الثلاثاء ٨ شباط (فبراير) ٢٠١١
بقلم ميمون حرش

هـــؤلاء أسعـدوا الشعـوب العـربية

 الشعب: خلصنا يا «مخلص»
 الرئيس:اصلبـــــــــــوهــــم..
«هؤلاء أسعدوا الناس» هو في الواقع اسم لجائزة شهيرة اقترحتها مؤسسة ثقافية في الإمارات،تُمنح لكل من يتفانى في خدمة الآخرين، عبر بنائه ، إنها جائزة تؤمن بأن الإنسان هو التحفة، أو اللؤلؤة المفقودة،وإسعاده عبر إدخال البهجة إلى قلبه عمل يمكن اعتباره من السهل الممتنع،لكن، لا يقوى عليه سوى من تنبت في قلبه بذور الخير، وفي تربة ضلوعه تخصب،وعبر الأيدي، والقلوب تنبت قرنفلات لتضوع طيبا، وعرَفا كرْمى للإنسانية.

ومن ينخرط في الواقع لإسعاد الناس هم كثر والحمد لله، وإن كان يظهر العكس،هم فئة قليلة تبدو، لكن بشعار " من أجل الإنسان" الذي تحمله،تكبر لدى الكل، والحق أننا لن نعدم أسماء كثيرة، وهبت نفسها لإسعاد الإنسان عبر مجالات عدة نحو الفن، السياسة، الاقتصاد، الملاحة، السينما، المسرح ... وهذه المجالات كافة خدم أهلها الناس من جوانب عدة، وأسعدوهم، وكانوا هم أسعد الناس بما فعلوا.
و لا يمكن أن نتحدث عن إسعاد الناس إلا إذا منحنا لهم أمرين: المعرفة، والمتعة، وقبلهما الخبز.
المعرفة أولا لأن الإنسان في حاجة دائما لمن يغمره بالحماس، ويملأه بأسا، وطاقة هو في حاجة إليهما، والحماس، والطاقة بدون معرفة كتينة مورقة لكن غير مثمرة.

ولقد كان الكاتب بول إيلوار محقا حين قال " إن مهمتي أن أمنح الرؤية للقارئ"، وهو يعني أنه ككاتب إذا لم تنر كتبه الطريق لسالكها، فالقارئ سيدير له ظهره ، ويمد له لسانه ساخرا ، وتبدو لي كلمة <الرؤية > بليغة هنا لأن الفنان، وهو يلفت الناس إلى الأشياء من حوله،لا بد أن يحس بألم كل الناس حتى يعطيهم حب الصبر بلغة الألم.

أما المتعة فمطلوبة لإبطال الألم الناتج عن فقدانها، وهي مثل الشهية، الجوع ألمها، و فقدان اللقمة سببها الرئيس..و كل عمل يمنح المعرفة دون متعة هو ناقص، مبتور، والمتعة لكي تكتمل لا بد من أن تشارك فيها جميع الحواس، ولا يمكن القبض على هذه المتعة في غياب الأمان أبدا، والإنسان كما العصفور الذي لا يشدو إلا إذا أحس بأنه آمن.

رسولنا الكريم كان حريصا على إسعاد الأمة، الإنسان الكريم صناعة لم يُجدها أحد كما فعل هو، وما قاله في هذا الصدد: "الضعيف أمير الركب" مبهر حقيقة، والضعف هنا ليس صحة إنما قصر اليد في الرزق، والإعالة، الضعيف يصبح أميرا وهو المعدم.

واليوم يصبح إسعاد الناس صناعة يحرص عليها القائمون عبرإشاعة الخير، وعبر جوائز تقول لهم : "نحن نعرفكم، ونقدر ما تفعلون، لذا فأنتم في القلب"،والقلب يلفظ كل الخونة الذين أساءوا إلينا، نتقيؤهم لأنهم ليسوا حارين ولا باردين.

حين كنا صغارا، كنا نتوجس خيفة من كل الأشرار، وكل غريب، غير مألوف ندير له الظهر، ونطلق العنان لأرجلنا الصغيرة لتعانق الهواء خوفا من شر قد يطالنا ،وحين كبرنا ، وبدأنا نفك الحرف بتنا نعي أن ليس هناك أفضل من يفبرك الشر كقالب حلوى أحسن من صانع العاهات، وأقصد هنا المستعمر، إنه لا يسعد الناس طبعا، بل يتفنن في شقائهم ، ولفعل اللازم كان يختار جلادين مهرة دخلوا التاريخ لأنهم اكتشفوا أساليب تعذيب عربية لم يسبقهم إليها أحد من العالمين ،كلها تصب في بوتقة شعار "نعم لألم الناس"..
وحين يفعل المستعمر ذلك نفهم ونستسيغ ذلك ؛لأنه في نهاية المطاف يحرص على البقاء، وغايته تبرر وسائله، ولكن حين يعمل أهلنا ، أو من ولينا أمورنا لهم ذلك، وحين يسئ إلينا زعماؤنا، فإننا نستغرب كيف يجسر رب البيت على طرد أولاده من البيت، والعمل على الإساءة لهم، كل ذلك من أجل هدف هو في النهاية زائل في الدنيا.

مناسبة هذا الكلام تأتي مقترنة بمطالبة الشعب المصري الملحاحة لحسني مبارك بالرحيل ؛لأنه كشف عن قدرة عجيبة دامت ثلاثين سنة على "صناعة" الشقاء لكل شعبه ، وحين ضاق هذا الشعب ذرعا، وحين ذاق الصاب بسبب فساد حكم رئيسه ، خرج ثائرا، وأسمع صوته للعالم كله على غرار ما قام به الشعب التونسي، وبقدر إصرار شباب مصر على تنحي مبارك، يتمسك الرئيس بالسلطة، أو ما تبقى منها ضدا على الشرعية التي نادى بها الشعب المصري، ولعل أطرف شعار رفعه الشباب في الميدان يترجم عناد رئيسهم هو " لو كان عفريت كان مِشِي" ، ولأنه عفريت فهو يركب رأسه ، إنه يعاند أبناء شعبه حَكَمه بقبضة من حديد ، لم يسعده أبدا ، بل ساهم في شقائه بكل الوسائل المتاحة له.

الشعب الآن في ميدان التحرير بكل أطيافه يردد على مدار نصف شهر:" خلصنا يا مخلص"
والرئيس يرد " اصلبوا الشعب"..

ولعله من شرفته يطل على الشباب الثائر، و يردد قول الشاعر محمود درويش دون أن يفهمه طبعا:

وطني ليس حقيبة
وأنا لن أسافــــــــر.

لست أدري لماذا يتبدى لي ميدان التحرير في مصر مثل جامع "الفنا" في مراكش، طبعا لا أريد المقارنة، ربما لا تصح هنا، ولكني أقصد تلك الأطياف التي برزت في الميدان بشكل لافت، أبهرت الناس بتلاوينها،لقد أصبح التحرير ميدانا، فوق اعتباره ركحا لفرض النضال فيه، مكانا للشعر، والغناء الملتزم، والمسرح، والرسم، بل وحتى طقوس الزواج تمت داخله بعقد قران شاب وفتاة وسط حشود المحتجين، وعوض ترديد "رقصني يا ولد" احتفاء بالزوجين ردد الجميع " الشعب يريد إسقاط النظام " ، والرسالة واضحة، وإخال أن رموز النظام الفاسد يفهمونها جيدا ؛ إنها رسالة تراهن على التفاؤل الذي هو ديدبان كل محتج موجود،مرابط في ميدان التحرير، هم صحيح ثائرون، لكن متفائلون، وهم أيضا ثائرون ، لكن تغمرهم الحماسة التي أمدتهم بطاقة عجيبة، إنهم يغنون، ويفرحون،ويرقصون ، ويمثلون، ويتزوجون إنهم بكلمة ليسوا أشقياء بل سعداء بثورتهم ،لذلك فهم يمارسون حياتهم، في الميدان، بشكل يبهر العالم يوما عن يوم، والجزء الذي لم يفهمه رموز النظام الفاسد في رسالة التفاؤل هذه هو من أين تأتيهم هذه القدرة على الصمود دون أن ينهاروا.؟

و على الأسرة القائمة على منح جائزة" هؤلاء أسعدوا الناس"أن يمنحوا جائزتهم الفريدة بشكل رمزي لشعب مصر و تونس، والحق أن الثائرين في البلدين أسعدوا كل الشعوب العربية من الماء إلى الماء، لذلك فالجميع يبارك ثورتهم من ويعتبرونهم قناديل جاءوا بالبشارة.

إن حكومة مصر فقدت شرعيتها رمزيا، ومع ذلك فهي تلعب لعبتها الأخيرة، في يدها الآن الورقة الأخيرة المتمثلة في تخليص الشعب من ميدان التحرير بكل الطرق أولها الكذب، وزرع الفتنة عبر نشر إشاعات وسط الشباب تروم تفرقتهم حتى تذهب ريحهم، تلك الريح التي عصفت، وهي الآن تشتد وتصفق الأبواب، وتفتحها، لأن غرف الوطن لكل أبنائه، وزمن الاستحواذ على كل مفاتيحها انتهى أو يجب أن ينتهي.

وتخليص المحتجين من ميدان التحرير ليس معناه الصلب فقط، إنما ستليها عملية إطلاق العنان لسياسة الانتقام التي ستتلو ثورة الشعب المباركة في حال ما إذا سُقط في أيدي الشباب الثائر.

مبارك أعلن في خرجته الإعلامية مع قناة أجنبية أنه يخاف من الفوضى إذا تنحى، فبدا مثل العقارب تلدغ وتصيء، فهل هناك فوضى أكثر مما خلفه على مدار ثلاثين سنة من حكمه، وهو الذي قال بوقاحة في خطابه الثاني، إنه لا يطمع لا في سلطة، ولا في جاه.

أما السلطة فقد فتحت بعض الجهات ملفاته، وعرت بعضا من ثروته بعد توهج ثورة شباب مصر و ما كشفت عنه صحيفة غارديان البريطانية يجعل الجسد الفقير يتنمر، وتشتعل في ضلوعه النار،ونقلا عن قناتيْ العالم، وفر انس 24 ذكرت الصحيفة أرقاما خيالية لثروة مبارك وعائلته ،في الوقت الذي يعيش معظم أبناء شعب مصر بأقل من دولارين في اليوم ويحرم نحو سبعة ملايين طفل فيه من حق في الغذاء والماء على أقل تقدير، وثروة الأسرة الفرعونية موزعة بين مبارك، وزوجته سوزان، وابنهما جمال على شكل أرصدة في البنوك، وعقارات، وفيلات في لندن، وألمانيا، واليابان، سويسرا، وفرنسا، والإمارات... ثروة تصل السقف في بلد معظم بيوته بدون سقف، إنها مفارقة يندى لها الجبين ، ووصمة عار لأنها ثروة جمعت على حساب شعب مقهور، مهيض الجناح عمل على نتفها مبارك العميل رقم واحد لإسرائيل التي قال نتنياهو بمناسبة أحداث مصر إنه(يقصد مبارك) أحد ركائز إسرائيل، وذهابه يعني خسارة كبرى.

من يراكم هذا العدد الهائل من الثروات في بلد يشهد ترديا في الواقع الاجتماعي والاقتصادي، لا يمكن أن يكون مسلما، بله رئيس دولة، ومن يراكم هذا الرصيد الهائل من صناعة المال والفساد يفهم لماذا يصر الرئيس على البقاء في السلطة، ليس خوفا من الفوضى كما ادعى ، إنما من محاكمة شعبية تاريخية وسؤال " من أين لك هذا؟" حق مؤجل ،هو أشروطة سيُلف على أعناق كل الفاسدين عاجلا أو آجلا، في الدنيا أو في الآخرة؟.

أما السلطة فكيف يريد "الريس" أن يصدقه الشعب بأنه لا يطمع فيها وهو الذي قضى على كرسيها الوثير أكثر من ثلاثين سنة في نظام محسوب على الجمهورية، بل كان يحرص على توريث كرسيه لجمال ابنه، كما لو أن مصر ليس فيها آباء أنجبوا أولادا هم أيضا.

طيب، أمثال مبارك هل أسعدوا الناس؟ أم أشقوهم؟..

بكلمات تنبض: إسعاد الشعوب يبدأ أولا من الإصغاء لهم..

والشعب المصري حين يقول لمبارك:" ارحل"فهم يستعيرون أصوات كل الشعوب العربية مطالبة برحيل الديكتاتوريات بكل أسمائها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى