حوار مع القاص المغربي عبد الرحيم هري
عبد الرحيم هري قاص، وباحث مغربي، له من الكاريزما ما يجعله نجماً في نظر من يعرفه؛ لقائي الأول به كان بفاس، بمناسبة ملتقى القصة القصيرة جداً الذي يديره صديقنا الأديب علي بن ساعود..
له مجموعة قصصية"أوان القطاف"، ومؤلف عن"رجال يدافعون عن المساواة"مع ثلة من المثقفين.
بعبارة"عبد الرحيم هري لؤلؤة سوداء أصيلة، في كتاباته، وصداقاته.
مرحباً بأديبنا عبد الرحيم هري في"كلمني عن"
ورطة، دُبرت لك عمداً، أو نسجتها الأيام لك، وكيف تخلصت منها؟
أغنية عن الدار البيضاء -
ج- هي ورطة لحظتها كانت ورطة حقيقية وبعدها صارت مزحة.
كنت ضيفاً على الإذاعة الجهوية للدار البيضاء بعين الشق، كان البرنامج صباحياً. حضرت في الوقت المناسب، ودخلت استوديو التسجيل، وبدأنا في التقديم ثم انتقلنا إلى الحوار.
كانت هناك فواصل تتخلل الحوار بين الفينة والأخرى، وفي منتصف الحوار، طلب مني المذيع أن أختار أغنية، وقبل أن أختار مهد لي بكوني من مدينة الدار البيضاء، وهناك أغنية تتغنى بهذه المدينة، سألني هل تعجبك؟ أجبته: لا أعرف الأغنية، ولم يسبق لي أن سمعتها ولا سمعت عن المغنية.
قال لي: اختر ماذا تريد أن تستمع؟ِ [وأعتقد أنني سأختار تلك الأغنية، لكنني اخترت أغنية أخرى حسب ذوقي].
تزحزح المذيع من مكانه، وتلعثم تلعثماً جلياـً أفصح لي بعدها بأن أغنية الدار البيضاء اختارها هو لتنسجم مع الحوار، وأنه لا يتوفر على أغنية غيرها. قلت له في المكتبة الموسيقية توجد الأغاني. ففسر لي بأن الأمر سيتطلب منا وقتا.
الورطة تورطنا فيها معا، أنا وهو، ولكي أخرج منها، قت له هذه مناسبة لأستمع لأغنية الدار البيضاء، فانشرحت أساريره، وبدت نواجده حين تبسم ابتسامة الخلاص.
واستمعنا للأغنية التي كانت لشابة أسمع لها لأول مرة.
هل حصل أن استيقظتِ، صباح يوم ما، وأنت تنظر في المرآة، فمددت لنفسك لسانك ساخر من خطأ ارتكبته؟
أحلق ذقني على الطريقة العسكرية بدون مرآة
ج- المرآة لا وجود لها في قاموسي الصباحي ولا المسائي، حتى حلاقة ذقني، أحلقه على الطريقة العسكرية بدون مرآة.
قد أرى وجهي في مرآة المصعد وأنا نازل، ولكن بدون تمديد اللسان الذي يكون في كمون تام، ففي المصعد قد تصادف ما لا تقبله في فمك.
س- أسوأ تعليق طالك في مجال تخصصك (السرد القصصي)أو رأي غريب وطريف، عن نشاطك الأدبي، سواء سمعته مباشرة،أو كُتب عنك في تدوينة، أو مقال، أو حوار؟
من هي فاتن؟!
ج- أسوء تعليق صادفني، حين كتبت نصاً أدبياً أتحدث فيه عن أنثى اسمها"فاتن".
كان النص جميلا وقد حاز حقه من التحليل والنقد والإعجاب، فاتصلت بي صديقة روائية من مصر لتسألني سؤالا غريبا.
كنت أنتظر منها مناقشة النص معنى ومبنى، ومحسناته اللفظية ولغته من حيث الصعوبة والسهولة، لكنها لم تفاتحني في شيء من هذا، بل سألتني سؤالا غريبا: قل لي من هي"فاتن"التي كتبت عنها هذا النص؟
لم أجبها إلا بما أجاب أبو النشناش اللص زوجته حين سألته ذات صباح وهو يهم بالخروج، سألته: إلى أين أنت ذاهب؟
فأجابها أبو النشناش:
وسَائِلَةٍ أينَ الرَّحِيلُ وسَائِلٍ
ومِنْ يَسْأَلُ الصُّعْلُوكَ أينَ مَذاهِبُهْ
وَدَاوِيَةٍ يَهْمَاءَ يُخشَى بهَا الرَّدَى
سَرَتْ بِأَبِي النَّشْنَاشِ فِيها رَكَائِبُهْ
لِيُدْرِكَ ثَأْرًا أَوْ لِيُدْرِكَ مَغْنَمًا
جَزِيلاً وهذَا الدَّهْرُ جَمٌّ عَجَائِبُهْ
ألحت الروائية في السؤال عمن تكون"فاتن"، فأحجمت عن الجواب، وقاطعتها منذ ذاك الحين إلى اليوم. وجاءت إلى المغرب فلم ألتقها رغم اتصالها بي بسبب سؤال لا يسأله الكاتب.
ما هو القرار الذي اتخذته بعد تفكير عميق،أو بعجالة، فندمت عليه ندماً شديداً؟
– مزقت أوراق بلجيكا كرمى أمي -
ج- أسوأ قرار اتخذته في عجالة وندمت عليه، هو أنني لما حصلت على شهادة الباكالوريا سنة 1980، كان جواز السفر مهيئاً في جيبي منذ سنة على غير عادة الطلاب، فتمكنت بسرعة تهييء تأشيرة الدخول للملكة البلجيكية التي كنت قد تسجلت بإحدى جامعاتها.
كل هذا قمت به في السر. وذات قيلولة قمت منها ونسيت أوراقي فوق المائدة، ولما عدت مساء وجدت الوالدة تتوسط الصالة جالسة تنظر نظرة قرأت فيها الغضب. قلت السلام عليكم، فلم ترد علي السلام، فتيقت أن في الأمر طارئاً. فالتفتت إلي سائلة:
هل أنهيت الدراسة هنا في المغرب؟ أجبتها: نعم أنهيت الثانوي. سألتني: والجامعي، أليس عندنا جامعات؟ بلى يا أمي. ولماذا تريد الذهاب إلى بلجيكا للدراسة، تريد أن تعود إلينا في صندوق كما عاد ابن عمك؟
وبدأت دموعها تنهمر، فما كان مني إلا أن أخذت الأوراق ومزقتها إربا إربا دون تفكير، لحقن دموع الوالدة.
ولما توظفت ومرت عقود على الحادثة، ذكرتها بهاـ وسألتها: ما الأحسن؟ حين بقيت، أم كان الأفضل أن أسافر؟
أجابتني بحنان الأم: أنا لم أكن أقدر ما قدرته أنت حينها، إنما أنا خاطبتك بقلب الأم.
كان هذا هو القرار الذي اتخذته دون تفكير وندمت عليه ندماً شديداً.
سر قررتِ أن تميط اللثام عنه، لأول مرة؟
– أفطر بالشاي الأخضر وزيت الزيتون الخام، وهما سر حفاظي على لياقتي البدنية
ج- السر الذي يكشف لا يعد سراً.
السر يبقى سرا، فإذا أذيع خرج من السرية للعلن، وبهذا يفقد سريته.
لدي أسرار، أفضل أن تبقى كذلك إلا سرا واحدا أريد فضحه، فطوال حياتي أفطر بالشاي الأخضر وزيت الزيتون الخام، وهما سر حفاظي على لياقتي البدنية بدون ضغط ولا سكر ولا ملح ولا كوليسترول، وهذه أفات تنهك الكهول في سني.
كلمة استثنائية منك.
ج- كلمتي الأخيرة أوجهها للأستاذ ميمون حرش: فلا زلنا ننتظر أن يرفع عنا هذا الوباء كلكله، لنقيم حفل التوقيع الذي أرجأناه بسبب الوباء. وفي الأخير، أتمنى لك أستاذ حيرش التوفيق في سلسلتك هاته الشيقة والراقية.
"كلمني عن"- الجزء الثاني -
الحلقة العاشرة