السبت ٥ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢٢
بقلم ميمد شعلان

نظرة في عمق الصداقة الروسية المصرية بين جامعة الصداقة وسواعد الإرادة

إن (جامعة الصداقة بين الشعوب) في موسكو، بالرغم من وجود عدد كبير من الجامعات العريقة في روسيا الاتحادية، إلا أنها تبقى واحدة من أكثر الجامعات الروسية شهرة في الشرق الأوسط، فقد قرر السوفييت إطلاق اسم رئيس وزراء الكونغو (باتريس لومومبا) على تلك الجامعة، فأصبحت تعرف باسم (جامعة باتريس لومومبا للصداقة بين الشعوب)، كانت تلك الخطوة تكريمًا لباتريس بصفته رمزًا للنضال ضد الإمبريالية. وهكذا، فإن الجامعة الأكثر شهرة في أوساط (اليساريين) حول العالم. بدأت السلطات السوفياتية تقدم المنح الدراسية للدول الصديقة في العالم العربي؛ والذي جعلها أكبر جامعة في العالم من حيث مراحل تعدد القوميات.

عملت الجامعة منذ تأسيسها على توحيد طلابها رغم اختلاف ثقافاتهم، وتأهيلهم ليكونوا قادرين على الانخراط في مختلف مجالات النشاط الإنساني والعمل الوطني. يدرس بها حاليًا الكثير من المصريين. من بين أهم التقاليد في جامعة الصداقة اقامة الأسبوع الثقافي المصري، وهي فرصة هامة ليتعرف عبرها الدارسون على عادات وتقاليد الحضارة المصرية القديمة عن كثب. وعادة ما يضمّ برنامج المهرجانات الخاص بالأسبوع الثقافي للمحروسة واجراء الفعاليات العديدة مثل المعارض والمؤتمرات لتدويل القضايا وملفات مصرية. وسر توافد الطلبة المصريين إلى تلك الجامعة يعود إلى الخبرة الكبيرة لدى طاقهما الأكاديمي في تعليم الطلاب، هذا فضلًا عن وجود مختلف التخصصات العلمية فيها من الهندسة، والطب، والعلوم الاجتماعية والانسانية، والآداب وغيرها. وثمة أسباب كثيرة تدفع الطلاب المصريين للدراسة في جامعة الصداقة منها جودة التعليم، وانخفاض تكلفة الدراسة والإعاشة بها التي تقل كثيرًا عن نظيراتها الأوروبية، وقد كان لذلك سببًا في التعاون بين جامعة الصداقة بين الشعوب والجامعة المصرية الروسية ERU لنقل الخبرات وتبادل الثقافات والتعاون العلمي الأكاديمي بين البلدين. تعتبر (الجامعة المصرية الروسية)، أول جامعة روسية في مصر والشرق الأوسط، وهي حصيلة التعاون مع أفضل الجامعات الروسية، وبالتالي توفر بيئة تعليمية استثنائية، وقد ساهمت سبع مؤسسات وجامعات روسية في انشاء وتطوير الجامعة المصرية الروسية، على رأسهم جامعة الصداقة؛ بما يضمن تقديم برامج أكاديمية متميزة وفرصة للطلاب لأداء التدريب الصيفى أو تسجيل فصل دراسى أو أكثر فى روسيا.

في حقيقة الأمر، إن نمطية التعاون الروسي المصري، قد مر بعدة مراحل حتى وصلت إلى هذه الهالة من التطور الأيديولوجي والتطور البشري، وقد بين ذلك من خلال سرعة استجابة العقل البشري في مواكبة التقدم طبقًا لأساليب الإعاشة الكاملة والتطور التكنولوجي الراهن؛ فمما لا شك فيه أثبتت التجربة الروسية المصرية ريادتها في اجتياح العالم الأوراسي والأفريقي على التوالي، فقد قدمت روسيا باحثيها في شتى مجالات التكنولوجيا والاقتصاد الحر، ففرضت سياساتها في توجية المجتمع الأوراسي نحو مصالحها وأهدافها في بسط نفوذها الاستراتيجي من خلال استغلالها لموارد الطاقة کأداة لفرض النفوذ على المستوى الدولي والتعاون الإقليمي ومحاولات تغيير نظام توازن القوى إلى نظم متعددة القوى، حيث يمثل عنصر الطاقة عصر هام في تحديد توجهات السياسة الخارجية الروسية الأوروبية إبان غزو أوكرانيا لهذا العام، والتي بلورت أهدافها الخارجية في مجال الطاقة باعتبارها سلاح استراتيجي لزيادة النفوذ، والاستثمار، والسيطرة على البنى التحتية ذات الأهمية الاستراتيجية الواعدة، وكذا الحد من التدخل الغربي في مناطق النفوذ الروسي ذات المناطق الاستراتيجية الهامة، على الرغم من التهديدات والتحديات التي تواجهها. ومصر قد استفادت من تاريخها القوي في ترسيخ الإيماءات وقصص الأمس الرائعة في تحفيز الأجيال الحاضرة في استعادة روح الأمجاد، وقد برهنت سواعد شبابها ورغبتهم الجامحة في الوصول لأهدافهم من أجل عودة مصر لمكانتها المعهودة داخل القرن الأفريقي واستمرارًا للجهود المتواصلة خلال الأعوام السابقة للتباحث وتبادل الرؤى ومد جسور التعاون بين جميع المؤسسات وصولًا لتحقيق طموحات الشعوب في الحرية العدالة والتنمية؛ وقد تمثلت الرؤية الإفريقية التى نقلتها مصر إلى المشاركين فى القمة الأوروأفريقية، بالعاصمة البلجيكية (بروكسل) لسنة 2022، من خلال عدة موضوعات هامة، منها تقديم الدول المتقدمة يد العون للدول الإفريقية من أجل سعيها إلى تحقيق التنمية المستدامة، وكذلك ضرورة الإسراع بنقل التكنولوجيا إلى الدول المعدومة والفقيرة نسبيًا، حيث إن كل مقومات الاقتصاد المعاصر يعتمد على تلك التكنولوجيا المتطورة وآلياتها في إحداث التغيير والتحول في كيفية تقديم الخدامات لمواطني تلك الدول.

أخيرًا وليس آخرًا، فإن التعاون المشترك بين القاهرة وموسكو سيسفر عن ازدهار كبير على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، يصب في مصلحة الدولتين، فمصر وروسيا تحتاجان بعضهما البعض حاليًا ومستقبلًا، والتكامل بينهما هو أفضل صيغ التعامل المشترك. وبشكل عام تتمتع العلاقات المصرية الروسية بطابع تاريخي متأصل ممتد مما يجعلها من أقوى العلاقات على مر التاريخ المصري الحديث، حيث تميزت كافة الأنشطة الاقتصادية والفنية والتكنولوجية والتمويلية الأساسية والعسكرية بميزة وعامل مهم لم يتوافر في معظم علاقات مصر مع العالم الخارجي، وهو القيمة التكنولوجية المضافة وعمليات التحول التكنولوجي لما لها من تغيير جوهري في أسلوب تقديم الخدمات، وكذا تدريب الكادر الوطني مع إعطاء فرصة لتطوير الوحدات والقطع الحربية الروسية في تطوير وتنظيم قطاعات ووحدات الجيش، وكسر احتكاره وفتح الباب لتطبيقاته في مجالات علمية ولوجيستية وتطبيقية مختلفة على الصعيدين الإقليمي والدولي معًا.

أخيرًا، فإن التقدم والحضارة هما نتيجة جهود العبقرية التي بذلت من أجل تذليل الصعاب التي تواجه الكثير منا في ظل تغيرات العوامل الطبيعية نتيجة لإهمال العوامل البشرية وضعف موقفهم في حل الأزمات وإيجاد الحلول، وإن ما نراه في حياتنا الآن ليس إلا انعكاسًا لما فعلناه في الماضي، وما سنفعله في المستقبل ليس إلا انعكاسًا لما نفعله الآن.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى