الخميس ٢ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٠
بقلم أحمد الخميسي

هرش قفا برلماني

يحدث أن تكون في ضيافة شخص ما، جالسا معه في الصالون، وبينما أنتما تتحدثان يقوم الشخص بهرش قفاه بإظفره دون أن ينصرف عن الحديث. وبالطبع لا يمكن لأحد أن يعتبر أن مصادفة هرش القفا في تلك اللحظة بالذات " حدث قومي ديمقراطي " يؤثر في حياة الملايين أو مستقبل البلاد، لأن هرش القفا يظل مجرد هرش قفا، كان من الممكن أن يتم في اللحظة التي وقع فيها، أو ألا يتم، أو أن يؤجل، إلي آخره. والانتخابات البرلمانية التي جرت في مصر الأيام الماضية كانت أقرب ما تكون إلي هرش قفا برلماني يخص الحكومة، فالقفا قفاها، والبرلمان برلمانها، ولسبب ما هرشته. ولا دخل لأحد في الشئون الشخصية. وكأنما كانت الحكومة خلال الانتخابات تقول للناس : " وما دخلكم أنتم ؟ ماذا تريدون ؟ لقد أعطيناكم الديمقراطية.. فاسكتوا إذن "!. شعوري الشخصي، وقد أكون مخطئا، أن الناس لم يهتموا أصلا بما جرى، لا بمرشحي الحكومة، ولا بمرشحي المعارضة. فلا هؤلاء ولا أولئك كانوا على علاقة بمواقع الجماهير ومصانعها وغيطانها وموظفيها وفقرائها وطلابها وعمالها. لكن الحكومة – خلافا للمعارضة – على علاقة بأجهزة الأمن والإعلام والشرطة وكل أدوات النجاح. أما عني أنا فإنني لم أنتخب أحدا، ولا عمري كله رأيت شكل البطاقة الانتخابية ولا حتى بالمصادفة. وفي مدينة نصر حيث أسكن، هبط المرشحون كافة ببارشوت الدعاية لأنفسهم فجأة، أين كانوا طوال السنوات التي سبقت الانتخابات ؟ لم يرهم أحد، ولم تسمع بهم ولا حتى قطة من القطط الضالة. لكنهم جميعا هبطوا علينا فجأة كالمطر أو الرعد، ليؤكدا لنا بسيارات وميكروفونات أن قلوبهم كانت دائما ومازالت على الشعب، وأن دموعهم سالت وتسيل من حنانهم على الناس، وأنهم لا ينامون الليالي من حب الجماهير، وعلى الناس أن يصوتوا لهم من أجل مستقبل الأولاد ( يقصدون أولادهم هم ). وكنا في جلسة مع مجموعة ودار الحديث بخمول ولا مبالاة عن الانتخابات إلي أن قال أحدهم " فلان الفلاني مرشح الحزب الوطني يبيع كيلو اللحم بسعر رخيص جدا عند أبواب سرادقه الانتخابي ". في هذه اللحظة فقط فنجل الجميع عيونهم يستوثقون ما إن كان الكلام صحيحا ؟ ثم سأل أحدهم عن مكان السرادق!.

لم تتحول العملية الانتخابية إلي حلبة صراع سياسي لتيارات وحشود تقف وراءها أفكار أو برامج مختلفة، لسبب بسيط، أن مشروع الحكومة وحزبها واضح من زمن بعيد، وهو المشروع القومي للتناحة والبلادة، وترك كل شيء على حاله، مع نهب أكبر قدر ممكن. أما المعارضة التي انقسمت لفرق فكانت جميعها بدون أي برنامج، ولم تستطع أن تتفق على مرشح واحد. أحزاب المعارضة التي كسبت عددا من المقاعد قالت " الانتخابات حلوة وكانت نزيهة "، الذين خسروا قالوا " الانتخابات مزورة "، أما الحكومة فلم تقل شيئا، لأنها حكومة أعمال لا أقوال. المعارضة التي أحزنتها نتائج الانتخابات كان ينبغي أن تحزن من قبل، لأنها لم تبلور برنامجا جديا على مدى ثلاثين عاما من وجودها، ولم تخلق مرشحا ذا شأن، ولم يكن لها عمليا صلة بالناس، وظلت علاقتها الأساسية بمقراتها، وباستثارة غضب الناس دون حفزهم على التفكير، وتأجيج الاحتجاج دون تأجيج الأفكار.

يقولون في الفنون العسكرية إن ما يحسم نتيجة المعركة ليس القتال لكن التدريب الذي يسبق المعركة، والحق أن المعارضة لم تقم بأية تدريبات فكرية أو سياسية استعدادا للانتخابات، بل وشهدت السنوات الأخيرة طوفانا من الاحتجاجات المنظمة وسط كل الفئات دون أن تتمكن المعارضة من النفاذ إلي تلك البؤر المشتعلة لا ببرامج ولا بعلاقات. ويظل تركيز الناس على قضاياهم : الخبز واللحم والتعليم والعلاج والسكن وغير ذلك، وتظل المعارضة بحاجة للرهان على تغيير موازين القوى بعلاقات قوية بالناس، أما هرش القفا البرلماني المعروف نتيجته سلفا فإنه لم يحرك خيالا ولا إلهاما، خاصة أن البرلمانات عبر التاريخ كانت شكلا يتحدد بموازين القوى الفعلية القائمة في الساحة الاجتماعية. هكذا كان الأمر منذ أن نشأ البرلمان عهد الحملة الفرنسية، وفي حينه شرح الفرنسيون للمصريين عمل البرلمان بقولهم : لابد أن يكون هناك فريقان في البرلمان، فريق موالي للحكومة يجلس جهة اليمين، وآخر معارض يجلس جهة اليسار. فما كان من جميع الأعيان والشيوخ إلا أن هرولوا وجلسوا في الناحية اليمنى. فقال لهم الفرنسيون : لاء.. لابد من جلوس البعض يسارا، وإلا ما قام البرلمان ولا كانت الديمقراطية! فجلس البعض في الناحية الأخرى على مضض متذمرين من سوء حظهم الذي جعلهم ” معارضة ” و في قلوبهم ” التأييد والموالاة ”.

المغزى الحقيقي للانتخابات أنها كانت خطوة يرسخ النظام بها مواقعه تحضيرا للمشهد الرئاسي القادم. ومادام المطرب تامر حسني يكتب مقالاته في الأهرام باعتباره مفكرا وكاتبا، فلا بأس إذن من أن نستعين برأي مفكر آخر في الانتخابات هو المطرب شعبان عبد الرحيم ” شعبولا ” الذي قال إنه لم ينتخب لأنه ليلة الانتخابات قرر :

 إذا صحيت بدري ح أروح أنتخب، إذا ما صحتش يبقي خلاص. وأضاف: «وراحت على نومة!»


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى