الثلاثاء ١٧ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢٤
بقلم حسن لمين

هاتف منتصف الليل

هدوء غريب يلف غرفتها المدفونة في أحشاء البيت العتيق، الليل يلسعها ببرودته، وهي تقبع بجوار الهاتف متوترة الأنفاس. سعاد لم تكن تنتظر اتصالاً عادياً. كان قلبها ينبض بسرعة وكأنّه يتسابق مع الزمن. نظرت إلى الساعة المعلقة على الجدار المقابل، عقاربها تتراقص ببطء، وكأنها تتعمد تعذيبها بالانتظار.

كانت الغرفة مليئة بالذكريات، صور قديمة تزين الجدران، كتب مهترئة تحتفظ بأسرار أيام خلت، وأثاث عتيق يكاد يتكلم من شدة قدمه. صوت الرياح يتسلل من النوافذ المغلقة، يحمل معه همسات الماضي. في زاوية الغرفة، شمعة صغيرة تحترق، تنير عتمة المكان بنور خافت، يكاد لا يُرى.

سعاد، بشعرها الأسود المنسدل على كتفيها وعينيها العميقتين، كانت غارقة في أفكارها. كانت تتساءل عن ذلك الصوت الغامض الذي يأتيها عبر الهاتف كل ليلة في نفس الوقت. صوت رجولي دافئ يهمس بكلمات لم تفهم مغزاها بعد. هل هو صوت من الماضي؟ أم من المستقبل؟

في تلك الليلة، قررت سعاد أن تضع حدًا لهذا الغموض. تناولت الهاتف وبدأت في تشغيل آلة التسجيل القديمة التي كانت تحتفظ بها والدتها. عند الساعة الثانية عشرة، رن الهاتف، وارتجف قلب سعاد. أجابت بصوت مرتعش: "من أنت؟ ولماذا تتصل بي؟"

جاء الرد كالعادة، هادئاً وعميقاً: "سعاد، لا تخافي. أنا هنا لأكشف لك الحقيقة."

تجمدت سعاد في مكانها، شعرت بأنفاسها تتوقف للحظة. سألت بصوت خافت: "أي حقيقة؟"

صمت لثوانٍ بدت كساعات، ثم أجاب الصوت: "أنا يوسف، جدك. أنا هنا لأحذرك من سر مخفي في هذا البيت. يجب أن تفتحي الصندوق القديم في العلية."

شعرت سعاد بقشعريرة تسري في جسدها. لم تكن تعلم بوجود أي صندوق في العلية. بعد انتهاء المكالمة، نهضت بتردد وتوجهت نحو العلية التي كانت مهجورة منذ سنوات. صعدت السلالم الخشبية ببطء، فتح الباب بصعوبة واندفعت رائحة الغبار والرطوبة.

وسط العلية، كانت هناك كومة من الأغراض القديمة. وبينها، لاحظت صندوقًا خشبيًا صغيرًا، مغطى بطبقة سميكة من الغبار. اقتربت منه وفتحته بحذر. في داخله، وجدت رسائل قديمة وصورًا وأوراقًا صفراء. كانت تلك الأوراق تحتوي على اعترافات جدها بجرائم ارتكبها قبل سنوات طويلة.

اكتشفت سعاد أن جدها كان يحاول إصلاح ما فعله عن طريقها. كان يحاول إرشادها للبحث عن الحقيقة، لتطهير العائلة من اللعنة التي حلت بها بسبب أفعاله.

عادت سعاد إلى غرفتها، شعرت بثقل الحقيقة على كتفيها، لكنها كانت مصممة على مواجهة الماضي وتصحيح الأخطاء. أمضت الليالي التالية في قراءة الرسائل وفهم تفاصيل الأحداث، حتى تمكنت من جمع كل الأدلة وتسليمها للسلطات.

في النهاية، شعرت سعاد بالراحة. كانت قد حررت عائلتها من عبء الماضي، ووجدت في نفسها القوة لمواجهة أي تحدي في المستقبل. اختفى الصوت الغامض، وعاد الهدوء إلى البيت العتيق، ولكن هذه المرة كان هدوءًا يعكس سلامًا داخليًا جديدًا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى