 1952م
إنّ السلطة العثمانية خدعت المصريين فترة طويلة و«طال ارتباط العثمانيين بالعرب واحتملت الشعوب الإسلامية قوة الأتراك العثمانيين حفاظاً علی وحدة کلمة المسلمين، فلمّا وضع الإنجليز حداً للسياسة العثمانيّة وأعلنوا الحماية علی مصر.... فإنّ انتهاء الحرب کان بدءاً لصراع مرير وثورات متلاحقة ضد الإنجليز... ولهذا سمينا هذه الفترة، فترة الصراع...» [82]
وبعدها «انعقد مؤتمر الصلح في باريس عام 1919م، فاستيقظت الحرکة الوطنيّة التي اضطرت إلی الخمود بسبب ظروف الحرب العالمية...» [83] وکان «قائد الحرکة الوطنية هذه المرّة هو سعد زغلول ... وأعلن تکوين "الوفد المصري" في 13 نوفمبرسنة 1918م...» [84]
في هذا الزمن «تقدّم الوفد إلی الحکومة طالباً للسفر إلی باريس لعرض قضية مصر علی مؤتمر الصلح، فوافقت ... ولکن الملكة البريطانية رفضت هذا الطلب و في 8 مارس 1919م، ألقی القبض علی "سعد زغلول" و"محمّد محمود" و"إسماعيل صدقي" و"حمد الباسل" من أعضاء الوفد ونفوا اليوم التالي إلی جزيرة مالطة، فانفجرت الثورة.» [85]
«عندما نفی سعد زغلول إلی جزيرة مالطة وصل المندوب الإنجليزي "ألنبي" إلی القاهرة باختياراته التامة لحل المشاکل المستحدثة ولکن رأی أنّ القوة وحدها ليست قادرة علی حل المشاکل... أنّه اتبع خطة أساسها بين الشدّة واللين وشاء ألنبي في بداية الخطة الإفراج عن سعد زملائه، فأرسل في 31 مارس عام 1919م ، ينصح بإطلاق سراحهم والسماح لهم بالسفر إلی أوروبا...» [86]
ثم «سافر سعد زغلول والوفد إلی لندن وباريس وبدأت الخلافات في لندن عندما قدّم سعد زغلول مشروعاً للمعاهدة، جاء فيه أنّه عندما تحصل مصر علی استقلالها يکون من حق الشعب أن يختار الحکم الملکي أو الجمهوري...» [87]
ولکن، «بريطانيا عندما صرحت بسفر الزعماء وإطلاق سراح المعتلقين منهم کانت غيرصادقة النية... لأنّ الشواهد نفسها أکّدت بعد ذلك أنّها ما قصدت من کل هذا إلا تخفيف حدة الثورة المصريّة...» [88]
النتائج الهامة لثورة 1919 م
«انتحبت هذه الثورة نتيجتين مهمتين، إحداهما تغيير المندوب، "السامي" وإسناد هذا المنصب إلي "اللورد أدموند ألنبي"، الذي کان قائد حملة فلسطين، والنتيجة الثانية لجنة ملنر ""milner لدراسة أسباب الثورة.» [89]
هدف ثورة 1919م
کان هدف هذه الثورة «الاستقلال التام لمصر، استقلالاً مجرداً من التبعية لترکيا أي الرضا بأي نفوذ بريطاني وقد استندت ثورة 1919م، الوعي الثوري في أقوی مظاهره... فسعد زغلول يخلف مصطفی کامل في الزعامة والوفد المصري يخلف الحزب الوطني في القيادة وجماهير الشعب تنتقل من العمل تحت راية الحزب الوطني إلی راية الوفد المصري.» [90]
تصريح 28 فبراير سنة 1922 م
«لم ينقض زمن طويل حتی أخذت مصر، تجني ثمارها، فکانت باکورتها إلغاء الحماية البريطانية في 28 فبراير سنة 1922م، ثم جلاء الموظفين البريطانيين... وفي سنتي، (1922،1923م )، بعد ما استأثروا أربعين عاماً بالسيطرة علی إرادة المصرية أجريت في أواخر سنة 1923م، الانتخابات العامّة القوميّة الأولی.» [91]
ثم «صدر تصريح 28 فبراير سنة 1922م وفيه أعلنت إنجلترا انتهاء حماية مصر مستقلة ذات السيادة وأنّ إنجلترا تمسک بنقاط أربع:...وهذه النقاط هي:
1- تأمين مواصلات الإمبراطوريّة البريطانيّة في مصر2- الدفاع عن مصر ضد أي تدخل أجنبي3- حمايه الأقليات ومصالح الأجانب4- السودان
ثم أعلن فؤاد [92] عقب ذلك وثيقة الاستقلال واتخذ لقب ملك.» [93]
وبعد ذلك، «صحب إصدار تصريح 28 فبراير نفي سعد زغلول ومجموعة من کبار معاونيه إلی سيشل.» [94] و«ألّف عبد الخالق ثروت الوزارة... وشکلت لجنة وصنعت الدستور الذي کان يعرف بدستور 1923م، وأخرج عن سعد ورفاقه وجرت الانتخابات فحصل الوفد علی أغلبية ساحقة وافتتح البرلمان في 15 مارس سنة 1924م وألّف سعد زغلول أول وزارة برلمانيّة.» [95]
ولکن «فشلت ثورة 1919م، بسبب التناض علی السلطة والتطاحن السياسي الحزبي وتفرق الصفوف وانتهت بتصريح 28 فبراير الذي حول الحکم إلی ديمقراطيّة مزيفة وبرلمانيّه هزلة.» [96]
«قد ألغی تصريح 28 فبراير من العمل من جانب الملك مرات منها:توقيف الدستور سنة 1925م، ثم أعيده سنة 1926م، ثم أوقفه مرة ثانية سنة 1928م، ثم أعيده سنة 1929م، ثم ألغاه سنة 1930م، ثم ألغاه أيضا سنة 1934م. [97]
ثم «ألغی ملك فؤاد خلال هذه الفترة في معركته ضد الوفد بأحزاب جديدة کحزب، "اتحاد" وحزب "الشعب" الذي تأسس في نوفمبر1930م برئاسة "إسماعيل صدقي"...» [98]
«وفي 28 أبريل 1936م، لفظ فؤاد أنفاسه الأخيرة، وعقب الوفاة مباشرة اجتمع مجلس الوزراء لمدة عشر ساعات متوالية وصدرت ثلاث بيانات، البيان الأول المناداة بفاروق [99] ملکاً علی مصر...» [100]
وبعد وفاة الملک فؤاد، «فرضت الظروف لتجمع بين اعتلاء فاروق عرش مصر وتولی الوفد المسئولية الوزارية، فعقب ثلاثة أيام من عودة الملک من إنجلترا إثر وفاة أبيه وفي 9 مايو 1963م، تقلد الوفد السلطة...» [101]
استولی فاروق الحکم و«کان يبلغ السادسة عشر من عمره...کان الشعب المصري يؤمل في الملك فاروق الخير ولکن فاروق لم يقدر حب الشعب وعطفه وتحرکت في نفسه مع الزمن نزعة الحکم المطلق والاستبداد والطغيان...» [102]
ومن جانب آخر «لم يستطع فاروق أن يسلط علی الحکم وراح رجال البلاط بمناوراتهم ودسائسهم لإغراء الملك علی إقامة الوزارات وإقالتها وإيجاد البرلمانات التي يشاء وقتما يشاء وهکذا شهدت مصر خلال عهد فاروق ثماني عشرة وزارة...» [103] کما «حقق فاروق الانتصار علی الوفد وأقاله من الحکم في30 ديسمبر 1937م.» [104]
و«في عام 1933م، استقالت وزارة صدقي وتلتها وزارة "عبدالفتاح يحيی" ثم وزارة "محمّد توفيق نسيم" في مصر في نوفمبر 1934م، وکان أول عمل لوزارة نسيم هو إلغاء دستور1930م، وهذا إلغاء أسخط الشعب... ثم انتهت المفاوضات في 26 أغسطس 1936م، بتوقيع معاهدة الصداقة والمودة التحالف ولکنّه تحالف دائم والاحتلال دائم لأنّ المصريين توهم لهم أنّهم قد حصلوا علی الاستقلال وکان هذا بداية الانهيار السياسي الذي جعل قيام 23 يوليو 1952م حتميّة تاريخيّة.» [105]
ومن أهم المسائل في هذه الفترة «اعتراف إنجلترا باستقلال مصر في 26 أغسطس 1936م، وقبول مصر عضواً في عصبة الأمم، دولة مستقلة ذات سيادة، ثم إبطال الامتيازات الأجنبيّة بموجب معاهدة "مونترو"، الدوليّة في 28 مايو سنه 1937م وإطلاق سلطان مصر في التشريع.» [106]
انحراف حزب الوفد وانشعابه إلی أحزاب أخری
بعد توقيع معاهدة 1936م، «أصبح الوفد ...صاحب النفوذ الشعبي الأکبر والأغلبية البرلمانيّة المطلقة... ولکن لم يمض عام ونصف عام علی إبرام المعاهدة حتی بدأ الموقف بتغيير، فسرعان ما أدرک المصريون أنّ المعاهدة رغم ما أحاطه الوفد من هالة کبيرة باعتبارها انتصاراً للحرکة الوطنيّة، کانت في الحقيقة حماية مقنعة.» [107]
«تعرضت مصر لظروف اقتصاديّة صعبة، أسهم فيها فاروق بفساده وشارک فيها الوفد بصفقاته، کل منهما ينتهز الفرصة ويغترف بطريقته وفقاً لمصالحه... وأنّ الحکومة لم تعمل إلا القليل لتحسين مستوي معيشة الشعب...» [108]
ثم «انقسم حزب الوفد... وأدی إلی خروج الجماعة التي أطلقت علی نفسها " الهيئة السعديّة"، برئاسة "أحمد ماهر" وفي نفس الوقت أخذت تتسرب إلی قيادات الوفد عناصر إقطاعيّة وشبه إقطاعيّة تنتمي إلی طبقة کبار ملاك الزارعيين.» [109]
«وبغض النظر عن الدواعي والملابسات الحزبية التي أحاطت بإلغاء المعاهدة فإنّ هذا الحدث کان بالغ الأهميّة في النضال الوطني للشعب المصري... واعتبره فاتحة لمعرکة ناضلة هي معرکة القتال التي خاضعها الشعب بکل طبقاته وفئاته وتشکيلاته... وبلغت "معرکة القتال"، أوجها في يناير 1952 م، وعندما هاجم الفدائيون المصريون... وحرقت القاهرة في يناير 1952م وفي نفس الليلة أعلنت الاحکام العرفية وأقبلت الوفد في اليوم التالي وشکل علي ماهر، الوزارة.» [110]
ثورة 23 يوليو 1952م وأسبابها
طلع فجر الثالث والعشرين من يوليو صوت يعلن الثورة علی هذه الأوضاع ويعلن البرنامج المستقبل کالآتي: القضاء علی الاستعمار وأعوانه، القضاء علی الإقطاع والقضاء علی الأفکار رأس المال علی الحکم، إقامة عدالة اجتماعية، إقامة الجيش الوطني القوي وإقامة حياة الديمقراطية سليمة... [111]
الأسباب التي مهدت ثورة 23 يوليو 1952م
کان السبب الرئيسي لتمهيد الثورة ودفع الشعب لاستقبالها، عبث الملوك بالدستور وبحقوق الأمة وحرب فلسطين ثم الاستعمار الطاغي الذي اتخذ من القصر ورجاله من سادة الإقطاع عونه ودعاماته وأخيراً حريق القاهرة الذي إتخذ أساساً لإقالة حکومة الوفد وبعد هذه الإقالة لم تستطع الوزارت أن تستقر بمصر... [112]
«نجحت ثورة 1952م، لأنّ القائمين بها کانوا رجالاً من صمم الشعب وضباط الجيش آمنوا بربهم ووطنهم وزادهم الله هدی وتوفيقا وبجهاد الشعب والجيش حولوا الملکية الفاسدة إلی الجمهوريّة وأقاموا بناء المجتمع الجديد علی أساس الکفاية والعدل وحققوا الحرّية السياسيّة والاجتماعيّة والديمقراطيّة السليمة والاشتراکيّة العادلة.» [113]
محمد نجيب وأول رئاسة للجمهورية
«ولد "محمّد نجيب" بالسودان... من أب مصري وأم مصرية سودانية المنشأ، ... إنّ تاريخ ميلاده هو7 يوليو 1902م ... تلقی تعليمه بِکُتّاب وادي مدني عام 1905م، حيث حفظ القرآن الکريم وتعلّم مبادئ الکتابة والقراءة... ذهب إلی مصر حيث حصل علی الشهادة الابتدائيّة المصريّة... التحق بالکلية الحربية في مصر في إبريل عام 1917م،... ومع قيام ثورة 1919م، أصر علی المشارکة فيها... قاد ثورة 23 يوليو 1952م، وعرض عليه الملك فاروق منصب وزير الحربية...» [114]
ظهر محمّد نجيب قائداً للثورة صباح الثالث والعشرين من يوليو 1952م ... ولکن سرعان ما تغيّرت الأوضاع وفي سنة 1954م، برز شخص باسم جمال عبد الناصر أحد ضباط جيش محمّد نجيب، فقبض علی محمّد نجيب وأصبح رئيساً لثورة ضد الجمهوريّة ثم عيّن رئيساً للجمهوريّة.
قد ذکر"غلامرضا نجاتي" الكاتب الايراني في کتابه "الحركات الشعبيّة المصريّة"، بأنّ العامل الهام الذي أدی إلی فشل محمّد نجيب، هو انحلال الأحزاب السياسيّة من جانبه ثم موقفه الخلاف مع أهداف إخوان المسلمين ولکن "د.أحمد شلبي" في کتابه موسوعة التاريخ الإسلامي يأخذ جانب الدفاع عن محمّد نجيب ويعتقد بأنّ "جمال عبد الناصر" ظلم علی محمّد نجيب وغصب الرئاسة الجمهوريّة لحبّه علی السلطة والحکم والقدرة وأخيراً اعتقل نجيب عشرين عاماً في بيته وصار جمال عبد الناصر رئيساً للجمهوريّة المصريّة. [115]
جمال عبد الناصر
«ولد "جمال عبد الناصر" حسين سلطان بالإسکندرية قبيل أحداث ثورة 1919م،...وبعد حصوله علی الشهادة الثانوية ...کان يتذوق إلی دراسة الحقوق ولکنّه ما لبث أن قرّر دخول الكلية الحربية.... کانت الفترة ما بين، "1945و1947م"، هي البداية الحقيقية لتکوين نواة تنظيم الضباط الأحرار... وکانت حرب 1948م، هي الشرارة التي فجرّت عزم هؤلاء الضباط علی الثورة... وفي 23 يوليو قامت الثورة... وکان عبد الناصر هو الرئيس الفعلي للجنة التأسيسيّة للضباط الأحرار ومن ثم نشأ صراع جديد بينه وبين محمّد نجيب، ما لبث أن أنفاه عبد الناصر،... (14 نومبر1945م)، بعد إن اعتقل محمّد نجيب وحدد إقامته في منزله، وانفرد وحده بالسلطة.» [116]
«لم يستطع عبد الناصر أن يحقق شيئاً من برنامج الثورة فقد کانت تطلعاتها کلّها لأمجاده الشخصية ولإسعاد أسرته... وفي عهده توالت الهزائم علی مصر في حرب سنة 1956م وفي حرب اليمن، (1962-1967م)...عاش شعب مصر أسوأ فترات التاريخ طيلة هذا العهد المرير، فعانی الظلم والقلق والسجون والاغتيالات والمصادرات والسرقات... [117]
ومن الناحية الاقتصادية، «کان عهد عبد الناصر، عهد الانغلاق الاقتصادي...کان الفقر هو المظهر العام للشعب ومع الفقر الحرمان وشظف العيش وفي نفس الوقت کان عبد الناصر وأعوانه يجمعون المال و يخزنونه.» [118]
إنّ عبد الناصر «قضی علی زملائه تماماً، الواحد بعد الآخر وعزل بعضهم وسجن الآخرين وقتل من لم يقو علی عزله أو سجنه ومن هنا خلأ الجو للسادات، فاستدعاه عبد الناصر وعينه نائباً لرئاسة الجمهوريّة سنة 1969م...» [119]
حيث عاد جمال عبد الناصر من سفره إلی الکويت في نفس اليوم « داهمته نوبة قلبية ... وأعلن عن وفاته في 28 سبتمبر 1970م، عن عمر 52 عاماً بعد 18 عاماً قضاها في رئاسة مصر، ليتولی الحکم نائبه محمّد أنور السادات» [120] ، وإن کان الآن يقول البعض، بأنّه قتل بالسّمّ.
عهد أنورالسادات
«عندما تولی أنور السادات السلطة کانت مصر تعاني أشد العناء من الهزائم التي نزلت بها في عهد جمال عبد الناصر ومن الاضطرابات الاقتصادية الذي کان قد أکل کل ثراه مصر، وترکها علی النحو الذي رسمه أنور السادات...وکانت مصر بالإضافة إلی ذلك تعاني من سخرية العالم بعد هزيمة 1967م وتعاني القطيعة من کثير من الدول...» [121]
أبرز معالم عهد أنورالسادات
يمکن أن نقول إنّ أهم معالم هذا العصر عبارة عن: عودة اسم مصر في سبتمبر 1971م باسم، «جمهورية مصر العربية وأيضا إطلاق الحرّيات وسيادة القانون، انقاذ مصرمن الشّيوعية الملحدة وهزيمة إسرائيل وأيضاً إعادة فتح قناة السويس للملاحة الدّولية في يونيو 1975م، ومن أبرز معالم هذا العهد عودة الابتسامة لشفاه المصريين وإنشاء المدن الجديدة...» [122]
ولکن «في عهد السادات- للأسف- ظهر کثير من الانحراف والإهمال والإثراء علی حساب الشعب... فقد ظهرت طائفة مسعورة لکسب المال بأية وسيلة من الوسائل عن طريق ما سمي التصدير والاستيراد وعن طريق تغيير العملة وظهر کثير ممّن يملکون الملايين أو المليارات بدون وجه حق.» [123]
«إنّ الاحتلال البريطاني کان يعمل عاملاً علی إبقاء المصريين في حالة من القصور والعجز والاعتماد علی الإنجليز في القيام بشؤون الوظائف المهمة... وإذا کان الاحتلال قد قام ببعض التغييرات في المجالين الاجتماعي والاقتصادي، فإن هذه التغييرات لم تکن تدعيماً وامتداداً لاتجاهات المجتمع والاقتصاد المصري... فقد تطور الاقتصاد المصري من النظام الإقطاعي إلی الاقتصاد القائم علی الجهد الفردي وارتبط بالسوق العالمية نتيجة للتخصص في زراعة القطن.» [124]
ثم نری بأنّ «الثورة 1919م، حيث فتحت عيون المصريين أمام الأوضاع الاقتصادية وکان، من نتائج الثورة 1919م، فتح عيون المصريين رأوا أنّ مدافعة الاحتلال من شعب أعزل، لن تجدی إلا إذا حورب المحتل حرباً اقتصادياً، وعمدت البلاد إلی الاعتماد علی نفسها والأخذ بنظام الاکتفاء الذاتي وکان أن نجحت فکرة الدعوة إلی إنشاء، "بنك مصر" وشرکاته علی يد طلعت حرب ورفاقه بعد أن أخفقت هذه الفکرة قبل ذلك بسنوات، فتمّ تأسيس هذا المصرف سنة 1920م.» [125]
ومن جانب آخر نری « أنّ الثورة لم تلتفت إلی التغيير الاجتماعي في حياة المصريين أو بتعبير أدق لم يلتفت زعماء تلك الثورة إلی أن يجعلوا منها ثورة اجتماعيّة واقتصاديّة ... فقد ظلت الزراعة هي عماد الاقتصاد المصري، وبقيت معظم الأراضي الزراعية التي هي عماد الاقتصاد في أيدي الإقطاعيين وقد سبب هذا الوضع کثيراً من الأضرار الاقتصاديّة والاجتماعيّة وکان من أهم الأضرار استغلال الاستعمار لهذا الوضع ، فقد تبع مصر بلداً زراعياً، الاهتمام بالقطن کمصدر أول لثروة البلاد وتبع ذلك باعتبار بريطانيا ليبيعها المتورد الوحيد لهذا القطن وتبع ذلك الاعتبار تحکمها في ثمنه.» [126]
«شهدت سنوات الحرب العالميّة الثانيّة تطورات ...فقد زادت الهوة نتيجة للحرب بين الأغنياء والفقراء، ففيما بين عامي، (1940و1944م)، ارتفع عدد أصحاب الملايين في مصر من50 إلی 400 وأزدادت الودائع في البنوك خلال السنوات الثلاث الأولی من تلك الفترة من، "45 إلی120"، مليوناً من الجنيهات.» [127]
وفي الحقيقة، إنّ « التضخم المالي لم يصحبه ارتفاعاً في أجور العمال وخاصة أجور الفلاحين ومرتبات المواطنين وعاني المصريون من أزمة في المواد التموينية وخصوصاً الخبز لدرجة أنّ الناس هاجموا المخابز للحصول عليه وكانوا يخطفون الرغيف عن حامليه في الشوارع .» [128]
کل ثورة تقام لأجل التحرّرات الاستقلاليّة، تبدأ بأيدي الجماهير وتشترک فيها الطبقات المختلفة من الشعب، کما اتفق هذا المعنی في الثورة 1919م في مصر، حيث اشترک فيها الفلاحون والعمّال والطّلاب والنساء... کلّهم يطالب الاستقلال والتحرّر من أيدي الأجانب خاصة الإنجليز ويهتفون في الشوارع - کما أشار عبد الرّحمن الشّرقاوي إلی هذه الوقائع في روايته الأرض – حتی أدت إلی التغييرات الاجتماعيّة والثقافيّة و«کانت ثورة 1919م في تاريخ مصر الحديث علی النطاق القومي، ولو لم يشترك فيها الفلاحون والعمّال لانقلبت إلی حرکة مقاومة عادية محدودة يحمل لواءها الطلبة وحدهم ولم اکان لها أثر کبير.» [129]
الفلاحون:
«ثارالفلاحون ضد الاحتلال الفرنسي في مصر وثاروا ضد محمّد علي وابنه إبراهيم... کما اشترکوا في الثورة العرابية »، [130] و« ما اندلعت ثورة 1919م، حتّی اندفع الفلاحون تلقائياً إلی المساهمة فيها مع باقي طبقات الشعب»،کما نری هذا الوعي في عام 1952م حيث «جاءت الثورة المصرية للعام 1952م، کأول ثورة عربية ناجحة تنادي بحقوق الفلاحين بأصوات مدوّية، فأصدرت قانون الإصلاح الزراعي... الذي اعتبر القانون الديمقراطي الأول في تاريخ مصر الحديث...» [131]
العمّال
«دخل العمّال المصريون أحداث ثورة 1919م، حاملين معهم مطالبهم الأساسية وقضاياهم القديمة والجديدة، کما صوّرتها هذه الوثيقة التاريخية واندفعوا للمشارکة في الثورة لا باعتبارها عملا وطنيا وثوريا فحسب ولکن لأنّها أطلقت لهم فرض العمل الجماعي...» [132]
الطلاب
أما الطلاب، «فلهم دور خاص، فبعد أن ازداد عددهم بشکل کبير علی إثر استقلال الدول الغربية... نتيجة لانتشار المدارس الثانويّة والجامعات، أخذوا يظهرون علی المسرح الاجتماعي والسياسي کقوة ذات أهمية بالغة... وهم أکثر الفئات الشعبيّة حيوية واندفاعاً وتأثراً بالأفکار الجديدة...» [133]
المثقفون
«اتجه البعض إلی تسمية ثورة 1919م، « بثورة الأفنديّة » تقديراً لدور الطبقة المثقفة في الثورة والطبقة الثورية التي تحملت عبء ثورة 1919م، کانت من أبناء الطبقة المتوسطة من أهالي المدن والقرى بصفة أساسية، أما مثقفوا طبقة کبار ملاک الأراضي فقد اقتصر دورهم علی نشر الأفکار القوميّة والغربيّة في مصر...» [134]
المرأة
«کان اشتراک المرأة في ثورة 1919م، علامة حاسمة في حرکة تحرير المرأة المصريّة التي بدأت في السنوات الأولی من القرن العشرين غير أنّ هذا التطور في الحرکة النسائيّة کان مشوباً بکثير من الشوائب... عجزت الحرکة النسائيّة المصريّة بسبب طبيعة العناصر المسيطرة عليها تتطور تطوراً ثورياً نضالياً، فظلت تتسم بطابع الانحلال إلی حد کبير...» [135]
أثر التيار الفکر الغربي علی الحياة الاجتماعيّة للمصريين
قامت ثورة 1919م لأجل التحرّر والاستقلال والرجوع إلی القيم القومّية والحرّية الشخصيّة في مجال الحياة ولکن قد أثر تيار الفکر الغربي علی حياة المصريين الاجتماعية و« الذي يقارن الحياة العامة في المدن المصرية فترة ما قبل الحرب الأولی وما بعدها تستطيع إدراك أبعاد هذا التغيير، فقد دخلت المجتمع المصري بعض العادات والتقاليد التي لم يتقبلها جمهور المصريين مثل انتشار حانات الخمر ودور الملاهي الليليّة ودور البغاء... وازدادت دور السينما والمسارح الليليّة وامتلأت صفحات المجلات في نقل أخبار الممثلين والممثلات...» [136]
و«کانت مجلة الهلال وجريدة السياسة علی رأس الصحف التي تروج للتيار الجديد ففي الوقت الذي تدعو فيه "الهلال" إلی فوائد مذهب العری و نشأته إلی اختلاط الجنسين في التعليم، تکتب "السياسة الأسبوعيّة" عن الخمر والرقص ونجد الشيخ الذي يکتب علی صفحاتها مقالة في أعياد والميلاد...» [137]«نمت الحياة الثقافيّة في مصر، بعد ثورة 1919م، وکان هذا النمو نتيجة لعوامل عديدة ومن أهم تلک العوامل، تدعيم الجامعة واتضاح شخصيتها بعودة طلائع بعثاتها إلی الوطن... وکان من ألمع هؤلاء الدکتور "طه حسين"، والدکتور "أحمد ضيف"، والدکتور "علي العنائي"... وکان من نمو الحياة الثقافيّة في مصر خلال تلك الفترة، إصلاح الأزهر وإنشاء الکليات المتخصصة... ثم ازدياد الاهتمام بتعليم المرأة...» [138]
ثم دور الصحافة في تغيير الاوضاع الثقافية، «دور أساسي وإنّ لحزب الوفد من الصحف، "البلاغ" و"کوکب الشرق" و"البلاغ الأسبوعي" وکان من الکتاب طائفة منهم، "عباس العقّاد"، و"سلامة موسی"، و"عبد القادر حمزة" ... وکذلك کان لحزب الأحرار من الصحف، " السياسة"، و"السياسة الأسبوعيّة"... کما کان من الکتاب طائفة منهم: "محمد حسين هيکل"، الدکتور "طه حسين"، الدکتور "محمّد فريد"...» [139]
وأيضاً إنّ المسرح « قد أسهم بنصيب في تنمية الثقافة في تلك الفترة... فقد ازداد الاهتمام بهذا وبهذا الجهاز، فأنشئت الفرقة القومية وجعل علی رأسها خليل مطران... ثم السينما من الأجهزة الثقافيّة في تلك الفترة... قد أدت السينما بدورها خدمات لا تنکر في مجال تنمية الثقافة بخاصة الثقافة القصصيّة والرواية، کذلك لا يمکن أن تغفل الإذاعة في مجال الحديث عن الأجهزة الثقافيّة...» [140]
«شهدت تلك الفترة تحولا خطيرا في الحياة الفکريّة العربيّة، الفکرة التي تتجه إلی الغرب والمستدير إلی الشرق وکان من أسباب تفوق هذا الاتجاه، ازدياد الاتصال بالغرب في مجال الفکر بسبب عودة طائفة من الدارسين في أوروبا إلی مصر، ممّن کانوا يؤمنون بهذا الاتجاه الغربي ويروجون له من أمثال "محمّد حسين هيکل" و"محمود عزمي" و"طه حسين".» [141]
إنّ الروح التي خلقتها الحرب العالمية الأولی وبعدها ثورة 1919م وکذلك هزيمة ترکيا في الحرب العالمية الأولی، والشعور بالاستقلال والحرّية الفرديّة والقوميّة وأيضاً التأثير من الأدب الغربي کان من العوامل التي أدت إلی الاتجاهات الثلاثة في مجال الأدب العربي، الاتجاه التي رسمت الخطة الأدبيّة في ما بعد و تأثرت بها کثير من الأدباء والکتاب والشعراء في منتجاتهم العلميّة والأدبيّة وإنّ جذور هذه الاتجاهات يرجع إلی، « الشعور بالاستقلال الشخصي والإحساس بالحرّية الفرديّة والتشبّع بروح الثورة... وليس من الشّك في أنّ الصراع الحزبي قد لعب دوراً کبيراً في إذکاء نار هذا الصراع، هکذا صوّر أدب تلك الفترة إلی جانب روح التحرّر والثورة... [142]
الاتجاهات الثلاثة في الأدب العربي
الاتجاه العلماني
«في هذه الفترة فتح باب الفکر العلماني ... وقد أدی ذلك إلی ظهور مؤلفات تنهج نهجاً علمانياً في مقدمتها کتاب، "الإسلام وأُصول الحکم"، الذي ألّفه "الشيخ علي عبد الرّزاق" ...وهو في الفصل الثالث من الکتاب حاول أن يثبت أنّ الإسلام رسالة لا حکم ودين ولا دولة...» [143]
و«کتاب آخر بعنوان "في الشعر الجاهلي" للدکتور طه حسين أثار فيه المؤلف الشك حول تاريخ العرب قبل الإسلام ولم يقف عند هذا الحد، بل تطرق شکه لحقائق قد وردت في القرآن الکريم حيث اعتبر صلة إبراهيم الخليل بالعرب وبناءه وابنه إسماعيل للکعبة أُسطورة وليست حقيقة.» [144]
«کان طه حسين الذي کتب عن القوميّة المصريّة، لا يفرق قطّ بين المسلم والمسيحي في الأمة المصرية، لقد کان الدّين عنده ذا قيمة اجتماعيّة بقدر ما يقدم للوطنيّة ولأنّه من قوة وزخم واعتراف بجرأة أنّ الدين لايستطيع توجيه الحياة السياسيّة.» [145]
و«قد شارکت بعض الصحف الفترة وبعض مجالاتها في ذلک التيار العلماني القومي المعادي الفکر الإسلامي وکانت مجلة " الهلال" في المقدمة ومنذ الشهور الأولی لصدورها کتبت مقالاً في نوفمبر 1924م، به عنوان، "حرّية الفکر"، دعا إلی الشک حتّی في العقائد...» [146]
وبعد ذلك نری بأنّ «أصحاب الأفکار العلمانيّة قد رجعوا من أفکارهم شيئاً فشيئا وفتحوا بابا آخر من الأفکار الأدبيّة التي تعرف باسم الاتجاه المحافظ، بدأ أصحاب هذا الاتجاه يهدئون من ثورتهم... بل بدأ يقربون کثيراً من نقط الإشراق في الماضي العربي الإسلامي... فبدأ الدکتور محمد حسين هيکل... الذي جعل الغرب وقيمه وزجالاته مثلاً أعلی في بعض الأحيان، بدأ يکتب عن حياة "محمّد" کما بدأ الدکتور طه حسين يحوم، "علي هامش السيرة"،...ثم تبعهما - بعدسنوات - الأستاذ "عباس العقّاد" فشرع يجلو العبقريات الإسلامية، ويتغني بالحضارة العربية....
الاتجاه الغربي المتطرف
ووراء هذين التيارين وجد تيار ثالث کان في تلك الفترة أضعف من التيارين السابقين ...وهذا التيار الغربي المتطرف الذي کان يؤمن بالغرب وماديته إيماناً مطلقاً ولا يری في الشرق شيئاً يستحق أن يؤخذ به .... وکان يمثل هذا الاتجاه "سلامة موسی"، وقد عاشت هذه الاتجاهات الثلاثة في الحياة الفکريّة خلال تلك الفترة وأثرت في أدبها
المصادر والمراجع العربية:
- الإسكندري، عمر سفدج، ا،ج: تاريخ مصر إلى فتح العثماني، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1990م.
- الحضيري، محمد حامد: العناصر التراثية في الالطبعة الأولى، دارالمعارف، القاهرة، 1999م.
- أمين، أحمد: فجر الإسلام، الطبعة التاسعة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر،1964م.
- أمين سليم، أحمد، وعباس عبد اللطيف، سوزان: مصرمنذ التأسيس حتى بداية عصر الدولة الحديثة، دار المعارف الجامعية،2000م.
- بيطار، فؤاد: أزمة الديمقراطية في العالم العربي، دار بيروت للنشر، بيروت، 1984م.
- سعيد، محمد مظهر: سجين ثورة 1919م في مصر، دار المعارف، مصر، 1996م.
- سليمان بيومي، زكريا: الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية في الحياة السياسية المصرية 1928-1948م، الطبعة الأولى، مكتبة وهبة، 1979م.
- شلبي، أحمد: موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية، الطبعة الأولى، مكتبة النهضة المصرية، 1986م.
- صبري، محمد: تاريخ مصر من محمد علي إلى العصر الحديث، الطبعة الثانية، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1990م.
- ضيف، شوقي: الأدب العربي المعاصر في مصر، الطبعة العاشرة، دار المعارف، 1992.
- طه، بدر، عبد المحسن: تطور الرواية العربية الحديثة، الطبعة الثالثة، دارالمعارف، 1976م.
- عبد التواب، محمد سيد: بواكير الرواية، دراسة في تشكيل الرواية العربية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2007م.
- عبدالحليم، نبيلة محمد: معالم التاريخ الحضاري والسياسي مصر الفرعونية، منشأة المعارف بالإسكندرية، لاتا.
- عبد النور، فخري: مذاكرات فخري عبد النور ثورة 1919م، دور سعد زغلول والوفد في الحركة الوطنية، دار الشرق، قاهرة، 1992م.
- عمرعبد العزيز، عمر: دراسات في تاريخ العرب الحديث والمعاصر، دار النهضة العربية بيروت، 1990م.
- محمد سالم، لطيفة: فاروق وسقوط ملكية في مصر 1936-1952م، مكتبة مدبولي، قاهرة، 1996م.
- هنري برستر، جيمز: تاريخ مصر من أقدم العصور إلى العصر الفارسي، الطبعة الثانية، مترجم:محسن كمال، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1997م.
- هيكل، أحمد: تطور الأدب الحديث في مصر من أوائل القرن التاسع إلى قيام الحرب الكبرى الثانية، الطبعة الثانية، دار المعارف، القاهرة، 1994م.
المواقع الإلكترونية:
موقع ويكيبيديا