الاثنين ٦ شباط (فبراير) ٢٠١٧
مُسدسات للغنم
بقلم محمود سلامة الهايشة

وأخرى للراعي والمرعى!!

هل هناك فرق بين العلم والأدب؟!، بالطبع لا، فلكي تحت الأدب بفنونه المختلفة لابد أن تتعلم العلم، وحتى تخرج الشعر أو النثر للناس كمخرج إبداع لابد من استخدام العلم، وحتى العلوم التطبيقية المختلفة خير وسيلة لتعلمها وتعليمها ونقل خبراتها هي إلباسها الثوب الأدبي الفني الأدبي.

أقرب الكائنات للإنسان في حياته اليومية لمنافعها الكثيرة له هي الحيوانات، فالعالم الحيوان جانب كبير ومهم في النشاط الإنساني على مر التاريخ والأزمنة، وبالأخص الحيوانات المزرعية المنزلية المستأنسة، أو ما يسمى الطيور الداجنة والحيوانات الداجنة، والتي تم تدخنها وتربيتها وإكثارها، وعلى رأسها الأغنام والماعز، وللغنم مكانه كبرى منذ أن خلق الله الأرض وحتى قيام الساعة، فرعي الغنم كانت المهنة الرئيسية لكافة أنبياء الله ورسله، وإذا بحثت في الكتب السماوية الثلاثة "التوراة والإنجيل والقرآن" لسوف تجد ذكر الغنم بالتحديد، ولأن الشعر هو ديوان العرب، واللغة هي مفتاح التفكير، ولأن الثقافة تاريخ وحضارة، فسنجد أنه لا تمر سنة أو شهر ولا أكذب أسبوع ولا أغالي أن قلت يوم، إلا وقام شاعر عربي يكتب القصائد أو كاتب عربي يكتب القصص أو الروايات أو المقال الأدبي والنقدي، ألا وذكر فيها الغنم/الخراف.

فرعي الغنم من المهن التي تعلم الإنسان الصبر والمثابرة، الاستيقاظ والنوم مبكراً، المشي والسعي، والأهم من هذا كله هو قيمة وعبادة التأمل والتدبر في مخلوقات الله. يقول "البحتري" أحد شعراء العصر العباسي، في قصيدته "فلا تحسب الغنم جمع التلاد":

فَلا تَحْسبِ الغُنْمَ جَمْعَ التِّلادِ ...،
فإِنَّ النَّجَاةَ هِيَ الْمَغْنَمُ
وَلَيْتَ النَّجَاءَةَ للمُنْصِفِين ... تُرَجَّى،
فكَيْفَ لمَنْ يَظْلِمُ
حِيَالَكَ دَارَانِ مَهْدُومَةٌ،
ومَنْقُوضَةٌ خَلْفَها تُهْدَمُ
وفي ذَاكَ مُغْتَبَرٌ لِلَّبِيبِ،
ومُتَّعَظٌ لكَ لَوْ تَعْلَمُ
إِذَا جَازَ حُكْمُ آمْرِىءٍ مُلْحِدٍ ...
عَلَى مُسْلِمٍ هَلَكَ المُسْلِمُ

وهنا ونحن نقرأ ديوان "مسدسات" للعم إبراهيم رضوان والشاعر أشرف عبدالعزيز، دار أقلام استثنائية بالمنصورة، ط1، 2016، نكتشف أن هناك خمسة قصائد بل خمسة مسدسات شعرية ذكرت فيها "الغنم"، وقصيدة سادسة ذكر فيها "الخراف"، علما بأن قصيدة من القصائد التي ذكر فيها الغنم بعنوان "الراعي" أي "راعي الغنم"؛ رعي الأغنام هي مهنة يتناوب عليها من يعتني بقطيع الأغنام من شياه وخراف أو الماعز والتيوس ويتخير لها أوفر المراعي وأطيبها بغية الإفادة من لحومها وألبانها أو بيعها. ويُطلق على الشخص المُمتهن لهذه المهنة براعي الأغنام. تعد هذه المهنة أقدم مهنة عرفها البشر على الإطلاق فقد كان آدم أول راع للغنم على وجه البسيطة وكذلك كان ابنه هابيل. آنيا وبعد الثورة الصناعية اٍنحسرت أعداد الرعاة نتيجة هجرهم الأرياف وتوجههم تجاه المدن أو للعمل في المصانع.

قصيدة أو مسدس "الراعى" للعم إبراهيم رضوان، ديوان مسدسات، ص102:

ولا كنت راعى للغنم .. ولا كنت جمَّال الخلا
شعري تحدى فى الصنم .. و حروفى للرحمن صلا
فما تتعبيش روحك بشئ .. مش شايفه فى كل الجهات
أنا دمي لسَّه ع الطريق .. و ما عادشى باقى أمنيات
القلب فيه (2000) حريق .. هاطفيها بدموع الثبات
و الله لسه ..(لم أنَم) ..أنا فى انتظار الزلزله

يتحدث الشاعر في قصيدته "الراعي" عن راعي الغنم، فهو ينفي أن يكون غنام راعي للغنم، أو جمال راعي للجمال. وعن حديث الراعي للغنم التي يرعها، يقول الكاتب السوداني "شوقي بدري" في مقاله "من تك للمفك": ... وكلمة تك .. تك هي الكلمة التي يرددها راعي الغنم في المخاطبة مع الغنم . مثل كلمة جر لنهر الكلب وحاو هرد وهس للحمير والحصين . وكان الانسان قديما يقول لحسم الامور .... بدون هرد وهس. او حاو وتر.

فلنتصور إن حدث واختفى الراعي للغنم؟!، قامت الشرطة الألمانية بدور راعي الغنم للسيطرة على قطيع غنم يجوب مدينة فيتن دون راع، وذلك بعد حالة القلق التي سيطرت على الكثير من الشوارع أمام حركة المرور. وذكرت الشرطة، يوم الأربعاء 14 سبتمبر 2016، أن سائق سيارة أبلغ الشرطة عن الخراف المنتشرة في أحد أحياء المدينة. وبسبب عدم وجود راعي غنم في المنطقة لتكليفه بالاعتناء بالأغنام اضطر أربعة رجال من الشرطة تولي السيطرة على القطيع المكون من 25 خروفًا على جانب أحد الطرق لعدة ساعات. وقال متحدث باسم الشرطة إن قوات المطافئ قامت في الصباح بوضع حواجز حول القطيع. وذكر المتحدث أنه من المتوقع العثور على صاحب القطيع قريبًا، موضحًا أنه سيجرى الاستعانة بإحدى الجمعيات المعنية بالأغنام حال عدم العثور على صاحب القطيع.

ويقول الشاعر الراحل « عبدالرحمن الأبنودي» (أبريل 1938-أبريل 2015) الذي رعى الغنم طفلاً: «الرعي مهنة أساسها الحرية، حرية البدن والساق بالتحديد، للكر والفر والمطاردة والمحاصرة والمسايسة، تردّ من هنا وتصدّ من هناك، تزعق وتعوى، وتضرب، وتردع حتى يسمعك جيدًا صاحب الحقل الذى اعتدت عليه بهائمك فيغفر لك خسارته وإلا خربت الدنيا»، وكان يشير إلى أن «الحذاء هنا شيء معطّل، شيء في مصلحة الماعز وضد صاحب الحقل وضدك، شيء يهيئ للعنزة الطائشة أن تطيش، والنعجة الهاربة أن تتمكن من تنفيذ مخططاتها اللئيمة. لذلك كان الجميع حفاة، كلهم يرتدون قميصًا واحدًا خامًا رخيصًا يستر نصف البدن، أما فكرة الملابس الداخلية فلا تنشأ إلا قبل ليلة الزفاف بوقت قصير».

أما في مسدس/ قصيدة "ساحر خايب" للشاعر أشرف عبدالعزيز، ص133:

بعد انتهاءِ المعركه بالليل .. وَصَل
حاكم بأمرُه .. عُمرُه بالعرْشِ اتَصَل
ودا جاب خلاف بين الرعيَّه .. واحتَدَم
فيه ناس تقول : جزَّار بيضحك ع الغنم
وناس تقول : عرضاً وطُول صاحب قَدَم
علشان بسِحْرُه م الفسيخ طلَّع .. بَصَل

فدائما كان علاقة وطيدة بين الغنم والجزار الذي يأتي برقبتها، وهي قصيدة ذات طابع سياسي واضح، فالشاعر في هذه القصيدة يتحدث عن الحاكم والعرش أي كرسي الحكم، والمحكمين أي الرعية. عموما نقول أن الأغنام حيوانات اجتماعية تعيش في صورة مجاميع، ودائما لكل مجموعة منها قائد يقودها في حركتها وترحلاها.

وطالما نحن في معرض شرح وتحليل أبياتا من الشعر العامي المصري، ولأن تلك الكلمات تعبر عن وجدنا جمع من ربوع الشعب الذي يسير بالشارع على لسان شاعر، ونتحدث عن الغنم في شعره، فقد أتينا هنا بمثل شعبي، ورد في كتاب "الأمثال العامية" لأحمد باشا تيمور، طباعة دار الشروق، وهو المثل رقم (2979): "هو حِيلةِ اللِّي يجز الكلب صُوف" أي: هل بوسع الذي يجز الكلب أن يكون له صوف؟ وذلك لا الكلب لا صوف له. يُضرب أن الشيء لا يكون إلا مما يكون منه، فلا الصوف يكون من الكلاب ولا الشعر يكون من الغنم. وانظر: "الكلب إن طول صوفه ما ينجزش" وقولهم "ما حوالين الصعايدة فايدة ولا جزازين الكلاب صوف" ومن الأمثال العربية التي رواها الجاحظ في كتاب الحيوان: "احتاج الصوف من جز كلبه". فكما راينا وقرانا فكما أن الشعر العامي يحمل الحكمة أيضا المثل العامي يحملها، فالأشعار والأمثال من الثقافة الشعبية.

فطبقا لدراسة المنظمة العربية للتنمية الزراعية، حول النباتات الرعوية الواعدة في الوطن العربي، تعرف المراعي الطبيعية بأنها الأراضي غير المفلوحة التي يسودها النبت الطبيعي المناسب لرعي الحيوانات العاشبة والقاضمة. في العادة، لا تصلح أراضي المراعي الطبيعية للزراعة الاقتصادية لكثرة العوامل المحددة مثل خصائصها الفيزيائية (عمق التربة، خصوبتها، ميل الأرض) والظروف المناخية (الأمطار، الحرارة، الخ). فالمرعى هو قطعة أرض تنبت فيها الأعشاب والنباتات التي يمكن للحيوانات أن تقتات عليها. يمكن للمرعى أن يكون ضمن مزرعة أو مفتوحًا، وفي معظم أنحاء الوطن العربي تكون المراعي طبيعية وهي عبارة عن أراضي مشاع تستخدم للرعي.

وعن علاقة الراعي بالغنم، أحيانا تكون علاقة عداوة وليست تألف، وهذا مع عبر عنه الشاعر السوري "عمر ابوالريشة في إحدى قصائده قائلا:

لا يًلام الذئبُ في عدوانه
إن يكُ الراعي عدوَّ الغنمِ

يُفترض بالراعي أن يكون المُؤتمن على الغنم و المسؤول عن سلامتها، فكيف يكون الراعي عدوّاً لغنمه ؟، حتما اذا ترك الراعي الغنم صار عدوها الاول لان الذئب سوف يلتهمها، والذئب غير ملام لأنه وجد اغناما سائبة بلا راعي يحرسها.

وجاء مسدس "إنفصام .. إنفصام" ص165 من ديوان مسدسات من كلمات الشاعر/ أشرف عبدالعزيز:

اللى يسُوق الغَنَم .. م الصبر يا ويلُه
لو ما اتظلمشى ظَلم .. والديب يغنيلُه
سمعنى صوتَك قوى .. خلِّى الهُراء دافى
علشان حَسَبتَك سَوِى .. شيلتَك على اكْتافى
ويعيش جناب الملك .. آه يا ملك حافى
ضلك معاه زمبلك .. وانت معاك ديلُه

تحدث هنا الشاعر أشرف عبدالعزيز عن أن رعي وتربية الاغنام يحتاج إلى صبر، وهي صفة من الصفات الهامة التي لابد وأن يتحلى بها راعي الأغنام. وحتى نطبق قاعدة المسدس الشعري على تلك القصيدة، فقافية القصيدة المكونة من ستة أبيات طبقا للمعادلة (6= 2+3+1)، أو الوزن النسبي (2: 3 : 1)، أو 2/3/1، فالأبيات 1، 2، 6 تنتهي بالقافية (يلُه)، بينما الأبيات 3، 4، 5 تنتهي بالقافية (افى).

يسُوق الغَنَم:

سُئل أعرابي كان يسوق قطيعاً من الغنم بين يديه، لمن هذا؟
فقال: هو لله في يدي!

كل ما تملك من أموال ومواهب وعطايا هي لله في يدك!

ففي صفحة 214 من ديوان "مسدسات" كتب الشاعر/ إبراهيم رضوان مسدس "أصلِى":

أنا فى الأصل .. مش أصلى
و كنت أخير على فصلى
لأنك لسه .. مش واعيه
و للى صانوكى .. مش ساعيه
قتلتى غنمنا .. يا راعيه
و لا صونتى فى يوم .. وَصْلى

سداسية شعرية 2 (صلى)= البيتين "1، 2" : 3 (اعيه) الأبيات "3، 4، 5" : 1 (صلى) البيت 6. قصيدة كتب فيها العلاقة الغرامية بشكل غير تقليدي، استهل القصيدة ببتين في غاية الغرابة، دائما يمدح العاشق نفسه ليظهر لمحبوبته مميزاته، ويبتعد عن أي عيب حتى ولو كان فيه، وقد وصف مشاعر الحب والغرام بأنها أغنام والمحبوبة هي الراعية لتلك الأغنام، ولكنها كانت راعية قاتلة، فلم تحافظ على أغنامهم سليمة بل قتلتهم بسبب الإهمال وسوء الراعي.

وتقريبا في قصيدة من أطول قصائد ديوان مسدسات، ط1، ص244، كتب شاعرنا الكبير/ إبراهيم رضوان قصيدة "عرض الِبنَيَّه":

أدخل كأنك موج ..
في رعشات الخروج بالإبره ..
إرفى الجلد ..
ساوى كل أطراف الوجع على بعضها
واسعل بشدَّه لو تواجه جرح عاصى ..
أو معاصى أو مخاصى
ورجَّع البنت الشريده لأرضها
يا نص أرض الشق ..
قلبك دق لحظة ما ابتديت ..
تسقى اللى باقى في الحظيره ..
للأميره من غنم
إلعن أبوه الكافر الرعديد .. وكون القيد مقدس ..
للى داس فوق الميزان .. علشان يسلم ع الصنم
ما تكونشى غيرك لحظه .. مهما يكرمشوك في الجب ..
أو يتكاتروا ضدك كل ساكنين المغاره في ليل عدم
يا ضل كل الأنبياء في الضل ..
إوعى تذل صاحب تاه..
وإوعى يوم تفرَّط للبنيَّه في عرضها

والراعي المحترف هو الذي يتخير المكان المناسب للرعي كثير العشب والماء لأغنامه وملاحقتها وحمايتها من السباع المفترسة أو السرقة ويتسلح الكبار منهم عادة ببندقية الصيد والسكين ويعلن عن وجوده بين الحين والآخر برفع الصوت ونهر الغنم عن التفرق ومنهم من يجيد العزف على (المزمار - الصُّفريقا)؛ فيتسلى بعزفها، وتختلط الأغنام في أحيانا كثيرة في المحل الواحد ويجتمع الرعاة إلى أن يعودون قبل المغيب للمحل (وتعطف لأغنام - أي تعود إلى مراحها) والملفت للنظر هو معرفة وعودة الأغنام لمراحها دون تدخل الرعيان لفصلها ، وعند ضياع أو تخلف بعضها في المرعى (تَعْزِب) تصبح فرائس للحيوانات المفترسة أحياناً . كما يشتهر رعاة الماعـز برجم الحصى ودقة تصويبه.

بكل تأكيد إذا حاولنا تفسير ما جاء بأبيات إبراهيم رضوان وأشرف عبدالعزيز، من رمزية الأغنام والراعي والمرعى والرعية، فهما لم يكتبوا الشعر عن الأغنام وتربيتها ورعيها، بل المقصود مناقشة قضايا وأمور سياسية واجتماعية تخص المجتمع المصري، ولكن من حق المتلقي أن يتعاطى مع ما كتبها من أي ناحية يراها، والهدف من الدخول في مسألة تربية ورعاية الأغنام كنشاط إنساني مهم منذ أن نزل أبينا آدم من الجنة إلى ظهر الأرض وحتى يقام الساعة.
من راعي غنم إلى محرك لأسواق العالم:

من رحالة وراعي غنم يطلب الماء والكلأ، ومن طفل بدوي لم تعرف قدماه الحذاء إلى رجل صانع قرار على صعيد النفط العالمي وشخصية مؤثرة في منظمة أوبك والعالم. كان خافت الصوت في صحراء تطارد فيها الذئاب أغنام العشيرة ليصبح بعد ستين عاما قادرا على تحريك أسواق العالم بتصريح واحد يصدر عنه.

وجد "علي بن إبراهيم النعيمي" أن الطريق الذي بدأ موحشا وانتهى بعالم الذهب الأسود يستحق تضمينها في كتاب حمل عنوان (من البادية إلى عالم النفط) الصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون. وفي 293 صفحة من القطع المتوسط يحكي النعيمي تجربة حياة صحراوية قاسية بدأت بالارتحال منذ مولده عام 1935 وتعلم فيها الصبر والكفاح من أجل البقاء. ويتحدث عن تلك المرحلة "لا تزال بيوت الشعر في مخيلتي تتجاور منتصبة على الرمال. لقد عشنا حياة شبه معزولة عن المدنية والحضارة.. لقد كانت كتبنا هي الشمس الحارقة والقمر المنير والنجوم المتلألئة وكانت مدارسنا مجالس السمر حول النار.. لم نأبه للفقر ولا لشظف العيش.. أصابتنا أمراض كثيرة نتيجة نقص الفيتامينات في طعامنا لكني كنت محظوظا لأني شهدت بداية النهضة وتباشير الازدهار."

والازدهار المقصود في كتاب النعيمي هو النفط الذي أسماه "كنز تحت أقدامنا" ويفسر الكاتب في هذا الفصل تفاصيل المرحلة الأولى من التنقيب عن النفط وعدم ثقة المملكة العربية السعودية بالشركات البريطانية إذ كان الملك عبد العزيز آل سعود وزعماء الخليج عموما يرتابون في البريطانيين نظرا لنزعتهم الاستعمارية في المنطقة. يقول النعيمي "الأمريكيون لم يكونوا بدورهم أقل سوءا من البريطانيين فقد كانوا انتهازيين يهتمون بجني الأموال لكن تلك الميول الانتهازية هي التي شفعت لهم مقارنة بميول البريطانيين الاستعمارية."

وفي تفاصيل مرحلة التنقيب عن النفط يروي النعيمي في صفحاته قصة رجلين كانا أسطورة الثلاثينيات وهما البدوي خميس بن رمثان والأمريكي ماكس ستاينكي اللذان شكلا بوصلة الصحراء والسهم الذي يقود إلى الثروة الهائلة وأبديا ثقة بأن هذه الثروة حبيسة في قاع الأرض. وفي سن الحادية عشرة بدأ النعيمي بالتعرف على المجتمع الأمريكي من خلال وجود عمال النفط الأمريكيين على الأراضي السعودية. وتنوعت اهتماماته من فنون لعبة البيسبول إلى الطباعة في شركة أرامكو قبل السفر إلى الولايات المتحدة في الستينات للدراسة. كان النعيمي عام 1984 أول مواطن سعودي يرأس شركة أرامكو الوطنية السعودية قبل تعيينه في منصب وزير البترول والثروة المعدنية من أغسطس آب عام 1995 إلى مايو أيار 2016. ويلقي النعيمي الضوء في كتابه على سنوات توليه المنصب وزياراته إلى معظم الدول كوزير وشخصية تهز العالم بقراراتها النفطية. لعب النعيمي دورا لا يستهان به على الساحة العالمية حتى أن ألان جرينسبان الرئيس السابق لمجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) وصفه ذات مرة بأنه "الرجل الأكثر أهمية الذي لم نسمع به قط".

وفي قصيدة تعد في رأيي قصيدة مسرحية، تتحدث عن ساحة الرعي والمراعي والقطعان والراعي والقطيع والكلاب والذئاب بأنواعهم، وهي قصيدة فصحى للشاعر العراقي "أحمد مطر" بعنوان "قطعان ورعاة" يقول فيها:

يتهادى في مراعيه القطيع
خلفه راعٍ ، و في أعقابه كلبٌ مطيع
مشهد يغفو بعيني و يصحو في فؤادي
هل أسميه بلادي؟!
أ بلادي هكذا؟
ذاك تشبيه فظيع ! ألف لا…
يأبى ضميري أن أساوي عامداً
بين وضيعٍ و رفيع .
هاهنا الأبواب أبواب السماوات
هنا الأسوار أعشاب الربيع
و هنا يدرج راعٍ رائعٌ في يده نايٌ
و في أعماقه لحنٌ بديع.
و هنا كلبٌ وديع
يطرد الذئب عن الشاة
و يحدو حَمَلاً كاد يضيع
و هنا الأغنام تثغو دون خوف
و هنا الآفاق ميراث الجميع .
أ بلادي هكذا؟
كلاّ… فراعيها مريع . ومراعيها نجيع .
و لها سور و حول السور سور
حوله سورٌ منيع!
و كلاب الصيد فيها تعقر الهمس
و تستجوب أحلام الرضيع!
و قطيع الناس يرجو لو غدا يوماً خرافا
إنما… لا يستطيع!

ولد أحمد مطر في مطلع الخمسينات، ابناً رابعاً بين عشرة أخوة من البنين والبنات، في قرية (التنومة)، إحدى نواحي (شط العرب) في البصرة بالعراق. وعاش فيها مرحلة الطفولة قبل أن تنتقل أسرته، وهو في مرحلة الصبا، لتقيم عبر النهر في محلة الأصمعي. وبدأ مطر يكتب الشعر في سن الرابعة عشرة ، ولم تخرج قصائده الأولى عن نطاق الغزل والرومانسية، لكن سرعان ما تكشّفت له خفايا الصراع بين السُلطة والشعب، فألقى بنفسه، في فترة مبكرة من عمره، في دائرة النار، حيث لم تطاوعه نفسه على الصمت، ولا على ارتداء ثياب العرس في المأتم، فدخل المعترك السياسي من خلال مشاركته في الاحتفالات العامة بإلقاء قصائده من على المنصة، وكانت هذه القصائد في بداياتها طويلة، تصل إلى أكثر من مائة بيت، مشحونة بقوة عالية من التحريض، وتتمحور حول موقف المواطن من سُلطة لا تتركه ليعيش. ولم يكن لمثل هذا الموقف أن يمر بسلام، الأمر الذي اضطر الشاعر، في النهاية، إلى توديع وطنه ومرابع صباه والتوجه إلى الكويت، هارباً من مطاردة السُلطة.

وطالما نوثق ونكتب عن ديوان مسدسات للعم إبراهيم رضوان والشاعر أشرف عبدالعزيز، فقد أقيمت حتى كتابه هذا الجزء من قراءتنا عن هذا الكتاب المهم، ثلاثة حفلات توقيع للاحتفاء به، الأولى بدأت من مدينة المنصورة وبالتحديد بمكتبة مصر العامة بالمنصورة (الاثنين 16 يناير 2016)، ثم الثانية بمدينة الزقازيق بقصر ثقافة الزقازيق (الخميس 16 يناير 2017)، أما الثالثة فكانت بمدينة القاهرة بقصر ثقافة نجيب الريحاني (الأحد 29 يناير 2017). وليس الأغنام والخراف فقط من الحيوانات تم ذكرها داخل الديوان، بل هناك العديد من عالم الحيوان والطير تم ذكرها داخل المسدسات الشعرية سواء في مسدسات إبراهيم رضوان أو أشرف عبدالعزيز، مثل البقر والقطط والعصافير والصقور...الخ، ولكن قد خصصنا تلك الحلقة من الدراسة عن المسدسات الشعرية عن القصائد الخاصة بالغنم، والذي يندرج فيما يمكن أن نطلق عليه بشكلً عام "الغنم في الشعري العربي" و "الغنم في الشعر العامي المصري" بشكل خاص.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى