الثلاثاء ١ آب (أغسطس) ٢٠١٧
بقلم أحمد الخميسي

«نيزافيسيميا» الروسية.. هل تعتذر واشنطن؟

على نحو شديد تشتعل أزمة العقوبات الجديدة التي تريد واشنطن فرضها على موسكو مما يهدد بمسارات غير متوقعة في العلاقات بين أمريكا وروسيا. الأزمة اندلعت بعد موافقة الكونجرس الأمريكي على توسيع عقوبات سابقة أعلنت عام 2014 بعد استعادة روسيا جزيرة القرم. توسيع العقوبات الان يأتي بذريعة التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأمريكية.

وتمس مجموعة العقوبات التي تشمل إيران وكوريا الشمالية جوانب اقتصادية عديدة منها ما يتعلق بنقل الغاز الروسي إلي أوروبا، إلا أنه لابد لتصبح العقوبات سارية المفعول من موافقة الرئيس الأمريكي. موقف موسكو لم يكن أقل شراسة، فقد وصفت العقوبات بأنها غير شرعية وتخالف قواعد منظمة التجارة العالمية وترمي فقط لتمكين أمريكا من التمتع بامتيازات تنافسية في الاقتصاد العالمي بشكل غير نزيه. ولم تكتف موسكون بالبيانات البلاغية فقد قامت الخارجية الروسية في 28 يوليو الحالي بمطالبة واشنطن بتقليص عدد الدبلوماسيين الأمريكيين إلي 455 ليماثل عدد الدبلوماسيين الروس في أمريكا ردا على طرد 35 دبلوماسي روسي في ديسمبر الماضي. وأعلن ديمتري بسكوف الناطق الصحفي باسم الكرملين أن الرئيس بوتين صادق على قرارات الخارجية الروسية التي أثارت أسف السفير الأمريكي في موسكو واحتجاجه. من الشيق في إطار هذه الأزمة الكبيرة التعرف إلي موقف العسكرييين الروس مما يجري، ومدى التفافهم حول تشدد الرئيس بوتين مع أمريكا. بهذا الصدد تنشر صحيفة "نيزافيسمايا جازيتا" الروسية العريقة مقالا يوم الجمعة 28 يوليو الحالي، بعنوان "لم تعد لحياة الانسان قيمة في الشرق الأوسط". كاتبه الكسندر شاريكوفسكي وهو المعلق العسكري بالصحيفة مما يضاعف من أهمية المقال لأنه تعبير عن وجهة نظر"العسكريين الروس" في موضوع العلاقات الروسية الأمريكية، وفي أهم قضايا المنطقة العربية. يقول شاريكوفسكي: "تؤدي حملات الطيران الأمريكية في سوريا يوما بعد يوم إلي مصرع عدد ضخم من البشر بما في ذلك الأطفال، وهو أمر لم يعد حتى بوسع وسائل الإعلام الأمريكية أن تتجاهله. وتشير الأرقام المعتمدة إلي أنه منذ بدء هجوم التحالف الأمريكي على الرقة بلغ عدد ضحايا القصف نحو 325 إنسانا منهم 50 طفلا. هذا بينما يقدر المراقبون عدد ضحايا الاقتتال السوري منذ بدايته عام 2012 بنحو أربعمائة ألف إنسان". ويضيف: "وفي الرقة السورية، حيث تهاجم القوات الأمريكية المدينة وتشرف على حركة مايسمى" قوى سوريا الديمقراطية" فإنها لم تفتح أي ممر آمن للمساعدات، ولم تعلن عن أي هدنة لتمكين السكان من الخروج، واستخدمت المدنيين دروعا حية. ومن أجل إصابة قناص واحد كانت القنابل تنهمر على البيت الذي يتخذه القناص موقعا فيقتل في القصف عشرات الأبرياء". ويقول: "أما في الموصل بالعراق فإنهم لم يفتحوا ممرا آمنا واحدا للمساعدات، ولا أعلنوا عن هدنة واحدة حين دخلتها القوات العراقية الرسمية التي يوجهها الخبراء والمستشارون العسكريون الأمريكيون، وهناك ظلت عمليات القصف تتابع بدون تمييز على مواقع "داعش" جنبا إلي جنب مع أماكن تجمع السكان المسالمين. وبطبيعة الحال لم يعبأ أحد بمصرع كل العراقيين المسالمين الذين ماتوا في الموصل حينذاك.. وهو الأمر ذاته الذي قامت وتقوم به القوات الأمريكية على نحو أشد في أفغانستان حيث تصيب الضربات من الجو الأعراس، والجنائز، وأماكن التجمعات السكانية المسالمة.. وتحت يدي عشرات الأمثلة على المواقف غير الانسانية للعسكريين والسياسيين الغربيين تجاه آلام آلاف الأبرياء والضحايا في سوريا والعراق وأفغانستان.. لكن واشنطن وحلفاءها يغضون البصر تماما عن كل المعلومات ويسدون آذانهم، فلم نسمع حتى عن بيان أو تصريح يعبر عن الأسف بهذا الصدد لا من البيت الأبيض الأمريكي، ولا من داوننج ستريت في لندن، ولا من قصر الإليزيه الفرنسي، ذلك أن قادة دول الغرب يعتبرون أن لحياة البشر في بلدانهم قيمة، تختلف تماما عن قيمة حياة البشر في أي مكان آخر.. في بلدانهم ما إن تقع حادثة إرهابية في باريس أو لندن مثلا حتى نراهم يطلقون عواء يصم الآذان تطبل حوله إدانة "النشطاء" واسعة النطاق للحادث. أما مصرع آلاف السوريين والعراقيين والأفغان فإنه لايحرك ساكنا لدي السلطات التنفيذية والتشريعية في دول الغرب طالما أولئك الآلاف قد قتلوا بالسلاح الجوي لتلك الدول! وتحليلا لذلك يعتبر سادة الغرب بضمير مستريح أن موت السكان المسالمين يعد ضمن تكلفة الحرب، وخسارة لا يمكن تجنبها، ومن ثم فليس هناك ما يدعو للقلق! ويعتبر سادة الغرب بضمير مستريح أن موت السكان المسالمين يعد ضمن تكلفة الحرب، وخسارة لا يمكن تجنبها، ومن ثم فليس هناك ما يدعو للقلق! ومن الصعوبة بمكان أن أصدق أو أتقبل كل ما تعلنه واشنطن، ولندن، وباريس، أو بروكسل عن "القيم" التي يخوض الغرب من أجلها كل تلك الحروب، القيم التي تلمع بكلمات "الديمقراطية" و "الحرية" و"الإنسانية" وكلها عند قادة الغرب مفاهيم يمكن تطبيقها فقط على مواطنيهم وحدهم في بلدانهم وحدها، أما بالنسبة لبقية سكان العالم فإن تلك "القيم" تتكشف عن ثرثرة ولغو فارغ من أي محتوى،أو تشكل غطاء لتسمية منطقة أو أخرى من العالم "منطقة مصالح حيوية"! عند هذا الحد ينتهي حديث المعلق العسكري الكسندر شاريكوفسكي الذي أرسل إشارات خلاف واضحة إلي واشنطن. السؤال الآن: هل يؤدي صراع المنافسة الدولية على الاقتصاد العالمي قد يؤدي للمزيد من التدهور في العلاقات بين البلدين؟ أم تتغلب المصالح الأمريكية الروسية المشتركة على الخلافات الحالية؟ وتسمع موسكو اعتذارا من واشنطن كما ألمحت إلي ذلك صحيفة " نيزافيسمايا جازيتا"؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى