الاثنين ١ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٤
بقلم محمد يوسف

نخلة تٌرك

تتمايل الشابة بخيلاء لتهز الارض بقدميها وبخلخالها الفضي وهي في طريقها لمعاونة أبيها في زراعة قراريطه القليلة،
يتوارى شباب القرية حين تقترب وتجحظ عيونهم في شوق لرؤية المرمر،حتى حين تغدو أو تعود عند الأصيل، لم تهتم يوما بأحدهم، تعشق نسمة قادمة من بين أشجار الكافور المتراصة على جانبي الطريق،لاتعلم متى ستأتي ولكنها يقيناً آتية لامحالة، تركت لها قلبها بكراً في انتظارها،تجلس شاخصة لبعيد تستند على شجرة جميز عتيقة، تلوك بعض تمرات من نخلة أبيها السامقة غير بعيد،تحتفظ بالنوى بين كفيها،تحدثه، تقبله،النخلة تهمس إليها: اقتربي،لبت النداء مسرعةً،احتضنتها،قبلتها،ردت قبلتها ببلحة هي أول طرحها في صيف هذا العام،ضحكت الشابة،أكلتها،قبلت نواتها ودستها بين أحضان جذورها، يراقبها أبوها شاكرا الله على نعمه،روت حياته بعد وفاة أمها عند ولادتها، لم يتركها لإحداهن لتقوم على تربيتها، نذر حياته لأرضه ولها، طرحت جمالا يخطف الأبصار وعقلاً راجحاً، يرفع فأسه ليقلب طين أرضه وهي تلتقط كل ماعلق بها من أعشاب ضارة،يصنع خيال ظل ليمنع عنهما كل من يقترب،بدأت نخلتها في البزوغ كشمس خضراء،رعتها،تراقب ذلك الهدهد القادم من بعيد ناقلاً لها البشرى، هاهي تتحقق حين قدم قريب بأهله من الجنوب لينشر نسمتها التى تمنتها،أصبح ثلاثتهم يحرثون، وهن الأب حتى رحل،نمت بذرة برحمها،طرحت شجرتها مارزقهما الله به، مرت سنون كثيرة والبذور تشتد لتطرح أوراقا كثيرة تلتف حول الشابة العجوز...ترك،لم تنس يوما نخلتها،كانت تتصدق بكل طرحها ولاتأكل غير تمرة وحيدة اعتادت على أكلها كل عام،تدسها بجوار أخواتها، توسطت النخلات ساحة الدار، بدأ الوهن يقترب منها وعينها شاخصة من نافذتها صوب نخلتها البكر،ماتت ترك،في اليوم التالي كان النخل ينعيها ونخلتها البكر.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى