الخميس ٣١ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٩
بقلم عبده حقي

نص تحت العناية المركزة

أحقا رحل قبل الأوان إلى المأوى الأخير.. وكأنني الآن أمشي خلفه أجر تعب السنين حتى لا أتركه في سفرته الأبدية وحيدا حين ودع ظله العليل وحمل آخر حقائبه المعبأة بوميض ابتسامته المعهودة.. ومواعيد آماله الموؤودة..

كان يكبر في عيوننا وكان جناح الحلم يترعرع على كتفيه ليحلق به طليقا.. عاليا في الآفاق النائية..

أذكر يا شقيقي.. يا صديقي ذات فراق أليم حبكته بيننا الأقدار.. كنت ما تزال ترتع في حدائق الحبو.. ترنو إلى زهرة عمري على الصورة وتسأل الله إن كانت أنياب جوع وعطش العزلة قد مزقت قميصي في قرارة الجب.. وكنت حين تعز عليك الأجوبة الحيرى تلوذ إلى فسحة الصبر الجميل لعلك ترى طيفي الغريب قادما يوما ما ليتلقفك بين ذراعيه ويحشو فمك بالشوكلاتة وجيوبك الصغيرة بالحلوى ويمسح عن خدك دمعة طويلة حفر أخدودها إزميل الوقت أواخر صيف بعيد.

حين عدت من غربتي ذات شتاء ألفيتك قد كبرت وكبرت معك الأحلام.. رأيتك تشق بكل عزم شعاب متاهات الحياة تارة بروح الوحي اليقين وتارة على حبل الشك المديد.. وكنت تفتح لي دواوينك الموسومة بحبر الخلق والعرق الأصيل...

بعد كل هذا الحظ من قدر السنين.. ما إن آويت إلى سقفك المكين.. واستدفأت بشمس الفتوة..واستأنست بدربك الطويل.. حتى رماك الوقت بسهم الرحيل.. وأشهد أنني عرفتك كما عهدتك مدججا بالصبر الجميل.. متمنطقا بالإصرار واستماتة المقاتلين.. قاومت وكابرت إلى أن انتصرت على الرحيل الموجع بسلاح الرحيل الواثق.. المغتبط بلحظته.. المتلفع برداء الطمأنينة الأبدية...

أرقد يا شقيقي.. أرقد يا صديقي قرير العين في رقدتك الأخيرة.. أو انهض متى شئت في سحاب أحلامي.. سامرني واقصص علي أسفارك الأخرى.. عن باقة الزهر الصاعد من تحت الثرى.. انهض أمامي لحظة وارسم على باب بيتنا القديم ما تبقى من حكاياك عن المواعيد.. إرحل كما شئت وكما تريد.. أو لا ترحل.. فسيان عندي بعد الآن.. فقد غدوت في حياتي جزء من البقاء.. وداعا يا شقيقي وإلى لقاء...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى