السبت ١٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٩
بقلم عادل الأسطة

نابلس: الجمر والرماد

(نابلس: الجمر والرماد) 2007 هي الرواية الأولى لهاني أبو غضيب، وهو صحافي من مدينة نابلس أنفق بعض سنوات عمره في السجون الإسرائيلية، وخلالها أنجز كتابا نقديا درس فيه أشعار الشاعرة فدوى طوقان، وقد صدر في طبعتين، واحدة في الأرض المحتلة، والثانية في عمان. ولم يتفرغ المؤلف للكتابة، وإن لم يبق بعيدا عن عالم الكتب، فقد افتتح، في مدينة نابلس، مكتبة هي
المكتبة الجامعية.

ألتقي بهاني بين فترة وأخرى، فيحدثني عن بعض مقالات كتبها ونشرها، وقبل سنوات التقيت به على الجسر، بين أريحا وعمان، وقد حدثني يومها أنه بصدد كتابة رواية من ثلاثة أجزاء عن مدينة نابلس، وأنه الآن، مسافر إلى الشام ليلتقي بالروائي السوري حنا مينة، حتى يفيد من خبراته في كتابة الرواية.

في أيار من العام 2007 اتصل بي هاني، وأخبرني أنه أصدر الجزء الأول من روايته، وأنه سيرسل لي نسخة منه حتى أقرأ الرواية، وأبدي رأيي فيها، بخاصة أنني كتبت العديد من الدراسات والمقالات في نقد روايات عربية وفلسطينية.

سأقرأ الجزء الأول من الرواية، وسألتقي بهاني لأبدي له رأيي فيما قرأت. وسأصحح له الأخطاء النحوية والمطبعية، حتى إذا ما طبع الرواية ثانية، وقد أخبرني أنه بصدد إعادة إصدارها عن دار الآداب في بيروت، خرجت خالية منها. طبعا لم تقتصر ملاحظاتي على ما في الرواية من أخطاء مطبعية ونحوية، فقد جاءت هذه عرضا. أبديت له ملاحظات عن عنصر البناء والتشويق و...و...

وقد اكتفى هاني يومها مني بإبداء الملاحظات، وإن كان يطمح بأن أنجز مقالة عن الرواية أنشرها في صحفنا أو في المواقع الالكترونية، بخاصة أنني أنجزت مقالات عديدة عن روايات صدرت في مدينة نابلس في تلك الفترة، مثل رواية سحر خليفة: ربيع حار، ورواية عفاف خلف: لغة الماء، وشاركت في ندوة عن رواية سهاد عبد الهادي: ذاكرة زيتونة.

وربما لا يعرف قراء كثيرون أن مدينة نابلس التي عرفت من خلال الشاعرين إبراهيم طوقان وفدوى طوقان، ومن خلال الروائية سحر خليفة، شهدت في السنوات الأخيرة صدور العديد من الروايات لكتاب قدامى وناشئين. وإذا ما ضممنا عنبتا إلى نابلس وجدنا أمامنا ما لا يقل عن اربع عشرة رواية لم تجد من يلتفت إليها بما فيه الكفاية.

في عنبتا أنجز الشاعر أديب رفيق محمود رواية في ثمانينيات ق20 ومؤخرا أنجز أنور حامد روايتين، واحدة صدرت عن منشورات (أوغاريت) في رام الله، والثانية صدرت في عمان وبيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر. وفي نابلس أصدر الشاعر علي الخليلي روايتين والكاتب محمد البيتاوي العديد من الروايات التي لم تحظ بمراجعات نقدية، ومؤخرا برزت كاتبة كان لها محاولات كتابية في خمسينيات القرن 20 وهي سهاد عبد الهادي، فأنجزت وأصدرت ذاكرة زيتونة ومرايا أنثى. وفي العام 2005 أصدر كميل أبو حنيش: خبر عاجل، وأصدرت مايا أبو الحيات: حبات السكر ورواية ثانية أيضا، هذا عدا أعمال سحر خليفة الثمانية ورواياتي الأربعة.

وقد تكون سحر خليفة هي الأوفر حظا بين هؤلاء الروائيين، ذلك أنها من خلال إصرارها على كتابة الرواية، ومن خلال أسبقيتها أيضا، وصدور رواياتها في العالم العربي، كرست اسمها في عالم الرواية: فلسطينيا وعربيا، ومن خلال الترجمة إلى اللغات: الإنجليزية والألمانية والعبرية والفرنسية، وربما لغات أخرى، عالميا. وقد يكون صدور غير رواية لها، على مدى أربعة عقود، أي أربعين سنة، في فلسطين والقاهرة وبيروت، وتناولها موضوعات لافتة: المرأة والصراع الوطني، منحها هوية: كاتبة روائية. هل يمكن أن يتحقق الشيء نفسه للآخرين، ممن أصدروا رواية أو روايتين؟

كان الكاتب فاروق وادي، وهو يدرس الرواية الفلسطينية في كتابه: ثلاث علامات في الرواية الفلسطينية، أثار السؤال السابق، وهو يدرس متشائل إميل حبيبي الذي لم يكن أصدر سوى المتشائل ولكع به لكع. ورأى وادي أن الكاتب إذا ما أنجز عملا واحدا مميزا، وهذا ما تحقق لإميل في المتشائل، يمكن أن يصنف على أنه روائي. فهل تحقق هذا لسهاد ومايا وهاني والبيتاوي وأديب رفيق وأنور حامد؟

قبل أسبوعين أو ثلاثة التقيت بهاني، فأخبرني أنه يعتب عليّ. لماذا؟ لأنني لم أنجز عن روايته مقالة أو دراسة؟ فقد قرأها بعض معارفه وقال له: في نابلس ناقد روائي هو عادل الأسطة، وروايتك عن نابلس وهي مشوقة، فكيف لم يكتب عنها؟

أنا أعرف أن من يهديك كتابا فإنه يأمل أن تقرأه وأن تكتب عنه إذا كنت كاتبا. هذه هي العادة، وهذا هو العرف. لقد أبديت رأيي في رواية هاني شفاهيا، ولم أَصُغْ ما قلته كتابيا، ولكن هل على الناقد أن يكتب عن كل كتاب يقرأه؟

تعلمت من حياتي السابقة أن الكتابة عن كاتب لا يكرس نفسه في عالم الكتابة هي هباء، ولا أحد يلتفت إليها، فالناس تلتفت، إذا التفتت، إلى الأسماء التي تكرس اسمها في عالم الكتابة: من خلال المواصلة والإصرار وتطوير الذات.

ربما لهذا لم أكتب عن هاني وروائيين وروائيات آخرين. أنا أتفهم عتبهم، ولكن عليهم أيضا أن يتفهموا لماذا أتلكأ وأتباطأ أيضا!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى