الخميس ٨ تموز (يوليو) ٢٠٢١
«كلمني عن» الجزء الثاني
بقلم ميمون حرش

حلقة الشاعر فارس مسعودي

فريس مسعودي بن مزيان محمد الهادي، من مواليد سنة 1969 فاتح دجنبر ليلة الرابع عشر من شهر رمضان، بدوار بني بوغمازن جماعة إحدادن مدينة الناظور، أب لثلاثة أطفال، وفاعل جمعوي، من موظفي وزارة العدل، منتدب قضائي بالمحكمة الابتدائية بالناظور بقسم قضاء الأسرة،حاصل على بكالوريا علوم تجريبية، وإجازة من جامعة محمد الأول بوجدة كلية الآداب والعلوم الإنسانية شعبة الدراسات الإسلامية. وتزكية المجلس العلمي المحلي بالناظور من أجل مزاولة مهمة الخطابة.

مرحباً بك شارعنا، سي فارس، وشكري جزيل على قبول دعوة السلسلة.

س- ورطة، نُسجت لك عمداً، أو نسجتها الأيام لك، وكيف تخلصت منها؟

_اقترب مدير الثانوية مني وقال لي"وثهوينذ"_

ج- بسم الله الرحمان الرحيم والحمد لله رب العامين و الحمد لله رب العالمين، تحية للمخلصين، تحية لمحبي الكلمة وسحر الكلمة، تحية لمتذوقي سحر البيان وجمال الكلام وبلاغة اللسان. كيف لا وقد جعل الله أعظم معجزات خاتم أنبياءه محمد صلى الله عليه وسلم، الكلام قرآن يتلى آناء الليل وأطراف النهار، عجز عن الإتيان بمثله الإنس والجان.

تحية بهية لهؤلاء جميعا وعلى رأسهم سي ميمون حرش(..) ؛في إطار السلسلة الهادفة"كلمني عن"التي ذرأتموها، يسرني ويشرفني أن أشارك معكم...

يا أخي ميمون لقد طرحت أسئلة صعبة ولكني سأجتهد في الإجابة ولا آلو.

هذا السؤال يدفعني لأن أعود بكم أستاذي العزيز إلى زمن الاعتداء الأمريكي على العراق الشقيق، وذلك في بداية التسعينات، وقد كنت آنذاك أدرس بالثانوية الجديدة، والتي تُعرف حالياً بثانوية طه حسين إذ كنت في مستوى الباكالوريا، وتضامنا مع الشعب العراقي نظمنا تظاهرة كانت عبارة عن وقفة تضامنية داخل أسوار المؤسسة، وقد ألقيت قصيدة شعرية على أسماع الحاضرين فارتجت الساحة بالهتاف والتكبير، فسرعان ما أحاط درك أوكسان بالثانوية فقلت في نفسي"مشيت فيها"ولكن الله سلم، ولازلت أتذكر حين اقترب مدير الثانوية مني وقال لي"وثهوينذ"فابتسمت له وقلت هذا ما ترى.

س- هل حصل أن استيقظت، صباح يوم ما، وأنت تنظر في المرآة، فمددت لنفسك لسانك ساخراً من خطإ ارتكبته؟

_لعن الله الراشي..والساعي بينهما.._

ج- كيف لي أن أمسك بلساني وهو قصير وزلق ؟ لكنه في بعض الأحيان يركب قلبي أو مخيلتي فيطير بعيدا أويغوص عميقا، وقد يصل إلى ما لاتصل إليه يدي بل عيني أو قل مخيلتي... أنتقل بك أستاذي العزيز إلى الإدارة المغربية آنذاك لأسرد لك واقعة حدثت معي، وكان ذلك عندما عزمت على إنجاز بطاقة التعريف الوطنية، وبعد أن جهزت جميع الوثائق المطلوبة وبعد طول انتظار لطول الصف من أجل وضع الملف وأخذ البصمات، إذ بالشرطي المنظم للصف والدخول بسرواله العريض وجيوبه العميقة.. لاحظت أنه يمسك ويدس فيها حتى أنه لايكاد يصل إلى قعرها وإن أدخل يده حتى الكتف.. فأوقفني وقال بصوت لا رحمة فيه: عد غداً أو مساء.. فتحسرت كثيراً وانزويت جانبا فخطرت لي فكرة..وإذ وقعت عيني على كيس اسمنت فارغ، فأخذت منه قطعة فجعلتها بحجم وشكل فئة نقدية، وكتبت عليها حديثا عن الرشوة.. لعن الله الراشي..والساعي بينهما.. وختمتُ الكتابة ب احترم قانون السير تنجي نفسك و تنجي الغير... ثم لويتها وطويتها ووضعتها في يده وقلت له:قهوة ديالك،فاستبشر وتحرك يمينا وشمالا ثم قال لي:ادخل والقهوة ليهم. فدخلت وبعد صمت وتأمل أخبروني بأنني حصلت على أحسن رقم ذلك اليوم. وعند عودتي بعد شهر لسحب البطاقة وأنا في الصف، أوقفني الشرطي صاحب الجيب العميق واضعا يده على صدري وقال:قف. فكاد قلبي أن يتوقف وقلت في نفسي:(حْصَلْتْ) إلا أن الأمر كان مجرد صدفة، والله سلم، وفي الحقيقة في مثل هذه المواقف لا أمسك بلساني وإنما أعَض على شفتي.. فلا أعادها الله من أيام سيئة من هذا الجانب.

س- أسوأ تعليق عما تكتب، أو رأي غريب وطريف، عنك، سواء سمعته مباشرة، أو كتب عنك في تدوينة، أو مقال، أوحوار؟

أنت مثل الشعيبية _

من بين التعليقات الحامضة التي كُتبت عني ما كتبه أحد أصدقائي: (أنت مثل الشعايبية) الفنانة التشكيلية العصامية، ورغم مكانة هذه الشخصية الكبيرة، إلا أنني شممت مما كتب عني رائحة التهكم، ولم يكن يسعني إلا أن أظن خيرا وأقول سلاماً.

ومرة نشرت قصيدة بعنوان"العصفورة"تناولت فيها موضوع المرأة وأهديتها لزوجتي، فانتقدني أحدهم بشدة وذكر بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى ببر الأم وحسن صحبتها...أمك ثم أمك ثم أمك..التي أنجبتك من رحمها...

في الحقيقة لا أختلف معه في هذا...لكنه تغافل ولا أظنه نسي أمر الزوجة والأهل...والكل يعلم وصايا النبي صلى الله عليه وسلم بالأهل...استوصوا بالنساء خيرا... خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي... رفقا بالقوارير... الدنيا متاع وخير متاعها الزوجة الصالحة...

وذكرت أن المرأة أعظم هدية وهبها الله للحياة وجعلها واهبة للحياة... ولم أقل واهبة الحياة...لأن الله وحده من يهب الحياة ويهب للحياة..فالحياة الأولى هي بمعنى نفخ الروح..أما الثانية فبمعنى المعيشة الطيبة...لنحيينه حياة طيبة... ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا...طه والمرأة لا تهب للحياة إلا ما قدر الله لها أن تهب، وكل مخلوق يدلي بدلوه في مسرحية الحياة...لكن صاحبي لم يفهم من الحياة إلا نفخ الروح...فأنكر علي لسوء فهم لغوي بسيط...كاد أن يُحدث شرخا عَقديا خطيرا...استأت كثيرا ولم أعقب عليه حتى...

س- ماهو القرار الذي اتخذته بعد تفكير عميق، أو بعجالة، فندمت عليه ندما شديدا؟

اللهم أمطرنا بردا حمُّصا_

ذات يوم كنت في مسجد حيّنا، وكانت السماء ملبدة بالسحاب...فجأة خطر ببالي وسألت نفسي..أتراه إن سألت الله أن يمطرنا برَدا بحجم الحمص...أَسَيَـستجيب؟ فرفعت يديَّ إلى السماء وقلت: اللهم أمطرنا بردا حمُّصا.

وبعد وقت قصير أصبت بالرجفة والذهول وأنا أنظر إلى حبيبات الثلج المتسربة من النوافذ تتدحرج داخل المسجد وكأنها الحمص.. فأحسست وكأن أحداً يلومني وحال لسانه يقول: إنك تعبث بالدعاء. فندمت ندما شديدا لكوني طرقت بابا عظيما بطريقة لاتليق به...وفقهت يومئذ أن ذلك من باب الاعتداء في الدعاء..ولذلك أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ندعو على أنفسنا ولا على أولادنا ولا على أموالنا إلا بخير عسى أن نصادف ساعة استجابة فيستجاب لنا....نسأل الله السلامة لأنفسنا وذوينا ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن أخطائنا المصيرية.

س- سر تكشفه لأول مرة؟

فليكن هذا السر قصيدة كتبتها منذ زمن ولم أنشرها..وليكن لك شرف نشرها سيدي ميمون الفاضل،خاصة وأنك من استضافها للخروج إلى العلن، وهي بعنوان:
وصال بعد جفاء.

ما لِحبيبــــنا قــــد جفـــــــانـا
مَا سَـــــــال عــــنَّا ولا أتـــــانا
ألم نُبـــــادله حُـبا وحنــــــانـا
أَمْ قـــــــــسَى قــــلبُه فــــنسانا
تالله هـــذا قـد أعيــــــــــــانـا
فــمَا لِغيـرهِ فــي القـلبِ مـكانا
إن هَــجرَكم ضَــــَّرنا واذانــا
وقـــد رأيـــــتُم هـــــذا عَــــيَانا
فــجُد بـوَصـــلنا ولُقـــــــيانـا
تَــجِد مِـــنـا وُدا وإحســـــــانا
إنْ رَكبـــــــتُم إليــنا أتـــــانـا
ركبنا إليـكم ريحاً أو حـِــصـاناً
فإنْ واصَلـتمونا واصَــــــلنـا
وإن رغِبتم عـــنَّا فـهذا شــتَّانا
إنَّ بُـــعدَكـم واللهِ أضــــــنانـا
فأســـقَط َالـــدمعُ مِــنا أجــفانا
قد صَــبرنا أيامـا وأعـــوَامـا
والصـــبرُ قد ينـفَذ مِنّا أحــيانا
فإن حلَّ بنا الــحزنُ أزمـــانا
فلا يَـــزالُ اللهُ بَــراً ورَحـــمانا
أبـــشر ياقلـــبي قــد جَـــــانَا
أخيــــراً حبــــيبُ القلب وَلـهانا
فأشـرَق المُحيا نُوراً و ألوانا
واَحمَرَّ الفـــــيه بالشوق نِيـرانا
فأصبح الثـغر كالورد سيـــانا
وأثمر الـــــغبّ زَهواً ورُمــــانا
فـمَدت من شدة الحُب أفنـــانا
فأقبــــلتُ فمــا كنتُ إلا إنسـانا
قــدْ يــحقدُ الجـــميعُ إلاّنــــــا
فالوصل لـــــمُرِّ الهَجر أنـسَانا
فأصبحنا حقا بالحُب صِبـيانا
وطَــوَينا صِــدقا كُـــلَّ ما كـانا

س- كلمة استثنائية، منك،

الحياة قصيرة لا ينبغي أن تُملأ إلا بما هو جميل _

ج -كما يعلم الجميع، الكل يكتب كتاب حياته بتصرفاته وأقواله واعتقاداته في تعاملاته مع خالقه أولا ثم مع نفسه ومع محيطه، العاقل منه وغير العاقل، لذلك أنصح كل شخص أن يحرص على سلامة عقيدته أولا، وأن يكون صادقا مع نفسه، مسالما وعطوفا على غيره، فإ ن الحياة قصيرة لا ينبغي أن تُملأ إلا بما هو جميل. يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

ولا تــــرين الــــــناس إلا تــــجملا
نَـــــبَا بِكَ دهرٌ أو جفاك خــليل

ويقول الشاعر:

واعمل على حفظ القلوب من الأذى
فإن جمعها بعد التنافر يصعب
إن الـــقلوب إذا تــــنافر ودهـــــــا
شبه الزجاجة كسرها لا يشعب

وأخيرا تحية راقية لصديقي العزيز والأديب ميمون حرش، وشكرا جزيلا على هذه النافذة التي فتحتها ليتنفس منها المبدعون، ويتواصل عبرها المحبون.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى