الأحد ٣٠ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧

نجاة الزباير وحقائب الاهتمامات الشعرية

وجدان عبد العزيز

تتسع مساحة البوح في القصيدة الحديثة كونها تتحلى بحرية أوسع في اختيار رموز التخفي، لتذعن صاغرة أمام إرهاصات الإنسان الشاعر وتمرداته ومشاكساته واستعاراته التي ينسل تحت غطائها، لمحاكاة أعماق الحياة وهو يتمثل صراعاتها بأشيائه المختلقة، وإني أرى المبدعة نجاة الزباير تختط لنفسها طريقا خاصا، لتنشأ حقلا يتسع لبوحها متوسلة قصيدتها الهاربة أن تأتي كي تصغي لحوارها الخاص..

كرهتُ عطرها المبحوح
فاستلقيتُ فوق جرحي
ألملم قصائدي في راحة البوح

لذا تراها توزع بوحها بين حقائب هي رمز لعالم الرحيل أو التخفي حيث تتنفس في الأولى الضوء عبر أجواء النفس العطشى وكأنما الشاعرة تدور ضمن حلقة ذاتية مغلقة بدايتها القصيدة الهاربة ونهايتها ذات الشاعرة..

فتحت سماواتي
لعلي أتنفس ضوءا
تسللتُ إلىَّ
بي عطش يردم خوفي

الحقيقة التي لابد أن تقال إن (حقائب قصيدة هاربة) عكست ذكاءا متوقدا لهذه الشاعرة وخلقت هذا التماهي محمولة داخل حقائب الرحيل تبحث في محطات السفر عن نوافذ للبوح المبرر..

مددت لفتاتي
تهاوت أجنحة الهوى
جررت خطوي
مذعورة الأنفاس
لكني في عينيه
تلوت اعترافاتي

منْ تقول هذا القصيدة أم نجاة الزباير؟! ثم يتخفى سر الأسرار الذي يجعل المتلقي يتصبب عرقا في إيجاد ما يبحث عنه..

فتحت أزرار عشقي
انسكبتُ
قالتْ :
ـ لِمَ تتدفقين كما النهر
بين كفي هواه ؟
ثم.. قلتُ :
هلا رحلتِ؟

هو صراع الامتثال والوجود، الامتثال للاوعي والوجود للشاعرة الواعي بتواصل عملية البوح الذي يجيء على خجل شفيف كحورية الجنان تأتي على استحياء مدفوعة بانوثة ناضجة غير أن خجلها يمنعها من ذلك والزباير تمنعها أشياء أخرى تحاول بذكاء بلورتها ضمن مسار شعري متميز يعطي نكهة خاصة..

رمقتْ ظني
عانقتْ طيفه عني
ترنحتُ
وفي هرولتها تلاشيتُ

وهنا يتوضح حوار القصيدة مع الزباير ويتبين صراع الشاعرة وعسر ولادة القصيدة وهي بين الرحيل إلى قيعان الأعماق وبين حقائب الاهتمامات الشعرية..

اجتثتْ بعضي
قلتُ :
ـ لمَ تقرعين باب همسي
حُبلى بألف صراخٍ
وبين يدي مدائن من نار ؟

حتى استوى الحوار الذاتي لدى الشاعرة خارج المتن.. داخل الذات كي تتوازن اهتزازات الإنسان الشاعر مع نبراته الشعرية بمسار اللاوعي.. هذا إذا حاولنا التماهي بين السطور..

ازورت عني نبراتها
مدت اليّ جناحها النحيل
رأيتُ فيه المجنون يغسل برده
وجميل ينثر صبابته
قالتْ :
هلا اكتفيتِ؟

وكأن القصيدة فتحت للتو كوى قادت الشاعرة كي تتعايش مع أشياء الحياة باستحضار ثقافتها الخاصة من مخزونها الحضاري بمرموزاتها الشعرية كالشاعر الكبير جميل أحد شعراء الحب، لذا فان القصيدة

جمعت جدائلها في قميص الليل
وجرت حقائبها متهدجة النبض
سقط خلخالها
التفتُ اعيده اليها
لم أجد غير صوتها ينقر حلمي

بدا اللقاء مع القصيدة وبدت عملية تبادل الإرهاصات واضحة بين الشاعرة.. أمام هذه الجولة التي أخذت بيدي فأضافت لي أغنية سأبجل لحنها في ساحة الحب الصامت، لأقول وأنا مبتل بندى الروح، سأظل سيدتي أيتها الشاعرة المبدعة تائها بين مرموزاتك أكد الذهن لأرسو عند شواطئ المعنى وعساي الوصول ولكن أشك في ذلك...

وجدان عبد العزيز

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى